شعار قسم ميدان

كيف يربح "زوكربيرغ" ثروته من تعريتك للساسة والمعلنين؟

midan - facebook
مسؤولٌ رفيع المستوى في فيسبوك يخرج للاعتذار، ومجموعة من الأدوات الجديدة لتلافي المُشكلة، وتنتهي الحكاية، سيناريو تكرّر أكثر من مرّة مع كل سقطة في مسيرة فيسبوك. سيناريو حاول المسؤولون تكراره أيضًا في مُصيبة سرقة بيانات أكثر من 87 مليون مُستخدم من قبل شركة "كامبريدج آناليتيكا" (Cambridge Analytica) التي حلّت مؤخّرًا(1).

    

الاختلاف هذه المرّة يكمن في أن المصائب لا تأتي فُرادى، فما هي سوى ساعات قليلة بعد الاعتذار الرسمي حتى خرجت فضائح وانتهاكات أُخرى على مستوى خصوصية بيانات المُستخدم عقّدت القضيّة هذه المرّة على فيسبوك، الشبكة التي تحتاج لمُعجزة لاستعادة ثقة المُستخدمين بها.

        

     

فيسبوك.. بيت مصنوع من الزجاج

قدّم "زوكربيرغ" اعتذاره عمّا حصل في قضيّة شركة "كامبريدج آناليتيكا" مؤكّدًا أنه تفاجئ من احتفاظها ببيانات المُستخدمين على الرغم من انقضاء أربعة أعوام تقريبًا منذ اكتشاف الوصول الغير شرعي لها. واعدًا في نفس الوقت بمزيد من الأدوات الجديدة لتشديد الخناق على التطبيقات من جهة، وبمُساعدة المُستخدمين في معرفة التطبيقات التي تمتلك صلاحيات على الحساب لعزل غير المرغوب بها بسهولة أكبر من جهة أُخرى(2).

       

    

وعندما سُئل "تيم كوك" (Tim Cook)، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، عمّا سيقوم به لو كان مكان "زوكربيرغ"، أجاب قائلًا إنه من المُستحيل أن يكون مكانه لأن خصوصية المُستخدمين هي أساس شركته، وما تقوم به فيسبوك أمر غير عقلاني أبدًا. ليُجيب "زوكربيرغ" قائلًا إن ما تفوّه به "كوك" هو زلّة لسان لا معنى لها مُهاجمًا بضراوة من مبدأ الدفاع عن براءته، لتأتي العدالة السماوية هذه المرّة لتُفشل السيناريو المُعتاد، السيناريو الذي أنقذ الشركة على مدار عقد ونصف العقد تقريبًا(3).

 

بدأت حملة تدعو لحذف حسابات فيسبوك على الوسم (#DeleteFacebook) بالانتشار على الشبكات الاجتماعية، وتحديدًا تويتر، وهو ما دفع المُستخدمين للتوجّه لإعدادات الحساب على فيسبوك لتحميل سجل البيانات قبل الانضمام للحملة بشكل رسمي وحذف الحساب للضغط على فيسبوك التي حاولت احتواء الأزمة قدر الإمكان. إلا أن تلك الخطوة، أي تحميل جميع بيانات الحساب، كشفت عن انتهاك آخر على مستوى خصوصية المُستخدم تكمن في جمع سجل المُكالمات والرسائل النصيّة القصيرة التي يستلمها المُستخدم على هاتفه الذكي، وهذا بشكل حصري لمُستخدمي نظام أندرويد وتطبيق مسنجر من فيسبوك.

     

   

تكرّرت نفس الحالة مع أكثر من حساب، وشارك المُستخدمون على تويتر صورة من سجل المُكالمات الذي احتوى بشكل رئيسي على المُكالمات التي جرت مع المُقرّبين، أي أن خوارزميات فيسبوك كانت قادرة على تحديد درجة القرابة بين المُستخدم والمُتّصل وبناءً عليه تقوم بتخزين المُكالمة ضمن السجل أو تجاهلها(4).

  

ومن جديد، وكما جرت العادة، خرج مُتحدّث باسم فيسبوك مؤكّدًا أن ما حدث جرى بعلم المُستخدم، فالتطبيق على نظام أندرويد يطلب من مُستخدميه صلاحيات للوصول إلى سجل المُكالمات والرسائل، وهذا بنيّة تحسين نظام الاقتراحات قدر الإمكان، فالهدف من استخدام فيسبوك هو التواصل مع الأصدقاء والعائلة، ولعرض المزيد من الاقتراحات، تحتاج فيسبوك لمجموعة أكبر من البيانات باستمرار.

 

لم يشتكي أي مُستخدم لنظام "آي أو إس" (iOS) من شركة آبل من هذا الأمر، وهذا يعني وجود استغلال من قبل فيسبوك لواجهات أندرويد البرمجية القديمة التي كانت تُتيح للتطبيقات الوصول لسجل المُكالمات بسهولة تامّة. كما حاولت الشركة على نفس النظام حثّ المُستخدمين على تبادل الرسائل عبر تطبيق مسنجر عوضًا عن الرسائل النصيّة القصيرة، وهذا عندما يضغط المُستخدم على آيقونة الرسائل داخل النظام.

     

   

التجسّس بالفيديو

نفِدت فيسبوك من المُساءلات القانونية في قضيّة جمع سجل المُكالمات على اعتبار أن المُستخدم هو من وافق على منح تلك الصلاحيات من جهة، وبكونه على دراية بهذه المُمارسة من جهة أُخرى. لكن الاعتراض دائمًا ما كان على تخزين تلك البيانات وعدم استخدامها فقط لعرض الاقتراحات وحذفها فيما بعد.

     

مُمارسات، ومصائب، فيسبوك لم تنته عند هذا الحد، فما هي سوى أيام قليلة فقط حتى كشف سجل البيانات عن انتهاك أكبر من أي انتهاك آخر قامت به الشبكة، انتهاك يعتمد على الكاميرا والفيديو، وهذا بعدما رصد بعض المُستخدمين وجود مجموعة من مقاطع الفيديو التي لم يقوموا بمشاركتها. وبعد تمحيص وتدقيق، تبيّن أن تلك المقاطع كانت عبارة عن تجارب، أو مُسوّدات، قاموا بتسجيلها وإلغاءها فيما بعد. لكن فيسبوك، وبشكل غير مفهوم، احتفظت بتلك المقاطع دون علم المُستخدم(5).

   

يسمح تطبيق فيسبوك للمُستخدم بتسجيل مقاطع الفيديو واستعراضها قبل مُشاركتها، تمامًا مثل أي منصّة وشبكة أُخرى. لكن المُستخدم حتى وإن ضغط على زر إلغاء (Discard)، تجاهلت فيسبوك طلبه وخزّنت الفيديو لغاية لا يعلمها أحد. وفي ظل الكوارث السابقة، لم يتأخّر المُتحدّث باسم فيسبوك هذه المرّة وقال إن المُهندسين سيقومون بالتحقيق بشكل فوري لمعرفة الأسباب التي أدّت للاحتفاظ بتلك المقاطع دون علم المُستخدم، خصوصًا أنه لم يكن قادرًا على الوصول لها أبدًا.

   

   

تكرّرت نفس الحادثة مع أكثر من مُستخدم، ولم تكن فرديّة أبدًا، وبالتعمّق قليلًا بسياسة الاستخدام والخصوصية في فيسبوك، يُمكن العثور على فقرة توضّح مُمارسة الشبكة واحتفاظها بالفيديو. بالموافقة على شروط استخدام فيسبوك، يوافق المُستخدم على منح الشبكة صلاحيات تسمح لها بجمع وبتحليل أي بيانات يقوم بإنشائها أو مُشاركتها على الشبكة. وبوضع خطوط تحت كلمة إنشائها، فإن هذا يعني البيانات التي يقوم المُستخدم بكتابتها أو تسجيلها للنشر، حتى وإن لم يقم بمُشاركتها بالأساس، تمتلك فيسبوك صلاحيات لتخزينها لتحليلها والاستفادة منها في خوارزمياتها المُختلفة.

   

وفي مُفارقة غريبة بعد كل تلك المشاكل، خرج تقرير يؤكّد أن فيسبوك كانت تعمل على تطوير مُساعد منزلي ذكي لتنفيذ أوامر المُستخدم صوتيًا ستقوم بالكشف عنه خلال مؤتمر المُطوّرين "إف 8" (F8) في (مايو/أيار) 2018. لكنها قرّرت إيقاف ذلك الجهاز بالكامل في الوقت الراهن وتأجيله لأجل غير مُسمّى لتجنّب أية مُساءلات قانونية في مجال الخصوصية. هذا قد يعني أن فيسبوك كانت تنوي الاستماع لمحادثات المُستخدم طوال الوقت تحت حجّة تحسين جودة الخوارزميات والبيانات المُقترحة. أو على الأقل، كانت تنوي الاحتفاظ بتلك الأوامر الصوتية مُتذرّعة بنفس الحجّة أيضًا، فلو لو تكن الاستخدامات مُريبة، لما اخذت تلك الخطوة ولحافظت عليها وكأن شيئًا لم يكن(6).

  

تدمير الأدلّة

أثّرت المشاكل السابقة على فيسبوك بأكثر من طريقة، على الأقل على مستوى سعر أسهمها في سوق الأوراق المالية. كما أقدم مُهندسوها على أمور غير منطقية كان آخرها حذف الرسائل التي أرسلها بعض المسؤولين، وعلى رأسهم "زوكربيرغ"، من تطبيق مسنجر دون سابق إنذار، حيث لاحظ البعض أن محادثاتهم داخل مسنجر مع "زوكربيرغ" ناقصة، توجد فيها الرسائل التي قاموا بإرسالها مع اختفاء تلك التي قام هو بكتابتها. وبالعودة للبريد الإلكتروني والتنبيهات التي تُرسلها فيسبوك عند استلام رسالة جديدة غير مقروءة، كانت تلك الرسائل موجودة، وهذا كإثبات على صحّة إدعاءات المُستخدمين(7).

      

     

تواصلت مجموعة من وسائل الإعلام مع فيسبوك للحديث عن هذا الأمر، لتؤكّد الشبكة صحّته نافية وجود انتهاك لشروط الاستخدام، فاتفاقية الاستخدام لا تمنع مثل هذه المُمارسة، وتلك خطوة تأتي لحماية خصوصية مسؤوليها نظرًا لبعض حالات الاختراق القديمة التي حصلت في 2014، فلضمان عدم تسريب أية محادثات، قرّرت الشبكة حذف كل شيء دون سابق إنذار.

     

بعد تلك التصريحات، انتهت فيسبوك من الشقّ النظري الذي يعتمد على الاعتذار. ليأتي الدور بعد ذلك على الأداة التي تُراضي بها المُستخدمين لاسكاتهم، حيث أعلنت الشبكة عن عملها في الوقت الراهن على ميّزة تسمح لمُستخدمي مسنجر التراجع عن إرسال الرسائل تمامًا مثل تلك الموجوة في إنستجرام أو "واتس آب". لكنها، وبعد استخدامها للمرّة الأولى لحذف رسائل المسؤولين، أكّدت أنها لن تعاود استخدامها مرّة جديدة لحين وصولها بشكل رسمي للجميع!(7)

   

تلك المشاكل، المصائب، السقطات، الانتهاكات، أو سمّها ما شئت، كانت أول مُستمسك رسمي بالأدلّة على فيسبوك التي دائمًا ما حاولت التهرّب بعصاها السحرية، والتي قد لا تُنقذها هذه المرّة. وبعيدًا عن فيسبوك، فإن القرار النهائي أولًا وأخيرًا بيد المُستخدمين الذي يُشكّلون قيمتها الحقيقية، فبدون بياناتهم، وتفاعلاتهم مع المُشاركات، لن تقوى على الاستمرار والحصول على أموال من المُعلنين والمُستثمرين، وبالتالي فإن مُستقبل فيسبوك مُرتبط بالأفعال لا بالأقوال، فالخيار هنا بالنظام الثُنائي (Binary)، إما صفر أو واحد، إما أن يختار المُستخدم الخروج اعتراضًا على تلك الانتهاكات في محاولة لدفع فيسبوك على تصحيح المسار، أو أن يختار البقاء واتباع سياسة "اعمل نفسك ميّت" مع الامتعاض فقط على مثل تلك الانتهاكات، مثلما يحدث في الكثير من القضايا بطبيعة الحال دون فعل حقيقي.