شعار قسم ميدان

هل تنجح "تسلا" بالسيطرة على سوق السيارات الكهربائية؟

ميدان - تسلا سيارة كهربائية قيادة ذاتية

ظهرت فكرة السيارات ذاتية القيادة والسيارات الكهربائية منذ وقت قصير، ورغم أن وجودها على الطريق كان أمرا بعيد المنال ولا يُصدَّق ، فإن العديد من الشركات المصنعة للسيارات في العالم، مثل تويوتا، هوندا، بي إم دبليو وجنرال موتورز وغيرها، استطاعت تقديم نماذج لسيارات ذاتية القيادة  لكنها هجينة ولم تكن كهربائية بالكامل، إلى أن ظهرت شركة "تسلا" وتغير كل شيء.

 

تسلا هي شركة أميركية متخصصة في صناعة السيارات الكهربائية، كما تقوم بإنتاج بطاريات الليثيوم  والألواح الشمسية، أسّسها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك في 2003، وبعد مُضي عشرة أعوام على التأسيس ظهرت أول سيارة كهربائية للشركة من طراز إس.

 وقد تم تصميم السيارة من الألف إلى الياء لتكون أكثر أمانا على الطريق من خلال أداء لا مثيل له، وعبر الطاقة الكهربائية التي تعمل بها سيارة "تسلا إس" يمكن الانطلاق من صفر إلى 60 ميلا في الساعة خلال 2.5 ثانية، والسيارة الكهربائية ذاتية القيادة لجعل الحركة على الطرق ليست فقط أكثر أماناً ولكن خالية من التعب والإجهاد أيضا.
 

  سيارة تسلا إس، ذاتية القيادة بالكامل

 

بعد ذلك تم إطلاق السيارة الثانية تسلا إكس، وهي عبارة عن سيارة رياضية مصممة للعائلة، مع مقاعد واسعة تتسع لسبعة أشخاص بالغين ومميزات أمان قياسية؛ إذ يمكنها قطع مسافة 295 ميلا في الشحنة الواحدة للبطارية.

 أما السيارة الأخيرة وهي "تسلا" موديل 3 فجاءت أصغر حجما من السيارتين السابقتين، ورغم ذلك فإن هذه الفئة من السيارات الكهربائية توفر أعلى درجات السلامة ويمكنها الوصول إلى مسافة 2200 ميل دون إعادة شحنها، كما تستطيع التسارع من الصفر وحتى 60 ميلا خلال 5 ثوان، ويبلغ سعرها 35 ألف دولار أمريكي، وهي متاحة للطلب المسبق لتكون متوفرة خلال العام المقبل.

 خلال تلك الفترة التي أعلن فيها إيلون ماسك عن السيارات الثلاث، جذبت شركة "تسلا" الاهتمام بشأن سياراتها الكهربائية وخاصية القيادة الآلية، وأصبحت رمزا للسيارات المستقبلية الرائدة والآمنة بتكلفة غير مبالغ فيها، وهنا تكمن المشكلة لإيلون ماسك  طبقا لمحلل قسم السيارات في شركة غارتنر مايك رامسي، الذي يظن أن للشركة أثرا كبيرا في تحفيز العلامات التجارية الفاخرة الأخرى لتقديم قدرات وسيارات مماثلة، وإذا لم تواكب "تسلا" التقدم فلن يكون حالها أفضلَ من  شركة الهواتف الذكية "بلاك بيري" أو "نوكيا" ومثيلاتهما.

 

المنافسة في سوق السيارات الكهربائية
انهارت بلاك بيري بسبب اقتناعها بعدم الحاجة لتطوير منتجاتها، وثقتها الزائدة في عدم وجود أفكار منافسة قوية
انهارت بلاك بيري بسبب اقتناعها بعدم الحاجة لتطوير منتجاتها، وثقتها الزائدة في عدم وجود أفكار منافسة قوية

 

الفرق بين الشركة التي تستمر والشركة التي تنتهي هو فهم الأولى أنّه في عالم الأعمال إما التّجٙدد أو الانهيار، وبلاك بيري هي شركة كندية استطاعت تحقيق نجاحات باهرة في سوق الهواتف الذكية إلى أن سقطت في النهاية ولم تستطع الصمود لفترة طويلة في السوق بسبب اقتناعها بعدم الحاجة إلى تطوير منتجاتها، وثقتها الزائدة في عدم وجود منافسة قوية. وقد كانت هذه الأفكار غير التطورية "القشة التي قصمت ظهر البعير" بعد دخول "أبل" و"سامسونغ" و"غوغل" وغيرها مجال الهواتف الذكية بقوة، إذ طورت معايير تصميم وصناعة الهاتف الذكي، إلى جانب تطوير برمجيات الهاتف وأنظمة التشغيل لتكون أكثر ملاءمة للمستخدمين.
 

ومع سيارات "تسلا" الكهربائية الرائعة، زادت شعبية الشركة كثيرا ليصبح حجمها أكبر وأعمالها أكثر، لكنها لم تعد الظهير الرباعي الوحيد في السوق، إذ بدأت المنافسة تحتدم وبقوة لنجد شركتي "أودي" و"بورش" تقدمان لنا مفهوم سيارة كهربائية خلال معرض فرانكفورت للسيارات. كما أطلقت "فورد" سيارتها "فوكس"، وأظهرت الشركة الألمانية "مرسيدس بنز" اهتماما بهذا الأمر، فيما أطلقت "بي إم دبليو" بعض نماذجها على الطريق. أما "جنرال موتورز" فقد قامت ببناء سيارتها الكهربائية "شيفروليه فولت" من أجل منع "تيسلا" من التقدم والهيمنة على سوق السيارات الكهربائية وحدها.

 

هل هذا يكفي لإيقاف تسلا؟
 إلون ماسك مؤسس تسلا

  

في كلمة واحدة "لا"، لأن "تسلا" تسعى إلى إثبات قدرة السيارات الكهربائية كبديل حقيقي للسيارات التقليدية، وبالطبع  لن تجعل الشركات المصنعة للسيارات الأمر سهلا عليها، فلم يقتصر الأمر على إنتاج سيارات تقليدية فاخرة، بل لجأت تلك الشركات إلى التكنولوجيا من أجل منافسة "تسلا" في المنتج الذي تعمل عليه عبر تقديم قدرات مماثلة، ومنها القيادة الذاتية وتأمين الراكب عبر امتصاص الصدمات والتقليل من خطر الانقلاب والتنبيه عند الاقتراب من جسم متحرك.. لكن هذا لا يعني أن "تسلا" سوف تلقى مصير "بلاك بيري" أو "نوكيا"، فهي تعلم أن أسوأ شيء يمكن القيام به الآن هو الثقة الزائدة والاعتقاد بأن إستراتيجيتها في العمل سوف تمكث إلى الأبد.

يتوقع المستثمرون أن تكون "تسلا" مثل "أبل" عندما ظهرت في 2007 وأبهرت الجميع وخير دليل على ذلك هو تجاوز قيمتها السوقية لشركة "جنرال موتورز"، أكبر صانع سيارات أمريكي. ورغمم ذلك  فالمستقبل عصي على التنبؤ، لأن "تيسلا" في الوقت الراهن تواجه مشاكل إنتاج خطيرة؛ فهي تحتاج إلى إطلاق سيارتها المنتظرة "موديل 3" بأقل سعر، ولديها تأخير يصل إلى مدة سنة، ويبدو أنها أدركت أن صُنع السيارات ليس سهلا من الناحيتين التشغيلية والمالية، خاصة على نطاق واسع.

 

تواجه السيارات الكهربائية أيضًا العديد من المشاكل المتعلقة بالشحن على الطريق، إلا أنه وفي هذه اللحظة، هناك ما يقرب من 3000 شاحن فردي في جميع أنحاء العالم وأكثر من 500 محطة شحن، مع المزيد في المستقبل. كما قامت "تسلا" بحل جزء من هذه المشكلة عندما جعلت بطارية السيارة تُشحن بنسبة 80% في أقل من ساعة واحدة. وإذا كانت "تسلا" تسعى إلى تسليم 500 ألف سيارة كهربائية سنويا بحلول 2020 فسوف تحتاج إلى بناء المزيد من محطات الشحن الفائق، وهذا ما تفعله الشركة، إذ تعمل على تطوير شبكة شحن فائقة لمساعدة مالكي سيارات "تسلا" الكهربائية في القيادة في الولايات المتحدة الأميركية بدون قلق أو خوف من انتهاء شحن البطارية أثناء السير على الطريق. 

  

كيف ستكون سيارة المستقبل؟

 يمكن القول إن سيارة المستقبل الكهربائية سوف تتحدد بناءً على عاملين هما البطاريات والبرمجيات؛ بالنسبة إلى البطارية لا يمكن اعتبارها ميزة تنافسية كبيرة عند تصنيع وبيع السيارة لأنها يمكن أن تصبح سلعة. أما البرمجيات فتعدّ واحدة من وجهات الاستثمار الرئيسية لشركات التكنولوجيا والسيارات، فنجد "غوغل" و"أبل" و"أمازون" و"أوبر" تتنافس لتطوير أفضل التكنولوجيات في مجال السيارات. وحتى لو كانت تسلا في المقدمة فلا يمكن لأحد معرفة الفائز في هذا السباق أو الاعتقاد بأن "تسلا" لن تفوز وسوف تعاني من مصير "بلاك بيري" ونوكيا.

  

هل تهدد السيارات الكهربائية اقتصاد الخليج؟

undefined

 

مع تقدم التكنولوجيا والبحث عن بدائل صديقة للبيئة، يسعى زعماء العالم إلى إحداث تغيير جذري لإزالة الكربون قبل 2070 والحد من الانبعاثات قبل 2040، ولهذا أعلنت بعض الدول، مثل فرنسا وإنجلترا حظر بيع سيارات الديزل والبنزين بدءا من 2040 لإحلال المركبات الكهربائية مكانها. ويُنبئ هذا الأمر بصعوبات هائلة أمام منتجي النفط، وخاصة في الشرق الأوسط، بعد الضائقة المالية نتيجة هبوط الأسعار حاليا. وقد توقع محللون باركليز أن اعتماد السيارات الكهربائية وتحسين كفاءة استهلاك الوقود ومحاولات الدول الأوروبية الحد من استخدام الوقود الأحفوري سوف تؤثر على الإنتاج اليومي للنفط لمنظمة "أوبك"، إذ يمكن أن يلغي 3.5 ملايين برميل يوميا بحلول 2025، وهذا الرقم يعادل تقريبا إجمالي الإنتاج في إيران، والذي يضخ حوالي 3.8 ملايين برميل يوميا وفقا لـ"رويترز". 

  
أما منظمة "أوبك" نفسها فقد أعلنت أنه إذا ما شكلت السيارات الكهربائية ثلث سوق السيارات بحلول 2040 فإن هذا الأمر سيؤدي إلى إلغاء 90% من الإنتاج اليومي للمملكة العربية السعودية، وسوف يهبط الطلب العالمي على النفط إلى 96.8 مليون برميل يوميا.
  

وقد حذر وزير النفط السعودي السابق الشيخ أحمد زكي يماني، في مقابلة مع تلغراف، قبل خمسة عشر عاما، من أن هذه اللحظة قادمة لا محالة؛ إذ قال "بعد ثلاثين عاما من الآن ستكون هناك كمية كبيرة من النفط، وليس هناك مشترون، وسوف يُترك النفط في الأرض".. ويبدو أنهم لم يستمعوا إليه آنذاك. ويشكل النفط 56.8% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية و55.6% في العراق، بينما يصل في ليبيا إلى 45.7%، أما إيران فيشكل النفط 29.6% من الناتج الإجمالي لها.

 

وأخيرا، تتوقع مؤسسة "بلومبيرغ" لتمويل الطاقة الجديدة "BNEF" أنه في غضون ثماني سنوات سوف تكون السيارات الكهربائية رخيصة الثمن، مثل سيارات البنزين، وأن عدد السيارات الكهربائية قد يصل من 40 إلى 70 مليون سيارة بحلول 2025، وسوف ينمو الأسطول إلى 530 مليون سيارة كهربائية بحلول 2040.

المصدر : الجزيرة