شعار قسم ميدان

الذكاء الاصطناعي.. محاضرات تشرح لك ثورة المستقبل

midan - روبوت

حتى وقت قريب، كان الحديث عن الذكاء الاصطناعي يحمل طابعا الخيال العلمي. هذا التصوّر تمت تغذيته بعشرات الأفلام والكتب والروايات التي انتشرت في الثمانينيات والتسعينات تحديدا؛ تبشّر أو تحذّر من صعـود الآلة، وأن المستقبل سيكون مليئا بالآليات والتطبيقات والأنظمة التي تبدو في ظاهرها قمـة التحضر والاستقرار البشري، وتبدو أحيانا أخرى مثيـرة للرعب.

 

يبدو أن ما تنبأت به هذه الأفلام والأدبيات كان صادقا، وأن عصر الذكاء الاصطناعي قد بدأ بالفعل. ومع هذا التطور الهائل  فإن ذلك يشير إلى عصر جديد بالكامل. ورغم ذلك، ما زال البعض -حتى الآن- عاجزا عن فهـم "الذكاء الاصطناعي" وتطبيقاته وملامحه وكيفية عمله، والأهم : تأثيره على الحياة الاجتماعية والإنسانية الشخصية لكل منا. في هذا التقرير نستعرض مجموعة من أفضل محادثات "Ted" التي تسلط الضوء على أوجه مختلفة للذكاء الاصطناعي بأكبر تبسيط ممكن.

   

هل سيكون الذكاء الاصطناعي سببا في الثورة الاصطناعية الثانية؟

    

" لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، ولكن يمكننا استقراؤه. وما لدينا من اتجاهات عامة عن التكنولوجيا يؤكد أن الاتجاه كله يسير في طريق جعل الأشياء أكثر وأكثر ذكاء، أسميه الإدراك الاصطناعي كما يعرف بالذكاء الاصطناعي. وأعتقد أن هذا سيكون من أكثر التطورات تأثيرا على ميول وتوجهات العالم خلال 20 سنة المقبلة"

 

في واحدة من أهم محاضـرات تيد على الإطلاق التي تتنـاول النظـرة البانورامية العـامة لمفهوم الذكـاء الاصطناعي وتطبيقـاته خلال العشرين سنة المقبلة؛ كيفن كيـلي المفكـر التقني الشهيـر يلقي محادثة حققت مشاهدات مرتفعة منذ عرضها على منصة تيد الرسمية في منتصف العام 2016، يشرح فيهـا ثلاثة جوانب من الذكـاء الاصطناعي قد تتمحور حولها الثورة الاصطناعية القادمة، ويؤكد أن الجميع منذ هذه اللحظة يجب أن يتقبلو هذا التطور حتى يتمكنوا من المساهمة فيه، بل وقيـادته أيضا.

 

في النهاية يقول "كيلي" الجملة التي قد تكون مثيرة للغاية لكل رائد أعمال أو شخص لديه الرغبة في الدخول إلى هذا المجال : أنتم لستم متأخرين عن موعدكم. هذا المجال بحـر مفتــوح، ربما سيقول أصحاب الذكاء الاصطناعي بعد 20 سنة إننا -وقت هذه المحاضـرة- لم يكن لدينا أي تقنيـات تقريبا للذكاء الاصطناعي مقارنة بما سيتم تحقيقه في المستقبل.

  

هل يمكن لروبوت أن ينجح في اختبار جامعي؟

   

عندما يُطرح هذا السؤال، فالأغلب أن الإجابات تدور في فلك التنظير، ما بين متحمّس للغاية للذكـاء الاصطناعي يجيب بالموافقة، وبين معارض يجيب بالرفض، ومتشكك في جدوى الذكـاء الاصطناعي والآفاق التي يمكن أن يصل إليها، واعتبار أن الكثير مما يُقال في ساحات الإعلام هو محض مبالغة. لكن من يطرح السؤال هنا هذه المرة هي نوريكـو أراي اليابانية التي أشرفت بنفسها على مشروع ذكاء صنـاعي متقدم في اليابان عبر الروبوت " توداي" (Todai).

 

الروبوت "Todai" هو مشروع ياباني للذكـاء الاصطناعي استطـاع أن يجتاز اختبارا جامعيا في جامعة طـوكيو، وحقق مركزا متقدما لدرجة أنه جاء من بين الـ20 % الأوائل ضمن الذين اجتازوا اختبار القبول بالجامعة، والحقيقة أنه حقق هذا المركز بدون أن يفهم أي شيء، وهذا ما يثير القلق -وربما الحماس- لأن الروبوت استطاع بخوارزميات معينة أن يتوصل للإجابات الصحيحة، دون أن يكون قادرا على قراءة الكلمـات أصلا.

 

ماذا عن الاختبار الكتابي؛ حيث يقوم الروبوت بكتابة مقال مكوّن من 600 كلمة بخصوص التجارة البحرية في القرن السابع عشر؟ استطاع الروبوت أن يكتب مقالا كاملا مجمّعا من موقع "ويكبيديا" وبعض المراجع، قام بتجميعهم سويا ورتّبهم بشكل جيد جدا -أدى في النهاية إلى إنتاج مقال مفهوم وجيد- دون أن يفهم الروبوت نفسه أي شيء، والجميل أن المقال الذي وضعه كان أفضل بكثير من مقالات بعض الطلبة.

 

المحاضـرة التي القيت على مسرح تيد في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2017 تشرح جوانب مثيرة من هذه التجربة اليابانية ومآلاتها ومدلولاتها، ومستوى الذكـاء الاصطناعي الذي وصلت إليه التجارب البحثية بالفعل، وليس على مستوى التصور أو التنظير لما هو قادم في المستقبل. حققت المحاضرة عددا كبيرا من المشاهدات خلال زمن قياسي، وتعتبر من أكثر المحاضرات التي تشرح مستويات الذكـاء الاصطنـاعي الحالية.

 

عندما يهزم الذكاء الاصطناعي بطل العالم في الشطرنج

   

يعرف الكثيرون اسم "جاك كاسبـاروف" بطل العالم لسنوات طويلة في لعبة الشطـرنج، وربمـا أسطورة لعبة الشطرنج عبر التاريخ. جـاك يقف على مسرح تيد في العام 2017 متحدثا في واحدة من أهم وأشهـر محاضـراته بخصوص الذكـاء البشري والاصطناعي والفرق بينهما، هنا نتحدث عن شخص لمس الفرق بكل تأكيد، باعتباره كان يهزم كل خصومه المحترفين من البشر والآلات بلا فرق.

  

"تبدأ القصة عام 1985، وكنت في سن  الثانية والعشرين، أصبحت بطل العالم في لعبة الشطرنج، في مطلع تلك السنة، لعبت ضد 32 من أفضل الآلات اللاعبة للشطرنج في العالم بمدينة هامبورغ الألمـانية، وتمكنت من الفوز عليهم جميعا. حتى أنا لم أشعر بمفاجأة عندما تمكنت من هزيمة 32 حاسوبا في  الوقت نفسه. بالنسبة لي، كان عصري الذهبي، كانت الآلات ضعيفة وكان شعـري كـاملا (ضحــك من الجمهـور ). ولكن، بعد 12 عاما فقط وبقدوم العام 1997، كنت أصارع صراعا ضاريا للدفاع عن لقبي أمام حاسوب واحد فقط طوّرته "IBM"، هزمني في النهاية!"

 

بهذه الكلمات يلخص جاك كاسباروف التطور المذهل والمخيف الذي حدث في الذكـاء الاصطناعي خلال عشر سنوات فقط، وفي فتـرة لا تعد لها أي مقارنة بالعصر الذي نعيشه حاليا من التطور المذهل في هذا القطـاع. ومع ذلك، يشير جاك كاسباروف إلى مفارقة مهمة: هل الذكـاء الاصطناعي الذي هزمه يدل على ذكـاء الآلة فعلا، أم ذكـاء صانعيها؟

 

قطعا الإجابة تدل على ذكـاء صانعي هذه الآلة، وبالتالي يطرح في محاضـرته فكـرة محورية، أنه لا داعي للخوف من الذكاء الاصطناعي او التعامل معه بقلق أو عداء. في الواقع؛ الذكـاء الاصطناعي ما هو إلا انعكاس لعبقرية الإنسان في النهاية.

   

الاختراعات المذهلة التي يمكن أن يخلقها الذكاء الاصطناعي

  

"على مدى العشرين عاما القادمة، سيتغير الكثير في ما يخُص الطريقة التي نقوم بها بعملنا خلافا لما حدث في الألفي عام الأخيرةفي الحقيقة؛ أعتقد أننا في فجر عصر جديد من تاريخ البشرية. حسنا، هناك أربعة عصور رئيسية تاريخية تمّ تصنيفها وفقا لطريقة عملنااستمر عصر الصيد وجمع الثمار لملايين السنين، ثم دام العصر الزراعي لآلاف السنين، ودام العصر الاصطناعي لبضعة قرونوحاليا لقد دام عصر المعلومات لبضعة عقود، واليوم نحن على أعتاب عصرنا العظيم القادم كأجناس بشرية: الذكـاء الاصطناعي!"

  

بهذه العبارات بدأ الباحث موريس كونتي محاضـرته على مسرح تيد التي ألقيت في أبريل/نيسان عام 2016 وحققت نسبة مشاهدات مرتفعة للغاية؛ تجاوزت سقف الثلاثة ملايين مشاهدة. يتحدث المُحاضر هنا عن مجموعة من المشاهدات بخصوص تطبيقـات الذكاء الاصطناعي مستقبلا بشكل متداخل للغاية مع طبيعة الإنسان نفسها. ما الذي سنحصل عليه عندما نطوّر أداة تصميم كمبيـوترية لديها جهاز عصبي رقمي شبيه بالبشري؟ كيف سيتدخل الذكـاء الاصطناعي في تغيير الحياة جذريا ببناء الجسور والسيارات والطائرات والمستشفيات وإدارتها؟

 

والأهم من ذلك، هل سيتم بناء منظومة ذكـاء صناعي تكون قادرة على تدشين حركة تطوّر ذاتي للوعي والمفاهيم على غرار التطور الذي شهده الإنسان على مدار مئات الآلاف من السنين، أم إن الأمر سيظل محكوما دائما بسلطة الإنسان المركزية على هذا الذكـاء؟ هل من الممكن أصلا السيطرة على ذكاء من هذا النوع؟!

   

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسن حياتنا الاجتماعية؟

   

المشكلة أن التفكير الجمعي الحالي يتعامل مع الذكاء الاصطناعي باعتباره ثورة روبوتية لها جوانب ترفيهية أكثر من أي شيء آخر. روبوتات تستقبل طلباتنا في المطاعم، طائرات، سيارات، ترفيه أكبر، قدرة على طرح خيارات أفضل إلخ. ومع ذلك؛ تبقى الأدوار الحساسة التي يمكن أن يلعبها الذكاء الاصطناعي في حياتنا الشخصية العميقـة غير واضحة إلى حد كبير.

 

ولا يوجد ما هو شخصي -بكل آلامه- أكثر من المرض. من أبرز تطبيقـات الذكاء الاصطناعي مثلا؛ مساهمته في تشخيص أمراض السرطان بسرعة هائلة، حيث تستطيع آلة الذكاء الاصطناعي تحديد إذا كانت العينات المأخوذة من المريض إشارة لوجود ورم سرطاني أم لا. صحيح أنها لا تعطي نتيجة كاملة الدقة، لكنها تقلل بشدة من احتمالات خطأ الطبيب في التشخيص. بمعنى آخر؛ الذكاء الاصطناعي يساعد الذكاء البشري في التشخيص ومحاصرة نسبة الخطأ في أقل زاوية ممكنة.

 

في المحاضـرة التي ألقيت في ربيع العام 2017، يتحدث توم جروبر عن التطبيقات الاجتماعية والإنسانية المباشرة التي يمكن أن يستفيد منها الإنسان العادي من وراء الذكاء الاصطناعي. المحاضر مشارك في مشروع سيري للذكاء الاصطناعي، ويستعرض مجموعة من المشروعات التي سنشهدها قريبا، الرجل يثق في الذكاء الاصطناعي بشكل مُطلق، ويعتبر أنه كلما زاد ذكـاء الآلة ازداد ذكاء البشر أيضا، والعكس صحيح.

 

هل يمكن أن نفقد السيطرة يوما ما على الذكاء الاصطناعي؟.. نعم!

  

" لا يوجد بديل آخر. الطريق الوحيد التلقائي هو أن نستمر في تحسين آلاتنا الذكية سنة بعد سنة بعد سنة، وعند نقطة معينة؛ سنبني آلات أذكى مما نحن عليه حتما، وحالما يصبح لدينا آلات أذكى منا، سوف تبدأ بتحسين نفسها، وعندها سنواجه ما يسمى " انفجارا ذكيـا" وسنعرف أن العملية يمكن أن تفلت من بين أيدينا، سوف تعاملنا الآلات كما نعامل نحن النمل، نحن – البشر – لا نكره النمل، ولكن عندما يهددنا وجوده أو يضرّنا، ببساطة نقوم بإبادته دون تأنيب ضمير!"

   

في محاضرته على مسرح تيد التي ألقاها في العام 2016، يقر اختصاصي الأعصاب العالمي الشهير سام هاريس؛ أن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته خطرا عظيما بالفعل، ولكنه خطر واحد ضمن أخطار أخرى عديدة تتهدد البشرية التي يرى أنها سوف تنتهي بشكل ما، إذا لم تنتهي بحرب نووية أو مذنب أو تغير مناخي عنيف. فمن المثير -على الأقل- أن تنتهي باستحواذ الآلات على مقاليد حكم الكوكب.

 

المحاضـرة عبارة عن مشاهد من استعراض ما يمكن أن يصل إليه الذكاء الاصطناعي يلقيها عالم أصاب متخصص، وبالتالي نحن بصدد حقيقة أن الآلة بالفعل في طريقها إلى أن تكون أكثر ذكاء من صانعها، ومن ثمّ ؛ المحاضرة تشـرح تصوّرات مرحلة ما بعد بلوغه لمستوى قياسي من الذكاء، بمنهج عقلاني وليس خيال علمي.

 

أخيرا، الواقع والأرقام والمشاهدات الحالية تقرر حقيقـة أن العالم ليس في انتظـار الذكاء الاصطناعي لأنه قد جاء بالفعل، وإنما في انتظار فتـرة ظهور أكبر تجلياته خلال السنوات المقبلة، عندما تتداخل تطبيقـاته بشكل موسّع في المجالات الطبية والهندسية والاجتماعية والإعلامية، وهو ما سينعكس بالضرورة على قفزة اقتصادية ضخمة غير مسبوقة يمكن اعتبارها "نفط المستقبل".