شعار قسم ميدان

الانفجار الرقمي.. ما هي مخاطر ومنافع رقمنة الشرق الأوسط؟

mida - laptop

في الوقت الذي سيقدم فيه الانفجار الرقمي الوشيك في الشرق الأوسط  فرصا ومنافع جديدة، فإنه سيخلق مخاطر اقتصادية وسياسية وسيبرانية للمنطقة. تتقدم دول الشرق الأوسط باتجاه انفجار رقمي، إذ بدأت هذه الدول مؤخرا في جعل تطوير قطاعاتها الخاصة مرتفعة المهارة القائمة على الخدمات على رأس أولوياتها، مدفوعة بإدراكها لهشاشة الاقتصادات الوطنية القائمة على سلع مثل البترول، وفي القلب من هذه التطويرات الجديدة تأتي التطبيقات المتزايدة للتكنولوجيا الرقمية المتمركزة حول الشبكات والحوسبة والتخزين.

 

يحظى الشرق الأوسط بالفعل بتغلغل رقمي كبير، فبالنسبة لعدد سكانه تتجاوز المنطقة المتوسط العالمي بالنسبة لعدد مستخدمي الإنترنت، هذا التقدم تقوده الإمارات وقطر والبحرين التي تتغلغل فيها الهواتف المحمولة بنسبة تزيد على 100% مقارنة بعدد السكان، حيث يعود معظم نمو استخدام الإنترنت في الشرق الأوسط إلى منصات التواصل الاجتماعي، فقد زادت نسبة الاستخدام الإقليمية لمنصات التواصل الاجتماعي إلى ما يقارب 50% حتى بحساب مناطق الصراع مثل سوريا واليمن والسودان. ووفقا لشركة ماكينزي آند كومباني الرائدة في مجال استشارات الأعمال فإن تدفق المعلومات بين الشرق الأوسط وباقي العالم زاد أيضا بمقدار 150 ضعفًا خلال العقد الماضي.

  

ويشير مؤشر الرقمنة الخاص بالشركة إلى أن الشرق الأوسط ما زال أمامه وقت لتحقيق الإمكانات الكاملة للتغلغل الرقمي خصوصا في قطاعي الأعمال والحوكمة، إذ توازي المدخلات الرقمية في اقتصادات الشرق الأوسط حوالي 4.1% فقط من الناتج الإجمالي للمنطقة، أي ما يوازي 8.4% فقط من الإمكانات الرقمية للمنطقة.

  

في الوقت الذي تقدم فيه طفرة الرقمنة في الشرق الأوسط فرصا هائلة للقطاعين الخاص والعام إلا أنها تفتح الطريق أمام تهديدات وتحديات لنمو المنطقة وحكوماتها وأمنها
في الوقت الذي تقدم فيه طفرة الرقمنة في الشرق الأوسط فرصا هائلة للقطاعين الخاص والعام إلا أنها تفتح الطريق أمام تهديدات وتحديات لنمو المنطقة وحكوماتها وأمنها
  

وتهدف حكومات الشرق الأوسط بشكل واضح إلى الوصول إلى الحد الأقصى من المخرجات الاقتصادية الرقمية، فقد رُسمت برامج تحول اقتصادية في دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والإمارات سعيا لتوسعة المدن الذكية والتجارة الإلكترونية وصناعة السيارات ذاتية القيادة. وتُقدّر جارتنر أن حكومات الشرق الأوسط ستنفق 11.6 مليار دولار على منتجات تكنولوجيا المعلومات وخدماتها في 2017. في الوقت الذي تقدم فيه طفرة الرقمنة في الشرق الأوسط فرصا هائلة للقطاعين الخاص والعام إلا أنها تفتح الطريق أمام تهديدات وتحديات لنمو المنطقة وحكوماتها وأمنها.

 

النمو الرقمي: نحو اقتصاد قائم على المعرفة
بالنسبة لدول الشرق الأوسط الساعية للتحول إلى اقتصادات قائمة على المعرفة وتقديم الخدمات فإن تسريع الرقمنة أمر منطقي تماما، فالتجارة الإلكترونية هي مساحة أظهرت نموا رقميا من المرجح أن يزداد اتساعا على المدى القصير والمتوسط، ويمثل التوزيع عبر الإنترنت 2% فقط من مجمل التوزيع في المنطقة، ونجاح "سوق" و "أمازون الشرق الأوسط" يجعل هذا السوق الرقمي جذابا بشكل فريد. بإمكان التجارة الإلكترونية أيضا توفير فرص وظيفية لرائدات الأعمال السيدات والشباب المهمشين الذين يتم استبعادهم غالبا من قوى العمل التقليدية في الشرق الأوسط.

 

يمكن أن تصبح تطبيقات الخدمات الرقمية هي المهيمنة كذلك، فبإمكان الحوسبة السحابية والأجهزة التي تعمل عبر الإنترنت والطابعات ثلاثية الأبعاد خلق فرص للأعمال وتسيير العمليات الصناعية واسعة النطاق. يمس هذا الأمر بشكل خاص قطاعات الطاقة والإنشاء في الشرق الأوسط، حيث بالإمكان ميكنة 40% من مهمات هذه القطاعات. وبإمكانها أيضا أن تخدم قطاعات الخدمات البنكية المزدهرة في البحرين وقطر والأردن، حيث بإمكان التطبيقات الرقمية تسيير المدفوعات وتحليل البيانات ومعاملات الزبائن. هذه الآفاق دفعت بالفعل لاعبين كبار في مجال تكنولوجيا المعلومات مثل: "إس ايه بي، وآي بي إم، وأوراكل، وأمازون ايه دبليو إس" (SAP وIBM وOracle وAmazon AWS) إلى دخول سوق الخليج.

 

ويرنر فوجيلز، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في أمازون (رويترز)
ويرنر فوجيلز، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في أمازون (رويترز)

 

وتُقدّر ماكينزي أن مكاسب الإنتاجية الرقمية بإمكانها أن تُحسّن من ميزانيات الشركات لأكثر من 50% في خمس سنوات، والتي بإمكانها في النهاية زيادة النمو الاقتصادي للشرق الأوسط وذلك بتسريع تنويع أساساته الاقتصادية بعيدا عن النفط والغاز. لكن مع ذلك فإن هناك تحديات تواجه هذه الرقمنة، فرغم الطلب الاستهلاكي المتزايد على التطبيقات الرقمية فإن استثمارات تكنولوجيا المعلومات ما زالت تعتمد بشكل كبير على العوائد والثقة الاقتصادية المرتبطة بأسعار البترول المرتفعة. هذا الأمر يمس الخليج تحديدا، حيث أدى انخفاض سعر البترول في السنوات الأخيرة إلى إحجام القطاعين الخاص والعام عن الإنفاق على مشاريع تكنولوجيا المعلومات التي قد تدر أرباحا على المدى البعيد، نتيجة لذلك يصبح التقدم الإقليمي في عملية الرقمنة على المدى القصير غير مؤكد.

 

بالإضافة إلى عدم اليقين هذا، هناك التركيب الخاص بمناخ الأعمال في الشرق الأوسط، فعلى خلاف الولايات المتحدة أو شرق آسيا، يفتقد الشرق الأوسط رأس المال المغامر الذي بإمكانه تمويل المشاريع التكنولوجية الناشئة وتحويلها إلى مشاريع كبيرة الحجم تدر أرباحا. تحوي المنطقة أيضا عددا هائلا من الأعمال المرتبطة بالدول أو التي تديرها العائلات، حيث تتركز ملكيتها في أيدي قليلة تحتكر أسهمها كلها، وهو ما قد يخيف رواد الأعمال المحليين من تأسيس شركات تنافس رقميا الثقافة الصناعية القائمة وعملياتها.

 

هناك أيضا عوائق سياسية، إذ تميل حكومات في الشرق الأوسط إلى عدم الثقة في أي طرف ثالث للحصول على بياناتها، وهو ما قلل من استخدام التطبيقات الرقمية التي تعتمد على الحوسبة السحابية والتخزين التابعين لطرف خارجي، وبما أن الحكومات هي المستثمر الأكبر في القطاع الخاص في المنطقة فقد انتقلت عدم الثقة هذه إلى القطاع الخاص أيضا. لدى الشرق الأوسط كذلك قوانين وضوابط مختلفة بخصوص الخصوصية وتبادل المعلومات، أحيانا حتى داخل البلد الواحدة اعتمادا على وجود مناطق التجارة الحرة أو المناطق الصناعية ومناطق الحكم الذاتي، وبإمكان هذا الأمر أن يتسبب في مشاكل قانونية لمستهلكي ومزودي التطبيقات الإلكترونية على السواء أثناء عملهم إقليميا أو خارج الإقليم، خصوصا مع الاتحاد الأوروبي الذي يمتلك منظومته الفريدة من قوانين المعلومات.

 

المشكلة الرئيسة هي تأثير الرقمنة على قوة العمل في الشرق الأوسط، إذ تصل البطالة في المنطقة إلى 54% والبطالة بين الشباب تقرب من 30%، وتمتلك المنطقة أيضا نسبة مرتفعة من شباب الجيل الألفي، ويتوقع أن ينضم ما يقارب 100 مليون شاب إلى قوة العمل بحلول عام 2020، كل هذا بالإضافة إلى النقص في المواهب التكنولوجية، حيث قدرت سيسكو أن الشرق الأوسط عانى من عجز يقارب 100 ألف متخصص في مجال الشبكات في العام 2015 وهو ما يزيد بنسبة 50% عن 2012.

  

تشكل الرقمنة تهديدًا كبيرًا على قوة العمل في الشرق الأوسط على المدى القصير، وتنذر بارتفاع نسب البطالة
تشكل الرقمنة تهديدًا كبيرًا على قوة العمل في الشرق الأوسط على المدى القصير، وتنذر بارتفاع نسب البطالة
 

اتخذت الحكومات في الخليج والشام خطوات بالفعل لتطوير وتمويل التعليم الفني عاقدة أملها على تقليل بطالة الشباب والعجز في المواهب الرقمية على المدى المتوسط والبعيد، لكن مع ذلك فإن الرقمنة تشكل تهديدا على قوة العمل في المنطقة على المدى القصير. قد يتعرض العمال للفصل من الوظائف التي تمت ميكنتها بالكامل، والوظائف التي بالإمكان فقط ميكنة جزء منها قد يتعرض العاملين بها إلى تقليل رواتبهم.
 
هذه التأثيرات قد تصيب بالتحديد قطاعي الطاقة والمقاولات في الخليج والذي يضم عددا كبيرا من العمال من الدول العربية غير الخليجية والذين يرسلون تحويلاتهم المالية إلى أوطانهم، كل هذا قد يضر بالدول التي تعتمد على تحويلات العاملين بالخارج مثل مصر والأردن، ويخلق نمطا جديدا لهجرة العمال، ويزيد من حاجة المنطقة لبرامج دعم حكومية إضافية. وإذا فشل قطاعي الأعمال والحكومة في الشرق الأوسط في تقديم تدريب مهني مناسب وشبكات أمان لهؤلاء العمال المتأثرين قد تؤدي تأثيرات الرقمنة على سوق العمل إلى خلق مصدر جديد للإحباط العام والاضطرابات في منطقة مضطربة بالفعل.

 

الحوكمة الرقمية: تحويل القطاع العام
تقدم رقمنة القطاع العام فرصا ثمينة للشرق الأوسط، إذ يسعى عدد من دول المنطقة لإنشاء مبادرات الحكومات الذكية الرقمية لزيادة كفاءة المواهب والبنية التحتية المعلوماتية الحكومية وتقديم الخدمات العامة عبر الوسائل الرقمية. تشير ماكنزي إلى أن 6% فقط من دول الشرق الأوسط تمتلك عناصر الحكومة الذكية الرقمية، في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة التي تمتلك برامج دبي الذكية وأبو ظبي الذكية لتطوير البنية التحتية الذكية للمدينة وتقديم الخدمات العامة إلكترونيا. دول أخرى تمتلك نفس طموحا، حيث تهدف المملكة العربية السعودية لرفع ترتيبها في مؤشر الأمم المتحدة للحكومات الرقمية لتكون بين الدول الخمسة الأولى بحلول عام 2030، والأردن وعُمان وقطر والبحرين كلها لديها أهداف مشابهة لإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية لتقديم خدمات إلكترونية.

 

وفوائد الحكومات الذكية في الشرق الأوسط واضحة وجلية، إذ تقيد أسعار النفط المنخفضة العديد من حكومات المنطقة بالإضافة إلى عائدات الضرائب المحدودة وزيادة الطلب العامة على برامج الدعم، الفساد والتزوير والتبذيرعلل شائعة أيضا، وهو ما يزيد من إرهاق الميزانيات العامة، حيث يمكن للرقمنة أن تحد من هذه المشكلات. ويمكن القول إن استخدام الدفع الرقمي بإمكانه ضمان صحة ومراقبة التحويلات المالية الحكومية الداخلية والخارجية، وكذلك استخدام برنامج حاسوب لميكنة عمليات الموارد البشرية للحكومة وتطوير تطبيقات هواتف محمولة لتقديم الخدمات الاجتماعية والمعلومات العامة للمواطنين بإمكانه أن يقلل من التكلفة الشخصية والعامة، حتى إن الوصول إلى المعلومات والخدمات من شأنه أن يزيد من رضا المواطنين والتفكير المتعقل تجاه الحكومات، وهو ما يدعم الاستقرار السياسي على المدى البعيد.

  undefined

 

هذه المنافع بإمكانها أيضا تجاوز الحدود خصوصا في الوقت الذي تتحمل فيه المنطقة عبء الأعداد الهائلة من اللاجئين الهاربين من مناطق الصراع في سوريا والعراق، فالأردن و لبنان ومصر تحملت العبء الأكبر من أزمة اللاجئين وعدم استقرارها المالي، واعتمادها على المساعدات الخارجية تصعب عليهم مهمة دعم اللاجئين إلى جانب مواطنيها. الخدمات الإلكترونية بإمكانها أن تضاعف تأثير مساعدات اللاجئين، إذ تسمح التحويلات الإلكترونية للاجئين بتلقي الدعم المالي مع الاحتفاظ بكرامتهم وتمكن المتبرعين من تجنب الخداع والسرقة. علاوة على ذلك، يمكن للاجئين استخدام الهواتف المحمولة ومنصات التواصل الاجتماعي للتواصل مع بعضهم البعض، وهو ما يعزز الأمان في مخيمات اللاجئين، هذا بالإضافة إلى أن التطبيب عن بعد والتعليم الإلكتروني يضمن للاجئين بتكلفة زهيدة التمتع بالصحة والمهارات المتقدمة التي تمكنهم من العودة إلى قوة العمل في الشرق الأوسط.

 

على المدى البعيد قد تكون البنية التحتية العامة الرقمية ضرورية، حيث يتوقع البنك الدولي أنه بحلول 2050 سيتضاعف عدد السكان الناطقين بالعربية والتمدن سيصل إلى 70%. دول الخليج متمدنة بنسبة 80% بالفعل، وزيادة النمو السكاني سيشكل مزيدا من الضغط على النقل الإقليمي والطاقة وموارد المياه، وتسخير البيانات الضخمة وكذلك الطرق المتجاوزة للحدود والمركبات وشبكات الطاقة وتوزيع المياه ستكون ضرورية لنقل الناس والموارد بكفاءة. دخلت قطر والإمارات العربية المتحدة في شراكات بالفعل مع شركات مثل جنرال إلكتريك (GE) وهواوي (Huawei) وسيسكو (Cisco) لإنشاء شبكات توزيع كهرباء ذكية وإضاءة للمدن ومواصلات عامة تعمل بديناميكية وفقا لنسبة الاستخدام، حتى إن دبي دخلت في شراكة مع الشركة الصينية إيهانغ (Ehang) لإطلاق التاكسي الطائر ذاتي القيادة المتصل بشبكات (4G LTE) في (يوليو/تموز) 2017.

 

لكن رقمنة القطاع العام في الشرق الأوسط تحمل عددا من المخاطر كذلك، حيث تكمن إحدى تلك المخاطر بتعظيم الكفاءة الرقمية في الحكومة خصوصا في الدول التي تحكمها عائلات قد تمارس معاملات تفضيلية بمنح المواطنين من ذوي التوجهات السياسية الموالية وظائف في القطاع الحكومي حتى لو لم تكن هذه الوظائف ضرورية، وقد لا يناسب هذا الأمر المواطنين الشباب الذين يضمنون غالبا الوظائف الحكومية، بالتالي فإن رقمنة الحكومة قد تخلق إحباطا عاما على المدى القصير، حيث يحاول العمال المفصولين من القطاع العام والشبكات السياسية المحيطة بهم التأقلم مع البيئة الجديدة.

 

ينبع مصدر آخر من مصادر التهديدات الأمنية من علاقة العديد من حكومات الشرق الأوسط بالإنترنت، ففي بيئة ما بعد الربيع العربي أصبحت الحكومات مهمومة بالسيطرة على المعلومات وتأمينها، خصوصا عندما تكون متاحة على الشبكة، حيث إنه في العديد من الدول زادت حدة الرقابة والحظر على المواقع والخدمات الإلكترونية بعد أن غيرت الثورات التي حفزتها وسائل التواصل الاجتماعي المنطقة في 2011 . هذه النزعة شجعت الحكومات على تقييد الوصول ومشاركة المعلومات العامة خوفا من استخدامها ضدهم، وبرز ذلك في 2013 حيث عززت تسريبات سنودن هذا الأمر ومكّنت حكومات الشرق الأوسط من الانضمام إلى الأصوات الدولية المطالبة بسياسات توطين المعلومات لمنعها من الخروج خارج حدودها.

  undefined

 

لذا تمثل طبيعة سياسات الإنترنت في الشرق الأوسط تهديدا لعملية رقمنة القطاع العام، حيث إنه في العديد من الحالات سيكون على الحكومات والسلطات العامة استخدام الأنظمة الرقمية التي صنعتها وتديرها الشركات الخاصة، في حين دخلت شركات تكنولوجيا المعلومات الدولية سوق الشرق الأوسط بالفعل فإن خوف الحكومات من تصديرها لمعلومات خاصة قد تدفعها لكبح عملية رقمنة شاملة. على الجانب الآخر فإن ثقافة الرقابة والحظر الحكومية الشائعة قد تمنع قيام شركات تكنولوجيا معلومات محلية وكذلك قد تعيق الشركات العالمية عن الوصول إلى إمكاناتها الاستثمارية القصوى.

 

هذه هي الحالة بالتحديد مع سياسات إتاحة المعلومات في الشرق الأوسط. في حين قطعت الإمارات والبحرين شوطا كبيرا في هذا الصدد كجزء من برامجها للحوكمة الإلكترونية والمدن الذكية إلا أنهما لا تزالان مثل كل دول الشرق الأوسط يقبعون في النصف السفلي من الترتيب العالمي في إتاحة المعلومات، فعدم القدرة على الوصول ومشاركة المعلومات التي تخص الحكومة والبنية التحتية للمدن قد تعيق بروز الحلول الإبداعية لرقمنة القطاع العام، كما بإمكانها أيضا أن تزيد من تكلفة التطبيقات الإلكترونية للحكومة وخطر عدم الرضا العام في حال فشلت هذه التطبيقات في العمل.

 

الأمن الرقمي: أضعف حلقات السلسلة
الخطر الأساسي الذي يهدد التوسع في استخدام التطبيقات الرقمية في الشرق الأوسط هو انعدام أمان هذه التطبيقات في حد ذاتها، فزيادة رقمنة المنطقة يسير جنبا إلى جنب مع المخاطر السيبرانية التي يمهد لها الطريق. قوة العالم السيبراني واضحة وجلية للعيان بالفعل في الشرق الأوسط، ومتوافقة مع الحقائق الجيوسياسية للمنطقة، فالفاعلين على مستوى الدول وما دون الدول -ابتداء من إيران إلى داعش- استخدموا القوة السيبرانية داخل المنطقة وعبرها ضد عدد من الأهداف المختلفة للحصول على المعلومات وممارسة النفوذ وإرهاب المواطنين.

 

خلال العام الماضي تم استهداف قطاعات المال الحكومية والخاصة والطاقة والرعاية الصحية والدفاع والطيران بوسائل سيبرانية، فقد عانى الشرق الأوسط كذلك من هجوم برامج الفدية العالمي وكانت السعودية أكثر المتضررين. ظهرت كذلك عمليات القرصنة المعقدة مثل شمعون 2 وستون دريل مستخدمة تكتيكات التصيد الاحتيالي لنشر برمجيات خبيثة لتدمير أنظمة الحاسوب أو إيقافها عن العمل.

  

إن ثقافة الرقابة والحظر الحكومية الشائعة قد تمنع قيام شركات تكنولوجيا معلومات محلية وكذلك قد تعيق الشركات العالمية عن الوصول إلى إمكاناتها الاستثمارية القصوى
إن ثقافة الرقابة والحظر الحكومية الشائعة قد تمنع قيام شركات تكنولوجيا معلومات محلية وكذلك قد تعيق الشركات العالمية عن الوصول إلى إمكاناتها الاستثمارية القصوى

 

وعادة ما تتصف تداعيات الأمن الإلكتروني الضعيف بالكارثية، حيث إن اختراق التطبيقات الإلكترونية عبر وسائل سيبرانية يوفر أهدافا أكثر للفاعلين على مستوى الدولة أو ما دون الدولة لإضعاف حكومات الشرق الأوسط وتجارتها. هذه المخاطر تزداد في الخليج العربي الذي يتبنى بقوى البنى التحتية الذكية للمدن والأنظمة الصناعية المتصلة بالإنترنت، فالعديد من الأجهزة لا تحتوي برتوكولات أمان بطبيعتها لتحميها من تثبيت برمجيات أمان من أطراف خارجية أو الاتصال غير المسموح به مع الأجهزة الأخرى.

 

الأمر الذي سيكون أكثر شيوعا هو استهداف العمليات الروتينية اليومية للشركات، وشركات الشرق الأوسط التي تستخدم خدمات تكنولوجيا معلومات آلية ستفعل ذلك في بيئة سيبرانية خطرة بالفعل، فبحسب "بي دبليو سي" (PWC)  فإن الأعمال التجارية في المنطقة عانت خسائر نتيجة الحوادث السيبرانية أكثر من أي منطقة أخرى في العالم في 2016. هذه الخسائر تضر بسمعة الشركة وقدراتها المالية وحتى إستراتيجيتها، فعلى سبيل المثال الشركات التي تعاني من اختراقات سيبرانية قد تواجه تناقصا خطيرا في استثماراتها في القطاع الصناعي.

 

الخسائر الإستراتيجية كبيرة أيضا في الشرق الأوسط نظرا إلى نسبة الاندماجات والاستحواذات الكبيرة في قطاعات العقارات والبنوك وكذلك الصناعة والمنتجات الاستهلاكية، هذه النشاطات تولد غالبا اتصالات حساسة وكشوفات لحسابات مالية سرية ونفقات كبيرة من رأس المال، وهو ما يجعلها أهدافا سيبرانية أساسية للشركات والمجرمين الذين يسعون للاستحواذ على السوق أو أرباح سريعة. عمليات الاستحواذ والاندماج التي تضم شركات لها علاقات سياسية مباشرة أو مفترضة تكون هدفا لهجمات ترعاها الدول أو الفاعلين السياسيين، كل هذه الأمور تزعج عمليات الاستحواذ والاندماج وتخلق تأثيرا بالنفور من هذه المساعي في المنطقة.

 

في الوقت الذي يزيد به الاستثمار في الأمن المعلوماتي، ما زال هناك نقص في الإستراتيجيات والأطر المستخدمة في محاربة الأخطار السيبرانية المتزايدة على عملية رقمنة الشرق الأوسط، ويعد زيادة الوعي بالأمن المعلوماتي بين الشركات أمر صعب لا يوليه الكثيرون اهتمامهم إلا بعد تعرض أنظمتهم للهجمات.

  undefined

 

مشاركة المعلومات حول التهديدات الإلكترونية منعدم أيضا بسبب خوف الشركات من استغلال منافسيها لنقاط ضعف أنظمتها الإلكترونية، حيث بدأت حكومات الشرق الأوسط في إنشاء وكالات الأمن المعلوماتي على المستوى القومي، لكن حضورها الرقابي المتزايد واستخدام القوة الإلكتروني ضد الصحفيين والكيانات الخاصة وعدم رغبتها في مشاركة المعلومات الحكومية مع القطاع الخاص تزيد من انتشار مناخ عدم الثقة بين الشركات، وتمنعها عن التعاون مع الحكومة في مسائل أمن المعلومات، وهو ما يجعل الاستجابة للأخطار الإلكترونية في المنطقة بطيئا ومحدودا.

 

في الوقت الذي يتم فيه تطبيق قوانين أمن المعلومات تدريجيا، يبقى العديد منها غامضا وغير فعال، فقوانين الأمن المعلوماتي تم تطبيقها غالبا لمواجهة التهديدات الداخلية وذات صبغة دينية وأخلاقية دون أي إجراءات قوية لمنع وإعاقة الاختراقات السيبرانية.

 

قوانين خصوصية المعلومات أجبرت الشركات على خلق قوانين الخصوصية الداخلية الخاصة بها، بينما فشلت في تحديد الحقوق والامتيازات للشركات والعملاء بعد حدوث الاختراق. في المملكة العربية السعودية التي يقوم نظامها على الشريعة الإسلامية ليس هناك أي كيان قانوني لإبلاغه في حالة حدوث اختراق، مما يترك المحاكم السعودية تفصل في القضايا وفقا للمبادئ العامة للشريعة، زيادة على ذلك فإن الأطر القانونية القومية ليست متناغمة في كل المنطقة مما يجعلها غير قابلة للاستخدام ضد الهجمات الإلكترونية العابرة للحدود.

 

من المعلوم أن الانفجار الرقمي في الشرق الأوسط سينتج فرصا ومنافع جديدة للمنطقة، لكن الحد الذي سيتحمل فيه القطاع العام/الخاص المخاطر الاقتصادية والسياسية والسيبرانية التي تفرضها الرقمنة ستحدد إلى أي درجة يمكنها الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة والسير قدما إلى الأمام.

 __________________________________

التقرير مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة