شعار قسم ميدان

دراسة: حسن الظن يساعدك على النجاح في علاقاتك الاجتماعية

midan - أصدقاء
مقدمة الترجمة
كثيرا ما نتصور أن الأفعال التي نؤمن أنها غير أخلاقية، لا يمكن أن تصدر عن أناس آخرين، وإن صدرت، فإننا عادة ما نستهجنها ونطلق على مرتكبيها أوصافا تصنفهم كأشخاص سيئين، حيث إننا نسعى لتعميم تصوراتنا الأخلاقية واعتبارها مقياسا للسلوكيات الصائبة من عدمها. ولكن؛ هل فكرت يوما ما هو الشيء أو من الشخص الذي يحدد ما إذا كان هذا التصرف أخلاقيا أم لا؟ وهل بمجرد أنك تعتبر تصرفا ما غير أخلاقي فهو فعلا كذلك؟
    

نص المقال

لنفترض أن سيارتك تعطلت وأنت في الطريق إلى المطار، في هذه الحالة سيخطر في بالك مباشرة عدد من الاحتمالات الواضحة للقيام بها: ربما ستتصل بصديق لك، أو تحجز رحلة أخرى، في حال لم تنجح هذه الاحتمالات ستقوم باتخاذ قرارات مستبعدة؛ كاستخدام المواصلات العامة أو إقناع سائق شاحنة الجر ليصحبك إلى المطار.

      
لكن إليك احتمالا آخر ربما لم تأخذه في الحسبان: أن تستقل سيارة أجرة دون الدفع للسائق عند الوصول إلى المطار، لماذا لم تفكر في ذلك؟ في نهاية المطاف، تبدو طريقة مؤكدة للوصول إلى المطار على الموعد ولا بد أنها أرخص تكلفة من جرّ السيارة. إحدى الإجابات الطبيعية على هذا هي استبعاد تصور إمكانية وقوع ذلك؛ بالنظر لكونك شخصا أخلاقيا لا يقدم على أمر مماثل، لكن ثمة سببان على الأقل يجعلان هذه الإجابة غير مقنعة، حتى وإن كنت جيدا أخلاقيا. الأول: هو أنه على الرغم من كونك إنسانا جيدا من الناحية الأخلاقية؛ فإن ذلك لا يعتبر كافيا لتبرير مسألة ألا يخطر في بالك هذا كحل في المقام الأول. في نهاية المطاف؛ هذه الميزة الأخلاقية لن تحول دون اعترافك بأنها طريقة للوصول إلى المطار؛ حتى وإن لم تجرّبها. والثاني: أن فرصة التصرف بطريقة أخلاقية أو غير أخلاقية على القدر نفسه من التساوي.
         
عندما تتعامل مع شخص معين فإنك تفترض به سوء النية، كأن يكذب عليك عمدا أو سيؤذك، وبالتالي فإن التفكير بهذه الطريقة سيجعلك شخصا يصعب عليه الوثوق بأحد (أن سبلاش)
عندما تتعامل مع شخص معين فإنك تفترض به سوء النية، كأن يكذب عليك عمدا أو سيؤذك، وبالتالي فإن التفكير بهذه الطريقة سيجعلك شخصا يصعب عليه الوثوق بأحد (أن سبلاش)
           
إذن ما الذي يفسر صعوبة احتمال القيام بأخذ سيارة أجرة دون أن ندفع؟ إليكم عدة أحكام تتباين جذريا، ولكن قبل أن أذكرها؛ تذكر أنك لم تكن تفكر مسبقا بأنها ممكنة الحدوث. ربما سيصدمك هذا التفسير بقوة، ولكن الفكرة هنا هي أنني لا أجادلك باستحالة حدوث هذا الأمر، بل بأنك لم تكن تعتقد بأن أمرا كهذا ممكن الحدوث قبل أن أقصّه عليك. ضع في الاعتبار مثلا مجموعة من الدراسات التي أجريتها مع زميلي فايري جوشمان في جامعة هارفرد. في هذه الدراسات طُلب من المشاركين قراءة قصص قصيرة عن أشخاص واجهوا عددا من المشاكل؛ كأن تتعطل السيارة وهي في طريقها للمطار. ثم طُلب منهم أن يطلقوا أحكاما حول التصرفات المحتملة وغير المحتملة التي يمكن أن يقوم بها شخص في هذه الحالة.
       
تكمن الحيلة الرئيسية ههنا في أنْ طُلبَ من نصف المشاركين إطلاق أحكام سريعة، في غضون ثانية، وهو ما حرمهم الوقت الكافي للتفكير، وأرغمهم على الاعتماد على الطريقة المعتادة في التفكير بما يمكن فعله، وأن طُلب من النصف الثاني التفكير قبل أن يقرروا ما إذا كان تصرف ما ممكنا. وبعد ذلك، طُلب من كلا المجموعتين التفكير في عدد من الاحتمالات المختلفة حول هذه التصرفات، بعضها كان عاديا تماما؛ مثل أخذ سيارة أجرة، والبعض الآخر لا يمت للأخلاق بصلة؛ مثل أخذ سيارة أجرة دون دفع.
          
فحصنا بعد ذلك ردود المشاركين لمعرفة كيف تغيرت أحكامهم عندما كان عليهم الإجابة بسرعة مقارنة مع من كان لديهم الوقت الكافي قبل الإجابة، لم يكن هناك فارق يُذكر بالنسبة للإجابات ذات التصرفات المألوفة بطبيعة الحال، حكم هؤلاء بإمكانية اتباع تصرفات بعينها في المواقف العادية والمألوفة، سواء أجابوا بسرعة أم بتأنّ. إلا أنه قد كان هناك فارق ملحوظ عند التصرفات غير الأخلاقية. فعندما تريث المشاركون قبل الإجابة؛ حكموا إجمالا بأن من الممكن لشخص القيام بتصرفات غير أخلاقية، وعندما كان عليهم الإجابة بسرعة قالوا -في 40% من المرات- إن من المستحيل الإقدام على هذه التصرفات.
       
بالنظر إلى سلسلة أخرى من الدراسات ذات الصلة، أخبرنا المشاركين في الدراسة عن شخص احتاج 1000 دولار في وقت قصير؛ لكنه لم يكن يعرف كيف يحصل عليها، في هذه المرة؛ بدلا من إعطاء المشاركين تصرفات محددة وسؤالهم عما إذا كانت ممكنة سألناهم فقط "ماذا سيفعل الشخص في هذه الحالة؟" وبعد أن أجاب المشاركون، طلبنا منهم إجابات مختلفة، ثم جوابا آخر، ثم آخر، حتى أعطوا أخيرا خمس إجابات أخرى على الأقل، ثم أعطينا هذه الإجابات المحتملة مرة أخرى للمشاركين وطلبنا منهم أن يصنفوها حسب مدى أخلاقيات هذه التصرفات وإمكانية حدوثها.
           

لماذا عندما نسمع عن فظاعة أعمال تُرتكب في بلد أجنبي؛ يكون ردنا الأول عدم التصديق بدلا من إبداء الغضبK فلا تبدو التصرفات غير الأخلاقية لنا سيئة أو غير مرغوبة فقط؛ بل مستحيلة
لماذا عندما نسمع عن فظاعة أعمال تُرتكب في بلد أجنبي؛ يكون ردنا الأول عدم التصديق بدلا من إبداء الغضبK فلا تبدو التصرفات غير الأخلاقية لنا سيئة أو غير مرغوبة فقط؛ بل مستحيلة
             
على الرغم من اختلاف المسألة التي أُعطيت للمشاركين للإجابة عنها فإن ردودهم كانت متشابهة في الغالب؛ حيث تخلص نتيجة هذه الدراسة إلى أنه نادرا ما يتوقع الناس بأن شخصا ما سيقوم بتصرف غير أخلاقي، وعندما حصل العكس، كان ذلك في حال دفعهم إلى التفكير بشدة في سيناريوهات أخرى ممكنة لهذا الوضع. وفي وسع المرء أن يرى الأطروحة المركزية التي تعرضها هذه الدراسات، فليس من الصعب الانتباه إلى انتشارها في كافة جوانب الحياة. عندما ترى شخصا يتخطى الإشارة الحمراء، فمن الطبيعي أن تقول فورا: "انتظر، لا يمكنك أن تفعل ذلك!" وبهذا؛ فأنا لا أعني وحسب أن من الخطأ الإقدام على خطوة مماثلة، ولو أنني أريد هذا المعنى لقلت: "انتظر، لا ينبغي عليك القيام بذلك!". إن ثمة طريقة تشي بمقصدنا تماما في هذا السياق.
        
فجأة، يبدو منطقيا لماذا يرفض جيران القتلة المتسلسلون أثناء المقابلة التصديق بأن جيرانهم الذين عاشروهم لمدة من الزمن قد ارتكبوا سلسلة من الجرائم، وقتلوا العديد من الأشخاص. أو لماذا عندما نسمع عن فظاعة أعمال تُرتكب في بلد أجنبي؛ يكون ردنا الأول عدم التصديق بدلا من إبداء الغضب. فلا تبدو التصرفات غير الأخلاقية لنا سيئة أو غير مرغوبة فقط؛ بل مستحيلة في الواقع. وبدلا من أن نجد من الغريب أو الغبي أننا في غالب الأحيان نغفل عن احتمالية حدوث التصرفات غير الأخلاقية؛ فمن المهم إدراك أن ذلك أمرا جيدا في الحقيقة.
     
من زاوية أخرى؛ عندما تتعامل مع شخص معين فإنك تفترض به سوء النية، كأن يكذب عليك عمدا، أوسيسرقك، أو سيؤذك، وبالتالي فإن التفكير بهذه الطريقة سيجعلك شخصا يصعب عليه الوثوق بأحد، وسيعرقل عليك سبل التواصل مع الآخرين. ولذلك نستخلص أن ثمن التغافل عن فرض سوء النية بالآخرين؛ يعطي فرصا أكبر للتواصل والتفاعل معهم.
—————————————————————————————————–
  
 مترجم عن (ايون)
المصدر : الجزيرة