شعار قسم ميدان

انستغرام “تي في”.. متى يتوقف فيسبوك عن تقليد المنافسين؟

إنستغرام - ميدان
ما إن يخرج تطبيق جديد لنشر ومُشاهدة مقاطع الفيديو، حتى تتّجه الأنظار فورًا نحو يوتيوب، ليبدأ الحديث عن أن تلك الخدمة الجديدة قادمة لإزاحته عن الواجهة بعد سنوات من الصدارة. الأمثلة على ذلك كثيرة، منها "فاين" (Vine) أو "بيريسكوب" (Periscope)، أو حتى "ووتش" (Watch) من فيسبوك، لذا فإن تكرار ذات الأمر مع إنستغرام التي كشفت مؤخّرًا عن خدمة "تي في" (IGTV) ليس بالأمر المُستهجن(1)، خصوصًا أن الخدمتين تتصارعان في نفس الوسط وبنفس العوامل تقريبًا.

 

تلفاز الإنترنت
لسنوات طويلة سيطر موقع يوتيوب على الفيديو دون أدنى مُنافسة تُذكر، فالموقع يُتيح للجميع دون قيود رفع ومُشاركة مقاطع الفيديو بحرّية تامّة. كما يوفّر مجموعة كبيرة من الأدوات التي تُساعد صُنّاع الفيديو على إخراج مقاطعهم بالشكل الأمثل. وعلاوة على ما سبق، ساهمت شبكة يوتيوب في خلق فرص عمل جديدة ومُسمّى وظيفي لمئات الأشخاص، فوصف "يوتيوبر" (Youtuber) لشخص فرّغ حياته لصناعة محتوى مرئي ومُشاركته عبر قناته أصبح شائع الاستخدام جدًا في وقتنا الراهن(2).

     

لعبت الكثير من العوامل في مصلحة يوتيوب، أهمّها مُحرّك البحث القوي الذي يتيح الوصول لملايين المقاطع بسهولة تامّة، فأي مُستخدم على الإنترنت الآن، باستطاعته الدخول والبحث عمّا يُريد دون صعوبات تُذكر، فالجميع على دراية بأن يوتيوب هو المكان الأمثل للعثور على الفيديو المطلوب. كما أن خاصّية الحصول على عائدات مالية للناشرين من أهم الأمور التي شجّعت الجميع على التوجّه نحوه، فإعلانات غوغل هي أبسط شكل للحصول على عائد مادّي لأي صاحب محتوى، وهذا نموذج نقلته الشبكة لمستوى آخر بعدما أعلنت عن "يوتيوب ريد" (Youtube Red)، لتمنح صُنّاع المحتوى المُتميّزين فرصة أُخرى للحصول على عائد مادّي لقاء إنتاج مقاطع بجودة عالية.

 

undefined

 

وبعيدًا عن جانب صناعة المحتوى، فإن يوتيوب بالنسبة للمُستخدم العادي يوفر الكثير من الخيارات منها مُشاهدة المقاطع على الحاسب بالحجم الكامل وبدقّة تصل إلى "8 كيه" (8K). نفس تلك المقاطع يُمكن مُتابعتها باستخدام الهواتف الذكية أيضًا بالوضع الطولي أو العرضي بحيث لا يجد المُستخدم فرصة للتذمّر أو للشعور بعدم الرضا في تجربة الاستخدام.

    

تكرّر نموذج يوتيوب كثيرًا، ولعل كل من "فيميو" (Vimeo) أو "ديلي موشن" (Daily Motion) كانت الأقرب لمنافسته على اعتبار أنها توفّر مُعظم تلك الميّزات، لكن المُنافسة كانت في مصلحة المُستخدمين خصوصًا في الفترة الأولى من ظهور يوتيوب، لأن القائمين عليه أبوا وقاتلوا بشراسة في تطوير المنصّة للتفوق على الجميع.

     

ما سبق، لم يمنع القائمين على إنستغرام من التفكير بالفيديو على الإنترنت، والحديث هنا حول الفيديو الطويل، وليس القصير المتوفّر حاليًا، ومن هنا جاءت فكرة تلفاز إنستغرام (IGTV)، التطبيق الجديد الذي يُتيح للمُستخدم إنشاء قناته الخاصّة ونشر مقاطع فيديو مدّتها تصل إلى ساعة كاملة مع التركيز على الفيديو العمودي (Vertical) نظرًا لكونه تطبيق موجّه بصورة أساسية لمُستخدمي الهواتف الذكية التي تأتي بشاشات مُستطيلة، والتي اعتاد المُستخدمون على مُشاهدة المحتوى منها خصوصًا في السنوات الأخيرة مع تطوّر الاتصالات وجودة تلك الشاشات. لكن هل يكفي هذا حقًّا لمُنافسة من نوع آخر بين إنستغرام ويوتيوب؟

 

فيسبوك أولى بالمنافسة
على الرغم من قاعدة مُستخدمي فيسبوك الكبيرة التي تتجاوز حاجز الـ 1.5 مليار مُستخدم، ومن توفّر تطبيقات الشبكة للحاسب وللهواتف الذكية بتجربة استخدام مُميّزة، إلا أن فيسبوك في مجال الفيديو لا يؤخذ على محمل الجد أبدًا، حتى بعد إطلاق خدمة "ووتش"، لأكثر من سبب، أهمّها البحث، فمحرك بحث فيسبوك لا يُمكن مقارنته من ناحية الجودة مع مُحرّك بحث يوتيوب، أضف إلى ذلك وجود أكثر من نوع للمحتوى على غرار النصوص، الصور، أو حتى الملاحظات، دون نسيان تحميل مقاطع الفيديو من يوتيوب وإعادة رفعها على فيسبوك، وبالتالي فإننا نشهد في فيسبوك ما يمكن تسميته بـ "فوضى المحتوى".

        

 تجدر الإشارة هنا، إلى أن تركيز القائمين على "ووتش" في فيسبوك هو عبر توفير محتوى خاص بهم على غرار ما تقوم به شبكات بث المحتوى مثل "نت فليكس" (Netflix)، لذا فإن مُنافسة يوتيوب ليست الفكرة الرئيسية بالنسبة لـ "مارك زوكربيرغ" ورفاقه، على الأقل في الوقت الراهن.

  

بهذا الشكل تخلو الساحة لخدمة إنستغرام "تي في" التي وعلى الرغم من حداثة عهدها نجحت في توجيه الأنظار نحوها بشكل فوري كمُنافس مُباشر ليوتيوب، خصوصًا أن القائمين على التطبيق سبق لهم وأن نافسوا تطبيقات أُخرى ونجحوا في مُبتغاهم، وهذه المرّة تقف مجموعة كبيرة من العوامل في صفّهم(3)(4).

   

   

بلغ إجمالي عدد مُستخدمي شبكة الإنترنت أكثر من 4 مليار نسمة، أي أن 54٪ تقريبًا من البشر مُتّصلون بالشبكة العنكبوتية، في وقت يبلغ فيه إجمالي مُستخدمي الهواتف الذكية 3.8 مليار نسمة، وهذا يُمثّل 50٪ تقريبًا. الأهم من تلك الأرقام هي عادات التصفّح، فـ 44٪ من المُستخدمين يُفضّلون استخدام الحواسب لهذا الأمر، بينما يلجأ 51٪ من المُستخدمين للهواتف الذكية، وهذا يُمثّل زيادة بنسبة 2٪ مُقارنة بنفس الفترة (نيسان/أبريل) في العام الماضي، ويُمثّل تراجع بنسبة 0.2٪ بالنسبة لتصفّح الإنترنت من الحواسب التقليدية(5).

undefined

عامًا بعد عام يزداد الاعتماد على الهواتف الذكية لتصفّح شبكة الإنترنت خصوصًا مع ازدياد حجم شاشات تلك الأجهزة ودقّتها أيضًا. لكن إنستغرام تمتلك عوامل أُخرى تدعمها في مُنافستها أمام يوتيوب، فمُحرّك البحث جيّد أيضًا ويُصنّف النتائج على حسب المكان، المحتوى، المُستخدمين، وغيرها من التصنيفات الأُخرى، دون نسيان إمكانية استخدام الوسوم كوسيلة للتصنيف، وهي وسيلة مُستخدمة بكثرة عند مُشاركة المحتوى على إنستغرام بشكل عام.

 

ويملك إنستغرام ما لا يملكه يوتيوب، مُشاركة الصور ومقاطع الفيديو من جهة، والحكايات والرسائل المُباشرة من جهة أُخرى، ليظهر بذلك على هيئة التطبيق الأوحد الذي يجمع كل ما يحتاجه مُستخدموا الإنترنت في عام 2018، فالحكايات خاصّية أساسية والأرقام تُثبت ذلك. ونفس الأمر مع المحادثات الفورية التي قرّرت إنستغرام إفراد تطبيق "دايركت" (Direct) لها نظرًا للعدد الكبير لمُستخدميها، وتلك أمور غير موجودة في يوتيوب، صحيح أن أحاديث ظهرت عن توفير خاصّية الحكايات(6)، إلا أنها أصبحت قديمة العهد، ناهيك عن أن خاصّية الرسائل التي قُدّمت قبل فترة ليست موجّه بشكل أساسي للمحادثات الفورية بقدر ما هي موجّهة لمشاركة المقاطع بين الأصدقاء فقط.

 

المُستقبل
 لكن طريق إنستغرام "تي في" ليس ممهدا، وهذا بسبب غياب إمكانية الحصول على عائدات مادّية من المقاطع المنشورة، وهو أمر لم يُهمله القائمون على التطبيق وتحدّثوا عنه خلال الكشف عن الخدمة مؤكّدين أن هذا الأمر قادم لا محالة. كما ذكروا أن صُنّاع المحتوى بإمكانهم الحصول على عائدات ماديّة عبر حملات إعلانية خاصّة بهم عبر اتفاقيات مع الشركات مُباشرةً، تمامًا مثل الأيام الخوالي أيام استخدام "فاين"، على اعتبار أن شريحة كبيرة من صُنّاع المحتوى الحاليين على يوتيوب بدأوا رحلتهم من "فاين".

 

 

يعيب على خدمة "تي في" أيضًا شروط الاستخدام غير الواضحة، فالشبكة ذكرت أن الحسابات الموثّقة والكبيرة بإمكانها مُشاركة المحتوى، دون تحديد المقصود بالحسابات الكبيرة حتى اللحظة. كما أن المُستخدم ولرفع فيديو طويل المُدّة يحتاج لاستخدام الحاسب عوضًا عن الهاتف الذكي، وتلك قيود قد تذهب مع مرور الوقت بعد أن تستمع الشبكة لمُستخدميها وتعمل لتصحيح المسار، خصوصًا أنها بارعة في هذا الأمر ونجحت لفترة طويلة في الاستماع لمطالب مُستخدميها وتوفير الميّزات المطلوبة بأفضل صورة مُمكنة، لتعمل حتى الآن وكأنها شركة ناشئة تسعى للنمو والانتشار طوال الوقت.

   

قد تصبّ عوامل على غرار أن إنستغرام تطبيق يتم استخدامه يوميا بفضل ميّزاته، فضلًا عن قاعدة مُستخدميه الآخذة بالازدياد شهرًا بعد شهر والتي تقترب من حاجز المليار مُستخدم، دون نسيان وجوده على الهواتف الذكية أولًا، ليصب ذلك في مصلحة خدمة "تي في"، ولتُصبح خيارًا مُحبّبًا لصُنّاع المحتوى في ظل تراجع يوتيوب من ناحية تقديم العائدات المالية، فالقيود آخذة بالتزايد وخوارزميات يوتيوب أثبتت فشلها في الكشف عن المحتوى المُسيء أكثر من مرّة، لتتعالى الأصوات نحو تغيير جذري في نموذج الشبكة قبل أن تفقد قيمتها، ولا يوجد أفضل من هذا الوقت للتحرّك سريعًا قبل فوات الأوان(7).

   

المُنافسة جيّدة بشكل عام، ولولا وجودها لما نمت تطبيقات وأخرج مُطوّروها إبداعاتهم وأفكار مجنونة لاقت رواجًا شكّلت المُستقبل، من الناحية التقنية على الأقل. لذا، فإن ما يحدث الآن هو محاولة إنستغرام لتعزيز مُشاهدة مقاطع الفيديو العمودية على الهواتف الذكية استنادًا على الكثير من العوامل والمُتغيّرات، في وقت ما زالت يوتيوب فيه تلعب في المنطقة الآمنة التي قد لا تدوم، سواءً بسبب المُنافسة مع "تي في" أو غيره، أو بسبب تغيّر الصيحات التقنية وعادات المُستخدمين.   

المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي