شعار قسم ميدان

هكذا ستغير الطباعة ثلاثية الأبعاد شكل حياتنا قريبا

midan - 3d print

"تحوّل مخزن قديم مغلق إلى واحد من أحدث المعامل الفنية التي يتقن فيها العاملون الجدد تقنيـة الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing). تلك التقنيـة التي لديها القدرة على إحداث ثورة كاملة في الطريقة التي نصنع بها كل شيء تقريبا"

(باراك أوباما في افتتاح المعهد الوطني للصناعات الإبداعية والتطبيقيـة "namii"، أوهايـو 2013) (1)

                  

العقد الحالي هو عقد التحوّلات التقنية الثورية، وتأتي على قمة هذه التحوّلات الثورية مجموعة محددة من التقنيات ربما أبرزها الذكـاء الاصطناعي وتقنيـة الطباعة الثلاثيـة كفرسي رهان في سباق لا تتوقف إبداعاته. وعلى الرغم من أن تقنيـة الطباعة ثلاثيـة الأبعاد (3D Printing) ظهرت في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، فإن ذروة إنجازاتها قد تحققت في العقد الحالي، ومن المتوقع أن تغيّر هذه التقنيـة تماما من شكل الحيـاة التي نعرفها في المستقبل. في هذا التقرير نستعرض مجموعة من محاضرات "تيد" المركّزة التي تشرح لك أهم ما تحتاج معرفته بخصوص تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد وتطبيقـاتها ومبادئها والتغيير الذي من المتوقع أن تحدثه في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة.

    

تمهيــد حول الطباعة ثلاثية الأبعاد

    

يتخيّل الكثيـرون أن تقنيـة الطابعة ثلاثية الأبعاد هي تقنية حديثة. الواقع أن هذه التقنية قديمة تعود إلى ثلاثة عقود ماضية، حيث بدأت في الظهـور منذ منتصف السبعينيات، وكانت أساساتها التقنية في متناول اليد. ومع ذلك، لم تحز شهـرة كبيـرة للسبب المعروف؛ أنها لم تكن ذات فعالية في ذلك العصـر، وكانت غالية السعــر جدا بحيث من المستحيل أن تكون متوافـرة للإنتاج والاستهلاك التقليدي في متناول اليد. وأيضا -ككل شيء في ذلك العقد- كانت بطيئة جدا.

    

مع مطلع العقد الحالي، وبدءا من عام 2011، بدأت تقنيـة الطباعة ثلاثية الأبعاد في الانتشار بشكل ملحوظ جعلها تمهّد لثورة كبرى في التصنيع الشامل الذي قد يغيّـر مسار الأسواق تماما ويقلب المعادلة الحالية إلى أقصى مدى. اليوم يمكنك تحميل بيانات المنتج من الإنترنت، وتقوم بتعديلها وتخصيصها بأفضل ما تريد، ومن ثم إرسال هذه البيانات إلى جهاز طباعة ثلاثية الأبعاد والذي سيقوم فورا بتصنيعها لك، محوّلا البيانات إلى جسم مادي بين يديك.

   

في هذه المحاضرة من "تيد"، تعطي ليزا هاروني حديثا تمهيديا يعتبر مدخلا ممتازا لفهم تقنيـة الطباعة ثلاثية الأبعاد، ضاربة الأمثلة بخصوص المنتجات التي يمكن تصنيعها بما فيها الأجسام المعقدة التي من الصعب جدا صناعتها بالطريقة التقليدية. المحاضـرة أُلقيت على مسرح "تيد" في عام 2011، وحققت مشاهدات كبيرة تجاوزت المليون ونصف المشاهدة، وتعتبر من أهم المحاضرات التي تشرح مقدّمة هذه التقنية بشكل ممتع ومبسّط.

    

انسَ التسوّق التقليدي.. قريبا ستقوم بتحميل ملابسك الجديدة

    

"خلال الأشهر الماضية، كنت أسافر لعدة أسابيع متتالية كل مرة مصطحبة حقيبة ملابس واحدة. وفي أحد الأيام دُعيت إلى حدث مهم، وأردت أن أرتدي ملابس جديدة خاصة بالمناسبة. وبعد أن بحثت في حقيبتي لم أجد شيئا مناسبا لألبسه. ومن حسن حظي أني كنت في مؤتمر التكنولوجيا ذلك اليوم، مع إمكانية استخدامي لطابعة ثلاثية الأبعاد. فقمت على عجل بتصميم تنورة على حاسوبي، وحملت الملف على الطابعة. وتمت طباعتها كقطع خلال الليل. في الصباح التالي، أخذت كل القطع، وجمعتها في غرفتي في الفندق، وفي الحقيقة هذه هي التنورة التي ألبسها الآن!"

       

محاضـرة مثيـرة ألقتها دانيت بالغ على مسرح "تيد" في عام 2015، حققت أكثر من مليون ونصف مشاهدة أمام جمهور لم يتوقّف عن التصفيق تقريبا طوال المحاضرة. تشرح دانيت بالغ نماذج تطبيقية لتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد وتأثيرها في صناعة الملابس تحديدا، باعتبار أنها الصناعة التي تمتهنها بعد تخرجها من مدرسة تصميم الأزياء، وتركيزها على مجال صناعة الملابس باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد، كمقدمة لإرهاصات ثورة تقنيـة هائلة تمكّنك من تحميل الملابس التي تريدها بدلا من الذهاب لشرائها أو حتى طلبها عبر الإنترنت!

    

على مدار ست دقائق مركّـزة تشرح دانيت بالغ العملية المعقدة التي تقف وراء هذا السحر، أن تضع تصميم ملابسك في جهاز كمبيوتر ثم تبدأ ماكينة الطباعة ثلاثية الأبعاد في صناعة الملابس لك لتستلمها خلال ساعات. كيف يمكن عمل هذه المعجـزة علميا وتقنيا؟ ما الأدوات التي تستخدمها دانيت بالغ في صناعة الملابس عبر الطابعات ثلاثية الأبعاد، وما تصوّراتها بخصوص المستقبل المرتبط بهذه الصناعة التي ستُحدث ثورة في مفاهيم التصنيع والتصميم، الأمر الذي يجعل صناعة الملابس تحديدا أكثر الصناعات التي ستظهر عليها تطبيقات هذه التقنية. سنرتدي قريبا "ملابس رقمية" بالمعنى الحرفي وليس المجازي.

   

ما الذي سوف نشهده في عالم الطباعة ثلاثية الأبعاد؟

       

"الفكرة الكبيرة التي أريد مناقشتها معكم ليست أن الطباعة ثلاثية الأبعاد ستقذفنا للمستقبل، بل أنها في الواقع ستربطنا مع تراثنا، وستستهلّ حقبة جديدة من الصناعة المحلية المتوزعة والمبنية حقيقة على الفبركة الرقمية. فكّروا في الأمور المفيدة. جميعكم تعرفون مقاس أحذيتكم. كم منكم يعرف مقاس جسر أنفه؟ أو المسافة بين أصداغه؟ هل من أحد؟ ألن يكون رائعا إن استطعت، للمرة الأولى، الحصول على نظارات تناسبك تماما ولا تتطلب أي تجميع مفاصل دون أن تنكسر المفاصل؟"

      

آفي ريتشينتال اكتسب موهبة صناعة الأحذية من جده الإسكافي. ولكن جده كان يقوم بتصنيع الأحذية يدويا بنفسه، بينما آفي استطاع أن يستخدم تقنية الطابعات ثلاثية الأبعاد لصناعة الأحذية أولا، ثم الانتقال منها إلى صناعة كل شيء تقريبا انطلاقا من أي مادة. يشرح في هذه المحاضـرة كيف يمكن لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد أن تقوم بإنتاج كل شيء، بدءا من الحلويات، مرورا بالأحذية الرياضية، وليس انتهاء بالأجهزة الطبية.

   

لا تشمل المحاضرة التي تمتد على مدار 10 دقائق تقريبا تفاصيل فنية بقدر ما تشمل نظرة علوية على الدور المذهل الذي ستقوم به الطابعات ثلاثية الأبعاد في السنوات المقبلة، فصناعة نظارة ثلاثية الأبعاد حتما ستكون أكثر دقة من الذهاب لشرائها، وصناعة حزام طبي من تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ستكون أكثر دقة وأقل خطأ، فضلا عن أن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد حتما ستؤدي إلى ازدهار الصناعات المحلية التراثية، حيث ستزيد من إمكانية إنتاجها بشكل أكثر دقة وجودة وفي زمن قياسي مقارنة بالعمل اليدوي المطوّل.

    

أن تقوم بطباعة كلْيــة بشرية

   

"في الواقع هناك أزمة صحية كبرى هذه الأيام تتمثل في نقص الأعضاء. صحيح أننا أصبحنا نعيش فترات أطول. فقد تحسن الطب كثيرا وأطال من معدلات بقائنا. والمشكلة هي أنه كلما كبرنا في السن، تميل أعضاؤنا إلى الفشل بشكل أكبر. ولذا ففي الوقت الحالي لا يوجد القدر الكافي من الأعضاء لتغطية الحاجة. في الواقع، في عشرة الأعوام الماضية، تضاعف عدد المرضى المحتاجين إلى زراعة أعضاء، بينما في الوقت ذاته، بالكاد ارتفع العدد الفعلي لعمليات الزرع. لذا فتلك أصبحت أزمة صحية عامة"

    

ست عشرة دقيقة من الإبهار المصحوب بالتصفيق من الجمهور المبهور بالمحاضـرة التي أُلقيت في عام 2011 بواسطة الطبيب الجراح أنتوني تالا وحققت مشاهدات تلامس سقف ثلاثة الملايين. في هذه المحاضرة يسلط الطبيب الضوء على المعضلة البشرية الكبـرى والأكثر صعوبة على مدار التاريخ الحديث: زراعة الأعضاء. فمع تقدم الطب أصبح الناس يعيشون أكثر، ولكن بأعضاء تتلف بشكل أكبر، مما يجعل الحاجة إلى زراعة الأعضاء حاجة ماسة.

    

زراعة الأعضاء تلقى العديد من المشكلات في دول العالم، بعضها مشكلات تشريعية والبعض الآخر مشكلات طبية. ولكن ماذا إذا تمكّنا من تخليق أعضاء حيوية بواسطة الطابعات ثلاثية الأبعاد، حيث تستخدم فيها الخلايا الحية لصناعة هذه الأعضاء، خصوصا "الكليتين" أحد أهم الأعضاء البشرية وأكثرها تعرضا للتلف. الواقع أن التجربة أثبتت نجاح هذه التقنية، واستطاع الطب بالفعل صناعة "كلية" قابلة للزراعة، وأيضا تم زراعة مثانة متكاملة لدى أحد مرضى الدكتور تالا، والذي استضافه الطبيب أثناء عرض محاضرته على المسرح.

     

يظل الأمل الأكبر الذي تداعبه تقنية الطابعات ثلاثية الأبعاد متركزا في عمليات زراعة الأعضاء تحديدا، والذي من المتوقع أن تحقق طفرة كبرى في عالم الطب خلال العقود المقبلة، خصوصا بعد تكلل العديد من مجهودات العلماء والتقنيين بالنجاح فعلا.

   

اطبـع دواءك الخاص

    

في ثلاث دقائق فقط، يستعرض الكيميائي لي كروتين تطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد في أهم مجال بشري على الإطلاق: الكيمياء. المحاضرة حققت زيارات تزيد على مليون مشاهدة، وتعتبر من أكثر محاضرات "تيد" اختصارا وتركيزا، حيث يسلط المتحدث الضوء على الأفكار الأساسية بدون شرح مطوّل فاتحا الباب للمهتمين بالبحث أكثر.

    

هنا نتحدث عن عمل دقيق أكثر تعقيدا لماكينات الطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث يتم العمل على تطوير آلات تعمل على طباعة "الجزيئات" بدلا من طباعة "المجسمات". بمعنى آخر، تعمل الآلات على بناء جزيئات دقيقة ورصّها بشكل كيميائي يعمل على إنتاج مركبات كيميائية نهائية يمكن استخدامها في آلاف التطبيقات، وعلى رأسها صناعة الأدوية. وبذلك، يمكن القول إن هذا الاتجاه يدعم فرصة أن تصنع دواءك الخاص باستعمال آلات طباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام أحبار كيميائية معينة.

    

ماذا لو أصبحت الطباعة ثلاثية الأبعاد أسرع 100 مرة؟

    

ما يزيد على مليوني ونصف مشاهدة حققتها هذه المحاضرة التي ألقاها جوزيف دي سيمون على مسرح "تيد" في عام 2015، مُسلطا الضوء على أهم عنصر من عناصر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد وهو عنصر السرعة. يشرح دي سيمون أولا مفهوم الطباعة ثلاثية الأبعاد باعتبارها مجرد طباعة ثنائية الأبعاد مكررة مرارا وتكرارا، وهو ما يجعلها بطيئة إلى حد كبيـر، حتى لو كانت منتجة.

   

الأمر أشبه بالطابعة الحبرية التي ترص الحبر على الورق لتظهر الكلمات، هذا النوع من الطباعة هو ثنائي الأبعاد. إذا رُصّت هذه الجزيئات بشكل تراكمي، فالنتيجة ستكون طباعة ثلاثية الأبعاد تتحول إلى منتج مادي. ومع ذلك، البطء يكون السمة الأساسية في هذه العملية، وهو الأمر الذي جعل دي سيمون يعمل على طريقة مختلفة جديدة كليا لمفهوم الطباعة ثلاثية الأبعاد استلهمها بالأساس من الجزء الثاني لفيلم "المدمّر" (The Terminator) الذي أُنتج في بداية التسعينيات من القرن الماضي.

  

نحن لدينا هنا تقنيـة تزيد من سرعة الطباعة ثلاثية الأبعاد ما بين 25 إلى 100 مرة بجودة وإبداع كبيـر، وهو ما يؤدي إلى نقلة جديدة في هذا العالم تجعل هذا الأسلوب ينتج منتجات عالية الجودة بسرعة كبيـرة. في المحاضرة يشرح جوزيف دي سيمون ملامح هذه التقنيـة وتطبيقــاتها وما يمكن أن تحدثه من تغيير في عالمي الطباعة ثلاثية الأبعاد والتصنيع التقليدي.

   

بزوغ عالم الطباعة رباعيـة الأبعاد

    

واحدة من أهم محاضـرات "تيد" التي سلّطت الضوء على تقنيـة الطباعة ثلاثية الأبعاد بنسختها التطويرية الأحدث التي تجعلنا ندخل إلى عالم الطباعة "رباعية الأبعاد". المحاضـرة حققت أكثر من مليوني ونصف زيارة وأُلقيت في فبراير/شباط من عام 2013، وتعد محاضـرة فريدة من نوعها بخصوص هذا المجال.

   

إذا كانت الطباعة ثلاثية الأبعاد قد بدأت بوادرها في أواخر السبعينيات، معتمدة على الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع، حيث يتم تحويل البيانات إلى مجسّمات حقيقية مهما كان المنتج المطلوب، فالطباعة رباعية الأبعاد ظهرت إرهاصاتها لتدخل بُعدا رابعا وهو "الزمن". هذه التقنية -الطباعة رباعية الأبعاد- ستسمح لنا ليس فقط بتصنيع منتجـات مختلفة، وإنما اعتبار عامل الزمن في إعادة تشكيل نفسها أو تجميع نفسها ذاتيا. سنتمكن مثلا من تصنيع مكعّب مطبوع رباعيا يكون له القدرة على الطي الذاتي، أو أنابيب قادرة على الإحساس بالحاجة بالتمدد أو التقلص وفقا لمعايير مختلفة مرتبطة بالزمن.

  

المحاضـرة مدتها ثماني دقائق يشرح فيها المتحدث سكايلر تيبيتس أسرارا مُدهشة بخصوص عالم الطباعة رباعية الأبعاد والتطبيقات المتوقعة من وراء إدخاله حيّز التصنيع التنافسي، ومدى تأثير هذه التقنية في صناعة منتجات شديدة التأثير خصوصا في المجال الطبي والحيوي، فضلا عن تطبيقات أخرى في كافة المجالات.

    

undefined

   

في النهاية، هذه المحاضرات إن كانت تريد أن تُوصل إليك رسالة مختصرة فإن مفادها هو أننا على أعتاب ثورة تقنية شاملة تقودها الطباعة ثلاثية الأبعاد، وأن العقود القادمة ستكون عقود التصنيع السريع لكل الأشياء الممكنة في زمن قياسي بشكل مختلف تماما عن طرق التصنيع التي دأبت البشرية على إنجازها طوال قرون طويلة، سواء في العصور القديمة اليدوية أو عصور الميكنة الصناعية.