شعار قسم ميدان

برمجيات بسيطة تحول طائرتك "المسيرة" لسلاح خطير

midan - درون
مع كل جهاز تقني جديد قادر على الاتصال بالإنترنت، تزداد الخطورة على خصوصيّة المُستخدمين، فكل مكوّن هو عبارة عن تهديد حقيقي كالمايكروفون في المُساعدات المنزلية الرقمية، أو مُستشعر الحركة في أجهزة الإنارة الذاتية، أو حتى الكاميرا الموجودة في أجهزة المُراقبة المنزلية، ولا يُمكن -بطبيعة الحال- استبعاد الطائرات الصغيرة بدون طيّار المزوّدة بكاميرات قادرة على تسجيل الصوت والصورة من المُعادلة السابقة.

 

"درونز"

تطوّرت خلال السنوات الماضية الطائرات الصغيرة بدون طيّار التي يُمكن التحكّم بها باستخدام جهاز تحكّم صغير أو عبر تطبيق متوفّر للأجهزة الذكية، فهي في الوقت الراهن قادرة على التحليق على ارتفاعات عالية مع الحفاظ على مكانها دون حراك، أو حتى تتبّع حركة عنصر ما يُحدّده المُستخدم عبر التطبيق.

 

أما المُستشعرات المُستخدمة فهي لا تقل أهمّية عن تلك التي تُستخدم في السيّارات ذاتية القيادة، فالطائرة الصغيرة قادرة على تفادي الحواجز في الهواء بشكل آلي للوصول لغايتها، فهي ترتفع وتنخفض، وتنعطف نحو اليمين أو اليسار للحفاظ على توازنها والابتعاد عن الارتطام بالأشياء التي ستواجهها كالأبنية والأشجار. وعلاوة على ما سبق، يُمكن لتلك الطائرات العودة لموقعها الأصلي في حالة فقدانها، وهذا عبر شريحة تحديد الموقع الجغرافي (GPS) الموجودة فيها.

 

خاصيّة تتبع عنصر ما تتم بصورة رئيسية عبر كاميرا مُثبّتة على الطائرة نفسها، وهنا الحديث عن كاميرات "غو برو" (GoPro) على سبيل المثال لا الحصر، القادرة على الصمود في وجه أعتى الظروف البيئية لالتقاط الصور أو تسجيل الفيديو بأعلى جودة مُمكنة. كما تجدر الإشارة إلى أن تلك الطائرات الصغيرة مع كاميراتها وجميع التقنيات السابقة تتوفّر بسعر يبدأ من 400 دولار أمريكي فقط(1)، وهذا من شركة "دي جي آي" (DJI) الأكبر على مستوى العالم في هذا المجال، وهذا يعني أن المُستخدم سيحصل على طائرة بجودة عالية وبسعر منطقي من جهة، وعلى أداة خطرة للتجسّس من جهة أُخرى.

   

   

اختراق الخصوصيّة

عملت جميع الوكالات الأمنية -بحكم المؤكّد- على تطوير كاميرات وتطبيقات مُختلفة للطائرات الصغيرة من أجل التقاط صور جوّية للمُشتبه بهم، أو حتى تتبّعهم فقط لمعرفة مسارهم اليومي أو وجهتهم القادمة دون أن يشعروا، خصوصًا أن هذا النوع من الأجهزة أصبح مُرخّصًا للاستخدام الحر في العديد من المُدن، الأمر الذي يُبعد الشُبهات عن تلك الوكالات. لكن أي مُستخدم لا يحتاج اليوم لأدوات أمنية لا مثيل لها، أو لجهود برمجية عالية جدًا، فما وضعته الشركات بين أيدي المُستخدمين يُحوّل تلك الطائرات لأدوات قوّية وفعّالة جدًا.

 

كثّفت شركة مايكروسوفت خلال الفترة الأخيرة جهودها في مجال التخزين السحابي والمنصّات السحابية، وتلك جهود نتج عنها ما يُعرف بمنصّة" آجرّ لأجهزة إنترنت الأشياء" (Azure IoT Edge). حرصت مايكروسوفت في تلك المنصّة على جلب مفهوم الحوسبة الذاتية (على الحافّة) (Edge Computing) التي تعني أن الجهاز نفسه قادر على القيام بجميع العمليات الحسابية دون الحاجة للاستعانة بخوادم خارجية.

 

يُمكن أخذ الحاسب المنزلي كمثال على الحوسبة الذاتية. لكنه في المُقابل يحمل وحدة معالجة قوّية، وبطاقات مُعالجة رسوميات وذواكر تجعل عمليات المُعالجة سهلة، خصوصًا أن تلك المكوّنات يُمكن تحديثها باستمرار. لكن الحوسبة الذاتية في أجهزة إنترنت الأشياء كالمصابيح، أو الكاميرات، المُتّصلة بالإنترنت تحدّي من نوع خاص تخوض به مايكروسوفت وغوغل، وغيرها من الشركات بكل تأكيد.

 

وبالعودة إلى منصّة مايكروسوفت السحابية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فإن الحوسبة الذاتية على السحاب تضمن الآن إمكانية تطوير تطبيق يعتمد على التعلّم الذاتي للآلة وعلى الرؤية الحاسوبية يُمكن تشغيله على الأجهزة البسطية كالطائرات الصغيرة بدون طيّار أو بكاميرات المُراقبة على الرغم من المكوّنات الداخلية المتواضعة، فاستطاعة المُعالج بسيطة جدًا، دون نسيان محدوديّة الذواكر الداخلية أيضًا.

  

   

على أرض الواقع

بفضل المنصّات السحابية الموجّهة لأجهزة إنترنت الأشياء، ورغبة الشركات المُصنّعة للطائرات الصغيرة بدون طيّار في توفير مجموعة مُختلفة من التطبيقات، أصبح الآن بالإمكان كتابة تطبيقات قادرة على قراءة البيانات الواردة من الطائرة بشكل آني، بيانات ناتجة عن خوارزميات التعلّم الذاتي للآلة أو الرؤية الحاسوبية، أي أنها شبه مُعالجة وتحمل النتيجة النهائية التي يبحث المُستخدم عنها(2).

 

يُمكن للطائرات، أو أي نوع من الكاميرات الذكيّة، التفرقة بسهولة بين العناصر، فهي قادرة على تمييز الأنواع المُختلفة للحيوانات، الخُضار، الفواكه، أو حتى وسائل النقل، وهذا أمر طبيعي بفضل بعض وحدات التعلّم الذاتي للآلة المتوفّرة في الوقت الراهن. لكن تلك الأجهزة قادرة أيضًا على تمييز التفاصيل، فبعرض مجموعة من الخضروات أمامها يُمكن للكاميرا الإشارة للثمرة الفاسدة بكل بساطة، وهي قادرة كذلك على رصد الشروخات الموجودة في الأبنية، أو التسريبات في أنابيب النقل، وهذا غيض من فيض.

  

   

مُعالجة البيانات تجري بشكل رئيسي على الطائرة نفسها، وهذا يعني أن إرسالها مثلًا لتتبّع الرجل الذي يرتدي قُبّعة سوداء مع حذاء أبيض اللون أمر بسيط جدًا، وما هذا سوى شكل من أشكال المُراقبة أو اختراق الخصوصية التي يُمكن أن يقوم بها أي أحد، خصوصًا في الدول التي لا تطلب من أصحاب تلك الطائرات الحصول على رُخصة.

 

تلك التطبيقات، التقنيات بمعنى أصحّ، تعني بشكل افتراضي إمكانية التوجّه لوظائف أكثر عنفًا من ناحية اختراق الخصوصيّة تبدأ من التعرّف على الأشخاص والوجوه، فالكاميرا بوضع طبيعي قادرة على تفرقة الوجه من بين بقيّة أعضاء الإنسان. وبالاعتماد على وحدة للتعلّم الذاتي يُمكن مُطابقة الوجه بشكل آني مع قاعدة المعرفة لعرض هوّية الأشخاص المُحتملين. وبما أن تلك الطائرات قادرة على التواصل مع الأجهزة الذكية، فإن تثبيت قاعدة المعرفة على الجهاز الذكي وتحليل وجه المُستخدم الوارد من الطائرة أمر مُمكن الحدوث أيضًا(3)، ويمنح الجهة التي تعتمد على هذا التطبيق أداة أكثر قوّة للتعرّف على الأشخاص في المُظاهرات، عمليات السطو، أو تبادل البضائع الممنوعة.

 

سلاح الجو

مثلما يُمكن استخدام تطبيق على الهواتف الذكية لتحريك الطائرة في الجو وتغيير اتجاه الكاميرا المُثبّتة عليها، فإن استخدامات أجهزة أُخرى مُمكن أيضًا بعدها تثبيتها على الطائرة، شريطة أن تكون خفيفة الوزن، وهنا الحديث تحديدًا عن الأسلحة التي يُمكن توجيهها عن بُعد.

     

     

ببساطة يُمكن الاستعاضة عن الكاميرا بسلّة صغيرة تحمل قفل ميكانيكي يُمكن فتحه وإغلاقه عند الحاجة عبر تطبيق الطائرة على الهاتف الذكي. وبكل سهولة، يُمكن استهداف أي شخص، أو مجموعة من الأشخاص، وإصابتهم دون أية جهود تُذكر، أو دون تعريض حياة أحد الجنود للخطر. الآن، وبالاستفادة من الذكاء الاصطناعي يُمكن أيضًا تطوير تطبيق يرسم المُطوّر فيه للطائرة مسارها والوجهة النهائية التي ستتجه إليها، إضافة إلى المهمّة التي ستقوم بها كالتقاط مجموعة من الصور، إلقاء حمولة، إطلاق النار، وما إلى ذلك. وبفضل براءات اختراع مثل تلك التي حصلت عليها شركة أمازون والتي تُتيح للطائرة تدمير ذاتها، فإن مثل تلك العمليات يُمكن أن تجري دون حسّ أو خبر، دون أن يلحظ أحد وجود طائرة بالأساس لأنها لن تترك أثرًا(4).

    

قد تبدو الأمثلة والاستخدامات السابقة ضحلة، أو عامّة بمعنى أدقّ، وهذا شيء مقصود لإظهار خطورة هذا النوع من الأجهزة وسهولة استخدامها لانتهاك خصوصيّة الأشخاص، فمثل تلك الطائرات متوفّرة في الأسواق العاديّة ويُمكن لأي شخص الحصول عليها دون أية قيود. وبعد الاستفادة من الحزمات البرمجية التي توفّرها الشركات والمنصّات السحابية، فإن نفس تلك الطائرات الصغيرة التي تُباع بهدف التصوير والتسلية قد تتحوّل لسلاح خطير، إلا أن خطورته تُعتبر بسيطة بالنظر إلى الطائرات الصغيرة التي تُنتج بشكل سرّي، تلك التي تُباع في السوق السوداء والويب العميق القادرة على الهجوم والعودة خلال ثواني معدودة، وتلك أجهزة تُستخدم حاليًا في المجال العسكري ستظهر تفاصيلها وتُصبح متوفّرة بيد عامّة الشعب بعد تطوير أجيال جديدة أكثر تطوّرًا وأكثر فتكًا.

     

undefined