شعار قسم ميدان

"ديكس وليندا".. ثورة تقنية قد تغير مفهوم الهواتف للأبد

midan - razer

في وقت ليس ببعيد أبدا، كانت الحواسب المكتبية ثم المحمولة أجهزة ذات قيمة كبيرة تحرك سوق التقنية في كافة الاتجاهات، قبل أن تأتي الهواتف الذكية لتغيير كل شيء وتقلب المشهد التقني رأسا على عقب؛ فاسحة المجال أمام شريحة جديدة من الأجهزة للظهور.

 

وعلى الرغم من احتواء السوق لذلك التبدل والقبول بفكرة وجود أجهزة ذكية إلى جانب الحواسب، فإن الهواتف الذكية بدأت خلال الفترة الأخيرة بتنفيذ رغبات منتجيها لالتهام سوق الحواسب بعد محاولات صريحة لاستبدالها عبر جهود شركات مثل: سامسونغ أو "ريزر" (Razer).

 

مشروع ليندا

أقدمت شركة سامسونغ على خطوة جريئة جدا في 2017 بعدما كشفت عن جهاز "دكس" (DeX) الذي يسمح بتحويل أجهزة "غالاكسي إس 8" و"إس 8+"، إضافة إلى "نوت 8″، إلى حواسب يمكن وصلها بشاشة ولوحة مفاتيح وماوس لتتحول بذلك إلى حاسب شخصي عوضا عن كونها مجرد هواتف ذكية. وتكمن جرأة الشركة في كون الحواسب المحمولة فئة منفصلة تماما تخوض بها على حدة، وتستعين فيها بنظامي "كروم أو إس" (ChromeOS) وويندوز 10.

 

قرار سامسونغ لم يأت من فراغ أبدا، فالمستخدم يأخذ هاتفه الذكي طوال الوقت ويعتمد عليه في مجموعة كبيرة جدا من المهام بما في ذلك قراءة البريد الإلكتروني وإنشاء المستندات، دون نسيان بعض التطبيقات التي تساعد مستخدمي الهواتف الذكية، وأخواتها الحواسب اللوحية، على الرسم وإنتاج الموسيقى، الأمر الذي ساهمت به المعالجات التي أصبحت قوية وقادرة على معالجة هذا النوع من المهام على الهواتف على الرغم من صغر حجمها ومحدودية بعض الموارد فيها.

  undefined

 

ومن هنا، كان من البدهي أن تحاول الشركة كسب ثقة المستخدمين عبر تقديم قيمة مضافة لمستخدمي أجهزتها الجديدة التي جاءت لتغيير شكل الهواتف الذكية في 2017، سواء من ناحية التصميم أو من ناحية الوظائف والأداء.

 

وخلال معرض "سي إي إس 2018" (CES 2018)، أخذت شركة "ريزر" تلك الجرأة لمستوى آخر تماما بعدما كشفت عن مشروع ليندا، الذي تطمح من خلاله أيضا إلى تغيير سوق الحواسب بعد الاستفادة من الهواتف الذكية وقدراتها العالية.

 

استعرضت الشركة في جناحها حاسبا محمولا مزودا بمساحة خاصة لهاتفها الذكي "ريزر فون" (Razer Phone)، الذي أطلقته في وقت سابق من 2017. وبكل بساطة، يمكن وضع الهاتف لتشغيل الحاسب والاستفادة من شاشته الكبيرة، ولوحة مفاتيحه، إضافة إلى الكاميرا الموجودة أعلى الشاشة. وللاستفادة القصوى من تلك التجربة، تعمدت "ريزر" أن تكون المساحة الخاصة بوضع الهاتف مكان لوحة التتبع (Trackpad)، ليتحول الهاتف بذلك إلى لوحة لتحريك الماوس أثناء تصفح المحتوى أو استخدام بعض التطبيقات(1).

 

  

الشركة لم تكتفي بهذا الأمر، فهي أضافت بطارية إضافية لشحن الهاتف أثناء استخدامه كحاسب، مع مساحة تخزين تصل إلى 200 غيغابايت أيضا للتخلص من محدودية مساحة التخزين في الهواتف الذكية، ولضمان سرعة قراءة وكتابة للبيانات بشكل عام. واكتفت "ريزر" بمكبرات الصوت الموجودة في الهاتف نظرا لقوتها، ولم تقم بتزويد الحاسب المحمول بأي معدات لإخراج الصوت.

 

جميع من قام بتجربة مشروع ليندا أكد أن تصفح الإنترنت على الشاشة الكبيرة أو استخدام بعض التطبيقات كان سلسا جدا دون أي عوائق، حتى أن تشغيل بعض الألعاب كان طبيعيا أيضا وكأنها تعمل على حاسب محمول، وليست مجرد تكبير من هاتف ذكي إلى شاشة الحاسب الكبيرة، لكن مطوري التطبيقات بحاجة إلى دعم وحات المفاتيح الحقيقية والماوس للاستفادة القصوى من مثل تلك المشاريع، سواء "دكس" أو ليندا.

  

مجرد تكرار؟

قد تبدو محاولات سامسونغ و"ريزر" طبيعية جدا، أو ثورية إن صح التعبير، وهي كذلك من ناحية طريقة التنفيذ والتفكير المنطقي في معالجة مشكلة موجودة لدى بعض المستخدمين. لكن هذه الفكرة؛ أي تحويل الهواتف لأجهزة أخرى ظهرت منذ فترة طويلة، وتحديدا منذ عام 2011 على يد شركتي "أسوس" (Asus) و"موتورولا" (Motorola)، كل واحدة على حدة بمشروعها الخاص.

  

 

فكرت موتورولا قبل الجميع بحتمية تزايد أهمية الهواتف الذكية مع مرور الوقت وانتقالها لتكون الجهاز الأكثر استعمالا من قبل المستخدم بشكل يومي. ولهذا السبب قدمت قاعدة "لاب دوك" (Lapdock) التي تقوم هي الأخرى بتحويل الهاتف لحاسب محمول(2)، تماما مثل مشروع ليندا الذي ظهر مؤخرا مع بعض الاختلافات. لكن وبعد أقل من سنة وجدت الشركة أن الإقبال لم يكن بنفس حجم التوقعات، ولهذا السبب قررت التخلي تماما عن الفكرة. وما هي سوى أشهر قليلة حتى خرجت "أسوس" (Asus) بمشروعها الخاص، "باد فون إنفينيتي" (PadFone Infinity)(3).

 

قدمت موتورولا جيلين من ذلك المشروع، باختلافات تقنية بسيطة. لكن الفكرة كانت واحدة؛ حاسب لوحي مع مكان مخصص لوضع الهاتف الذكي الذي يقوم بتشغيل الحاسب اللوحي والاستفادة من قوة معالجته. بمعنى آخر؛ تتحول النوافذ التي يعمل فيها المستخدم على الهاتف الذكي إلى نوافذ بحجم أكبر ليستفيد من حجم شاشة الحاسب اللوحي التي تصل إلى 10.1 بوصة. وعند تلقي مكالمة، يمكن فصل الجهاز من القاعدة دون مشاكل لاستخدام الهاتف بشكل فوري. ونفس الأمر عند تشغيل المتصفح على الهاتف على سبيل المثال، فبمجرد وضعه في المكان المخصص يظهر بشكل كبير على شاشة الحاسب اللوحي.

  

  

بشكل عام، يمكن تشبيه "لاب دوك" و"باد فون إنفينيتي" وكأنها هياكل لحواسب لوحية ومحمولة تعمل بواسطة الهاتف الذكي فقط، ولا يمكن الاستفادة منها بشكل منفصل.

 

لماذا "دكس" وليندا؟

يمكن الإشادة بجهود واستشراف كل من موتورولا و"أسوس" للمستقبل قبل نصف عقد من الزمن. لكنهما، كشركتين، في ذات الوقت لم تأخذا بعين الاعتبار الكثير من العوامل الموجودة في سوق الهواتف الذكية أولا، والحواسب ثانيا.

 

في 2010، و2011، كانت الحواسب اللوحية فئة جديدة نوعا ما تضع قدمها بحذر في سوق الأجهزة الذكية، وتحاول في ذات الوقت استبدال الحواسب المحمولة، أو على الأقل الظهور وكأنها بديل معقول لها. هذا يعني أن الحواسب المكتبية أو المحمولة كانت فئة لاتزال مطلوبة من قبل الجميع، فالوظائف التي يمكن للحواسب وأنظمة تشغيلها القيام بها لم تكن الأجهزة الذكية قادرة على القيام بها كتعديل الصور أو تأليف الموسيقى، أو حتى إجراء مكالمات الفيديو دون القلق على شحن الجهاز وبطاريّته.

 

أما الهواتف الذكية في ذلك الوقت، فكانت فئة مطلوبة بإلحاح، وجميع الشركات كانت تعمل لإطلاق أفكار جديدة باستمرار. لكنها أيضا كانت بشاشات صغيرة نوعا ما مقارنة بحجم الشاشات الافتراضي في الوقت الحالي. دون نسيان المعالجات التي لم تكن بنفس القدرة، فهي الآن تصنّع بتقنية 10 نانومترات أو 8 نانومترات، بثمان أنوية، وبتردد يصل إلى 2.40 غيغاهيرتز تقريبا، في وقت وصل فيه تردد المعالجات في 2010 و2011 إلى 1 غيغاهيرتز تقريبا(4).

  

  

تلك الأسباب كانت كفيلة بدفع الناس بعيدا عن اقتناء جهاز ذكي "هجين" يدمج بين الهاتف والحاسب، بسبب تجربة الاستخدام غير المنطقية أبدا. لكن في 2017، يمكن تقبّل تلك الفكرة بسبب الاعتياد على الهواتف واعتمادها في بعض الأوقات كبديل عن الحواسب اللوحية، فاستخدام هاتف ذكي بشاشة 6 بوصات أمر طبيعي ومقبول، وهذا يعني مساحة كافية لتصفح الإنترنت، أو إنشاء المستندات والتعديل عليها، خصوصا في أجهزة تركز على هذا الأمر مثل "نوت 8" وقلمه الذكي.

 

وبالعودة إلى "دكس" وليندا، فإن الفرصة مواتية لهما في الوقت الراهن أكثر من ذي قبل لتجربة نفس الفكرة من جديد، فالمستخدم أصبح أكثر انفتاحا على استخدام أكثر من جهاز ذكي يوميا كالحاسب اللوحي، والهاتف، إضافة إلى الساعة الذكية، وربما المساعد المنزلي. كما أن التطور الكبير الحاصل في أنظمة تشغيل الهواتف الذكية، وتحديدا العاملة بنظام أندرويد، وإمكانية تقسيم الشاشة لاستخدام أكثر من تطبيق في نفس الوقت (تعدد المهام)، لن يجعل التجربة مستهجنة، وتلك أمور قد تصب في مصلحة تلك الأجهزة.

 

مع مرور الوقت، تزداد الفترة التي يقضيها المستخدم في استخدام الهواتف الذكية يوميا(5)، وتزداد أيضا الفترة التي يتصفح الإنترنت فيها من الهاتف(6)، فعوضا عن أن تكون الحواسب هي الأجهزة الأساسية والهواتف هي الثانوية، بدأ المشهد ينقلب لتصبح الهواتف الأجهزة الذكية الأكثر استخداما، الأمر الذي لم ترغب سامسونغ في تفويته، وتحاول "ريزر" استكشافه عبر مشروع قد لا يرى النور أبدا، لكن فكرة تحويل الهاتف لحاسب لم تعد مستهجنة، ولعل نظام شركة غوغل، "فوشيا" (Fuchsia)، القادم مستقبلا، قد يأتي لدعم تلك الفكرة.