تخطّي أندرويد.. ماذا تعرف عن أحدث شركات الأجهزة الذكية؟
يشرح "بيتر ثيل" (Peter Thiel) في كتابه "فروم زيرو تو ون" (From Zero To One) الآلية التي يجب على الشركات اتّباعها لكي تنجح، خصوصا في الأسواق المُزدحمة أو المُكتظّة بالمنافسين.(1)
ويُمكن تلخيص محتويات الكتاب بمعادلة واحدة من الدرجة الأولى، خصوصا أن ثيل أسّس ثلّة من الشركات الناجحة على رأسها شركة "باي بال" (PayPal) للدفع الإلكتروني. ولو تناولنا أمثلة على تلك المعادلة يُمكننا الوصول إلى شركات على غرار غوغل، وفيسبوك، وآبل، ومايكروسوفت، وسامسونغ، و"ون بلس" (OnePlus)، وغيرها الكثير.
ولا يجب أن نكتفي بذلك القدر دون أن نذكر شركة "إيسينشال" (Essential) آخر الواصلين إلى سوق الأجهزة الذكية والهواتف، وهي الشركة التي أسّسها أندي روبن أحد مؤسّسي نظام أندرويد.(2)
أسّس روبن في البداية حاضنة مشاريع حملت اسم "بلاي غراوند" (Playground) التي بدورها تقوم باستشكاف المشاريع الجديدة والجلوس مع مؤسسي الشركات الناشئة للاستماع إلى أفكارهم المجنونة ومُساعدتهم على تحقيقها إذا ما كانت مجنونة بشكل كاف، لكن روبن -من جديد- رأى أن نسبة كبيرة من الشركات كانت تأتي بمشاريع متوقّعة، ولهذا السبب قرّر أن يذهب بنفسه إلى المنطقة التقنية الخالية التي لا يذهب إليها أحد.(3)
وأسّس بناء على هذا التفكير شركة "إيسينشال" (Essential) التي تمتلك في جعبتها مجموعة من المُنتجات، فالبداية كانت مع إطلاق هاتف "إيسينشال فون" (Essential Phone)، والترويج لمساعد منزلي جديد حمل اسم "إيسينشال هوم" (Essential Home) الذي يعمل بنظام تشغيل حمل اسم "آمبينت أو إس" (Ambient OS) ليُكمل بذلك عقد الخطوة الأولى للشركة، كما أشارت بعض التقارير إلى وجود نظّارة ذكية في جُعبة الشركة أيضا لا نعرف عنها الكثير.
وبعد أشهر طويلة من الانتظار أثار الجدل عندما قام بنشر صورة تشويقية على حسابه الرسمي في تويتر حاملا فيها هاتفا جديدا لا تظهر معالمه بشكل كامل، لكنه يحمل شاشة تمتد على كامل الوجه الأمامي مع مساحة صغيرة جدا للكاميرا الأمامية فقط(4)، ليتبعها بعد أيام قليلة بالإعلان الرسمي عن هاتف الشركة الأوّل.
من ناحية المواصفات، يحمل الجهاز شاشة بحجم 5.7 بوصة تقريبا، بدقّة "كيو إتش دي" (QHD). وبالأرقام فإن هذه الشاشة توفّر دقّة 2560 x 1312 بيكسلا، وتحتضن تلك الشاشة الكاميرا الأمامية بدقّة 8 ميغابيكسل القادرة على تسجيل الفيديو بدقّة "4 كيه" (4K).
الوجه الخلفي للجهاز مصنوع من السيراميك، ويحمل كاميرا مزدوجة بدقّة 13 ميغابيسكلا، وهي كاميرا تعمل بنفس أسلوب عمل كاميرات هواتف "بي 10" من هواوي، عدسة تلتقط الصورة بدون ألوان، والثانية بالألوان الكاملة، لتقوم الخوارزميات فيما بعد بالدمج بين الصورتين وتقديم صورة عالية الجودة للمُستخدم. ويتوضّع على نفس الوجه مُستشعر للبصمة، تقريبا في مُنتصف القسم العلوي للجهاز، لكن المُميّز هو وجود منافذ لنقل البيانات والطاقة على يمين الكاميرا الخلفية، وهو الشيء الذي يفتح مجالات واسعة أمام الجهاز.
ويدعم الجهاز الجديد بكل تأكيد أحدث تقنيات الاتصال مثل بلوتوث 5، والاتصال قريب المدى "إن إف سي" (NFC)، دون نسيان دعم لشبكات الجيل الرابع "إل تي إي"، كما اختارت الشركة السيراميك لتغطية الوجه الخلفي للجهاز، والتيتانيوم على الأطراف لرفع مقاومته للصدمات، لتكون النتيجة: جهاز قوي جدا وبوزن خفيف لا يتعدّى 185 غراما.(9)
أما القلب النابض للجهاز فهو من إنتاج شركة كوالكوم، مُعالج سناب دراغون 835، مع ذواكر وصول عشوائي بمساحة 4 غيغابايت، ومساحة تخزين داخلية تصل إلى 128 غيغابايتا. (2) وسيعمل الهاتف الجديد بنظام أندرويد 7.1، صحيح أن روبن لم يذكر وجود نظام تشغيل بديل في الوقت الراهن، لكن حديثه عن نظام "آمبينت أو إس" يفتح باب التكهّنات.
وهذه النظرة بدت واضحة عند "إيسينشال" التي كشفت النقاب عن مُساعدها "هوم" الذي لم تصدر بحقّه أية شائعات قبل الكشف عن الهاتف، كما أنه حتى الآن غير جاهز، ولم تستعرض الشركة نموذجا يعمل، لكنه وكفكرة موجود وسيتم الكشف عن المزيد من التفاصيل في وقت لاحق.
المساعد المنزلي الجديد مُزوّد بشاشة تعمل باللمس لعرض الإجابات، مع وجود مايكروفونات لالتقاط صوت المستخدم ومحاولة فهم الأسئلة التي يطرحها والإجابة عليها بشكل صوتي أيضا. أما نظام تشغيله فهو "آمبينت أو إس" الذي لا نعرف أي معلومة عنه حتى الآن، لكن الفكرة العامّة كانت مُثيرة للغاية ويُمكن وضعها تحت بند "إصلاح ما قام أندرويد بإفساده".(5)
أخيرا، وبعد أيام قليلة من الكشف عن المُنتجات الجديدة، رُصدت براءة اختراع جديدة للشركة تصف نظّارة ذكية مُزوّدة بكاميرا لاستخدامها في مجال الواقع المُعزّز، باختصار، يتم رصد مجال رؤية المُستخدم واتّجاه نظره، لتقوم الكاميرا بالتقاط المشهد وتحليله لعرض بيانات توضيحية، فعند نظر المُستخدم على مُنتج في سوق تجاري ما، ستقوم النظّارة بعرض المُنتجات الأُخرى وأسعارها لمساعدة المُستخدم على الاختيار، أو عند النظر إلى مطعم ما، ستقوم النظّارة بعرض تقييمه وآراء المستخدمين على الإنترنت، مع عرض مطاعم قريبة أفضل من ناحية التقييم وربما الأسعار أيضا.(6)
الأهم من هذا كُلّه هو فكرة استبدال الهاتف الذكي كل عام أو اثنين، فبالنسبة لروبن لا يجب استبدال هاتف المُستخدم لمجرّد أنه أصبح قديما عند النظر إلى التقنيات الموجودة في السوق، بل يجب أن يكبر الهاتف وينمو مع المُستخدم نفسه.(7) ومن هنا يُمكن فهم توفير منافذ نقل البيانات إلى جانب الكاميرا الخلفية، تلك المنافذ في حقيقة الأمر هي "يو إس بي 3.0" لاسلكي، أي أنها ستنقل البيانات والكهرباء لاسلكيا عبر حقل مغناطيسي وفقا لمعايير الجيل الثالث من موصّلات "يو إس بي".
الشركة استعرضت حتى الآن مُلحقا واحدا يُمكن استخدامه مع الهاتف، وهو عبارة عن كاميرا قادرة على التصوير بزاوية 360 درجة، صحيح أن كاميرا الهاتف الأساسية لا تدعم هذا الأمر، لكن مُلحقا صغيرا بسعر لا يتجاوز 50 دولارا قادر على إضافة هذه الخاصيّة.(8)
هذه البداية فقط، ومع مرور الوقت قد تُطلق الشركة غطاء حماية مُزوّد بمعالج وذواكر وصول عشوائي، وبالتالي يُمكن بعد سنتين أو ثلاثة شراء الغطاء ورفع قدرات الجهاز دون الحاجة إلى استبداله، خصوصا أنه مصنوع من مواد مقاومة للخدوش والصدمات بشكل كبير.
أما المُساعد الرقمي فهو لن يكون مُجرّد مساعد آخر في سوق بدأ بالازدحام لتوّه، فالشركة فضّلت بناء نظام تشغيل جديد عوضا عن استخدام أندرويد الذي يعرف روبن جميع خباياه.
سيوفّر نظام "آمبينت أو إس" واجهات برمجية "إيه بي آي" (API) تسمح لجميع أنظمة التشغيل دون استثناء بالتخاطب معه، وذلك للتحكّم بالأجهزة المُختلفة، وخصوصا أجهزة إنترنت الأشياء. بمعنى آخر، يسعى روبن من خلال نظام تشغيله الجديد إلى إنشاء معيار افتراضي جديد يُريح الشركات بمجرّد دعمه، تماما مثلما فعل في أندرويد عندما كسب ود شريحة كبيرة جدا من الشركات.
أساس المُشكلة في أجهزة إنترنت الأشياء يكمن في التشتّت الكبير، فإذا ما أرادت شركة مُتخصّصة في إنتاج الأجهزة الكهربائية المنزلية جعلها مُتصّلة بالإنترنت، تحتاج لدعم "آي أو إس"، و"أندرويد"، دون نسيان ويندوز، وتايزن، وهذا جهد كبير جدا يزداد مع مرور الوقت، خصوصا مع كثرة الإصدارات المُشتقّة من تلك الأنظمة.
هُنا يأتي دور "آمبينت أو إس" لكي يكون طبقة وسيطة بين الشركات من جهة، وبين أنظمة التشغيل من جهة أُخرى، أي أنه سيُقرّب المسافة بحيث تخطو الشركات التقنية خطوة باتجاه شركات إنتاج أجهزة إنترنت الأشياء، وكل هذا بجهود "إيسنشال" بكل تأكيد.(8)
تلك النُقاط تعكس أن كل شيء قدّمته الشركة وستُقدّمه -على الأغلب- جاء لغاية في نفس يعقوب، وما هذه سوى البداية فقط، فالحكم المُسبق على جهاز أو شركة أمر خاطئ، لكن وجود روبن خلف تلك الأجهزة يُعطيها نقطة إضافية عند الحديث عنها، إلى جانب مئات الملايين من الدولارات من الناحية الماديّة، فالاستثمارات التي حصلت عليها "إيسينشال" تُقارب مليار دولار أميركي، وهذا يؤكّد وجود رؤية كاملة، وليست مُجرّد رغبة في دخول السوق.
أندي روبن وطفلته الرضعية "إيسنشال" يُمكن إسقاطهم على محور الشركات السابقة أيضا، لأن روبن أيقن تماما مشكلات نظام أندرويد والتجزئة الكبيرة الحاصلة في السوق بسببه، ولهذا السبب قرّر حل تلك المُشكلة بأجهزة جديدة، ونظام تشغيل جديد أيضا.
الصفر بالنسبة لـ "ثيل" يعني عدم وجود التقنية، والواحد يعني أن التقنية وجدت بفضل شركة ما. هذا يعني أن روبن لم يقفز من الصفر إلى الواحد، بل قفز إلى الواحد فورا، أي توجّه إلى سوق فيه منافسين بالفعل، وهذا يعني صعوبة أكبر، لكنها البداية، وبشكل كبير قد ينجح في إثبات أن ما قام به كان انتقالا من الصفر إلى الواحد، رغم أنه يبدو عكس ذلك تماما في الوقت الراهن.
عندما خرج أندرويد للعلن كان كقفزة مُباشرة أيضا إلى الواحد في ظل وجود "آي أو إس"، وويندوز فون، وغيرها من أنظمة تشغيل الهواتف، لكن تبيّن لنا فيما بعد أن القفزة في حقيقة الأمر كانت من الصفر إلى الواحد، لأن أندرويد -رفقة "آي أو إس"- أعاد تعريف أنظمة تشغيل الهواتف الذكية بشكل خاص، والأجهزة الذكية بشكل عام.