شعار قسم ميدان

لماذا يتمسّك المسيحيّون المتعلِّمون بالكنيسة؟

ميدان - الكنيسة

إنّ الفكرة التي تتخلّل عبر كتابات الباحثين وكبار المفكّرين وشتّى أنواع الإلحاد الجديد هي أنّ التعليمٌ هو ترياقٌ للدين. وكتبَ فرويد أنّ الحضارةَ "ليس لديها سوى النّذر القليل للخشية من الأشخاص المتعلّمين وصانعي الأفكار" الذين نبذوا الدينَ. و"إذا كانت التعاليمُ الدينيّة لا يُسمح بها حتى يبلغُ الطفلُ سنّ الرّشد"، فإنّنا، كما يشدّد كريستوفر هيتشنز، "قد نعيشُ في عالمٍ مغاير تماماً".
 

والحال أنّ البيانات الجديدة الصادرة عن مركز بيو للأبحاث لا تدحضُ هذه الادّعاءات، ولكنّها تتحدّاها. ففي حين أنّ الأميريكيين ذوي التجربة الجامعيّة هم إجمالاً أقلّ احتمالاً لأداء الطاعات، والصلاة بشكل منتظم، ويقولون إنّ الدين شيءٌ مهمّ بالنسبةِ إليهم، إلّا أنّ ذلك لا ينطبق ضمن كثير من المجموعات المؤمنة. ففي الواقع، فإنّ خريجي الكليّات الكاثوليك والمورمونيين والبروتستانت أكثر احتمالاً للذهاب إلى الكنيسة بشكل أسبوعيّ أكثر من نظرائهم الأقلّ تعليماً.
 

undefined

 ولم يكن هذا بالاتجاه السّائد في وسط الأقليّات الدينيّة كالمسلمين واليهود، أو في وسط الأشخاص الذين لا ينتسبون إلى أيّ دين مطلقاً، ممّا يشير إلى أنّ التعليم له نفوذٌ مميَّز على التديُّن في صلب عالَم المسيحيّة. على الأقلّ، هناك سبيلان مختلفان للتفكير في العلاقة بين التعليم والتديُّن: كيف يؤثّر التعليمُ على المعتقد، وكيف يؤثّر على الممارسة. فقد نظر باحثو مركز بيو إلى البيانات الواردة عن عددٍ من الدراسات الاستقصائيّة مؤخراً، بما في ذلك دراستهم لحالة 35000 شخص للدين الأميركيّ منذ 2014.

ووجدوا أنّ الأشخاص المتعلّمين هم، بالعموم، أقلّ احتمالاً للإيمان بالله: وفيما بين كافّة البالغين الأمريكيين، قال 83٪ فقط من خريجي الكليّات إنّهم يعتقدون أنّ اللهَ موجود، بينما قال 93% من حملة شهادة الثانويّة أو أقلّ منها الشيء ذاتَه. لكن رغم ذلك، تختفي كلّ هذه الاختلافات داخل المسيحيّة. وفي وسط البروتستانت الرئيسيين المتعلّمين، قال 96%إنّهم يؤمنون بالله، مقارنة بـ 97% من الأشخاص الأقلّ تعليماً؛ وفي وسط الكاثوليك، قال 98% من مجموعتين الشيء نفسه. وفي أوساط المورمونيين، والبروتستانت السُّود، والبروتستانت الإنجيليين، فلم يكن هناك أيّ اختلاف فعليّاً مطلقاً، لأنّ الجميع في تلك الجماعات قالَوا إنّهم يؤمنون بالله.
 

 كما إنّ الاختلافات التعليميّة لها تأثيرٌ أكبر بكثير على الممارسة الدينيّة. إذ إنّ نسبة 68%من البروتستانت الإنجيليين المتعلّمين في كليّات يذهبون إلى الكنيسة كلّ أسبوع، مقارنةً بـ 55% من هؤلاء الذين ذهبوا فقط إلى الثانوية. في الواقع، يظهر خريجو الكليّات في مقاعد الكنيسة في الغالب في كلّ نوع من أنواع التقليد المسيحيّ تقريباً: فمن بين البروتستانت المورمونيين، كان الحضور الأسبوعيّ من 36% إلى 31% من الأكثر إلى الأقلّ تعليماً؛ بينما كانت النسبةُ في أوساط البروتستانت السُّود من 95% إلى 52% في حين وصلت بين الكاثوليك إلى 45% إلى 39%.

"في أوساط المسلمين، لم يخلق التعليم كثيرَ اختلافٍ في معتقد الناس أو في ممارستهم؛ فحوالي نصف الناس من كافّة المستويات التعليميّة يؤدون الفروض لمرّة أسبوعيّاً على أقلّ تقدير"

وربّما كان الأثرُ الأكبر هو المورمونيين: إذ يذهب 58%من المورمونيين خريجي الكليّات إلى الكنيسة لمرّة واحدة على الأقلّ كلّ أسبوع، مقارنةً بـ 66% من نظرائهم الذين يحملون شهادة الثانويّة أو أقلّ من ذلك. أمّا الاتجاهات داخل مجموعات الأقليّات الدينيّة فمختلفة.

 

ففي أوساط المسلمين، لم يخلق التعليم كثيرَ اختلافٍ في معتقد الناس أو في ممارستهم؛ فحوالي نصف الناس من كافّة المستويات التعليميّة يؤدون الفروض لمرّة أسبوعيّاً على أقلّ تقدير، وكلّ المسلمين تقريباً أقرّوا بإيمانهم بالله. وفيما بين اليهود، كان الأثرُ معكوساً: فحوالي ربع اليهود ذوي شهادات الثانويّة أو الأقلّ من ذلك يؤدون الفروض كلّ أسبوع، مقارنةً بعُشر اليهود المتعلّمين تعليماً جامعيّاً.
 

ويؤمن 58% من اليهود الأقلّ تعليماً بالله، مقارنةً بأقلّ من ثلث أقرانهم الأكثر تعليماً. وكما يشير مركز بيو، من المرجّح أن يكون هذا الأثرُ مدفوعاً جزئيّاً من جانب اليهود الأرثوذكسيين، الذين ينزعون إلى أن يكونوا أكثر التزاماً وأقلّ تعليماً -بمعنًى علمانيّ على الأقلّ- من أقرانهم الإصلاحيين والمحافظين. ربّما يشعرُ المسيحيّون ذوي التعليم الثانويّ أنّهم أقلّ قدرة على إيجاد جماعة. في وسط المسيحيين، فإنّ نمط المتعلمين الذين هم أكثر انخراطاً في جماعاتهم الدينية ليوفّر المعنى.
 

وكما كتبتُ سابقاً، تصبح المشاركة المليّة من كافّة الأصناف على نحو متزايد نوعاً من الترف، مع مستويات العليا من الدخل والتعليم التي تجعل الناس أكثر قابليّةً للمشاركة في أنشطة مثل الكنيسة، ونادي الكتاب، وجمعية الآباء المعلّمين، وأكثر من ذلك. ويمكن أن يكون أن المسيحيين ذوي التعليم العالي يشعرون بأنّهم أقل قدرة على إيجاد جماعة دينية والتواصل معها في سياق أوسع من الضغوط الماليّة، والضغط العائليّ، والعزلة الجغرافيّة.

"ربع اليهود ذوي شهادات الثانويّة أو الأقلّ من ذلك يؤدون الفروض كلّ أسبوع، مقارنةً بعُشر اليهود المتعلّمين تعليماً جامعيّاً."
 

أو يمكن أن يكون المسيحيون المتعلمون تعليماً جامعيّاً قد أولوا أهميّة كبيرة للتواصل مع إخوتهم وأخواتهم في الكنيسة. وثمّة معطى آخر يردُ في دراسة مركز بيو يؤيد هذه النظريّة. ففي أوساط النّاس الذين لا يتماهون مع أيّ دين بشكلٍ خاصّ، فإنّ قلّة قليلة تقيم الواجبات الدينيّة كلّ أسبوع، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا متعلّمين أم غير متعلّمين.

 

لكن لا يزال 47% من الأشخاص المتعلّمين في الثانويّة في هذه المجموعة يقولون إنّ الدين شيء مهمّ "جداً" أو "بعض الشيء" بالنسبة إليهم، ويقول 71% إنّهم يؤمنون بالله. قارنوا ذلك بأقلّ من ربع نظرائهم المتعلّمين تعليماً جامعيّاً الذين يقولون إنّ الدينَ مهمّ بالنسبة إليهم، وبأقلّ من النصف الذين يقولون إنّهم يؤمنون بالله. إذ يشير هذا إلى أنّ الناس الأقلّ تعليماً، على أقلّ تقدير، يعتبرون متدينين لكن ليس لهم جماعة دينيّة، بينما غالبيّة الأكثر تعليماً غير معنيين ببساطة بالدّين على الإطلاق.

إنّ تفكّك عُرى الدين في أميركا لقصّة طويلة ومعقّدة، ومليئة بالانفجارات والبدايات وكثير من التيارات المتقاطعة. وليس بمقدور البيانات الاستقصائيّة أن تروي هذه القصّة. لكن يمكنها، عَرَضَاً، أن تقدّم لقطة ناجعة لمرحلة بعينها في الزّمن. وهذا هو ما تقدّمه هذه الدراسةُ: انطباعٌ سريعٌ لحالة الدين في الولايات المتحدة، حيث يجعل التعليم المؤمنين أكثر قابليّة لأن يكونوا فاعلين في جماعاتهم، لا أقلّ قابليّةً. 

————————————————
المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي