شعار قسم ميدان

التسريبات.. سلاح شركات التقنية للتلاعب بالأسواق

midan- phones

شهد العقد الماضي من الزمن تغيّرات كثيرة في التنافس بين الشركات في سوق الهواتف الذكية، فبعد التكتّم الزائد والاعتماد على عُنصر المُفاجأة للنيل من ثقة المُنافسين، انتقلت الشركات إلى الزجّ بأجهزة المُنافسين بشكل غير مُباشر في المُقارنات، وبعدها بشكل مُباشر، إلى أن قرّرت سامسونغ استخدام أجهزة المُنافسين، وتحديدًا ”آيفون إكس“ في إعلاناتها للسخرية منها. نوع آخر من المُنافسة أصبح ظاهرا للعيان يُعرف بالتسريبات التي ما هي سوى سلاح جديد تعتمد مُعظم الشركات عليه.

     

   

لهيب (أغسطس/آب)

اختارت مُعظم الشركات التقنية الأشهر الأخيرة من العام الميلادي لطرح أجهزتها الجديدة، وتحديدًا الهواتف الذكية، بسبب موسم الأعياد الذي عادة ما يلجأ المُستخدمون فيه لشراء أجهزة جديدة سواء للاستخدام الشخصي أو لإرسالها كهديّة. وانطلاقًا من ذلك، تُقيم سامسونغ مؤتمرها للكشف عن أجهزة ”نوت“ في (أغسطس/آب)، لتأتي بعدها آبل في (سبتمبر/أيلول) متبوعين بشركة غوغل التي تحرص على الكشف عن أجهزتها الجديدة في نفس الفترة تقريبًا.

 

في هذا العام، وفي الأعوام السابقة إلى حد ما، بدت الرغبة في إفساد فرحة تلك المواعيد واضحة عند جميع الشركات، فشركة سامسونغ نشرت ”بالخطأ“ صورًا تُظهر تفاصيل أجهزة ”نوت9“ قبل الكشف عنها بأسبوع واحد تقريبًا، لتبدأ بعدها سلسلة من التسريبات البسيطة مثل علبة الجهاز التي تذكر المواصفات الكاملة، أو صور من النظام تُظهر بعض الميّزات الجديدة التي سوف تتوفر.

 

إلى هنا، فإن ما قامت به سامسونغ هو حقٌ مشروع، فلإثارة الحماسة ولمُساعدة المُستخدمين على اختيار الجهاز المُناسب يجب تشييد هالة إعلامية كبيرة تدفع المُستخدم لاتخاذ قرار الشراء بالسرعة القصوى خصوصًا أن الشركة الكورية الجنوبية فتحت باب الطلبات المُسبقة على أجهزة ”نوت9“ حتى قبل الكشف عنها بشكل رسمي(1). ومن دون تلك التسريبات، لن يتجرّأ أي شخص على شراء الجهاز، وهذا يُفسّر الحكاية بشكل كامل.

     undefined

       

هجوم ثُلاثي

لم تكن حملات سامسونغ الإعلامية موجّهة صوب أجهزتها التي ستكشف عنها فقط، بل صوب أجهزة الشركات المُنافسة أيضًا، وتحديدًا شركة آبل التي لم ترد بشكل فوري وانتظرت أفضل وقت مُمكن لتبديد تلك الجهود وهذا عبر إفساد فرحة ترقّب وانتظار أجهزة ”نوت9“ الجديدة.

   

أشارت مُعظم التسريبات منذ بداية العام الميلادي الجاري إلى رغبة آبل في إطلاق ثلاثة هواتف خلال عام 2018؛ جهاز سيأتي كتحديث بسيط لهواتف ”آيفون إكس“، وآخر كإصدار كبير منه بشاشة 6.5 بوصة، إضافة إلى جهاز بشاشة 6.1 بوصة LCD، بنفس تصميم ”آيفون إكس“، ليكون بشريحة سعرية أرخص بعدما قفزت أسعار هواتفها إلى 1000 دولار تقريبًا في العام الماضي. لكن وعلى حين غرّة، ظهرت صور للأجهزة الجديدة قبل أيام قليلة من مؤتمر سامسونغ، وهو شيء تكرّر في الأعوام السابقة أيضًا، لكنه من الصعب أن يكون عشوائي أو بدون توجيه مقصود(2).

   

ستدعم هواتف آبل الجديدة خاصّية الشحن اللاسلكي بشكل شبه مؤكّد بعدما اعتمدت الشركة على الزجاج في الوجه الخلفي مثلما هو الحال في هواتف العام الماضي، إلا أن الاختلاف يكمن -مقارنة بهواتف العام الماضي- في وجود خاصّية التعرّف على الوجه، وهذا يعني كاميرا أماميّة عاديّة وأُخرى تعمل بالأشعّة تحت الحمراء.

  

وما هي سوى أيام قليلة حتى جاء الإصدار التجريبي الخامس من نظام ”آي أو إس 12“ (iOS 12) لإكمال سلسلة التسريبات ”الغير مقصودة“ بعدما كشف عن وجود دعم لشريحتي اتّصال في الهواتف الجديدة التي ستحمل بكل تأكيد مُعالج جديد أسرع مع كاميرات مُحسّنة ثُنائية العدسة بنسبة كبيرة في أجهزة عائلة ”إكس“، وإحادية في الجهاز الجديد بشاشة 6.1 بوصة(3).

   

”بكسل 3“

لا توجد تأكيدات حول ضلوع الشركات في عمليات التسريب التي تحصل، فمع اقتراب الكشف عن الهواتف الجديدة تُصبح جميع العناصر شبه جاهزة من الهيكل الخارجي وصولًا إلى كُتيّب التعليمات والعلبة الخاصّة بالجهاز. لكن جهود الشركات -مثل آبل- في الحفاظ على سرّية أجهزتها حتى اللحظات الأخيرة وفرض غرامات وعقوبات طائلة على أي شخص يُخالف تلك التعليمات هو ما يدفعنا نحو الشكّ فيها على الأقل(4).

   

   

ولأن الشركات الثلاث تتنافس على نفس المستوى في سوق الهواتف الذكية، لعبت غوغل نفس لعبة آبل، وقبلها سامسونغ، إذ انتشرت في نفس الفترة أيضًا تسريبات لهواتف ”بكسل 3“ الجديدة، وتحديدًا ”بكسل إكس إل 3“ (Pixel XL3)، التي قد تحمل شاشة يصل حجمها إلى 6.7 بوصة، لتتنافس بذلك مع أجهزة ”نوت9“ و“غالاكسي إس 9+“، بالإضافة إلى هواتف ”آيفون إكس“، الصغيرة والكبيرة القادمة هذا العام(5).

  

تُظهر التسريبات أن غوغل مُستمرّة في الاعتماد على عدسة واحدة على الوجه الخلفي بكاميرا دقّتها 12.2 ميغابكسل تقريبًا، مع كاميرا أمامية مُزدوجة العدسة وهذا بنسبة كبيرة لتقديم خاصّية التعرّف على الوجه التي بدأت الشركات في الاعتماد عليها مؤخّرًا.

  

الغريب هو حصول المُسرّب على الجهاز الجديد كاملًا مع عُلبته، لتنتشر بذلك تفاصيل شبه كاملة عن توجّه غوغل الجديد التي قرّرت هي الأُخرى تقديم هواتف بنتوء علوي على الوجه الأمامي من أجل تقديم شاشة كبيرة مع الحفاظ على حجم الجهاز مُلائمًا للاستخدام بيد واحدة.

   

وبعيدًا عن ما تبقّى من أجهزة ذكية في سوق الهواتف، فإن تلك التسريبات، إلى جانب الكشف الرسمي عن ”نوت9“، يضع الخيارات المُتاحة بين أيدي المُستخدمين خلال موسم الأعياد خلال هذا العام منذ شهر (أغسطس/آب)، فهواتف سامسونغ الجديدة لن تبدأ بالوصول قبل الأسبوع الأخير من (أغسطس/آب)، على أن يبدأ جزء من هواتف آبل الجديدة في الوصول خلال (سبتمبر/أيلول) مع تأخير مُحتمل للجهاز بشاشة 6.1 بوصة والذي قد يصل في (نوفمبر/تشرين الثاني)، رُبما انطلاقًا من مبدأ الندرة تُكثّف الوجود. أما غوغل، فهي ستسعى للوصول بأجهزتها خلال شهر (أكتوبر/تشرين الثاني)، لتبدأ المُنافسة الحقيقية بين الشركات الثلاث مع بدء موسم الأعياد.

  

   

في 2017، نجحت آبل في السيطرة بأجهزة ”آيفون إكس“ خلال موسم الأعياد والأسابيع الأولى من 2018 التي لم تكن سعيدة بالنسبة لشركة سامسونغ لأن أجهزتها الجديدة، ”غالاكسي إس 9“، لم تلقى  الترحيب المتوقّع، لذا فإن الرهان على ”نوت9“ كبير، وشركات مثل آبل وغوغل لن تفوّت مثل هذه الفرصة للمنافسة بضراوة شديدة أملًا في اقتطاع جزء بسيط من حصّة الشركة الكورية الجنوبية التي تُسيطر على سوق الهواتف الذكية بفضل فئاتها المُختلفة. لكن وإلى ذلك الحين، أي حتى انتهاء موسم الأعياد، لا يُمكن اعتبار أن ما يحصل خلال هذه الفترة طبيعي، وأن كل التسريبات عشوائية لا معنى لها، فمع تباطؤ مستوى التقنيات الجديدة في الهواتف، لا بُد من العثور على أشكال جديدة لقتل المُنافسين(6)(7).