شعار قسم ميدان

لماذا لم تتأثر سامسونغ وآبل بمنافسة الشركات الصينية؟

midan - logos

أعلنت شركة "هواوي" (Huawei) الصينية، ثالث أكبر مُصنّع للهواتف الذكية على مستوى العالم، عن رغبتها في الخروج من سوق الهواتف الذكية ذات المواصفات المُنخفضة، لتكون بذلك آخر الكبار المُتمرّدين على السوق الذي بدأت منه(1).

 

"إتش تي سي" (HTC) أيضًا تناولت نقس النقطة، فهي ومع بداية 2017 ذكرت أنها ترغب بالتركيز على الهواتف الذكية مُتوسطة المواصفات، وتلك الرائدة كذلك(2). أما سوني، فهي ومنذ 2014 رمت المنديل للتوجّه لفئات أكثر كفاءة(3)كانت الهواتف الذكية ذات المواصفات والشريحة السعرية المُنخفضة لُقمة تسعى وراءها جميع الشركات تقريبًا. لكنها اليوم أضحت مُجرّد طريق لا يرغب أحد في السير فيه أبدًا. كما أن شركات كُبرى لم تدخله، ولن تدخله أبدًا.

 

تخطيط السوق
أنشأ "ستيف جوبز" وهاتف "آيفون" حالة جديدة في سوق الهواتف الذكية بسبب سعر الهاتف المُرتفع آنذاك. بل وكانت التعليقات الأولى على الجهاز تصف غباء تسعيره في ظل مُخالفته لما هو سائد في السوق من ناحية المواصفات(4). لكن شركات على غرار سامسونغ و"إتش تي سي" وجدت أن هناك إقبال لا بأس به، لتسير هي الأُخرى في نفس الطريق. وبطبيعة الحال، لن تتمكّن جميع الفئات من شراء هاتف ذكي بسعر يتجاوز 500 دولار أميركي، لذا بدأت النهضة التقنية الحقيقية القادمة من الصين لإنتاج هواتف بشاشات تعمل باللمس وبنظام أندرويد وبأسعار لم يحلم بها أحد.

 

دورة إنتاجية سريعة ورائعة وفّرتها تلك النهضة، فالجميع قرّر ركوب هذا المركب وإنتاج هواتف ونشر علامته التجارية هُنا وهناك في جميع الأسواق أيًا كانت ظنًّا أنها المعادلة الأنجح والأفضل. وخرجت جرّاء ذلك أجهزة بشاشات تعمل باللمس، لكن ليس بلمس الإصبع، بل عن طريق استخدام أي شيء آخر، وهذا مثال على رداءة تلك الأجهزة. هذا بدوره أدّى بالفعل لسُمعة سيئة للهواتف الذكية القادمة من الصين، وهو ما ساعد الشركات الكُبرى على بسط سيطرتها، خصوصًا تلك التي استغلّت الموقف وأطلقت هواتف ذات مواصفات متوسّطة وبأسعار مقبولة نوعًا ما، ولعل سامسونغ أحدهم.

  

رأت بعض الشركات، منها
رأت بعض الشركات، منها "ون بلس"، أن فكرة المواصفات المنخفضة للهواتف الذكية سيئة للغاية، لتتجه نحو المواصفات المتوسّطة وما فوقها
  

وبناءً على ذلك، اكتملت لوحة الهواتف الذكية وسوقها الذي أصبح مؤلّفًا من شريحة الهواتف الرائدة، آيفون من آبل، و"غالاكسي إس" من سامسونغ، و"نيكسوس" من غوغل. وشريحة متوسّطة المواصفات بأسعار مقبولة مثل هواتف شركة سوني "إكسبيريا" التي كانت تضع قدمًا هُنا، وقدمًا أُخرى مع الكبار. وأخيرًا شريحة الهواتف مُنخفضة المواصفات التي كانت كالبئر الجاف والعميق.

 

مبدأ التنين الصيني
بغضّ النظر عن الشريحة السعرية للهاتف أو للمُنتج أيًا كان، كانت الصين قادرة على إنتاجه بأسعار مُنافسة جدًا وبأي جودة يرغب العميل بها. وبالحديث عن الهواتف الذكية، رأت بعض الشركات، منها "ون بلس"، أن فكرة المواصفات المنخفضة سيئة للغاية، لتتجه نحو المواصفات المتوسّطة وما فوقها. وبالفعل، أطلقت الشركة جهاز بسعر خيالي لا يتجاوز 300 دولار أميركي وبمواصفات رائدة نوعًا ما، لتُعيد تشكيل سوق الهواتف الذكية من جديد مانحة الأمل للكثيرين.

 

نموذج ناجح جدًا قائم على الابتكار وتقليل التكاليف قدر المُستطاع مع الحفاظ على الجودة. لكن في المُقابل، كان هامش الربح قليل أيضًا عملًا بمبدأ الكثرة تغلب الشجاعة الذي تنتهجه الشركات الصينية في مجالات متنوّعة كالألبسة أو المُلحقات المنزلية المُختلفة. لكن سوق الهواتف الذكية ليس هكذا أبدًا.

 

"ون بلس" كانت أول العاملين تحت مظلّة النموذج الجديد، فهي تخلّت عن فكرة توفير مستودعات وإنتاج كمّيات كبيرة من أجهزتها لتجنّب زيادة التكاليف، لتستقبل الطلبات عن طريق الإنترنت فقط وتقوم بإنتاج الجهاز بعد الحصول على ثمنه لشحنه من المعمل إلى الزبون النهائي فورًا. كما خفّضت الشركة تكاليف التسويق التي عادة ما تكون خيالية في الشركات الكبيرة، فالشركة دفعت في هاتفها الأول 300 دولار أميركي فقط تكاليف الحملة التسويقية(5).

  undefined

 

وبهذه المعادلة البسيطة ظنّ البعض أن مُشكلة الهواتف مُنخفضة المواصفات انتهت وأن الحل في إنتاج هواتف بمواصفات تقنية جيّدة وبأسعار تنافسية، إلا أنهم وبعد ثلاثة أو أربعة أعوام اصطدموا بحاجز كبير جدًا، قد يمنعهم من الاستمرار فيما بعد.

 

عندما بدأت الأجهزة الصينية مُنخفضة المواصفات بالانتشار، بدأت بعض الشركات بردة فعل سريعة خوفًا من أن يُسحب البساط من تحت قدميها، بينما تصرّف البعض الآخر -مثل سامسونغ- بحنكة من خلال توفير أجهزة متوسّطة المواصفات لإرضاء شريحة أكبر. في ذلك الوقت، حافظت الشركات الكُبرى على ثباتها ولم تلتفت كثيرًا لأن خبرتها في السوق التقنية كبيرة وتعرف تمامًا ما الذي يجري، وما الذي سوف يجري أيضًا. لكن ومع ظهور الفُقاعة الثانية القائمة على نسف جزء كبير من التكاليف الاعتيادية لتقديم جهاز يتقبّله الجميع، كانت هناك ردّة فعل بسيطة وغير مبالغ فيها، أي أنها بعيدة عن الهلع.

 

آبل على سبيل المثال قدّمت للعالم هواتف "آيفون إس إي" (iPhone SE) ذات المواصفات المتوسطة والسعر المُنخفض نوعًا ما، وهذا عند مقارنته بأسعار أجهزة آيفون التي تصدر سنويًا. غوغل في المُقابل قدّمت جهازي "نيكسوس" في 2015، "نيكسوس 5 إس" (Nexus 5X)، و"نيكسوس 6 بي" (Nexus 6P)، وهذا لكسبّ ود شريحة أكبر.

 

لكن وبالنظر إلى هامش الربح الذي تضعه تلك الشركات، تبدأ حالات الهلع، فآبل مثلًا تضع في "آيفون إس إي"، وفي بقيّة هواتفها، ما لا يقل عن 150٪ كهامش ربح(6). نفس الأمر تقوم به سامسونغ وحتى غوغل(7)(8)، وهو ما يجعل البعض يصفها بالشركات الجشعة التي تبيع الاسم فقط. وهُنا يظهر السؤال الأبرز حول القوّة أو الطاقة التي تجعل تلك الشركات ثابتة في مكانها في مواجهة الطوفان الصيني دون خوف، فهامش ربح بهذا الحجم قد يدفع نسبة كبيرة لغيرها من الشركات، لكنها تبدو واثقة أكثر من ذي قبل.

 

تحدّي الجاذبية
undefined
 
غيّرت سامسونغ في 2017 ملامح الهواتف الذكية بعد إطلاق أجهزة "غالاكسي إس 8″ و"إس 8 بلس" التي جاءت بشاشة مُنحنية من الأطراف، تظهر وكأنها مُلتفّة ومُدمجة مع الجهاز أيضًا. لكن وعلى الرغم من هذا لم تتمكّن ولا شركة صينية من القيام بنفس الأمر لدفع عجلة مبيعاتها واللحاق بركب سامسونغ. التعليل والتفسير المنطقي لهذا الأمر جاء على لسان "بيت لو" (Pete Lau)، أحد مؤسّسي "ون بلس"، عندما قال إن الشركة لا تمتلك الموارد التي تسمح لها باستخدام شاشة مُنحنية الأطراف في "ون بلس 5"(9).

 

ليست "ون بلس" الوحيدة، بل حتى "أوبو" (Oppo)، أو "شاومي" (Xiaomi) لن تكون قادرة على القيام بنفس الأمر على الرغم من كونها من بين الشركات الخمس على مستوى العالم من ناحية مبيعات الهواتف الذكية(10)، وهذا أيضًا لأنها لا تمتلك الموارد الكافية. أغفلت مُعظم الشركات الصينية عينها عن الحقيقة، بل حتى كانت تائهة في تحديد هدفها من دخول سوق الهواتف الذكية بشكل رئيسي وذلك بسبب الاندفاع خلف جاذبية الربح خصوصًا بعد مُشاهدة نماذج مثل "إتش تي سي" أو سامسونغ تنمو وتكبر وتُسيطر على العالم شيئًا فشيئًا.

 

في 2017، يُمكن لأي شركة دخول سوق الهواتف الذكية وإطلاق هواتف بسهولة تامّة، فالمعالج ووحدة معالجة الرسوميات يُمكن الحصول عليها من كوالكوم رفقة شرائح الاتصال بالإنترنت. والشاشة من سامسونغ أو "إل جي" (LG). أما الكاميرا فهي من سوني على اعتبارها الرائدة في هذا المجال، وبقيّة المكونات تتوزّع ما بين توشيبا، و"تي إس إم سي" (TSMC) التايوانية، لتكون المعادلة هاتف ذكي جديد من شركة جديدة كذلك. لكن الطريق إلى أين؟ لا أحد يدري لأن تلك الشركات لم تُحدّد هدفها الرئيسي عكس الشركات الكُبرى التي بقيت صامدة ليس بسبب اسمها فقط، ولا بسبب تنوّع نماذج ربحها، بل لأنها تعلم تمامًا ما الذي تقوم به.

   

عندما تضع سامسونغ هامش ربح يفوق الـ 100٪ من تكلفة إنتاج الجهاز فهذا لعوامل كثيرة أهمها الاستمرار في السوق وتقديم منتجات ثورية باستمرار، فالشاشات الجديدة لم تحصل عليها من مصانع جاهزة، بل قامت بتطويرها وإجراء الكثير من الأبحاث حتى وصلت لنتيجة مُرضية سوف تُستخدم في جميع أجهزة "غالاكسي إس" و"غالاكسي نوت" القادمة ابتداءً من 2017.

  

السيولة النقدية قوّة في يد الشركات التقنية، وهي التي تسمح لها بالاستمرار في الإبداع دون أن ينظر المُستخدم لأسعارها على أنها مُبالغ فيها؛ لأنه يعي تمامًا أن كل شيء بمقابل
السيولة النقدية قوّة في يد الشركات التقنية، وهي التي تسمح لها بالاستمرار في الإبداع دون أن ينظر المُستخدم لأسعارها على أنها مُبالغ فيها؛ لأنه يعي تمامًا أن كل شيء بمقابل
  

نفس الأمر قامت به غوغل في هواتف بيكسل عندما قدّمت تجربة تصوير فريدة من نوعها، فهي استثمرت جهود ومبالغ في تطوير خوارزميات لمعالجة الصور بأفضل شكل مُمكن، وما هي سوى بداياتها في هذا المجال. حالها حال "إتش تي سي" التي نفضت غُبار التبعية عن نفسها وقدّمت "يو 11" (U11) بحواف تتعرّف على قوّة الضغط على الشاشة.

 

نفس الأمر في آبل، فتقديم خاصيّة اللمس ثلاثي الأبعاد القادرة على استشعار قوّة الضغط على الشاشة لم يأتي من فراغ، أو من تقنية قامت شركة ما بتطويرها. بل جاءت بعد تجارب واختبارات واستثمارات طويلة من قبل فرق البحث والتطوير المسؤولة عن تقديم أفكار جديدة وتجربتها بشكل دائمة، وهي فرق عمل تُصرف عليها مليارات الدولارات في جميع الشركات الكُبرى.

 

السيولة النقدية قوّة في يد الشركات التقنية، وغير التقنية أيضًا. وهي التي تسمح لها بالاستمرار في الإبداع وتقديم كل ما هو جديد دون أن ينظر المُستخدم لأسعارها على أنها مُبالغ فيها لأنه يعي تمامًا أن كل شيء بمقابل. ومن أجل مُطالبة تلك الشركات بتقديم منتجات ثورية مع مرور الوقت، يجب أن يُدفع سلفًا للحصول عليها، وإلا ستُعلن فشلها وإفلاسها أو بيعها لأحدهم، ولعل شركة "لينوفو" (Lenovo) التي كانت ثاني أكبر مُصنّعي الهواتف الذكية في الصين خير دليل، فهي فشلت في مواكبة التطور وخسرت جولة وفاتها الاحتفال، صحيح أنها تبيع الهواتف تحت شعار موتورولا، لكنها محاولة منها لصبّ الجهود في مكان واحد(11).

المصدر : الجزيرة