شعار قسم ميدان

بيتر أبراهامز.. بطل الوحدة الأفريقية ومناهضة الاستعمار

ميدان - أبراهامز

لسنوات طويلة كافحت أفريقيا من أجل استقلالها، ولم يقتصر الأمر على أبنائها في الداخل، فهناك جنود حاربوا من أماكنهم في المنفى، ويعد بيتر أبراهامز أحد هؤلاء الأبطال الذين نقلوا معاناة أفريقيا بقلمهم في شكل أدبي حاز إعجاب العالم واحترامه.
 

وفي 18 ينايركانون الثاني 2017 عن 97 عاما رحل نصير الوحدة الأفريقية بيتر هنري أبراهامز في منزله بجامايكا، وإلى جانب رحلته الأدبية التي أصدر فيها 12 رواية تقريبا، وتاريخ طويل من الكفاح ضد الاستعمار في أربعينيات القرن الماضي. 

 

undefined

 

 ولد أبراهامز لأب أثيوبي وأم جنوب أفريقية مختلطة الأعراق في فريد دورب، إحدى ضواحي العاصمة الجنوب أفريقية جوهانسبرغ؛ لكنه رحل عنها عام 1939، وهو في العشرين من عمره، عقب تورطه في مشكلة مع جهاز الشرطة والسلطات العنصرية في المستوطنة الفقيرة.
 

وبعد رحلة بحرية حافلة بالأحداث خلال الحرب العالمية الثانية، وصل أبراهامز أخيرا إلى لندن، وهناك استقر وبدأ رحلته في النشاط السياسي صحفيا يساريا، وداعية إلى الوحدة الأفريقية.
 

وإلى جانب موهبته الفطرية في الرواية، تعلم أبراهامز مهارات الكتابة من والدته ورجال الدين الذين أنقذوه من الانضمام إلى الجماعات المسلحة في موطنه الأول، وسيكون لهذه المهارات فائدة عظيمة خلال سنوات نفيه في إنجلترا، وفي جامايكا من بعدها؛ حيث سيستقر عام 1956 مع زوجته الثانية دافني.
 

العمل الأدبي الأول

خلال الطور الأول من مسيرته الأدبية، نشر بيتر أبراهامز المجموعة القصصية "عهد مظلم" عام 1942، في أثناء إقامته بلندن، وبعدها بثلاثة أعوام نشر روايته الأولى "أغنية المدينة"، التي عززت مكانته، من حيث كونه أحد أوائل الكتاب الجنوب أفريقيين سود البشرة الذين تلقى أعمالهم المنشورة في أوروبا والغرب نجاحا لائقا.

 

كتاب فتى المنجم (مواقع التواصل)
كتاب فتى المنجم (مواقع التواصل)

وفي 1946 ستشهد رحلته الأدبية الثرية نشر كتابه البديع "فتى المنجم"، وهي شبه سيرة ذاتية تتحدث عن صراع شاب قروي من أجل البقاء على قيد الحيا،ة في إحدى الضواحي القاسية والمخيفة لمدينة جوهانسبرغ الضخمة.
 

وبهذا العمل الأدبي صار أبراهامز أول كاتب يكشف عن الطبيعة المفزعة للحياة تحت ظل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولقد لقي العمل اهتماما عالميا، وكان نجاح "فتى المنجم" متمثلا في عدة صور، فإلى جانب صدورها قبل عامين من رواية "إبكِ، البلد الحبيب" الشهيرة، للكاتب الجنوب أفريقي ألان باتون، التي تكشف عن مأساة نظام الفصل العنصري أيضا، فقد جعلت الرواية من أبراهامز أول كاتب جنوب أفريقي يحقق نجاحا ماليا.
 

ومع أعماله التي يزيد عددها عن دستة من الكتب، وكم لا يحصى من مقالات الصحف والمجلات، أصبح لأبراهامز مكانة ونفوذا عظيما فيما يتعلق بمشكلات العرق في العالم أجمع؛ لا جنوب أفريقيا وحدها.
 

ولم يمنع العمل الفني أبراهامز من المشاركة في الكفاح ضد الاستعمار في هذه الفترة، فعمل مع نشطاء سياسيين آخرين مثل جومو كينياتا، وسيرتسي خاما، وكينيث كاوندا، وجوليوس نيريري، وكوامي نكروما،  واليوم تعتبر هذه الشخصيات قادة للجيل الأسطوري من نشطاء الوحدة الأفريقية، المناهضين للاستعمار والذين قادوا بلادهم الأفريقية إلى الاستقلال السياسي.
 

لعب أبراهامز دورا كبيرا في تنظيم مؤتمر الوحدة الأفريقي الخامس، الذي عقد بمدينة مانشستر الإنجليزية، في أكتوبر عام 1945 (مواقع التواصل)
لعب أبراهامز دورا كبيرا في تنظيم مؤتمر الوحدة الأفريقي الخامس، الذي عقد بمدينة مانشستر الإنجليزية، في أكتوبر عام 1945 (مواقع التواصل)

وفي هذه الفترة واصل الجنوب أفريقيون كفاحهم السياسي والمسلح ضد نظام الفصل العنصري، تحت زعامة نيلسون مانديلا، وأوليفر تامبو، ووالتر سيسولو وغيرهم، أما أبراهامز فقد أشهر قلمه الجبار وشن حربا ضروسا من موقعه في لندن، فكشف عن فظائع نظام جنوب أفريقيا العنصري وممارساته الوحشية، أمام أنظار العالم أجمع، عبر مجموعة كبيرة من الكتابات الأدبية والسياسية، إضافة إلى نشاطه السياسي والفكري.
 

حازت كتابات أبراهامز التي دونها في جامايكا انتشارا عالميا، وهي تضم أعمالا تحظى باحترام عالمي مثل "إطلالة كويابا" عام 1985، ومذكراته "سجلات كويابا.."

كما لعب أبراهامز دورا كبيرا في تنظيم مؤتمر الوحدة الأفريقي الخامس، الذي عقد بمدينة مانشستر الإنجليزية في أكتوبر/تشرين الأول عام 1945، إلى جانب جهود الصحفي الترينيدادي جورج بادمور، والناشط الأميركي دو بويز، وآخرين غيرهم، وكان للمؤتمر أثر توحيدي على النضال متعدد الأوجه والصور ضد الاستعمار في هذا الوقت، وكان أبراهامز أحد ممثلي المؤتمر الوطني الأفريقي، كما انتخب رئيسا للجنة الدعاية.
 

استقلال جامايكا

وفي عام 1956 قبل أبراهامز دعوة من نورمان مانلي، رئيس وزراء جامايكا وزعيم حركة الاستقلال، لتقديم النصائح والخدمات التحريرية في جامايكا والكاريبي، وبعد فترة قصيرة حصل أبراهامز على منزل أعلى أحد التلال المطلة على العاصمة كينجستون، وأطلق عليه اسم "كويابا".
 

ذاع صيت أبراهامز الصحفي والمعلق الإذاعي في جامايكا، وكذلك واصل مسيرته الأدبية، فحازت كتاباته التي دونها في جامايكا انتشارا عالميا، وهي تضم أعمالا تحظى باحترام عالمي مثل "إطلالة كويابا" عام 1985، ومذكراته "سجلات كويابا: تأملات في الترجمة السوداء في القرن العشرين" عام 2000.
 

قدم أبراهامز خدماته لرئيس الوزراء مايكل مانلي، خلال إعادة الهيكلة الاجتماعية التاريخية في السبعينيات
قدم أبراهامز خدماته لرئيس الوزراء مايكل مانلي، خلال إعادة الهيكلة الاجتماعية التاريخية في السبعينيات

كما قدم أبراهامز خدماته لرئيس الوزراء مايكل مانلي، وهو نجل مانلي الأصغر سنا، خلال إعادة الهيكلة الاجتماعية التاريخية في السبعينيات، وتضمن ذلك اشتراك أبراهامز بصفته مستشارا أول خلال عملية التسلم والإصلاح الحكومية لراديو جامايكا، خلفا لمالكه السابق مجموعة ريديفيوجن البريطانية.
 

وخلال مقابلة صحفية جمعتني بأبراهامز في يوليو 2004، أجاب مدافعا عن نموذجه الجديد لملكية وسائل الإعلام، قائلا: 

"لم يكن (مايكل مانلي) يعلم بالتحديد طبيعة هذا النموذج، لكنه أدرك ضرورة استناده على أرضية شعبية. لذا، اتصل بي وجمعتنا جلسة طويلة، كان أعضاء المجموعة البريطانية يقولون له "حسنا، يمكنك الحصول عليه، لكن اترك لنا الإدارة، وأجرا سنويا كبيرا". إذن؛ فهم سيحصلون على أموالهم في نهاية الأمر. أخبرته أني لا أرى حاجة إلى إعطائهم عقدا للإدارة. كنت أثق بوجود الكثيرين من أبناء جامايكا الذين يمكنهم إدارة هذا الشيء دون ذلك العقد."

 

نجح النموذج، وصار من بين إنجازات هذا المثقف والناشط والأديب العملاق، الذي يبلغ طوله 1.5 مترا فقط، ولن تتمكن وفاته من محو إسهاماته الاستثنائية التي قدمها للكفاح الأفريقي والكاريبي ضد الاستعمار، ولا مقامه الرفيع ودوره القيادي في الإصلاح والتعليق الإعلامي في جامايكا.

___________________________________

المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة