شعار قسم ميدان

أوامر صوتية بدون كلام.. كيف سيكون شكل تقنيات المستقبل؟

midan - tech from movies

يُمكن اعتبار أن ما يصل لنا من تقنيات وأجهزة ذكية على هيئة هواتف وحواسب وأجهزة تقنية قابلة للارتداء لا يساوي ثُلث التقنيات التي يجري العمل عليها داخل مُختبرات الشركات الناشئة والجامعات العريقة. بل حتى أن التقنيات المُستخدمة في الوقت الحالي كانت بدورها يومًا من الأيام مُجرّد مشروع حالم يعمل عليه مجموعة من الطُلّاب وروّاد الأعمال الشغوفين الطامحين بتغيير معالم المُستقبل.

   

الكلام الصامت

أثارت "سيري" (Siri) عندما قدّمتها شركة آبل داخل هواتف آيفون حماسة الجميع، فإحدى مشاهد أفلام الخيال العلمي تتحوّل لحقيقة بعدما أصبح المُستخدم قادرًا على الحديث مع هاتفه الذكي وطلب بعض الأوامر منه. ليس هذا فحسب، بل يُمكن للهاتف الإجابة صوتيًا على أسئلة المُستخدم وإجراء حوار معه أيضًا، وتلك مهارات طوّرتها أمازون ثم غوغل ليُصبح استخدام الصوت مع الأجهزة الذكية أمرا طبيعيا ومقبولا في الوقت الراهن.

    

      undefined

   

هناك من يعتقد أن الحديث مع المُساعدات الصوتية أمر غير مُمكن في جميع الحالات، خصوصًا في الأماكن العامّة أو في قاعات الاجتماعات. لذا، قدّمت الشركات حلًّا للحديث مع المُساعد الرقمي عبر الرسائل. لكن طُلّاب جامعة "إم آي تي" (MIT) كان لهم رأي آخر، فالمُستقبل والمجد لن يُصنعوا من الحلول البسيطة، ولهذا السبب خرج مشروع "آلتر إيغو" (AlterEgo) الذي يُتيح الحديث مع الأجهزة الذكية بشكل صامت(1).

    

نجح الطُلاب في تطوير سمّاعة رأس ذكية قادرة على قراءة السيّالات العصبية داخل دماغ الإنسان، تلك التي تُرسل للحبال الصوتية لنطق كلمة ما، عبر وضع مُستشعر قادر على استشعار تقلّص وتمدّد العضلات الموجودة في الرقبة، لتحويلها فيما بعد لأوامر تفهمها الآلة. على أرض الواقع، لا يحتاج المُستخدم للقيام بأي شيء سوى نطق الكلمة بشكل داخلي دون فتح فمه أو تحريك إصبعه حتى، فالنطق بشكل داخلي سيؤدّي لاهتزازات في الحبال الصوتية.

     

بعد التقاط تلك الاهتزازات تقوم السمّاعة بإرسالها لجهاز لتفسيرها، فلكل كلمة موجة، ومهمة الحاسب هي العثور على موجة مُشابهة لتلك الموجة التي التقطتها السمّاعة لتنفيذ أمر مُعيّن. في الوقت الراهن يُمكن لمشروع "آلتر آيغو" تفسير مجموعة بسيطة من الكلمات. لكنها في ذات الوقت ليست محدودة، فمحاولة نطق كلمات وأوامر جديدة قد يعود بنتائج إيجابية، وهذا بدا واضحًا في إحدى المُقابلات الصحفية التي أجراها صاحب الفكرة، عندما قام بطلب طعام دون فتح فاه ومن خلال نطق الأمر بشكل داخلي. وبعد 30 دقيقة، استلم فريق العمل الطعام دون تحريك إصبع واحد حتى(2).

       

     

شاشة بحجم الحائط.. أو العكس

مع تعدد وسائل استخدام الأجهزة الذكية كلمس الشاشة، استشعار حركة الرأس، أو حتى الأوامر الصوتية، ما زالت تبحث بعض الشركات عن وسائل أُخرى، ولعل الاستفادة من الوساط المُحيط هو أفضل شيء، والحديث هنا ليس عن مشروع "سولي" من غوغل، بل عن مشروع "الحائط++" (Wall++).

     

تتواجد الجدران بوفرة في جميع الأماكن، وهي بنسبة كبيرة غير مُستخدمة ولا يُمكن الاستفادة منها بشيء. ومن هنا، خرج باحثون من شركة ديرني وجامعة "كارنيغي ميلون" (Carnegie Mellon) بمشروع الشاشة الحائط لتحويل أي حائط إلى شاشة تعمل باللمس عبر استخدام تقنيات بسيطة. يعتمد المشروع على طلاء الحائط بطريقة مُعيّنة مع استخدام بعض المواد التي تتفاعل مع التيّار الكهربائي. وبعد الانتهاء، يتم تركيب جهاز صغير أسفل الحائط يقوم بتحويله إلى لوحة كبيرة تستجيب للمس والاهتزازات، أي أنه لن يقوم بعرض شيء، وسيكون وسيلة إدخال فقط(3).

    

تبلغ تكلفة تحويل الحائط إلى لوحة تستجيب للمس 20 دولار تقريبًا لكل ثلاثة أمتار، وبفضل الحاسب، يُمكن استشعار المكان الذي يلمس فيه المُستخدم الحائط واتجاه حركة يده أيضًا. ومثلما هو الحال في شاشات الهواتف الذكية، يدعم الحائط اللمس المُتعدّد من أكثر من شخص في ذات الوقت. ليس هذا فحسب، بل يُمكن رصد الاهتزازات لتحديد وجود حركة أو تحديد الأجهزة الكهربائية التي تعمل لأن الدارات الكهربائية تقوم بإصدار اهتزازات نتيجة لمرور التيّار الكهربائي في الأسلاك، وهنا تخرج الاستخدامات المُختلفة لمثل هذا المشروع الذي قد يسمح فيما بعد لتحويل الطاولات مثلًا لسطح يستجيب للمس يُمكن للرسامين الاستفادة منه للرسم رقميًا خارج حدود وقيود شاشات الحواسب اللوحية.

          

      

تحويل جلد الإنسان لشاشة

قد يبدو تحويل الجدران لأجهزة قابلة لاستشعار اللمس والحركة مشروع حالم لا يُمكن الاستفادة منه بشكل دائم وفي مختلف الأوقات. لكن الباحثين في جامعة "كارنيغي ميلون" لديهم مشروع آخر يستفيد أيضًا من وسط ما لاستخدام الأجهزة الذكية. لكنه هذه المرّة يقترب أكثر من الإنسان وهذا عبر تحويل الجلد لشاشة تعرض البيانات وتستجيب للمس أيضًا.

    

خرج الباحثون في تلك الجامعة بمشروع ساعة "لومي" (LumiWatch)، الساعة التي لا تحمل شاشة، بل عارض ضوئي يقوم بإسقاط الصورة على ساعد المُستخدم، وبفضل وجود مُستشعرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، يُمكن معرفة موضع إصبع المُستخدم على تلك الصورة، وبالتالي تنفيذ أمر ما تمامًا مثلما يضع المُستخدم إصبعه على شاشة الهاتف الذكي(4).

     

ستقوم الساعة بعد وضعها على المعصم وتشغيلها بمسح ضوئي للساعد لمعرفة المساحة التي يُمكنها الاستفادة منها لعرض الصورة بأفضل شكل مُمكن. بعدها، تظهر شاشة التطبيقات على ساعد المُستخدم، صحيح أن المشروع ما يزال في مراحله الأولى وجودة الصورة لا تزال ضعيفة، إلا أنه يُظهر إمكانية استخدام الفراغ، وأي وسط آخر، كشاشة لعرض البيانات والاستجابة للمس أيضًا في مُحاكاة لما قامت به شركة سوني في العام الماضي عبر جهاز "إكسبيريا توتش" (Xperia Touch)، لكن هذه المرّة كل شيء قريب من المُستخدم وجميع البيانات تظهر على ساعده عوضًا من الطاولة أو الحائط.

         

   

قطرات الماء عوضًا الشاشات

تتألف الشاشات بشكل رئيسي من مجموعة من المصابيح التي تُنير بشكل مُعيّن لعرض البيانات بالشكل المطلوب، فكل آيقونة، صورة، أو حتى حرف، ظاهر على الشاشة هو عبارة عن إنارة مجموعة من المصابيح بشكل مُحدّد. لكن واستمرارًا مع نهج الاستفادة من العناصر الموجودة في حياة الإنسان بشكل افتراضي، عمل مجموعة من الطُلاّب في جامعة "إم آي تي" على مشروع حالم آخر يعتمد على الماء كوسيلة لعرض البيانات، دون الحاجة للمصابيح المُستخدمة في الوقت الراهن(5).

     

يعتمد مشروع الواجهات الهادئة (Calm interface) كما يُطلق عليه الباحثون على دارة كهربائية وعلى قطرات الماء التي يتم التحكّم بها باستخدام التيّار الكهربائي لتحريكها من مكان لآخر على الدارة ذاتها. التطبيقات الحقيقية لمثل هذا المشروع فيُمكن أن تكون لعبة بسيطة مؤلّفة من قطرة واحدة بلون ما يحتاج المُستخدم فيها للاصطدام بقيّة القطرات الموجودة على نفس الدارة، والتي يقوم النظام بتحريكها بشكل آلي. أما النيتجة النهائية التي يسعى الباحثون إلى تحقيقها، فهي تقوم على إنشاء شاشة كبيرة تحمل تلك الدارة وقطرات الماء، بحيث تقوم الدارة بتجميع تلك القطرات لعرض النصّ المطلوب كخطوة أوّلية.

    

يُمكن عبر تلك الدارة تحريك (برمجة) كل قطرة ماء، أو سائل، على حدة، وهذا يُفسّر فكرة لعبة جمع أكبر قدر مُمكن من القطرات. كما يُفسّر أيضًا الصورة الكاملة للمشروع، فعوضًا عن إنارة المصابيح يتم تحريك القطرات لوضعها بترتيب يعرض البيانات، كرسالة ما على سبيل المثال لا الحصر. وهذا يُجسّد أفضل استفادة من الموارد الموجودة حول الإنسان دون الحاجة لصرف الملايين لتطوير مصابيح أو مواد أُخرى تترك خلفها الكثير من المُخلّفات التي تضر بالبيئة.

      

       

في يوم من الأيام، اعتُبرت "الماوس" (الفأرة) اختراع ثوري لتسهيل التحكّم بالحواسب بعد سنوات من الاعتماد على لوحات المفاتيح. ونفس الأمر عندما جاءت الشاشات العاملة باللمس سواء بالقلم الضوئي أو عبر اللمس بالإصبع، وتلك مشاريع كانت بالأساس حالمة أو مُجرّد تقنيات يعمل عليها مجموعة من الهواة داخل المُختبرات، لتتحوّل فيما بعد لأجهزة أساسية لا غنى عنها. ومن يدري، قد تكون السمّاعة القادرة على فهم الكلام الصامت، أو الساعة التي تستفيد من جلد الإنسان لعرض البيانات، جزء من المُستقبل التقني الذي يتطوّر بسرعة كبيرة، والذي تغيّرت معالمه بشكل كبير خلال العقد الأخير فقط. لكن وبغض النظر عن التقنيات، لن يدوم الاعتماد على الأجهزة المُستخدمة حاليًا بنفس الشكل، وستُصبح في يوم من الأيام صيحة من صيحات الماضي بفضل الخطوط الأولية للمُستقبل التي تُرسم في الوقت الراهن.