شعار قسم ميدان

على أكتاف المهاجرين.. هكذا قامت أعظم الشركات التقنية العالمية

midan - main

تسعى مُعظم الدول، على غرار "هونغ كونغ" (Hong Kong) وكندا وأستونيا، إلى نسخ التجربة الأميركية مع وادي السيليكون (Silicon Valley) الذي يُعتبر مهدا لأكبر الشركات التقنية على مستوى العالم، وهذا ليس عبر رصد أفضل الكفاءات الأميركية في الجامعات، بل عبر تسهيل الحصول على تأشيرات العمل التي ساهمت في يوم من الأيام في وصول -هجرة- أبرز العقول إلى أميركا لتأسيس شركات تقنية قيمتها لا تقل عن مليارات الدولارات في الوقت الراهن.

  

عمالقة التقنية

عند النظر إلى قائمة أبرز الشركات التقنية على مدار التاريخ، تظهر أسماء مثل آبل وغوغل، أمازون وفيسبوك، تيسلا و"بي بال" (PayPal)، إضافة إلى "إي باي" (eBay) وأوراكل، وتلك شركات تقترب قيمتها مُجتمعة من حاجز الـ 4 تريليون دولار أميركي، والمفارقة العجيبة في جميعها أنها تأسّست على يد مُهاجرين، أو أبناء مُهاجرين، وصلوا بشكل أو بآخر إلى الولايات المُتحدة الأميركية لتأسيس حياة جديدة فيها(1).

   

ويُعتبر "ستيف جوبز"، أحد مؤسّسي شركة آبل، من أبرز الأسماء التي يتم الإشارة إليها عند الحديث عن المُهاجرين، خصوصا أن والده البيولوجي، عبد الفتاح الجندلي، سوري الأصل ولد وعاش في مدينة حمص السورية لفترة من الزمن قبل أن ينتقل إلى لبُنان ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية. تخلّي والد "جوبز" عنه خلّف بعض الآثار النفسية التي دفعته مرارا وتكرارا للانتقام عبر الإثبات للعالم أنه شخص مُختلف، فهو وبعد تأسيس آبل فشل في إدارتها بشكل صحيح، الأمر الذي أدّى إلى طرده منها ليقوم بتأسيس شركة "نيكست" (NeXT) التي لم تنجح في إطلاق الحواسب التي وعدت العالم بها. لكن إصراره دفعه إلى المُتابعة واستغلال الفرصة مرّة جديدة عندما عاد لشركة آبل ليقلب تاريخ التقنية رأسا على عقب بمجموعة من المُنتجات الثورية التي لا تزال مُستخدمة حتى يومنا الحالي(2).

  

وفي عام 1998، قام كل من "سيرجي برين" (Sergey Brin) و"لاري بيج" (Larry Page) بتأسيس شركة غوغل، ألفابت حاليا، الشركة التي تبلغ قيمتها اليوم أكثر من 800 مليار دولار أميركي ساهم في تأسيسها "برين" الذي جاء مُهاجرا رفقة والديه من روسيا، وتحديدا العاصمة موسكو، بعدما شعر والده أنه بحاجة إلى الخروج أملا في مُشاركة أفكاره العلمية دون قيود(3). ومن هنا، قاد القدر بقيّة الحكاية لتخرج شركة غوغل ومُحرّك بحثها الذي أضحى جزءا أساسيا من حياتنا اليومية لا يُمكن التخلّي عنه، دون نسيان نظام أندرويد، وبقيّة مُنتجات الشركة التي لا تُعد ولا تُحصى.

   

    

وإلى جانب كل من "جوبز" و"برين" يقف "جيف بيزوس" (Jeff Bezos)، مؤسّس متجر أمازون والذي تبلغ ثروته الحالية أكثر من 150 مليار دولار أميركي(4). "بيزوس" تم تبنّيه أيضا من قِبل زوج والدته الذي جاء مُهاجرا من كوبا، والذي حرص على إرساله إلى المدرسة لإكمال تعليمه. وبالحديث عن التسوّق الإلكتروني، فإن أحد مؤسّسي خدمة "بي بال" للدفع الإلكتروني، وهو "ماكس ليفتشن" (Max Levchin)، والذي تتجاوز ثروته حاجز الـ 300 مليون دولار أميركي جاء مُهاجرا من أوكرانيا في تسعينيات القرن الماضي، لينجح في تأسيس شركة لا تقل قيمتها الحالية عن 100 مليار دولار أميركي(5).

  

العهد الحديث

في وقت تجاوز فيه عدد مُستخدمي شبكة فيسبوك الاجتماعية حاجز الملياري مُستخدم على مستوى العالم، نجح تطبيق إنستغرام في استقطاب أكثر من مليار مُستخدم لوحده، التطبيق الذي انضمّ إلى مظلّة فيسبوك في 2012 لقاء مليار دولار أميركي، جاء أحد مؤسّسيه من خارج الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدا من البرازيل، فرائد الأعمال "مايك كريغر" (Mike Krieger) عمل جنبا إلى جنب مع "كيفن سيستروم" (Kevin Systrom) لتحويل مسيرة إنستغرام الذي بدأ كتطبيق لتسجيل الوجود في موقع جُغرافي ما، قبل أن يتحوّل إلى شبكة اجتماعية لمُشاركة الصور ومقاطع الفيديو، ومن ثم الحكايات، الخاصّية التي تجذب لوحدها أكثر من 400 مليون مُستخدم يوميا(6).

   

ولا يختلف الوضع كثيرا في تطبيق "واتس آب" الذي دفعت فيسبوك ثمنه أكثر من 19 مليار دولار أميركي، فـ "جان كوم" (Jan Koum)، أحد مؤسّسي التطبيق، من أصول أوكرانية وعاش لفترة من الزمن تحت حكم الاتحاد السوفيتي قبل السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية رفقة والدته حيث عمل في ياهو لفترة من الزمن، وتقدّم بطلب -قوبل بالرفض- للعمل في فيسبوك، إلا أنه نجح فيما بعد في تأسيس "واتس آب" بعدما تنبّه إلى أهمّية متجر التطبيقات من شركة آبل في بدايات هواتف آيفون.

       

    

سيارات أنيقة تعمل بالطاقة الكهربائية ومزوّدة بنظام للقيادة الذاتية، ومركبات فضائية قابلة لإعادة الاستخدام، وخلايا لتوليد الطاقة الكهربائية لتشغيل مصانع ومُدن كاملة، كانت في يوم من الأيام أحلام على ورق، أحلام حوّلها "إيلون موسك" (Elon Musk) إلى حقيقة بعدما أسّس -أو ساهم في تأسيس- كل من تيسلا، و"سبيس إكس" (SpaceX)، إضافة إلى "سولار سيتي" (SolarCity). "موسك" جاء من عائلة ثريّة تقطن في جنوب أفريقيا. لكنه قرّر العيش في الولايات المتحدة الأميركية ونجح في تأسيس مجموعة كبيرة من المشاريع ومنها "بي بال".

      

تأسيس الشركات الناجحة والرائدة لم تكن النتاج الوحيد لجهود المُهاجرين إلى وادي السيليكون، فتحويل مسار الشركات وإدارتها أيضا من المهام التي يبرعون فيها، ولعل "سوندار بيتشاي" (Sundar Pichai)، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة غوغل، من أبرز الأسماء. "بيتشاي" ولد في الهند ودرس فيها قبل الانضمام إلى غوغل في 2004 حيث عمل على مجموعة من المُنتجات منها "غوغل كروم" ونظام "كروم أو إس" (Chrome OS)، وأشرف بدوره على تطوير مُنتجات مُختلفة منها بريد "جي ميل" (Gmail) ثم نظام أندرويد الذي شهد في عصره انتشارا كبيرا، الأمر الذي سهّل على مؤسّسي غوغل، "سيرجي برين" و"لاري بيج"، تسميته كرئيس تنفيذي للشركة في 2015(7).

    

وإذا ما كانت مسيرة غوغل الناجحة لا تُظهر دور "بيتشاي" البطولي، فإن "ساتيا ناديلا" (Satya Nadella)، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة مايكروسوفت، يُمكن اعتباره بطلا تقنيا في العصر الحديث نظرا للدور الكبير الذي لعبه في تحويل مسيرة مايكروسوفت التي عاشت عصورا مُظلمة في السنوات الأخيرة. "ناديلا" ولد أيضا في الهند ودرس فيها إلى أن قرّر الحصول على شهادة في الدراسات العُليا من أميركا، ومن هنا دخل مايكروسوفت في عام 1992 وعمل فيها على مجموعة مُختلفة من المشاريع، غالبا بمناصب إدارية عُليا، إلى أن وصل إلى منصب الرئيس التنفيذي للشركة في 2014(8).

   

الحياة العملية تُثبت أن النجاح والتفوّق يأتيان بفضل الأفكار الجيّدة والجهود الحثيثة لتحويلها إلى حقيقة بعض النظر عن الدين، أو العرق، أو الجنس، ولعل أصغر مُبرمج في غوغل، وهو بعمر 13 عاما(9)، خير مثال على ذلك، فأصوله الهندية لم تمنعه من تحقيق أحلامه ولم تمنع غوغل من توظيفه أيضا. وهذا دليل آخر على أن العلاقات الإنسانية أبسط وأطهر من محاولات التفرقة التي تظهر هنا وهناك على يد أفراد تارة، وحكومات تارة أُخرى.