قهر الرجال.. اعتقال النساء كأداة لتسليم المطلوبين أنفسهم
هذا ما كتبته القوات الأميركية على باب بيت أحد العراقيين المطلوبين لديها في شمال بغداد، وذلك بعد أن اعتقلت مَن فيه من النساء، حينها لم يكن الجيش الأميركي القوة العسكرية الأولى في العالم قد اكتفى بتدمير البنية التحتية والبشرية في العراق بحجّة "محاربة الإرهاب"، بل عبث بقانون الطوارئ العراقي، وشرعن اعتقال النساء للضغط على المطلوبين لديها، وذلك بالمصادقة على قرار يُجيز لوحداته المنتشرة في العراق استخدام أي أسلوب يجده مفيدًا للوصول إلى عناصر المقاومة العراقية، بما في ذلك اعتقال أمهات المطلوبين أو زوجاتهم أو أخواتهم أو بناتهم لكي يضطروا إلى تسليم أنفسهم مقابل إطلاق سراح المعتقلات من النساء من ذويهم، حتى بدأت المقاومة العراقیة تشترط على الراغبین بالقتال في صفوفھا أن يُقصُوا نساءهم إلى أبعد نقطة في العراق أو حتى إلى خارجها إن أمكن لئلا تشكل تلك المسألة عامل ضغط عليهم أثناء القتال[1].
قد يبدو الأمر مستهجنًا أن يقوم جيش أكبر دولة مناصرة لحقوق المرأة والإنسان بانتهاكات صريحة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب تُعاقب عليها محكمة الجنايات الدولية[2]، لكن بالنهاية يبقى الجيش الأميركي داخل طاحونة الحرب ومحرقتها لا يبالي كثيرا بالوسائل ليحقق الغايات كما يراه مراقبون، لكن الأصعب من هذا ألا تبقى هذه الوسيلة -اعتقال النساء تعسّفا وانتقاما أو ضغطا على المطلوبين- حكرًا على المحتل الأجنبي، بل تحولت إلى سلاح تستخدمه الأنظمة العربية المستبدة لإخضاع شعوبها، وفي هذا التقرير نعرض حالات عدّة كان اعتقال النساء فيها سببا للضغط على الرجال أو مكايدة انتقاميّة للأموات والأحياء منهم.
فيما يبدو أنها عملية ضغط على مصعب الذي اتُّهم فيما بعد بالانضمام إلى تنظيم إرهابي وحكم عليه بالسجن 7 أعوام، فمصعب قد اعتُقل بمذكرة توقيف رسمية بينما أمينة وموزة اعتُقلاتا من دون مذكرة توقيف[5]. وحسب تقرير منظمة العفو الدولية فإنَّ موزة العبدولي قد احتُجزت في مكان مجهول منذ القبض عليها في (نوفمبر/تشرين الثاني) حتى مثولها للمرة الأولى أمام المحكمة في (مايو/أيار) 2016م. على أنّه في 21 (نوفمبر/تشرين الثاني) سُمِحَ لأمينة وموزة العبدولي بإجراء اتصال هاتفي مع عائلتهما، ولكن دون أن تكشفا عن مكان وجودهما[6].
طوال فترة اختفاء موزة وأمينة لم توجه لهما السلطات الإمارتية أي تهمة، ناهيك عن أن اعتقالهما لم يكن بمذكرة توقيف رسمية، وعند مثول موزة ذات الـ 18 سنة أمام المحكمة الاتحادية العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة أصدرت حكمها على موزة العبدولي متهمة إياها بالإساءة إلى دولة الإمارات، وقادتها، ومؤسساتها الرسمية والسياسية، بسبب رسائل قصيرة نشرتها على موقع تويتر في (مارس/آذار) 2013، وكان ذلك عقب وفاة والدها في سوريا، حيث كتبت موزة بعض التغريدات تنعى فيها والدها وكان عمرها آنذاك 15 سنة حسب تقرير منظمة العفو الدولية[7]. على أنها في 30 (مايو/أيار) 2016 برّأت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات العربية المتحدة ساحة موزة العبدولي من تهمة إهانة الإمارات وقادتها ومؤسساتها في تغريدات نشرتها في 2013.
ولكن لم تنجُ أختها أمينة التي لُفقّت لها تهمة في 13 (أكتوبر/تشرين الأول) 2016، حيث مثلت أمينة العبدولي وشقيقها مصعب العبدولي أمام دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا بالإمارات لسماع الحكم في قضيتهما، وحُكم على أمينة العبدولي بالسجن خمس سنوات، وبغرامة قدرها 500 ألف درهم إماراتي، وكل هذا بتهمة إنشاء وإدارة حسابين على موقع "تويتر"، ونشر معلومات بغرض التحريض على كراهية الدولة والإخلال بالنظام العام، والاستهزاء والإضرار بسمعة مؤسسات الدولة، ونشر معلومات كاذبة عن المملكة العربية السعودية، وإبداء تعليقات مهينة عن مسؤول مصري، مما يعرض علاقات الدولة مع السعودية ومصر للخطر[8].
ولم تحصّن أوسمة الشرف التي نالها العبدولي الأب من قبل الحكومة الإماراتية والشيخ زايد آل نهيان، منها وسام الشرف لمشاركته في تحرير الكويت عام 1991، لم تحصّن بناته بعد موته من قبضة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، ونظرا إلى عدم وجود جرم حقيقي ارتكبته كل من موزة وأمينة يستدعي اعتقالهما إلى جانب الرجال ثم اعتقال أخيهما بعدهما فإن المركز الإماراتي لحقوق الإنسان أعرب عن تخوفه من استعمال الإمارات لقانون مكافحة الإرهاب لسنة 2014 لقمع المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فقد أدى هذا القانون المقيد إلى عدد كبير من الاعتقالات التعسفية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة[9].
لم تكن حادثة الاعتقال هذه أن تمر بسلام من دون ضجة اجتماعية لما فيها من تجرأ على سجن النساء بلا جرم إلا القرابة من المطلوبين، فقد انتشر على تويتر وسم: #جريمة_اختطاف_بنات_العبدولي، رغم التشديد الأمني الذي تمارسه السلطات الإماراتية، وكذلك انتشرت رسالة لفتاة عشرينية بعنوان "رسالة من فتاة سجنها العجز إلى فتاة سجنها الأمن" كتبتها الشابة الإماراتية عائشة بنت أحمد الشيبة ووجهتها إلى أصغر معتقلة في السجون الإماراتية[10].
ونظرا لانعدام الدلائل والحجج الواضحة لزج علا وزوجها بالسجن في ظل التوترات السياسية الحاصلة على صعيد المنطقة خليجيا ومصريا لم يكن من نيابة أمن الدولة العليا في مصر إلا تمديد اعتقال علا وزوجها لمواصلة التحقيقات في التهمة الموجّهة لهما، ثم ترحيل علا إلى سجن النساء بالقناطر (شمال القاهرة)، وإيداعها بحبس انفرادي، وترحيل زوجها لسجن شديد الحراسة[14]. أثار الاعتقال الذي قامت به القوات المصرية غضبا جماهيريا، فانطلقت حملة بعنوان: "الحرية لعلا وحسام" لقيت تأييدا جماهيريا واسعا، وحظيت بانضمام شخصيات معارضة، وأصدرت الحملة بيانا تبيّن فيه ملابسات الاعتقال وتبدي استغرابها من ظهور قوة من الشرطة بهذه السرعة بزعم تطبيق القانون، بينما الجرائم المنظمة تفتك بالمجتمع وبالشارع المصري دون أن يهتم أحد، حسب ما جاء في البيان الذي أوضح أنه يستنكر الزج بالنساء والأقارب في صراعات سياسية لا علاقة لهم بها[15].
وبهذا تكون الفتاة السورية المغمورة مثلها كمثل علا القرضاوي قد زُجّت بصراعات كُبرى واستُخدمت أداة لمكايدة والدها، كما استُخدمت النساء العراقيات قبلا، وكما عوقبت بنات العبدولي انتقاما من والدهنَّ وضغطا على إخوتهنّ، وكما حُبست بنات السويدي الثلاثة بتهمة التضامن مع أخيهنّ المسجون، وما هن إلا نماذج لضحايا المستبدين على اختلاف أماكنهم، حقيقة تكاد الأنظمة القمعية لا تتورّع لحظة بابتكار الأساليب التي تُرضخ بها معارضيها، وتطبيق هذه الأساليب على الشعوب مهما كانت متنافية مع قيم المجتمعات والبلاد، في الوقت الذي إنما وُجدت به أنظمة الحكم لتذود عن شعوبها.