بعد "تطفيش" مؤسسي إنستغرام وواتس آب.. هل تحول زوكربيرغ إلى ديكتاتور؟
تحتاج على ما يبدو إلى مبلغ مُحترم من المال وإلى سُلطة عُليا بين يديك مع تغطية إعلامية كافية لتتحوّل من شخص ناجح، مُبدع، أو رائد أعمال، إلى ديكتاتور، والأمثلة على ذلك كثيرة. ”دونالد ترامب“ في الحقل السياسي، و“إيلون موسك“ في مجال الابتكار وريادة الأعمال، يُضاف إليهم ”مارك زوكربيرغ“ في المجال التقني، وتكتمل بذلك حلقة الأمثلة، فمؤسّس شبكة فيسبوك تسبّب على ما يبدو في مُغادرة أكثر الناس إبداعًا بما في ذلك مؤسّسي تطبيق ”واتس آب“ ومن بعدهم مؤسّسي تطبيق إنستغرام.
نجح كل من ”كيفن سيستروم“ (Kevin Systrom) و“مايك كريغر“ (Mike Krieger) في تغيير مسيرة تطبيق ”بربن“ (Burbn)، الذي جاء لمُساعدة المُستخدمين على تسجيل تواجدهم في المواقع الجُغرافية، وتحويله إلى خدمة حملت اسم إنستغرام لمُشاركة الصور بعد تطبيق بعض التأثيرات اللونية عليها. ومنذ ذلك الحين، أي منذ عام 2010، والشريكان يحصدان نجاحًا تلو الآخر، فالتطبيق ومنذ اللحظة الأولى نجح في جذب آلاف المُستخدمين، ومن ثم نجح في جذب ”زوكربيرغ“ للاستحواذ عليه لقاء مليار دولار أمريكي تقريبًا.
تألّف فريق عمل إنستغرام عند الانضمام إلى فيسبوك من 13 شخص فقط، مع 30 مليون مُستخدم، سُرعان ما بدأت تلك الأرقام بالتضخّم إلى أن وصل عدد المُستخدمين إلى مليار مُستخدم يومي، مع آلاف الموظّفين حول العالم. وبحسب التقارير، اشترط مؤسّسوا إنستغرام منذ البداية عمل التطبيق بشكل مُنفصل عن فيسبوك، إلا أن الحال تغيّر كثيرًا في الأعوام الأخيرة، مع تخبّطات شبكة فيسبوك المُستمّرة ابتداءً منذ الانتخابات الأميركية (1).
أثار تطبيق إنستغرام جدلًا واسعًا في عام 2016 بعدما قام بتقديم ميّزة الحكايات ونسخها من ”سناب شات“، وهو أمر علّق عليه ”سيستروم“ قائلًا إنه يمنح القائمين على ”سناب شات“ حقوق ابتكار هذه الخدمة، ليبدو وكأنه فخورًا بما حدث. مصادر داخلية أكّدت أن علاقة ”زوكربيرغ“ والقائمين على إنستغرام بدأت بالتوتّر منذ تلك اللحظة، فهو -أي ”زوكربيرغ“- أجبرهم على القيام بتلك الخطوة، كأول تدخّل مُباشر منه في آلية عمل التطبيق، صحيح أنها عادت بثمار إيجابية، لكنها تبقى تدّخّل مُباشر(2)(3).
توالت منذ ذلك الحين محاولات مُختلفة للدمج بين المنصّتين، فيسبوك وإنستغرام، فالشبكة الاجتماعية حاولت اختبار إمكانية مُشاركة الصور من إنستغرام، أو قراءة التنبيهات الواردة في مكان واحد، دون نسيان إمكانية إعادة نشر الحكايات من تطبيق مُشاركة الصور إلى الشبكة الاجتماعية التي تمتلك أكثر من 2 مليار مُستخدم. وعلى الرغم من عدم وصول جميع تلك الميّزات إلى المُنتج النهائي وبقاؤها ضمن دائرة الاختبار ورصد ردود الأفعال، إلا أنها تعكس رغبة واضحة من ”زوكربيرغ“ في إدخال إنستغرام إلى حلقة فيسبوك، الحلقة التي بدأت بفقدان مصداقيّتها شيئًا فشيئًا(4).
وبعد جميع تلك الأحداث، خرج ”زوكربيرغ“ في مؤتمر المُطوّرين الأخير قائلًا إن استحواذ شركته على إنستغرام سمح للتطبيق بمُضاعفة سرعة نموّه، الأمر الذي أغضب بعض الأسماء داخل الشركة، فالبُنية التحتيّة التي وفّرتها فيسبوك جزء هام لكنه ليس أساسي من نمو إنستغرام، لذا أُخذت تلك التصريحات على أنها إهانة غير مُباشرة(5).
وبمثل دُبلوماسية القائمين على إنستغرام في تدوينتهم الوداعية(6)، وجّه ”زوكربيرغ“ شكُره لهم مؤكّدًا أنه استمتع بالعمل معهم خلال السنوات الست الماضية مُتمنّيًا لهما النجاح في خطوتهم المُقبلة بانتظار أفكارهم الإبداعية من جديد(7).
في عام 2012، كتب مؤسّسا التطبيق، ”جان كوم“ (Jan Koum) و“براين آكتون“ (Brian Acton) تدوينة قالا فيها إن الإعلانات الموجّهة على الإنترنت، أي تلك التي تستهدف المُستخدمين بناءً على نشاطهم وبياناتهم الشخصية، شيء مُخادع، فلا أحد يصحو من نومه مُتحمّسًا لرؤية إعلانات جديدة أو يذهب للنوم وهو يُفكّر في الإعلانات التي سيُشاهدها في اليوم التالي. لكن الأقدار شاءت أن تأتي فيسبوك للاستحواذ على التطبيق بعدها بعامين، وهي الشركة التي تعتمد في عائداتها الشهرية على الإعلانات الموجّهة بصورة رئيسية(8).
ومثلما هو الحال مع إنستغرام، حرص القائمون على ”واتس آب“ على استقلالية التطبيق قدر الإمكان وعمله بشكل مُنفصل تمامًا عن شبكة فيسبوك، وهو أمر نجحوا فيه أيضًا لفترة من الزمن إلى أن قرّرت فيسبوك الخروج بفكرة مُشاركة بيانات مُستخدمي تطبيق المحادثات الفورية مع الشبكة الاجتماعية، دون معرفة السبب وراء ذلك، لتكون هذه الضربة الأولى لخصوصية بيانات مُستخدمي ”واتس آب“.
|
وعلى نحو مُفاجئ مع نهاية عام 2017، خرج ”آكتون“ من فيسبوك لتأسيس مؤسّسته الخاصّة طمعًا في البحث عن تحدّ جديد على ما يبدو. إلا أن دُبلوماسيّته سُرعان ما تناثرت بعدما نشر تغريدة قال فيها ”حان الوقت لـ #حذف_فيسبوك“، وهذا بعدما طفت قضيّة ”كامبريدج آناليتيكا“ (Cambridge Analytica) على السطح، ليؤكّد بذلك أن خروجه من الشركة كان مُتعلّقًا بشكل أو بآخر بمخاوف من خصوصية البيانات التي لم تعد موجودة على ما يبدو داخل فيسبوك، وهو أمر بدأ الجميع بإدراكه، خارج وداخل الشبكة الاجتماعية(9).
ولم يتأخّر ”كوم“ كثيرًا على ”آكتون“، فهو أعلن مع نهاية (أبريل/نيسان) 2018 عن رغبته في الخروج من فيسبوك بشكل كامل دون الحديث علنًا عن الأسباب، إلا أن مصادر داخلية أكّدت وجود خلافات كبيرة مع أعضاء مجلس الإدارة الذين يرغبون في تخفيف تقنيات التشفير المُستخدمة من جهة، وتقديم بيانات أكثر إلى فيسبوك من جهة أُخرى، الأمر الذي يُخالف تمامًا رؤية مؤسّسي ”واتس آب“، ليرحل ”كوم“ ويبقى تطبيق المحادثات الفورية الأكبر على مستوى العالم دون أي من مؤسّسيه، حاله حال إنستغرام الذي أصبح كذلك مؤخّرًا(10). وتجدر الإشارة هُنا إلى أن خروج ”كوم“ من فيسبوك لم يكن بسبب التحقيقات التي فتحها الكونغرس الأمريكي بحقّ الشبكة الاجتماعية، فبحسب مصادر داخلية، القرار جاء قبلها بأيام قليلة.
وبالعودة من جديد إلى بطل الحكاية، ”زوكربيرغ“، فإنه قدّم للعالم فكرة ”واتس آب“ للشركات، النموذج الذي يسعى من خلاله لتحقيق عائدات ماديّة للمرّة الأولى من تطبيق المحادثات الفورية بعيدًا عن الإعلانات. لكن وبعد عام تقريبًا من خروج ”آكتون“، صرّح للمرّة الأولى عن السبب وراء خروجه مؤكّدًا أن فيسبوك تنوي عرض إعلانات للمُستخدمين داخل خاصيّة الحالة (Status)، المُشابهة للحكايات في إنستغرام، الأمر الذي يعني نوعًا من انتهاك الخصوصية التي لم يرغب ”آكتون“، ومن بعده ”كوم“، في التفريط بها على ما يبدو(11).
الآن، ومع تولّي ”آدم موسيري“ (Adam Mosseri) مهمّة الإشراف على إنستغرام بعد رحيل مؤسّسيه، وعلى اعتبار أنه من أقدم جنود ”زوكربيرغ“ وأكثرهم قُربًا منه، فإن تراجع مستوى الخصوصية في إنستغرام أمر وارد جدًا. ومع تقهقر فيسبوك ومشاكلها المُختلفة، فإن ”زوكربيرغ“، وحُبّه للربح المالي، قد يقضيان على إنستغرام أيضًا لأن خطواته في السنوات الأخيرة أثّرت سلبًا على مُنتجاته. ومن يدري، قد تعود الحياة من جديد لتطبيق ”سناب شات“ الذي رفض مؤسّسه يومًا من الأيام عرضًا للانضمام إلى فيسبوك لقاء 3 مليار دولار أمريكي.
|