شعار قسم ميدان

مقطوعة آبل الموسيقية.. "هوم بود" ليس مجرد مساعد منزلي!

ميدان - تقنية1

كعادتها، وصلت شركة آبل مُتأخّرة إلى سوق المساعدات المنزلية، بل كانت آخر الواصلين تقريبًا بعد كل من أمازون، وغوغل، ومايكروسوفت.

 

الوضع هذه المرّة كان مُختلف، فهي عادة وعندما تصل مُتأخّرة تلجأ لمعادلة بسيطة تتلاعب فيها بالمُسمّيات مع إضافة بعض الميّزات الجديدة للجهاز لتمييزه عن البقيّة. إلا أن الحال لم يكن كذلك أبدًا مع المساعدات المنزلية، صحيح أنها استخدمت ذات المبدأ، لكن تغييرات جوهرية كانت ظاهرة. ولإيضاح الصورة بشكل كامل، لم تكن تلك التغييرات ظاهرة خلال مؤتمرها الأخير للمُطوّرين الذي جرى مؤخرًا فقط. بل كانت ظاهرة منذ عام 2006 على لسان ستيف جوبز آنذاك.

 

2017
قدّمت شركة آبل جهازًا من فئة جديدة حمل اسم "هوم بود"، وهو جهاز يعمل بمعالج "إيه 8" (A8) لتنظيم التقنيات الموجودة في الداخل(1). فإلى جانب مُكبّر الصوت الموجود على الوجه العلوي للجهاز، يحمل الجهاز ستة مايكروفونات لالتقاط صوت المُستخدم حتى في حالات الضجيج أو عند وجود صوت مرتفع داخل الغرفة.

  

لو وضع الجهاز على الطاولة وخلفه مُباشرةً الحائط، ستقوم المُستشعرات برصد ارتداد الصوت السريع من الخلف، وبالتالي ستقوم بتقليل شدّته ودفعه من جهات أُخرى قد تكون أكثر فاعلية
لو وضع الجهاز على الطاولة وخلفه مُباشرةً الحائط، ستقوم المُستشعرات برصد ارتداد الصوت السريع من الخلف، وبالتالي ستقوم بتقليل شدّته ودفعه من جهات أُخرى قد تكون أكثر فاعلية
    

ولضمان توزيع أفضل للصوت، يحمل الجهاز مصفوفة مؤلّفة من سبعة مُكبّرات صغيرة على الوجه السُفلي، وهي متموضعة على شكل حلقة دائرية. الأهم من هذا هو وجود مُستشعرات قادرة على رصد ارتداد الصوت لتحديد قوّته والطريقة الأمثل لإصداره.

 

لو وضع الجهاز على الطاولة وخلفه مُباشرةً الحائط، ستقوم المُستشعرات برصد ارتداد الصوت السريع من الخلف، وبالتالي ستقوم بتقليل شدّته ودفعه من جهات أُخرى قد تكون أكثر فاعلية. نفس الأمر سيتكرّر لو وضع جهازي "هوم بود" بجانب بعضهما البعض، فلتجنّب ضياع جودة الصوت، ولضمان انتشاره بالشكل الأمثل، سيقوم الجهاز بتقليل قوّة المُكبّر المواجه للجهاز الآخر.

 

وعملًا بتلك الآلية البسيطة، سيكون الجهاز قادرًا على الإلمام بالوسط الذي يتواجد به لضبط قوّة الصوت بأفضل شكل مُمكن. ولمنح الجهاز أفضليّة على المنافسين، أضافت الشركة دعمًا لخدمة "آبل ميوزك" (Apple Music) لتتوفر بذلك أكثر من 40 مليون أغنية أمام المُستخدم(2)، دون نسيان سيري لتنفيذ الأوامر الصوتية المُختلفة.

  

يحمل الجهاز مصفوفة مؤلّفة من سبعة مُكبّرات صغيرة على الوجه السُفلي، ومُستشعرات قادرة على رصد ارتداد الصوت لتحديد قوّته والطريقة الأمثل لإصداره (آبل)
يحمل الجهاز مصفوفة مؤلّفة من سبعة مُكبّرات صغيرة على الوجه السُفلي، ومُستشعرات قادرة على رصد ارتداد الصوت لتحديد قوّته والطريقة الأمثل لإصداره (آبل)

  

بالنظر إلى الميّزات السابقة نجد أن قوّة الجهاز تكمن في آلية بث الصوت وطريقة التعرّف على ارتداد الأصوات في الغرفة، وحجمها، إضافة إلى الحواجز الموجودة فيها. وهذا يعني أنه جهاز لتشغيل الموسيقى. ومن جهة أُخرى، قد يقبع ما سبق تحت وصفة آبل الناجحة عندما تصل مُتأخّرة، أي تقديم منتجها بعد التلاعب بالمُسمّيات وإضافة بعض الميّزات. فهي لا ترى "هوم بود" مساعد منزلي بقدر ما تراه جهاز منزلي لتشغيل الوسائط.

 

كشف حساب
في (فبراير/شباط) 2006 بدأ ستيف جوبز حديثه في أحد مؤتمرات آبل عن رغبة الشركة في الذهاب لما هو أبعد من الأجهزة التي كانت فريدة من نوعها في ذلك الوقت في مجال تشغيل الموسيقى، آيبود، وتحديدًا منزل المستخدم والأماكن التي قد يُفضّل تشغيل الموسيقى فيها بصوت مرتفع.

 

واستعرض كذلك مجموعة من الأجهزة الموجودة في السوق التي يُمكن من خلالها استخدام أجهزة آيبود لتشغيل الموسيقى ومشاركة تلك اللحظات مع بقيّة الأشخاص. لكن المُشكلة كانت بأن تلك الأجهزة لم تكن كافية لتقديم جودة صوت عالية. وأضاف أن الخيارات مُرتفعة الثمن موجودة أيضًا، لكنها ليست للفئة التي تستخدم آيبود لأن أسعارها تتجاوز عتبة الـ 1000 دولار أميركي(3).

 

في (يونيو/حزيران) 2017 خرج "فيل شيلر" (Phil Schiller)، مسؤول قسم التسويق في آبل، أمام قاعة مُكتظّة بأكثر من 5000 شخص بادءًا حديثه عن وجود مُكبّرات صوت ذات جودة عالية حاليًا، لكنها وللأسف لا تُقدّم الحزمة الكاملة، أي أن المُستخدم بحاجة لجهاز آخر لوصله بها وتشغيل الموسيقى. ثم تطرّق كذلك لمنتجات موجودة في السوق تُقدّم الحزمة الكاملة، لكن جودة الصوت فيها رديئة ولا تصلح.

  

undefined

  

النتيجة النهائية بعد كلام جوبز في 2006 كانت الكشف عن جهاز "آيبود هاي-فاي" (iPod Hi-Fi) الذي يسمح بوصل أجهزة آيبود وتشغيل الموسيقى والاستماع لها بجودة عالية جدًا. أما مُقدّمة شيلر فكانت متبوعة بالكشف عن جهاز "هوم بود" لتشغيل الموسيقى باستخدام خدمة "آبل ميوزك". ولإكمال النسخ الكربوني، باعت آبل جهازها في 2006 بسعر 349 دولار أميركي، وهو نفس سعر جهاز الذي كشفت عنه في 2017.

 

ما سبق يعكس رؤية آبل الحقيقية ورغبتها في دخول مجال أنظمة الصوت المنزلية منذ أكثر من عقد كامل من الزمن، صحيح أن جهاز "آيبود هاي-فاي" فشل وتوقّف بعد عام واحد من الكشف عنه. لكنها عادت في 2017 مُتأملةً أن يكون الوضع مُغاير تمامًا، وأن تكون قادرة هذه المرّة على دخول المنازل بعد التسلّح بخدمتها للموسيقى رفقة سيري.

 

ويعكس أيضًا -بصورة أو بأُخرى- تركيز آبل الكبير على قطّاع الخدمات وتحديدًا خدمتها للموسيقى، فهي تمتلك الآن أكثر من 27 مليون مشترك(4). مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا القطاع جلب لها أكثر من 7 مليار دولار أميركي خلال الربع المالي الثاني من عام 2017 (5).

      

يُمكن أن ينتهي الحديث هنا لإثبات أن آبل لم تأتي مُتأخّرة، أو أنها لم تُكرر الموجود في السوق وأنها ما زالت تمتلك رؤيتها الخاصّة. لكنه ليس الهدف، فالأجدر هو أن نأخذ ببعض الأخبار الأُخرى التي تؤكّد إصرار الشركة على إطلاق جهاز منزلي لتشغيل الموسيقى عوضًا عن إطلاق مساعد منزلي على غرار "هوم" من غوغل.

 

قُبيل مؤتمر المُطوّرين خرجت بعض الأخبار للحديث عن رغبة آبل في دخول مجال المساعدات المنزلية. كما ذهبت بعض المصادر لتأكّيد هذا الأمر ووصف التقنيات الموجودة، حيث ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن آبل تعمل على مساعد منزلي يحمل تقنيات قادرة على استشعار الوسط المُحيط لبث الصوت بأفضل جودة مُمكنة(6). وهذا ما حصل بالفعل بعد إطلاق "هوم بود" المزوّد بتقنيات تقوم بالتقاط ارتداد الصوت لبثّه من المُكبّرات بالشكل الأمثل.

  undefined

  

وفي ذات الوقت، ذكرت مصادر أُخرى أن آبل اختبرت بالفعل نموذج لجهاز منزلي مُزوّد بكاميرا وبشاشة أيضًا، وهو وبصراحة الأمر الأكثر منطقية، فهي لو أرادت كسب ود شريحة أكبر في مجال المساعدات المنزلية لركّزت على إغلاق القصور الحاصل في السوق(7).

 

لو كان الجيل الأول من المساعدات المنزلية يعتمد على مُكبّر صوت ومجموعة من المايكروفونات فقط، فإن الجيل الثاني كان واضحًا وضوح الشمس أنه سيأتي بشاشة على الأقل لعرض الإجابات بسبب الحاجة لهذا الأمر. أما تزويده بكاميرا، فهي نقطة إضافية قد تُسهّل من إجراء المُكالمات أو ربُما التحكّم بالجهاز عن طريق حركة اليد. ولهذا السبب، أطلقت أمازون مساعد منزلي جديد مُزوّد بشاشة حمل اسم "إيكو شو" لسد النقص. أما غوغل فهي طوّرت واجهات "غوغل هوم" البرمجية ليُصبح قادرًا على بث الإجابات وعرضها على الأجهزة الذكية الأُخرى على غرار أجهزة التلفاز.

 

وصول آبل المُتأخّر إلى فئة مُعيّنة أمر مفهوم، لكنها أن تصل وهي متأخّرة بجيل كامل فهذا أمر فيه نوع من القصور في الرؤية. وهذا في ذات الوقت يُعزّز من فرضية أنها لا تُركّز على إطلاق مساعد منزلي لتشغيل سيري عن طريق الأوامر الصوتية، بل غايتها دفع عجلة قطاع الخدمات لديها بشكل أو بآخر.

 

ستصل أجهزة "هوم بود" إلى الأسواق في (ديسمبر/كانون الأول) 2017، أي أن هناك ستة أشهر بين الإعلان عنها ووصولها للمستخدمين، وبالتالي لن تقوم بالكشف عن جيل آخر في مؤتمرها القادم للمُطوّرين في (يونيو/حزيران) 2018، لأنه ليس من المنطقي أن تكشف عن جيل جديد من جهاز لم يقضي بضعة أشهر لتجنّب سخط المُستخدمين. وهذا يعني إما أنها ستلجأ للكشف عن الجيل الثاني من "هوم بود" في الربع الأخير من 2018، أو أن تؤجّله حتى 2019.

  undefined

   

والآن يُمكننا طرح السؤال من جديد، هل صدقت آبل بالفعل عندما قالت إن "هوم بود" هو جهاز منزلي لتشغيل الموسيقى وليس مُساعد منزلي فقط؟ استنادًا على كلام جوبز في 2006 وعلى رؤية آبل الخاصّة بقطاع الخدمات، إضافة إلى توجّه سوق المساعدات الرقمية وبدء الجيل الثاني بالظهور، دون إهمال موعد وصول جهاز آبل للأسواق، فإنها قد تكون صادقة بالفعل في هذا الأمر، أو ترغب بالأقل في تقسيم الكفّة بين "آبل ميوزك" وسيري، مع ميلان طفيف نحو الأولى التي ستُساعدها على جلب مكاسب ماديّة أكبر من سيري خصوصًا أن آبل من الشركات التي تُعارض جمع بيانات المُستخدمين لبيعها فيما بعد.

 

لم يقف تيم كوك بدوره مكتوف الأيدي، ففي لقاء أجراه بعد مؤتمر المطوّرين أكّد بنفسه من جديد أن "هوم بود" هو جهاز لتشغيل الموسيقى في المنزل أكثر من كونه مساعد رقمي لأنه يرى أن استخدام سيري ممكن داخل المنزل عن طريق أكثر من جهاز عبر هواتف آيفون أو ساعات آبل الذكية. وهذا يعني أن المستخدم ليس بحاجة لجهاز آخر لاستخدام سيري، بل هو بحاجة "هوم بود" لتشغيل الموسيقى بأفضل جودة مُمكنة(8).

 

أما بخصوص وصول الشركة متأخّرة، فخطّة آبل -وفقًا لكوك- ليست الوصول قبل الجميع إلى الأسواق، لأنها دائمًا ما تسعى لتقديم أفضل المُنتجات ولنا كمُتابعين في هواتف آيفون أو أجهزة آيبود خير مثال؛ فالأول لم يكن أول هاتف ذكي، والثاني لم يكن أول جهاز لتشغيل الموسيقى، حالهم حال حواسب آيباد اللوحية التي لم تكن أول الواصلين للأسواق، والقائمة تطول.

المصدر : الجزيرة