شعار قسم ميدان

انتهى عصر الترويج على فيسبوك.. إنستغرام هو الوجهة القادمة

ميدان - انستغرام11
"المزيد من التواصل مع الأصدقاء والعائلة، القليل من تلقي أخبار الشركات" هذا ما يمكن فهمه من تغييرات فيسبوك الأخيرة التي تم الإعلان عنها مطلع 2018. يبدو المشهد وكأن زوكربرغ يسعى لتعزيز التواصل في مقابل إهمال الشركات، إلا أن نظرة فاحصة، تقودنا لمعرفة مساعي زوكربيرغ لتحويل الشركات إلى منصة إنستغرام، فما القصة؟

أكبر تغيير في تاريخ فيسبوك

بالعودة سريعا إلى بداية العام الميلادي الجاري، 2018، أعلن "زوكربيرغ" أنه غير راض أبدا عن المحتوى المنشور على الشبكة الاجتماعية وعن تحوّلها من شبكة للتواصل بين المُستخدمين إلى شبكة للتسويق الرقمي، فالمحتوى السائد جُلّه من الشركات والصفحات العامّة، وبالكاد يرى المُستخدم العادي مُشاركات المُقرّبين منه(1).

وبناء على الكلام السابق، قامت فيسبوك بأكبر تغيير في تاريخها بعدما أعلنت عن تعديل آلية عمل خوارزميات صفحة آخر الأخبار (News Feed) التي ستبدأ بتفضيل المُشاركات الشخصية على حساب مُشاركات الصفحات التي لن تنجح في الظهور بقوّة إلا من خلال مقاطع الفيديو أو الفيديو المُباشر، إضافة إلى الإعلانات التي بقيت على حالها والتي يُمكن لأي شركة الاستفادة منها دون أية قيود.

تضرّرت شبكة فيسبوك منذ اللحظة الأولى التي تحدّث فيها "زوكربيرغ"، تارة من ناحية الأسهم، وأُخرى من حيث الوقت الذي يقضيه المُستخدمون على الشبكة، فخلال الكشف عن النتائج المالية أكّد الرئيس التنفيذي للشبكة أن تناقص محتوى الصفحات العامّة ومقاطع الفيديو التي كانت تظهر لنسبة كبيرة من المُستخدمين أدّى لإنقاص الوقت الإجمالي الذي يقضيه المُستخدمون على الشبكة بمقدار 50 مليون ساعة يوميا، أي ما يُعادل 2.14 دقيقة تقريبا بالنسبة لكل مُستخدم(2).

وإضافة لما سبق، حذّرت الشبكة مُستثمريها من نفاد المساحات الإعلانية في صفحة آخر الأخبار، ليصبح نموذج فيسبوك الربحي ثابتا أو معلوما إن صحّ التعبير. كما أن الوعود بتبسيط تجربة استخدام تطبيق مسنجر تعني أنه هو الآخر لن يكون هدفا قابلا للاستثمار من ناحية الإعلانات بصورة واسعة، فشعار فيسبوك الحالي هو البساطة والتركيز على الوظيفة الرئيسية التي جاءت من أجلها الشبكة وتطبيقاتها المُختلفة(3).

إنستغرام.. قبل وبعد

كان لتطبيق انستغرام نصيب الأسد من الخطوات التي سبقت عاصفة التغييرات في فيسبوك، ليبدو أنه في طريقه لتعويض الشركات ويتحوّل بذلك للشبكة الاجتماعية المُحبّبة لها، أو التي تُرضي الجميع، ما بين مُستخدمين ونشاطات تجارية، إن صحّ التعبير.

إلى جانب الحسابات الشخصية، أتاحت انستغرام إمكانية استخدام نوع جديد هو حساب شركة، وهذا يمنح صاحبه أدوات تسمح له بالحصول على إحصائيات مُفصّلة عن كل صورة أو مقطع فيديو ينشرها، وعن المُتابعين وحجم تفاعلهم، تماما مثلما هو الحال في صفحات فيسبوك. ومنذ 2016، بدأت انستغرام باختبار إمكانية التسوّق إلكترونيا في الشبكة، وذلك عبر إتاحة خاصيّة الإشارة (Tag) للمُنتجات الموجودة داخل الصور(4).

بشكل عام، كانت تجربة التسوّق تلك بسيطة، فالصورة التي تحتوي على المُنتجات ستحمل آيقونة صغيرة بالضغط عليها يظهر سعر كل مُنتج بعدما يقوم صاحب الحساب أولا بضبط الأسعار والوصف قبل النشر. الضغط على المُنتج بدوره ينقل المستخدم لصفحة للاطلاع على كافة التفاصيل. أما إتمام عملية الشراء فيجري عبر تحويل المستخدم إلى صفحة المتجر الإلكتروني، ليلعب انستغرام دور الوسيط الذي يربط ما بين المتجر والزبون فقط.

لم تكن التجربة السابقة كاملة، فهي أشبه بإتاحة روابط فقط لنقل المُستخدم بعيدا عن انستغرام وتوجيهه نحو المتجر الإلكتروني، مثلما هو الحال في صفحات الشركات والمتاجر على فيسبوك. لكن التغييرات التي كانت تجول في خاطر "زوكربيرغ"، دفعت القائمين على انستغرام للإقدام على خطوة من شأنها تغيير شكل التجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني أيضا.

ابتداء من (أكتوبر/تشرين الأول) 2017، حصلت بعض الشركات المُتخصّصة في مجال التجارة الإلكترونية على فرصة لتحويل حسابها الرسمي في انستغرام إلى متجر إلكتروني كامل بخطوات بسيطة جدا، وهذا بالاعتماد على منصّة "شوبيفاي" (Shopify)، لتتغير بذلك تجربة التسوّق المتواضعة السابقة وتتحول لمتكاملة، فصاحب الحساب بإمكانه نشر صورة مع الإشارة لأكثر من مُنتج بداخلها. أما المُستخدم، فهو يضغط على أي مُنتج ويطّلع على تفاصيله وبإمكانه إتمام عملية الشراء من داخل انستغرام، دون مُغادرته(5).

لماذا "شوبيفاي"؟

توفّر منصّة "شوبيفاي" أداة لإنشاء متجر إلكتروني بخطوات بسيطة جدا، فالمستخدم قادر على اختيار تصميم المتجر وضبط أقسامه وإضافة المُنتجات له ببساطة، ليحصل بعدها على فهرس المُنتجات الذي يقوم انستغرام باستيراده. ومن هنا، وعند إضافة صورة جديدة، سيكون الفهرس جاهزا لاختيار المُنتج بشكل فوري وتوفيره للشراء بسهولة تامّة.

ولم يكن اختيار "شوبيفاي" عشوائيا من فيسبوك، فعدد المتاجر الموجودة فيها تجاوز حاجز النصف مليون، مع وجود أكثر من مليون مُستخدم نشط. أما العائدات، فهي تجاوزت 46 مليار دولار أميركي، وهذا يجعلها مُتميّزة عن البقيّة، خصوصا أنها بذلت جهودا للتكامل مع أدوات محادثات وتواصل اجتماعي أُخرى مثل مسنجر أو "بنترست"(Pinterest) (6).

من زواية أُخرى، بحثت فيسبوك عن أداة تُغطّي تصنيفا تندرج تحته مجموعة من حسابات الشركات الموجودة لديها، لتجد في "شوبيفاي" خير وسيلة بفضل تنظيمه ومرونته من ناحية الواجهات البرمجية، وجهوده المُتكرّرة في هذا المجال. وعليه، قد تُعلن فيسبوك في وقت لاحق عن تعاقدها مع شركات أُخرى في مجالات أعمال مُختلفة عن التجارة الإلكترونية لتوفير فرصة مُناسبة لشريحة أُخرى من الشركات الموجودة على انستغرام، وفيسبوك في الوقت ذاته.

ما يدعم الفكرة السابقة هو "كينيث تشينولت" (Kenneth Chenault)، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "أميريكان إكسبريس" (American Express)، والذي أعلن "زوكربيرغ" عن انضمامه لمجلس إدارة فيسبوك بعد 37 عاما قضاها في تطوير أنظمة معالجة الدفع الإلكتروني، وهذا للاستفادة من خبراته في مجالات مُختلفة منها خدمة الزبائن، والتجارة، إضافة لبناء علامة تجارية ذات مصداقية. وهذا يُظهر أن رغبة فيسبوك في دخول مجال التجارة بقوّة لم تتناقص أبدا بتغيير آلية عمل الشبكة.

من فيسبوك إلى إنستغرام

بالنظر إلى المُعطيات السابقة، يُمكن تفسير خطوات فيسبوك الحالية بأكثر من طريقة، كما أن باب الاحتمالات مفتوح على مصراعيه لتغيير كل شيء. لكن الواقع يقول إن شبكة فيسبوك الاجتماعية في طريق التغيير حاليا، وهذا بناء على كلام وجهود "زوكربيرغ" وفريق عمله، فبعد الإعلان عن تفضيل المُشاركات الشخصية، بدأت الشبكة باختبار قسم لعرض الأخبار المحلّية داخل تطبيقها على الهواتف الذكية، لتُعلن بعدها بأيام قليلة عن تفضيل الأخبار التي تُصدرها الوكالات المحلّية عن تلك الصادرة عن الوكالات العالمية(7). وعلاوة على ما سبق، ستطرح الشبكة استفتاء لتقييم وسائل الإعلام التي تنشر روابطها وأخبارها على فيسبوك، وبهذه الحالة يُمكن لمُستخدمي الشبكة الذين تجاوزوا حاجز الـ 2.16 مليار شخص المُساهمة في زيادة الوعي، وبذلك تؤمّن الشبكة المشاركات العادية، والأخبار.

أما الحسابات العامّة أيا كانت فهي بحاجة للتركيز على الفيديو وتجنّب المشاركات النصيّة أو الصور لضمان فرصة أعلى في الظهور في صفحة آخر الأخبار. وتبقى الإعلانات مُستثناة من كل المعايير الجديدة، والحل الأقرب والأمثل من أجل الوصول لشريحة أكبر بشكل دائم. وأخيرا، يأتي الدور على حسابات الشركات، التي إما تندرج تحت الحسابات العامّة، أو التي يُمكن تصنيفها ضمن تصنيفات أُخرى منها التجارة الإلكترونية التي عالجتها فيسبوك ببراعة وبدأت باختبار أولى حلولها في الولايات المُتحدة الأميركية على أمل التوسّع مُستقبلا لتحظى جميع المتاجر الإلكترونية بفُرصة أكبر من فيسبوك عبر انستغرام(8).

تبقى الأعين الآن موجّهة صوب فيسبوك أملا في مشاهدة جهود أُخرى تُبذل في تصنيفات جديدة، لتبدأ الصورة بالاتّضاح أكثر فأكثر. لكن ما تقوم به حاليًا من توفير حسابات للشركات، وإضافة زر للتواصل معها، دون نسيان تطبيق "دايركت" (Direct) للرسائل المُباشرة، يُبشّر بتوسّع كبير في انستغرام التي كانت يوما ما مُجرّد شبكة اجتماعية أُخرى، وتحوّلت الآن لواجهة فيسبوك التجارية الموجّهة للشركات في العالم الافتراضي.