شعار قسم ميدان

هل المُساعدات الرقمية المنزلية أخطر من الهواتف الذكية؟

Mario Queiroz, vice president of product management at Google, introduces Google Home during the Google I/O 2016 developers conference in Mountain View, California, U.S. May 18, 2016. REUTERS/Stephen Lam TPX IMAGES OF THE DAY

خرجت شركة أمازون عن المألوف في عام 2014 عندما أعلنت عن مُساعدها الرقمي المنزلي الجديد أمازون إيكو1 (Amazon Echo) ، خصوصًا أن هذا النوع من الأجهزة التقنية لم يكن له مكانًا في ظل تنافس الشركات في مجالات الحواسب اللوحية والهواتف الذكية فقط.
 

وخلال عامين فقط، أثبتت شركة أمازون أن رؤيتها للذكاء الاصطناعي وطريقة استخدام المُساعدات الرقمية كانت صحيحة، فشركة جوجل أعلنت أيضًا عن جهاز جوجل هوم (Google Home) الذي يعمل بواسطة المُساعد الرقمي الجديد2 (Google Assistant)، لتبقى مُساعدات رقمية مثل سيري (Siri) من آبل، أو كورتانا (Cortana) من مايكروسوفت، خارج السرب حتى هذه اللحظة لأنها لم تدخل سوق المُساعدات المنزلية حتى الآن.
 

لكن وأيًا كان المُساعد، فإن الفكرة الأساسية هي الاستماع إلى تعليمات المُستخدم الصوتية وفهمها لتنفيذ الأوامر بأفضل طريقة مُمكنة؛ أي وعوضًا عن استلام أسئلة المستخدم بشكل كتابي، يتم الاعتماد على الصوت. ومن هنا يأتي التساؤل أو القلق حول مصير صوت المُستخدم وحواراته، خصوصًا أنها أكثر قيمة من الأسئلة المكتوبة التي تُطرح عبر جوجل أولًا، وأنها، أي المُساعدات الرقمية، تقوم بتسجيل أوامر المُستخدم الصوتية ثانيًا.
 

ما هي المُساعدات الرقمية المنزلية؟

undefined

ظهرت المُساعدات الرقمية في الأجهزة الذكية منذ عام 2011 في هواتف "أيفون 4 إس" من شركة آبل التي زُوّدت وقتها بالمساعد الرقمي سيري3. تلاها ظهور مُساعد جوجل ناو (Google Now)، ثم كورتانا، وهي عبارة عن مُساعدات موجودة داخل الهواتف الذكية، والحواسب اللوحية، والساعات الذكية.
 

بشكل عام تقوم أمازون، وجوجل، ومايكروسوفت بتخزين الأوامر الصوتية وتربطها أيضًا بحساب المستخدم، ومن هنا تتعلم الخوارزميات، مع مرور الوقت

لكن وبعد طرح أجهزة إيكو (Echo) من أمازون، وجوجل هوم من جوجل، أصبحت المساعدات موجودة داخل المنزل أو المكتب أيضًا، وبالتالي تستمع إلى جميع حوارات المستخدم دون استثناء أملًا في استلام الأوامر لتنفيذها، ومن هنا ظهر مُصطلح المُساعدات الرقمية المنزلية.
 

آلية عمل المُساعدات الرقمية

بشكل عام، تبقى المُساعدات الرقمية بحالة تأهّب لسماع أوامر التفعيل على غرار "أوكي سيري" (Ok Siri) في هواتف أيفون، و"أليكسا" في جهاز إيكو من أمازون، أو "أوكي جوجل" في "جهاز جوجل هوم" على سبيل المثال لا الحصر. فما أن تسمع المُساعدات أمر التفعيل حتى تبدأ بتسجيل ما يقوله المستخدم لتحويله إلى أمر صوتي [4].
 

بعدها، تقوم تلك المُساعدات تقوم بإرسال الأوامر إلى خوادم موزّعة في مواقع جغرافية مختلفة حول العالم، لتقوم بمعالجة هذه الأوامر ومن ثم العودة بالإجابة الصحيحة للمُستخدم بالسرعة القصوى. لكن ما هو مصير الحوارات التي تتم بشكل عام؟ خصوصًا أن المُساعدات تستمع طوال الوقت؟

 

undefined

تعمل المُساعدات الرقمية بنفس مبدأ عمل الكاميرات الرقمية التي تقوم بتسجيل بضعة ثواني باستمرار بانتظار ضغط المُستخدم على زر التصوير لتفادي عدم اللحاق باللقطة المطلوبة. نفس الأمر يتم في المُساعدات الرقمية، فهي تستمع لجميع مُحادثات المُستخدم وتقوم بتسجيل جزء بسيط منها لا يتجاوز ثواني معدودة، لكنها لا تقوم بإرسال هذا التسجيل طالما أنها لم تسمع أمر التفعيل، كما أنها تقوم بحذف الأجزاء باستمرار لتسجيل أجزاء أُخرى.

توفّر المُساعدات الرقمية المنزلية المُختلفة أزرارًا لمنع الميكروفونات من الاستماع لصوت المُستخدم وحواراته المُختلفة أملًا في سماع أمر التفعيل، وهذا يسمح بإزالة القلق الذي يُحيط ببعض المُستخدمين

ما سبق قائم على اعتبار أن المُستخدم لم يذكر أوامر التفعيل، لكن ما هو مصير التسجيلات الصوتية بعد إرسالها لخوادم أمازون أو جوجل؟ خصوصًا أن جوجل تُخزّن جميع عمليات البحث الكتابي التي يقوم بها المُستخدم بالأساس.

بشكل عام تقوم أمازون، وجوجل، ومايكروسوفت بتخزين الأوامر الصوتية وتربطها أيضًا بحساب المستخدم، ومن هنا تتعلم الخوارزميات، مع مرور الوقت، المزيد عن تفضيلات المستخدم، والأمور التي يُفضّلها، لتُصبح شخصية أكثر وتُحاول جلب الإجابات بناءً على شخصية المُستخدم، وهو أمر يُهدد الخصوصية لكن مثل تلك الشركات تتذرّع بضرورة تخزين البيانات من أجل تحسين خوارزميات التعلّم الذاتي وجلب إجابات أفضل مع مرور الوقت [5].
 

أما آبل، فهي تُخزّن الأوامر الصوتية أيضًا، لكنها لا تُربط أبدًا لا بحساب المستخدم ولا حتى ببريده الإلكتروني. بل تقوم آبل بربطها بأرقام مُعرّفة مُختلفة، وهي أرقام عشوائية لا ترتبط كذلك بحساب المُستخدم، وبالتالي لا يُمكن للآلة أن تتعلّم عن تفضيلات المُستخدم مع مرور الوقت، وهذا يعني حماية لخصوصية المُستخدم.
 

التجسس على الحوارات والأوامر الصوتية
الأمن الرقمي على الإنترنت أمر غير موجود أبدًا، ومن يعتقد بوجوده عليه متابعة التجربة التي قام بها أحد الطلاب في هولندا لمراقبة السارق الذي قام بسرقة هاتفه  
الأمن الرقمي على الإنترنت أمر غير موجود أبدًا، ومن يعتقد بوجوده عليه متابعة التجربة التي قام بها أحد الطلاب في هولندا لمراقبة السارق الذي قام بسرقة هاتفه  

قد لا يهتم الكثير من المُستخدمين لمصير بياناته أو الأوامر الصوتية التي يقوم بإرسالها ويحصل على إجابات عليها من المُساعدات الرقمية، لكن الأهم هو الحوارات التي تجري داخل المنزل، أو داخل المكتب خصوصًا أن تلك الأجهزة تستمع باستمرار، فهل يمكن اختراق تلك الأجهزة والاستماع إلى حوار المُستخدم دون أن يدري؟
 

بشكل عام تُشفّر الشركات جميع الأوامر الصوتية المُتبادلة ما بين الجهاز والخوادم، وبالتالي لا يمكن لأي جهة خارجية معرفة مُحتوى الأمر المُرسل والجواب المُستقبل. لكن هذا الأمر لا يُمكن تأكيده 100٪، أو مُعاملته على أن كلام سليم بشكل كامل لأن الثغرات الأمنية موجودة، ويُمكن للمخترقين بشكل أو بآخر استغلالها دون أن يدري المُستخدم.
 

أي باختصار، الأمن الرقمي على الإنترنت أمر غير موجود أبدًا، ومن يعتقد بوجوده عليه متابعة التجربة التي قام بها أحد الطلاب في هولندا لمراقبة السارق الذي قام بسرقة هاتفه الذي يعمل بنظام أندرويد [6].
 

لماذا تُخزّن الأوامر الصوتية إذًا؟
المساعد الرقمي أمازون إيكو من شركة أمازون (رويترز)
المساعد الرقمي أمازون إيكو من شركة أمازون (رويترز)

تختلف الأسباب وراء تخزين الأوامر الصوتية التي يقوم بها المُستخدم، لكنها وبشكل عام تهدف إلى تدريب المُساعدات باستمرار لتحسين مُستوى الإجابات. والأمر السلبي الوحيد هو ربط الأوامر بحساب المُستخدم، وبالتالي ولو تعرّضت الخوادم لاختراقات، فإن المُخترقين بإمكانهم معرفة الكثير من الأمور الشخصية عن المُستخدم من خلال تتبع أوامره الصوتية والأسئلة التي قام بطرحها مُسبقًا.
 

جوجل على سبيل المثال تقوم بتجزئة الأسئلة والأوامر الصوتية، ثم تقوم بربط الأجزاء الُمختلفة فيما بينها؛ فلو سأل المُستخدم عن حالة الطقس في مدينة دبي، ثم سأل بعدها عن نتيجة مباراة برشلونة ضد ريال مدريد، تقوم خوارزميات جوجل فيما بعد بتدريب نفسها بنفسها من خلال أخذ جملة "حالة الطقس" من السؤال الأول، ثم ربطها مع "برشلونة ضد ريال مدريد" من السؤال الثاني لتحصل على "حالة الطقس في برشلونة ضد ريال مدريد" وبالتالي ستعود الخوارزميات بإجابة حول حالة الطقس وقت المُباراة. طبعًا مثل هذه الأمور لا يعلم المُستخدم بوجودها، لكن خوارزميات التعلّم الذاتي تقوم بهذه العمليات بشكل آلي في الخفاء لتحسين مُستوى الذكاء والإجابات، لتفهم المُستخدمين بصورة أفضل مع مرور الوقت [7].
 

من جهة أُخرى، قد تلجأ الجهات الحكومية إلى الأوامر الصوتية لحل بعض القضايا مثلما هو الحال في ولاية أركنساس (Arkansas) الأمريكية، حيث توجّهت الشرطة إلى شركة أمازون وطالبتها بسحب سجل الأوامر الصوتية لأحد مُستخدمي أمازون إيكو للتحقيق في قضية قتل حصلت في أحد المنازل، ففي مثل هذه الحالات، يُمكن أن يكون سجل الأوامر الصوتية أو عمليات البحث مُنقذًا أو دليل إدانة بحق المُستخدم [8].
 

هل يُمكن إيقاف الاستماع أو حذف الأوامر الصوتية؟
موضوع الحفاظ على الخصوصية أصبح صعب المنال في الوقت الراهن، فالأجهزة الذكية موجودة في جيوب المُستخدمين طوال اليوم (بيكساباي)
موضوع الحفاظ على الخصوصية أصبح صعب المنال في الوقت الراهن، فالأجهزة الذكية موجودة في جيوب المُستخدمين طوال اليوم (بيكساباي)

توفّر المُساعدات الرقمية المنزلية المُختلفة أزرارًا لمنع الميكروفونات من الاستماع لصوت المُستخدم وحواراته المُختلفة أملًا في سماع أمر التفعيل، وهذا يسمح بإزالة القلق الذي يُحيط ببعض المُستخدمين. كما يمكن داخل الهواتف الذكية تعطيل تفعيل سيري أو كورتانا على سبيل المثال لا الحصر من داخل الإعدادات، وبالتالي يُمكن بشكل عام التحكّم بوصول هذه الأجهزة لحوارات المُستخدم.
 

أما بخصوص حذفها، فشركات مثل جوجل، وأمازون، ومايكروسوفت توفّر خيارات لحذف سجل الأوامر الصوتية، لكنها لا توفّر إمكانية منع المُساعدات من تخزينها، وبالتالي يحتاج المستخدم لحذفها بشكل دائم بشكل يدوي إذا ما كان يقلق باستمرار على مصير أوامره الصوتية التي قام بها، أو حتى عمليات البحث الكتابية التي يقوم بها.
 

وبعيدًا عن الشركة أو المُساعد الرقمي المُستخدم فإن موضوع الحفاظ على الخصوصية أصبح صعب المنال في الوقت الراهن، فالأجهزة الذكية موجودة في جيوب المُستخدمين طوال اليوم، كذلك هو الأمر بالنسبة للساعات الذكية، والنظّارات الذكية التي بدأت تشق طريقها ببطيء، دون إهمال البيانات التي يمكن للهواتف تخزينها كالموقع الجغرافي أو الأماكن التي يتردد إليها باستمرار، وبالتالي هناك الكثير من القلق الزائد من استخدام المُساعدات الرقمية المنزلية على الرغم من أنها لم تأتي بشيء جديد تقريبًا، وليست سوى شكل جديد من الأجهزة الذكية، فنفس المُساعدات موجودة في الهواتف كذلك، ولهذا القلق من الهاتف يجب أن يكون أعلى بكل تأكيد من القلق من وجود تلك المُساعدات داخل المنازل أو المكاتب.

المصدر : الجزيرة