شعار قسم ميدان

اشترك لتعرف الصادق!.. آخر تقليعات مواقع التواصل لمواجهة فضائحها

midan - اخبار
سار أصحاب القرار في الشبكات الاجتماعية بأكثر من اتجاه للحد من انتشار الأخبار الكاذبة التي شوّهت صورهم أمام الرأي العام في محاولات لم تزد تلك الصور إلا تشوّها، فلا فريق من مُحرّري الأخبار نفع، ولا حتى التعلّم الذاتي للآلة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي نفعت.

 

المحاولات ما زالت مُستمرّة، وهذه المرّة قد يتغيّر النموذج بالكامل من مجّاني إلى مدفوع تتحمّل بعض الشركات تكاليفه، وقد تفرض شركات أُخرى اشتراكات شهرية على المُستخدمين، أملا في إصلاح مُشكلة الأخبار الكاذبة.

  

فوضى الروابط
لم يكن انتشار الأخبار الكاذبة على الشبكات الاجتماعية عشوائيا أبدا، فمشاركة الروابط على تلك الشبكات يعني وجود أربعة عناصر على الأقل، وهي الصورة والعنوان والوصف والرابط ذاته، للتلاعب بها وإيقاع المُستخدم في فخّ التفاعل مع المُشاركة. ومن هنا، تبدأ رحلة الخبر على الشبكة الاجتماعية وينتشر كالنار في الهشيم، فالبعض قد يتفاعل معه من تلك العناصر فقط دون فتحه وقراءته، والبعض الآخر قد يتجنّب خطوة التأكّد من الحقائق المذكورة فيه إن دخل إليه.
  
undefined
 
ولم يغفل مُهندسو الشبكات الاجتماعية عن تلك العناصر وقاموا بالفعل بتطوير الكثير من الأدوات للحد من انتشار الروابط الخبيثة، وذلك عبر منع تغيير صورة الرابط تارة، أو منع تغيير العنوان والوصف تارة أُخرى. دون نسيان التعاقد مع بعض الجهات للتأكّد من صحّة الحقائق الواردة داخل أي رابط ينجح في الانتشار بسرعة كبيرة، بحيث يظهر تقييم تلك الجهات مع عرض مجموعة من الاقتراحات للخبر نفسه لكن من مصادر ثانية، وهذا لمشاهدة الصورة من كافّة الزوايا والنجاة من محاولات تضليل الحقائق التي تستغل قصور خوارزميات الشبكات الاجتماعية(1)(2)(3).
 
لكن تلك الخطوات لم تكن فعّالة بالشكل الأمثل، فالبعض لجأ إلى الإعلانات من أجل الترويج للأخبار الكاذبة ولاستهداف مجموعة مُحدّدة دونا عن الأُخرى مثلما حدث في الانتخابات الأميركية والتدخّلات الروسية غير المُباشرة فيها، لتنقل الشبكات الاجتماعية تركيزها بعد ذلك نحو تغيير آلية قبول الإعلانات ودراسة الروابط التي ترغب الحسابات بالترويج لها بشكل مدفوع لتشديد الخناق مرّة جديدة.
  
المُمارسات نفسها تكرّرت تقريبا في فيسبوك وتويتر، ومُحرّك بحث غوغل أيضا، فالجميع سعى للحد من الأثر السلبي لانتشار الأخبار الكاذبة على اعتبار أن تلك المنصّات تُستخدم بشكل يومي من قِبَل مليارات المُستخدمين حول العالم. وبعدما بدت تلك الخطوات منطقية، لجأت بعض الشبكات إلى تخصيص قسم للأخبار المحلّية مع تقييم الهيئات التي تقف خلفها من قِبَل المُستخدمين أنفسهم، وبالتالي أصبحت مصداقية المصادر مُرتبطة بالمُستخدمين واختياراتهم، لا على خوارزميات ذكية يغيب عنها الذكاء العاطفي والإدراك.
 
بنظرة خاطفة إلى ما قامت به الشبكات الاجتماعية، يُمكن رصد محاولاتها المُستمرّة للاعتماد على الخوارزميات مرارا وتكرارا، وعلى أتمتة المهام وانتشار الأخبار، مع تدخّلات بسيطة من قِبَل بعض الهيئات الموثوقة. لكنها وبعد تفكير عميق انتقلت إلى نموذج آخر مُغاير تماما، نموذج تسير فيه على خُطى شبكات بثّ المحتوى حسب الطلب، فحتى يوتيوب، المنصّة المُتخصّصة في مُشاركة مقاطع الفيديو، لجأت إلى الأمر نفسه للتخلّص من فوضى وعشوائية المحتوى الذي يخرج من كل حدب وصوب، مُعتمدين على فرق إنتاج احترافية لتقديم مُحتوى جديد بعناية وحذر.
  

  
  
بثّ المحتوى حسب الطلب
تختلف الآلية أو الإستراتيجيّة التي تتبعها شبكات بثّ المحتوى حسب الطلب، فبعض الشركات تُفضّل إنتاج كل شيء داخليا وبشكل حصري، بينما تلجأ شركات أُخرى إلى توقيع اتفاقيات مع أكثر من شبكة بحيث توفّر مجموعة كبيرة جدا من المحتوى لقاء اشتراك شهري لإرضاء الجميع، ولنا في خدمة "يوتيوب تي في" (Youtube TV) خير مثال على ذلك. كما تلجأ شبكات أُخرى أيضا إلى الدمج بين النموذجين، فهي تُنتج محتواها الخاص بحقوق ملكية حصرية، وتتعاقد مع شركات أُخرى أيضا في الوقت نفسه تحت شعار توفير أكبر قدر مُمكن من المحتوى لمُلاءمة جميع الأذواق.

 

بالوقوف عند خطوات يوتيوب، فإن كثرة المحتوى المنشور يوميا أدّى إلى ضياع البوصلة وتغيّر الجهات، فبعدما كانت تُعتبر المنصّة الأفضل لمشاهدة الفيديو والوصول إلى كل ما هو جديد، تحوّلت إلى مكان مليء بمحتوى سيئ وأصبحت الفضائح الأخلاقية تُحيط بها من كل جانب. الأمر الذي دفعها إلى إطلاق خدمة "يوتيوب ريد" (Youtube Red) لتوفير محتوى مُختار بعناية فائقة، وتلك خطوة لم تفوّتها شركات على غرار آبل، فيسبوك، أو حتى تويتر.

 

فاجأت شركة آبل الجميع عندما أعلنت الاستحواذ على شركة "تيكستشر" (Texture)، التي تُطلق مجلّة رقمية بالاسم نفسه فيها مقالات مُختارة بعناية من أكثر من 200 مجّلة حول العالم(4)، بحيث يحصل مُشتركو "تيكستشر" على أفضل محتوى لقراءته دون الحاجة إلى الاشتراك في كل مجلّة على حدة، ويبتعدون بذلك عن فوضى المقالات والروابط على الشبكات الاجتماعية التي قد تذهب بالمُستخدم إلى مقالات لا أساس لها من الصحّة. حاولت آبل سابقا، عبر تطبيق الأخبار (News)،
 
undefined
  
اختيار الأخبار بعناية، لكنها وجدت في الاستعانة بفريق عمل مجلّة "تيكستشر" خير وسيلة لضمان وصول المُستخدم إلى مقالات ذات جودة عالية طوال الوقت دون القلق من وجود خبر كاذب أو مقال مُلفّق أبدا.
وقرّرت فيسبوك السير على الخُطى نفسها رافعة راية الاستسلام في وجه الخوارزميات التي فشلت أكثر من مرّة، وذلك بعد خروج أخبار تُفيد برغبتها في التعاون مع مجموعة من الوكالات الإخبارية للحصول على آخر الأخبار بشكل حصري لتقديمها للمُستخدمين. وعلاوة على ذلك، تدرس فيسبوك، وشبكات أُخرى، توفير آخر الأخبار على هيئة فيديو لزيادة المصداقية، فالنصوص قد تُزوّر، والحسابات قد تُخترق، لكن الفيديو وخروج أحد مُراسلي القناة لقراءة الأخبار أمر يقطع الشك باليقين قدر الإمكان(5)(6).
   
استثمارات تحت الطاولة

تسعى الشركات التقنية الكُبرى إلى وضع حد لمُشكلة الأخبار الكاذبة عبر مثل تلك الاستحواذات، فالمسؤولية لا تقع على عاتق المُستخدم بقدر ما تقع على عاتق الشركة نفسها التي تمتلك مليارات المُستخدمين، فشركة آبل على سبيل المثال ليست مُطالبة أساسا بخوض غمار مثل هذه التجربة. لكن ترك المسؤولية للشبكات الاجتماعية فقط، التي أخفقت سابقا، أمر لم يعد مقبولا بعد سلسلة كبيرة جدا من التهم والأخبار الكاذبة التي طالت وأثّرت سلبيا على حياة الكثيرين.

 

تلك الخطوات لا يُمكن ربطها بالمُستخدم فقط بصورة رئيسية، فللآلة والذكاء الاصطناعي حصّة من تلك الاستثمارات، والمسؤولية، خصوصا أنها تُمثّل مُستقبل التقنية بشكل كبير جدا.

 

كانت مُشكلة المحتوى الذي يقوم المُستخدمون بإنتاجه ومُشاركته على الشبكات الاجتماعية واضحة وضوح الشمس في برمجية مايكروسوفت الذكية، "تاي" (Tay)، التي بدأت بالتعلّم من مُستخدمي تويتر لتتطوّر الحالة بسرعة كبيرة وتُصبح إجاباتها مليئة بالشتائم والإجابات العُنصرية التي تدعو للكراهية(7)، الأمر الذي دفع الشركة إلى إيقافها بشكل فوري. لكن في الوقت نفسه، عندما قدّمت شركة "ديب مايند" (Deep Mind) بيانات نظيفة للخوارزميات الذكية، تفوّقت الآلة على الإنسان من ناحية الذكاء وتغلّبت عليه في لعبة "غو" (Go)، وهنا تظهر مُلاحظة تسعى الشبكات الاجتماعية، والشركات التقنية أيضا، للاستفادة منها(8).

   

  
في ظل وجود خوارزميات ذكية وأنظمة للتعلّم الذاتي للآلة داخل الشبكات الاجتماعية والتطبيقات المُختلفة، فإن جودة البيانات يجب أن ترتفع شيئا فشيئا لضمان مُستقبل ذكي آمن، وإلا فإن النتيجة ستكون رجالا آليين وأنظمة قيادة ذاتية خطرة على نفسها وعلى الإنسان. ومن هنا، فإن تلك الشركات بدأت أولا بتوفير أخبار من مصادر موثوقة عبر تعاقدات مع أسماء كبيرة أملا في توفير منصّات فيها بيانات قيّمة.

 

خُطوة أُخرى قامت بها كل من يوتيوب وفيسبوك عبر الدفع للناشرين من أجل إنتاج مُحتوى خاص بالشبكة يتماشى مع شروط الاستخدام، وهنا الحديث عن المحتوى المرئي فقط، لكن استعدادها لدفع مبالغ طائلة من أجله، مع مبالغ لشركات مسؤولة عن اختيار الأخبار والمقالات، قد يعني أن المُستقبل قد يحمل مكانا لصُنّاع المحتوى المكتوب أيضا، كالمدونين، للنشر على شبكة دون الأُخرى والحصول على مُقابل مادّي، وهذا نموذج اعتمدت عليه منصّة "ميديوم" (Medium) قبل فترة من الزمن(9)، وقد تسير فيسبوك أو تويتر على الخُطى نفسها أيضا.

 

undefined
 
في النهاية أثبت نموذج الاعتماد على الإنسان لاختيار، وإنشاء، المحتوى جدواه بصورة كبيرة، في وقت يبقى فيه دور الخوارزميات محصورا في قراءة الإحصائيات والاستجابة لها. وبتكامل بينهما، يحصل الجميع على تجربة استخدام فريدة من نوعها. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن المحتوى هو الملك، المحتوى المُختار بعناية شديدة من قِبَل أشخاص مُحترفين قادرين على توجيه أولئك الموهوبين نحو الاتجاه الصحيح لإبعادهم عن فخّ الشهرة المُزيّفة القائمة على نشر أخبار كاذبة للحصول على زيارات ومُشتركين أكثر، وتلك توجيهات في 2018 لا تأتي حُبًّا في الفرد، بل طمعا في ذكاء الآلة الذي سيخدم تلك الشركات في المُستقبل.