شعار قسم ميدان

"فوشيا" و"فايربيز".. غوغل ستريحك من التخزين على هاتفك!

midan - firebase
في وقت كانت فيه أنظار المستخدمين تراقب عن كثب الإصدار السابع من نظام أندرويد، "نوجا" (Nougat)، الذي جاء لتقديم ميزات طال انتظارها كإمكانية تقسيم الشاشة لاستخدام أكثر من تطبيق وتجميع التنبيهات على حسب التصنيف، فاجأت شركة غوغل الجميع بما لم يكن بالحسبان أبدا، نظام تشغيل جديد للأجهزة الذكية.

ولم تعلن الشركة عن النظام الجديد بشكل رسمي، بل تركت عنصر الإثارة والتشويق هو المتحكم، لأن المستخدمين هم من قاموا برصد شيفرة برمجية لنظام تشغيل جديد يحمل اسم "فوشيا" (Fuchsia OS)، ليستمر الغموض على حاله حتى الآن.

فوشيا

كانت الشيفرات البرمجية الدليل الوحيد أمام المستخدمين الراغبين في معرفة خبايا "فوشيا"(1)، وبناء على ما ورد فيها، فإن النظام الجديد مبني على نواة عرفت أولا باسم "ماجينتا" (Magenta)، قبل أن تعاد تسميتها لتصبح "زيركون" (Zircon (2، وهي نواة موجهة للأجهزة الذكية كالساعات والهواتف، بالإضافة لإمكانية عملها على الحواسب التي تستخدم معالجات بقوة جبارة وذواكر عشوائية كبيرة من ناحية المساحة.

"زيركون" بدورها مبنية على نواة أسفل منها تعرف باسم "ليتل كيرنل" (Little Kernel)، التي تسمح بدعم تشغيل النظام على مجموعة كبيرة من الأجهزة. وفوق تلك الطبقات الرئيسية توجد واجهات "آرماديلو" (Armadillo UI)، التي تقوم بعرض شاشات النظام الأساسية كشاشات التطبيقات الرئيسية، وتعدد المهام.

الاستعراض الأولي لنظام التشغيل أظهر أن شاشة التطبيقات الرئيسية تختلف عن النماذج المتوفرة حاليا، تشبه بشكل أو بآخر الفكر الذي استخدمته مايكروسوفت سابقا في نظام "ويندوز فون"، وهو فكر قائم على التطبيقات الحية، أو التي تحصل على البيانات بشكل مباشر. يعرف "فوشيا" على أنه نظام التطبيقات الآنية (Realtime OS)، ومن هذا المنطلق، فإن الشاشة الرئيسية مؤلفة من نوافذ للتطبيقات تظهر فيها البيانات بشكل حي. ويمكن الوصول للوحة الاقتراحات من خلال لمس الشاشة من الأسفل نحو الأعلى، وهي تطبيقات على ما يبدو ستتدخل خوارزميات الذكاء الاصطناعي داخل النظام لعرضها، مع وجود حقل للبحث باستخدام غوغل أيضا.

وإضافة للسابق، يدعم "فوشيا" إمكانية فتح أكثر من تطبيق في نفس الوقت، فتقسيم الشاشة الرئيسية بين تطبيقين أو ثلاثة أمر ممكن ومرن، على الرغم من كونه نظاما في إصداراته الأولية فقط. كما يمكن فتح التطبيقات على هيئة تبويبات بحيث يمكن الانتقال بينها تماما مثل الانتقال بين صفحات الويب داخل المتصفح.

أما آخر ما قامت به الشركة، فكان مثيرا للاهتمام بشكل كبير بعدما ذكر أحد مهندسيها أن نظام "فوشيا" سيدعم لغة برمجة "سويفت" (Swift)(3)، اللغة التي تبنتها آبل رسميا قبل سنوات لتصبح معتمدة في تطوير تطبيقات لنظام "آي أو إس" (iOS) و"ماك أو إس" (macOS)، بمعنى آخر؛ يمكن استخدام "سويفت" لتطوير تطبيقات لجميع أجهزة آبل الذكية ولحواسيبها أيضا.


سحاب غوغل

وبتفصيلة مثيرة للاهتمام، أسفل جميع النوافذ هناك قسم خاص لحساب المستخدم مع صورته الشخصية، وهي نافذة يؤدي الضغط عليها إلى فتح لوحة تحتوي على بعض الإعدادات السريعة كالاتصال بشبكات "واي فاي" أو بلوتوث، مع خيار لتسجيل الدخول إلى -أو الخروج من- حساب المستخدم، الأمر الذي يمكن الوقوف عنده للانتقال لقطاع آخر تقاتل فيه شركة غوغل بضراوة إلى جانب قطاع أنظمة التشغيل.


حسنت شركة غوغل خلال الأعوام الأخيرة من قطاع الخدمات السحابية الخاص بها، فبعد سنوات من توفير خدمات مثل "غوغل درايف" (Google Drive)، التي تسمح برفع وتخزين ملفات المستخدم على السحاب، و"مستندات غوغل" (Google Docs)، التي تسمح بإنشاء المستندات المختلفة، قدمت الشركة منصة عرفت سابقا بـ "غوغل كلاود" (Google Cloud)، والتي أعيد تقديمها لاحقا تحت مسمى "فايربيز" (Firebase).

تقدم شركة غوغل في "فايربيز" مجموعة كبيرة من الأدوات السحابية التي تسهل من تطوير التطبيقات(4)، وذلك على هيئة حزم برمجية واحدة منها مثلا؛ إدارة الحسابات لإنشاء نظام سحابي لتسجيل الدخول في الخدمات المختلفة باستخدام حساب واحد، وأخرى لتشغيل بعض الأوامر البرمجية السحابية بناء على بعض الأحداث، إضافة إلى حزمة لتخزين الملفات سحابيا، وأخرى كقواعد بيانات آنية (Realtime Database)، التي هي مربط الفرس.

توفر الشركة في جميع حزمات منصتها السحابية إمكانية مراقبة الأحداث، أو ما يعرف برمجيا بـ(Event Listeners)، لرصد أي تغير في البيانات لإخطار المستخدم أو لتنفيذ شيء ما في منصة الأوامر البرمجية السحابية. والأمر كذلك في قواعد بياناتها الآنية التي تخبر المستخدم بشكل فوري عند إضافة سجل جديد أو حدوث أي تغيير على سجل ما داخل قواعد البيانات.

ولا يبدو اهتمام غوغل في تطوير منصتها السحابية لمنافسة شركات بحجم أمازون ومايكروسوفت فقط، بل تبدو أعينها موجهة أيضا نحو "فوشيا"؛ هذا النظام الذي عرف بأنه نظام التطبيقات الآنية، الأمر الموجود في المنصة السحابية بشكل أساسي. ما سبق يعني أن تلك النوافذ الموجودة في شاشة التطبيقات الرئيسية ستكون قادرة على عرض بيانات التطبيقات فور تغيرها أو فور ورودها دون تأخير؛ كأن تعرض آخر التغريدات في نافذة تويتر دون الحاجة لفتح التطبيق، أو كأن يتم عرض أفضل المطاعم القريبة في نافذة تطبيق "فورسكوير" (Foursquare) بناء على الموقع الجغرافي.


وبالنظر إلى دعم لغة "سويفت" وإلى الخدمات السحابية على غرار تسجيل الدخول أو تخزين الملفات سحابيا، فإن تشغيل التطبيقات المكتوبة لأجهزة آبل الذكية والاستفادة من البيانات المخزنة سحابيا سيكون سهلا جدا، فدعم اللغة موجود، والبيانات متوفرة في أي وقت لشركة غوغل لدمج تلك العناصر وتقديم تجربة استخدام غير مسبوقة حتى الآن.

نظام تشغيل سحابي

لأن الشركة انتهجت سياسة التشويق منذ البداية وحتى هذه المرحلة، فإن ربط مكونات النظام مع خدمات غوغل المختلفة سينتج عنه نظام تشغيل سحابي يختلف تماما عن الأنظمة الموجودة حاليا، خصوصا نظام "كروم أو إس" (chromeOS) الذي يعتمد على تقديم تجربة سحابية للمستخدمين أيضا.

قد يتيح نظام "فوشيا" للمستخدمين، وللمطورين، إمكانية تسجيل حساب سحابي لمزامنة كل شيء وتخزينه على السحاب، بحيث تصبح الأجهزة مجرد عتاد بسيط لمعالجة بعض الأوامر البسيطة وتخزين بعض البيانات فقط. أما السحاب، وبفضل وجود وحدات للمعالجة باستخدام الذكاء الاصطناعي وأخرى لتنفيذ الأوامر البرمجية، دون نسيان التخزين وإدارة المستخدمين، فهو سيتحول لنظام التشغيل الحقيقي، بحيث يقوم المستخدم بتسجيل الدخول باستخدام حسابه فقط لتظهر تطبيقاته وبياناته على شاشة التطبيقات الرئيسية، دون الحاجة للذهاب إلى المتجر لتثبيت التطبيقات، مثلما هو الحال في الوقت الراهن. وهذا يعني أن الانتقال بين الأجهزة لن يتطلب أكثر من دقائق معدودة، فجميع البيانات على السحاب مقفولة بحساب المستخدم الذي يحتاج فقط لتسجيل الدخول لينتهي كل شيء.

سيدعم
سيدعم "فوشيا" أكثر من لغة برمجة في نفس الوقت، أو على الأقل تشغيل التطبيقات المكتوبة بلغات مُختلفة (مواقع التواصل)

صحيح أن غوغل تمتلك "كروم أو إس"، لكنه كان موجها بالأساس للحواسب فقط، الأمر الذي قررت الشركة تغييره في "فوشيا"، فهي أدركت أن الحواسب ستبقى جزءا أساسيا من حياة المستخدمين رفقة الأجهزة الذكية المتنوعة ما بين هواتف وحواسب وساعات أيضا، دون نسيان النظارات الذكية وأجهزة الترفيه المنزلي التي تأخذ أشكالا مختلفة، وبالتالي لا بد من وجود نظام تشغيل واحد يعمل على جميع تلك الأجهزة. أما البيانات، فلا يوجد أفضل من السحاب لتخزينها هناك وتوفيرها على جميع الأجهزة في نفس الوقت ودون تأخير أبدا.

ولأن الحياة ليست من أبيض وأسود فقط، والكثير من التدرجات اللونية موجودة، سيدعم "فوشيا" أكثر من لغة برمجة في نفس الوقت، أو على الأقل تشغيل التطبيقات المكتوبة بلغات مختلفة، وبالتالي قد يصل دعم التطبيقات المكتوبة لأجهزة آبل الذكية، وللتطبيقات المكتوبة لنظام أندرويد، ولتلك المكتوبة لنظام "كروم أو إس"، الأمر الذي سيجعل المستخدم يحظى بتجربة استخدام غير مسبوقة، تتفوق على تلك التي نجحت الشركة في تقديمها في نظام أندرويد.

لا يمكن تأكيد أو نفي أي شيء في الوقت الراهن. ولا يمكن توقع وصول نظام التشغيل في فترة قليلة لأن تطوير أنظمة التشغيل يتطلب وقتا طويلا جدا، خصوصا مع تخلي غوغل في "فوشيا" عن استخدام نواة لينكس، الأمر الذي سيدفعها لتطوير شريحة كبيرة من مكتبات ومكونات نظام التشغيل بنفسها. إلا أنها وكما فاجأت الجميع بإطلاق البذرة الأولية دون سابق إنذار(5)، قد تعود لنفس الأمر وتطلق نسخة استعراضية تشكل في مخيلة المستخدم صورة أوضح لنظام التشغيل الذي قد يمثل المستقبل بالنسبة للشركة العملاقة.