شعار قسم ميدان

روبوتات طائرة.. كيف ستغير الدرونز وجه الحياة اليومية؟

روبوتات طائرة.. كيف ستغير الدرونز وجه الحياة اليومية؟

"أعتقد أن الدرونز بشكل عام سيكـون تأثيـرها أكبر بكثيــر مما يستطيـع الناس استيعابه في النواحي الإيجابية لخدمة المجتمعـات"

(بيـل غيتس، مؤسس شركة مايكـروسوفت) (1)

عندما يأتي الحديث عن الدرونز (Drones) فالانطبـاع الذي يتبادر إلى الذهن إمـا صورة خياليـة عامرة بالتشاؤم والقلق والتحذير من مغبّة استخدامها كتقنيــة اعتاد البشر في السنوات الأخيرة استخدامها لأغراض عسكـرية وتجسسية، وإما العكس تماما، صورة برّاقة عامـرة بفـانتازيا الخيال العلمي والتنظيـر للمستقبل الذي تسود فيه الآلة وتجعل الحياة أكثر سهولة وأمانا بتطبيقـات متعددة خادمة للبشر.

 

الواقع أن كلا الانطباعين يُعدّ مقبـولا وله مبرراته، فالسنوات الأخيرة تعج بأخبار ومؤتمرات مدهشة تقدّم الدرونز (الطائرات بدون طيّـار) بأشكال وأنماط مختلفة وبتطبيقـات فنيّة وعملية مدهشة، تبدأ من التصوير الدقيق مرورا بالنقل السريع للبضائع والأمتعة وليس انتهاء بالتدخل السريع للإنقاذ والطوارئ، وهو ما يجعل كل شيء متاحا مع هذه التقنيـة. هذه تقنيـة يمكن استخدامها في إبادة قرى ومدن كاملة إذا استُخدمت في الأغراض العسكـرية بالنسبة نفسها التي يمكن استخدامها في إعمار قرى ومدن كاملة إذا استُخدمت للأغراض السلمية. (2)

 

على مسرح "تيد"، ننظر إلى الجانب المضيء من القمـر، المزايا التي تعدنا بها تقنيــة الدرونز الثورية التي لن تكون حِكـرا على الأغنياء أو دول العالم الأول -مثل العديد من التطبيقات التقنية المتطوّرة في بدء ظهـورها العالمي-، وإنما ستكون موجّهة بنفس المقدار إلى الدول النامية والفقيـرة والمنكـوبة.

 

كيف نستخدم الدرونز في إنقـاذ الأرواح؟

"أنا ريادي في صناعة الروبوتات، وقضيت الكثير من الوقت هنا في أفريقيا. في عام 2014 أنشأنا شركة "زيبلاين" التي تستخدم الطائرات الكهربائية ذاتية التحكم لتوصيل الأدوية إلى المستشفيات والمراكز الصحية عند الطلب. استطعنا بالفعل إطلاق أول نظام تسليم آلي في العالم والذي يعمل على نطاق وطني، وتخيلوا أين؟ ليس أميركا أو اليابان أو أوروبا. كان في الواقع الرئيس بول كاجامي ووزارة الصحة الرواندية هم من راهنوا على نجاح وإمكانيات هذه التقنية في رواندا، ووقعوا عقدا تجاريا لإيصال أغلب تبرعات الدم في الدولة حين طلبها"

رغم أنه غير متخصص في الخدمات الصحية والطبية، فإن تخصصه كرائد أعمال في المجال الصنـاعي ألزمه بأن يستخدمه فيما يراه أفضل وأنبل التطبيقـات وهي الرعاية الصحية الأساسية. استطـاع كيلر رينودو تطويـر نظام مميز في توصيل طائرات بدون طيّـار تعمل على نقل الدم والبلازما إلى الأماكن البعيدة والعيادات الخارجية التي تستدعي تدخلا طبيا طارئا، وقام بتطبيـق هذا النظـام لأول مرة في دولة رواندا التي دعمته بكل الوسائل لتسهيـل مهمة الرعاية الطبية لمواطنيها خصوصا في مناطق الغابات والأدغال التي يتعذر الوصول إليها.

 

في هذه المحاضرة الشيّقة التي أُلقيت على مسرح "تيد" في عام 2017، وحققت مشاهدات تجاوزت المليون مشاهدة، يشـرح كيلر رينودو بالتفصيـل تجربته الرائدة في استخدام الطائرات الصغيرة بدون طيّـار في توصيل المتطلبات الطبية العاجلة، ودورها في إنقاذ حياة المئات من محتاجي الخدمات الصحية العاجلة في شرق أفريقيـا. والأهم، يشرح الشاب إمكـانية تحويل خدمته إلى خدمة لوجستية للرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم تستفيد منها كل الدول والمجتمعات بلا تمييز، باعتبار أنها خدمة رخيصـة عالية الكفاءة يمكن تطبيقها في دول العالم الأول بكفاءة تطبيقـها نفسها في دول العالم الثالث والدول الأكثر فقرا وتخلفا.

 

لنقابل آلات المستقبل الطائرة.. والمدهشة

عندما تسمع كلمة "طائرة بدون طيـار" أو "درونز" فأول ما يأتي في الذهن إما صورة خيالية مفيدة وبرّاقة وعامرة بالتفاؤل للغاية، وإما صورة مخيفة مثيرة للقلق إلى أقصى حد. هل سيكون هذا الضيف الجديد للبشرية ضيفا مفيدا جماليا يساعد في تطور البشرية ويخفف من أعباء البشر فعلا، أم أنه سيكون شيئا مثيرا للقلق والحذر أكثر من أي شيء آخر.

 

في هذه المحاضـرة يشرح خبيـر المنظومات الذاتية رفاييلو دو أندريـه ما ستنتجـه تكنولوجيا الآلات الطائرة في المستقبل، وكيف ستتطوّر هذه الآلات الطائرة الصغيـرة لتصل إلى حدود الطيران الذاتي الذي يمكّن الطائرات من التحليق بشكل فردي أو على شكل أسراب متناسقة تماما في تحركاتها كأسراب الطيور ذاهبة أو آتية من أي بقعة في الأرض لتقديم المساعدات.

 

المحاضـرة التي أُلقيت عام 2016 حققت أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدة على منصة "تيد" الرسمية، وتميزت أنها محاضـرة تفاعليـة يشرح فيها المُحاضر كافة الأفكـار من خلال استحضـار نماذج للطائرات الصغيـرة على المسرح، يوضّح من خلالها للجمهـور التقنيـات الحالية وفرص التطوير فيها. وهو ما جعلها من أكثر المحاضرات جماهيـرية، كونها اعتمدت على التجسيد المرئي أكثر من التنظيــر المعلوماتي فقط.

 

القدرات الرياضية المذهلة للمروحيات الرباعية

عشـرة ملايين ونصف مشاهدة لهذه المحاضـرة التي ألقاها رافايللو دي أندريـا على مسرح "تيد" لعام 2013، وتعتبر من أشهر محاضـرات "تيد" التي سلّطت الضوء على ثورة الطائرات الدرونز بشكل شديد التميز. المحاضـرة تجسيد بصـري أكثر من كونها شرحا نظـريا لواقع ومستقبل الطائرات الرباعية الصغيـرة، التي استعان المتحدث بعدد منها للتوضيح للجمهور بشكـل مباشر أعتاب هذه الثورة التي ستغير المستقبل بالكامل.

 

المسرح هذه المرة هو مختبر للروبوتات في "Ted Global" الذي يعرض فيه دي أندريا مروحياته الرباعية الطائرة المذهلة. وسط نظـرات الدهشة والإعجاب من الجمهور، يبدأ دي أندريا في إبراز الملامح الفنية لهذه الطائرات وتفسيـر ما تبدو أنها تصرفات عجيبة تقوم بها. الطائرات تستطيع أن تستعيد توازنها بسرعة مذهلة، وتستطيع أيضا أن تمارس معك لعبـة ضرب الكرة ببراعة، حيث تحدد مكان الكـرة ومستوى حركتها، وتردها بتوقيت شديد الدقة.

 

في المحاضرة يشرح المتحدث السياق العام لإنشاء أي شيء أو جهاز باهر، بدءا من رصده في الطبيعة ثم تحويله إلى لوغاريتمـات يطوّعها التقنيـون لاستخدامها في الآليات المختلفة. للوهلة الأولى، تبدو هذه التقنيـة مخيفة ومثيرة للتوجّس، لكن تخيـل أن ما يمكن أن تفعله في العقـود القليلة المقبلـة لخدمة البشـرية قد يحوّل مسار الحياة بشكـل كامل دون أدنى مبالغة.

 

الروبوت الذي يطير مثل الطيـور!

"حلم البشرية الأزلي أن تطير مثل الطيور. الطيور رشيقة جدا. إنها تطير، وليس لها عناصر دوارة، ذلك أنها تطير فقط برفرفة أجنحتها.. لذلك، نظرنا إلى الطيور، وحاولنا تقديم نموذج خفيف وقوي، ويجب أن يكون لها صفات ممتازة للانسياب الهوائي من شأنه أن يطير بمفرده فقط عن طريق رفرفة أجنحتها. وفعلناها!"

ظاهـرة الروبوتات الطائرة ظاهـرة قديمة بلغت أوجها في العقد الأخير بصعـود تكنـولوجيا صناعة الدرونز التي عادة ما تكون مركبات طائرة صغيـرة الحجم تطير بشكـل مروحي. لكن صنـاعة روبوت على هيئة الطيـر، ويطير كما يطيـر الطيـر، هذا أمـر بلا شك شديد الصعــوبة والتعقيد، فضلا عن كونه أمـرا مُدهشا للغاية ويثير التساؤلات بخصوص جدواه العلميـة والتقنيـة والتصنيعية.

 

لكن ماركوس فيشر وفريقه فعلوها. في هذه المحاضرة التي أُلقيت في عام 2011، وحققت حتى الآن أكثر من ستة ملايين مشاهدة كواحدة من أشهر محاضرات "تيد" التقنيـة في مجال الدرونز، يصعد ماركوس فيشر على خشبة المسرح ويحكي ظروف نجاحه هو وفريقه في تصنيـع طير ذكي وخفيف ويطير بواسطة رفرفة الأجنحة ونعومة وانسيابية مثل طيـور النورس بالضبط. تقنيـة مذهلة لاقت إعجابا هائلا من الجمهـور، وتشير بدورها إلى تقدم واعد في هذا المجال.

 

المحاضـرة مختصرة جدا، فقط 6 دقائق معظمها ذهبت إلى التجسيد البصـري للتقنيـة التي قام بها فريق المخترعين، ومن ثم بعض الشروحات البسيطة بخصوص هذه التقنية وما يمكن أن تقدمه في المستقبل.

 

لا توجد طـرق؟ يوجد "درون" مهيأة لهذه الظـروف

"يوجد في العالم اليوم مليار شخص لا تتوفر له طرق صالحة للاستخدام في الفصول المختلفة. هل أنت مستوعب لهذا الرقم؟ مليار شخص، سُبع سكان الأرض معزولون تماما لجزء من السنة. لا نستطيع إيصال الدواء إليهم بكفاءة، لا يستطيعون الحصول على حاجيات أساسية، ولا يستطيعون إيصال بضائعهم إلى السوق لإيجاد دخل مستمر. في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، على سبيل المثال، 85% من الطرق غير صالحة للاستخدام في المواسم الممطرة. يوجد استثمارات، لكن بناء على المستوى الحالي، يقدر أنه سوف يستغرق الأمر منهم 50 سنة للحاق بالركب. هل سينتظر المرضى والجوعى خمسين سنة للحصول على حقوقهم الإنسـانية؟"

أكثر من مليون مشاهدة للمحاضـرة التي ألقاها أندرياس رابتوبولوس في عام 2013 متحدثا عن "الدرونز" لكن من ناحية عملية تطبيقيـة هذه المرة بعيدا عن النواحي الفنية والتكنولوجية. كيف سيمكن للبشر أن يستخدموا هذه التقنية بشكل فعّال ويساهم في إنقاذ حياة الناس الأكثر فقرا واحتياجا، بعيدا عن الإبهار التقني الذي تظهره هذه الطائرات واستخداماتها في المجتمعات الثرية بدءا من توصيل "الديليفـري" وليس انتهاء بإسقاط علب المثلجات والآيس كريم على المصطـفين في بعض الشواطئ العالمية. نحن هنا بصدد ما هو أعمق بكثير من التباهي بالتكنولوجيا المجردة من جهة، أو تطبيقاتها في المجتمعات الثرية من جهة أخرى.

 

الدرونز تستطيع أن تصل إلى أكثر الأماكن تعقيدا، توفر الوقت والمجهود والمال، وتستطيع أن تتحرك فورا والآن دون الحاجة إلى انتظار الحكومات لتشييد طـرق ومبانٍ وجســور لإنقاذ الملايين الذين يقبعون في مناطق جغرافية مهمّشة سواء في الغابات أو الصحاري. نحن لسنا هنا بصدد "وسيلة إغاثة مؤقتة" فقط بقدر ما نحن بصدد وسيلة تدّشن لنوع جديد من أنظمة المواصلات التي تستخدم الآلات الطائرة الكهربية ذاتية الإدارة لتوصيل الأدوية والغذاء والبضائع والمؤن إلى الناس مهما كان موقعهم الجغرافي، وبأقل مجهود ممكن.

 

بعد الكــوارث.. هذه الروبوتات ستكـون المنقذ

"في كل عام، يُقتل أكثر من مليون شخص بسبب الكوارث المختلفة. مليونان ونصف مليون شخص سيصابون بإعاقة أو يشردون بشكل دائم، وتستغرق المجتمعات ما بين عشرين إلى ثلاثين عاما للتعافي بالإضافة إلى المليارات على شكل خسائر اقتصادية"

بهذه المعلومة المُفجعة تبدأ روبن مورفي محاضـرتها على مسرح "تيد" التي ألقتها في عام 2015، وحققت حتى الآن أكثر من مليون مشاهدة، وذلك بهدف الإشارة إلى خطـورة الأمر والتكلفة الفادحة التي تتكلفها البشرية سنويا من جراء الكوارث بمفهومها الواسع. ومع ذلك، تطرح الباحثة فرضيـة مدهشة تقول إنه إذا استطعنا تقليل الاستجابة الأولية للكوارث بمقدار يوم واحد، فالنتائج ستكون إيجابية للغاية، حيث ستقل فترة التعافي من الكارثة بمقدار ألف يوم، أي ثلاث سنوات.

 

كيف ذلك؟ سيتمكن المسعفون والمنقذون الأوائل من الدخول المباشر السريع لحفظ الأرواح، وتخفيف أي مخاطر أخرى تداهم سكان المكان والوافدين إليه، ومن ثم ستبدأ مجموعات أخرى في الدخول لتوفير المياه وترميم الطرق والكهرباء وإعادة البناء، ووكالات التأمين ستأخذ مسارها لإعادة بناء البيوت، ومن ثم البدء في استعادة الأمور كما كانت عليه سابقا. فقط كل هذا سيتم إذا استطـاع المنقذون الوصول إلى الأماكن المنكوبة في يوم واحد فقط، سيحدث فرق هائل في كل شيء.

 

انطلاقا من هذه الفرضية، تشرح روبن مورفي ما تقوم به هي وفريقها في مختبرها ببناء منظومة روبوتات "للإنقاذ" تكون هي أول الحاضرين إلى الساحة. هذه الآلات الصغيـرة يمكنها أن تطير وتزحف وتحفر وتسبح للوصول السريع إلى مواقع الكوارث، وبكفاءة مرتفعة للغاية يمكنها أن توفر وقتا كبيرا في عمليات الإنقاذ، وتستطيع أن تقوم بما لا يستطيع رجال الإنقاذ البشر أن يفعلوه سواء على مستوى طرق الإنقاذ أو الوصول في التوقيت الصحيح.

في النهاية، هذه الطائرات الآلية الصغيـرة ذات الإمكـانيات التقنية المذهلة صُنعت على أيدي البشر مثل أي شيء آخر، والبشر هم من يقررون كيفيـة استخدامها. كل المؤشرات تقول إن استخدام هذه الآليات الصغيرة هي المستقبل القريب بخيره وشرّه. فإن استُخدمت سلميا فستحدث نقلة نوعيـة هائلة في تحسين حياة البشر خصوصا في المناطق الفقيرة والمنكوبة، وإن استُخدمت عسكـريا فستحدث أيضا نقلة نوعية هائلة في جعل حياة البشر أكثر صعوبة وتعقيدا.

المصدر : الجزيرة