شعار قسم ميدان

دراسات تؤكد.. لا علاقة بين ألعاب الفيديو والسلوك العدواني

midan - ألعاب الفيديو
مقدمة الترجمة

منذ ظهور الألعاب الإلكترونية تعلق بها المراهقون والأطفال نظرا لأنها تقدم المتعة والإثارة بشكل محبب. يوجد الكثير من الألعاب التي تُنمي الفكر والإدراك والملكات عند الأطفال من دون عنف، كما توجد أيضا ألعاب عنيفة يُقبل عليها المراهقون. وعليه ظهرت العديد من الدراسات العلمية التي تناولت هذه الظاهرة وآثارها السلبية، بخاصة ازدياد الحدة والعنف في سلوك المراهقين جراء قضاء وقت طويل أمام تلك الألعاب، فما حقيقة تلك الادعاءات؟ وما أهم الاستنتاجات التي خلصت إليها الدراسات الحديثة؟

    

نص التقرير

في أعقاب حادث إطلاق النار بمدرسة ثانوية في مقاطعة بروارد بولاية فلوريدا الأميركية، في يوم عيد الحب، عادت عبارة مجازية مألوفة للظهور مرة أخرى، القائلة بأن: في كثير من الأحيان، عندما يكون مطلِق النار شابا في مقتبل العمر، يحاول الناس إلقاء اللوم وراء هذا الحادث المأساوي على ألعاب الفيديو العنيفة وغيرها من أشكال وسائل الإعلام. فقد صرح النائب البرلماني عن ولاية فلوريدا، جاريد موسكويتز في اليوم التالي بعد إطلاق النار قائلا إن مطلق النار "كان مُستعدا للتصويب على الطلاب كما لو كانت لعبة فيديو".

    

وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بعد مقتل اثنين من الطلاب وإصابة آخرين بجروح من قِبل مُطلق النار البالغ من العمر 15 عاما ببلدة بينتون الصغيرة في ولاية كنتاكي غرب الولايات المتحدة، انتقد حاكم الولاية الثقافة السائدة، وقال للصحفيين "نحن لا يمكننا الاحتفال بالموت في ألعاب الفيديو، والاحتفال بالموت في البرامج التلفزيونية، والاحتفال بالموت في الأفلام، والاحتفال بالموت في كلمات الأغاني، وإزالة أي شعور بالمسؤولية الأخلاقية ومفهوم السلطة العليا ومن ثم نتوقع أن أشياء من هذا القبيل لن تحدث".

      

undefined

  

ولكن، وبصفتي باحثا درست ألعاب الفيديو العنيفة لمدة 15 عاما تقريبا، أستطيع القول إنه لا يوجد دليل يدعم هذه الادعاءات القائلة بأن وسائل الإعلام العنيفة والعنف في العالم الحقيقي مرتبطان. منذ عام 2011؛ قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بأن الأبحاث العلمية لم تجد صلة واضحة بين ألعاب الفيديو العنيفة والسلوك العدواني، كما يشير الخبراء في علم الجريمة المتخصصون في دراسة عمليات إطلاق النار الجماعي إلى تلك الادعاءات بشأن هذا الترابط على أنها "أسطورة". وفي عام 2017؛ أصدرت شعبة علم النفس والتكنولوجيا التابعة للجمعية الأميركية لعلم النفس بيانا ساهمت في صياغته، ركز على مشاعر ومعتقدات الجمعية بدلا من الأفكار والخصائص التي تعزوها إلى المستمع وقد حثت فيه الصحفيين وصناع السياسات على التوقف عن ربط عمليات إطلاق النار الجماعية بالعنف في وسائل الإعلام، نظرا إلى عدم وجود أدلة على وجود رابط.

      

تاريخ من الذعر الأخلاقي

إذًا لماذا يميل الكثير من صناع السياسات إلى إلقاء اللوم على ألعاب الفيديو العنيفة في أحداث وجرائم العنف المروعة؟ هناك سببان رئيسيان.   

يُعزى السبب الأول إلى جهود مجتمعات البحوث النفسية للترويج لنفسها على أنها مؤسسات علمية بحت. وقد أدى ذلك إلى حدوث أزمة في قابلية تكرار نتائج التجارب العلمية، وهي أزمة منهجية في العلم إذ يجد الباحثون في كثير من الأحيان أنه من الصعب أو المستحيل تكرار أو إعادة إنتاج نتائج دراستهم. أما الآن، يُعيد الباحثون في علم النفس تقييم تحليلاتهم لمجموعة واسعة من المسائل؛ ليس فقط ألعاب الفيديو العنيفة، ولكن أيضا العنصرية الضمنية، ونظرية وضعية القوة التي تدعي أنه عندما يقف شخص مُتخذًا شكلا مُعبرا عن القوة، يمكن أن يُحدث ذلك تغييرات هرمونية وسلوكية إيجابية، والكثير من مثل هذه القضايا.

     

يَكمن الجزء الثاني من الجواب في التاريخ المُضطرب الذي عانت منه الأبحاث التي تناولت ألعاب الفيديو العنيفة على وجه التحديد. بدءا من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ بدأ بعض الباحثين والدعاة المناهضين لوسائط الإعلام والجمعيات المهنية مثل الجمعية الأميركية لعلم النفس، في العمل على إيجاد رابط بين مجموعة من النتائج الفوضوية من الناحية المنهجية والمتناقضة في الكثير من الأحيان، والمخاوف التي تُثار المُتعلقة بالصحة العامة بشأن العنف. وقد انعكس ذلك في صورة أنماط تاريخية من الذعر الأخلاقي، مثل المخاوف التي انتشرت في فترة الخمسينيات من القرن الماضي حول الكتب المصورة والجهود التي بذلتها المؤلفة الأميركية تيبر غور لإلقاء اللوم على موسيقى البوب والروك في فترة الثمانينيات لأنها السبب وراء العنف والجنس وعبادة الشيطان.

    

undefined

  

ولا سيما في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ رُوج لأدلة مريبة دون تمحيص تتعلق بألعاب الفيديو العنيفة. ولكن على مر السنين، قد تداعت الثقة بين العلماء أن ألعاب الفيديو العنيفة تؤثر في تطور السلوك العدواني أو زيادة العنف.

       

مراجعة جميع المؤلفات العلمية

تناولت أبحاثي دراسة مدى قدرة ألعاب الفيديو العنيفة من عدمها على التنبؤ بالسلوك العدواني والعنف لدى الشباب. في تحليل شمولي أجريته عام 2015، فحصت 101 دراسة حول هذا الموضوع ووجدت أن ألعاب الفيديو العنيفة كان لها تأثير ضئيل على السلوك العدواني، والتقلبات المزاجية، وسلوك الإقدام على مساعدة الآخرين أو الدرجات الدراسية لدى الأطفال.

     

وبعد عامين، وجدت دليلا على أن التحيزات التحريرية في المجلات العلمية قد شوهت السجل العلمي الخاص بألعاب الفيديو العنيفة. إذ ازداد التوجه إلى نشر الدراسات التجريبية التي دعمت ذلك الزعم عن الدراسات التي لم تجد شيئا. وقد اتسق ذلك مع النتائج التي توصل إليها الآخرون. وكما أشارت المحكمة العليا، فإن أي آثار ناجمة عن ألعاب الفيديو تكاد تكون مستحيلة التمييز عن آثار وسائل الإعلام الأخرى، مثل الرسوم المتحركة والأفلام.

      

وأن أي ادعاءات بوجود أدلة ثابتة على أن ألعاب الفيديو العنيفة تُشجع على السلوك العدواني هي ببساطة ادعاءات زائفة. كما أنه من المعروف أن الزيادات الحادة في شعبية ألعاب الفيديو العنيفة ترتبط بانخفاض كبير في العنف بين الشباب وليس العكس. كما أن هذه الارتباطات قوية للغاية، فهي أقوى من معظم النتائج التي توصلت إليها البحوث السلوكية. إذ تشير البحوث الحديثة إلى أن إصدارات ألعاب الفيديو العنيفة التي تحظى بشعبية كبيرة ترتبط بانخفاض فوري في جرائم العنف، مما يوحي بأن السبب في هذا الانخفاض يُعزى إلى تلك الإصدارات.

     

   
دور المجموعات المهنية
من المُستغرب أنه مع وجود القليل من الأدلة، لماذا لا يزال بعض الأشخاص مثل حاكم ولاية كنتاكي مات بيفين، يحاولون إلقاء اللوم على ألعاب الفيديو العنيفة عندما يقع حادث إطلاق نار جماعي من قِبل الشباب؟ وهل يمكن لمجموعات مثل الاتحاد القومي للأسلحة الذي يدافع عن حقوق حمل السلاح في الولايات المتحدة أن يلقي باللوم على الأسلحة الخيالية بسبب العنف المسلح؟

    

يُعد أحد العنصر الأساسية في هذه المشكلة هو استعداد منظمات النقابات المهنية، مثل الجمعية الأميركية لعلم النفس لدعم مثل هذه المعتقدات الخاطئة عن ألعاب الفيديو العنيفة -ومن الجدير بالذكر أنني زميل في الجمعية الأميركية لعلم النفس- إذ توجد هذه المجموعات بشكل أساسي لدعم المهنية بين وسائل الإعلام، والجمهور وصانعي السياسات، والتأثير على قوانين الترخيص والتأمين، كما أن ذلك يُسهل الحصول على المنح وعناوين الصحف. إذ يدفع لهم علماء النفس والباحثون النفسانيون أمثالي المستحقات السنوية لزيادة شعبية ومعرفة الجمهور بعلم النفس، ولكن هناك خطرا يتمثل في أن الجمهور قد يُخطئ في فهم المواقف الترويجية باعتبارها علما موضوعيا.

    

أصدرت الجمعية الأميركية لعلم النفس في عام 2005 أول بيان يوضح السياسات التي تربط بين ألعاب الفيديو العنيفة والسلوك العدواني. ومع ذلك؛ فإن التحليل الأخير للوثائق الداخلية للجمعية الأميركية لعلم النفس -الذي أجريته بمساعدة الخبير المتخصص في علم الجريمة ألين كوبنهافر- وجد أن الجمعية الأميركية لعلم النفس تجاهلت التناقضات والمشاكل المنهجية في البيانات البحثية.

     

undefined

   

وقد أصدرت الجمعية الأميركية لعلم النفس بيانتها في عام 2015، لكن ذلك أثار جدلا على الفور: وكتب أكثر من 230 باحثا إلى الجمعية طالبين التوقف عن الإفصاح عن البيانات التي توضح السياسات العامة للجمعية تماما. واعترضتُ أنا وآخرين على تضارب المصالح المتصورة وانعدام الشفافية، مما أدى إلى إلحاق الضرر بالعملية برمتها.

      

يكفي الأمر سوءا أن هذه التصريحات تحرف البحوث العلمية الفعلية وتضلل الجمهور، ولكن الأسوأ من ذلك يحدث عندما تقدم تلك المغالطات والأكاذيب غطاء إلى الجماعات المناهضة مثل الاتحاد القومي للأسلحة؛ لتحويل اللوم عن العنف إلى أسباب ليست ذات صلة مثل ألعاب الفيديو. ويؤدي سوء الفهم الناتج عن ذلك إلى تأخير الجهود الرامية إلى معالجة الأمراض العقلية وغيرها من المسائل التي ترتبط فعلا بالعنف المسلح.

_______________

 

مترجم عن "ذا كونفرزيشن"