شعار قسم ميدان

دراسات:لماذا ينزع البعض لأن يكون شريك حياته شبيها بوالديه؟

midan - couples
مقدمة الترجمة
 في بعض الأحيان يشبه الزوج أفراد عائلة زوجته أكثر مما تشبههم هي، ويبدو كفرد من عائلتها أكثر منها، والعكس صحيح. ما السر وراء هذا التشابه؟ هل نتأثر حقا بتشابه الأشخاص عند اختيارهم كشركاء حياتنا والارتباط بهم؟
      
نص المقال

لا يمتلك الطاووس ذيلا ذا ريش باهر ليقوم به بالأنشطة اليومية كالأكل والنوم، ولكن ليجذب به أنثى الطاووس ويلفت نظرها، فكلما كان الريش أكثر لمعانا زادت فرصة الطاووس في الحصول على شريك جنسي (أنثى الطاووس)، حيث إن ريش الطاووس جذاب جدا لأنثاه. لطالما اهتم العلماء بالكشف عن عمليات اللاوعي التي تؤثر على اختيار الشريك، إذ إن الخصائص الوراثية المفضلة للشركاء في العلاقات الجنسية تتواتر بازدياد بين الأجيال اللاحقة. هذا هو السبب في أن ريش ذيل الطاووس مشع للغاية: على مر الأجيال، تم اختيار ريش الذيل ليكون أجمل، مما يعني أن تفضيلات الشركاء تخبرنا بشيء عن الضغوط التطورية -وهي أي سبب يحتمل أن يمارسه جزء من السكان ويتسبب بتقليل النجاح التكاثري الذي يعني النجاح في تمرير الجينات لجيل لاحق يستطيع هو أيضا بدوره تمريرها للأجيال اللاحقة- بما في ذلك البشر. إذن ما الذي نجده جذابا في بعضنا البعض ولماذا؟

   

يصبح جزء كبير من إحساسنا بما هو جذاب واضحا عندما ننظر إلى الموضوع من عدسة التكاثر الناجح. غذّت فكرة إنجاب الأطفال وتنشئتهم نظرتنا إلى ما نريده في شريك حياتنا. تتوافق هذه التفضيلات البيولوجية أيضا مع اختيار الشريك في مختلف المخلوقات وليس البشر فقط. من الواضح أن ما نريده في شريكنا له جذور ممتدة لفترة طويلة قبل الإنستغرام ومستحضرات التجميل وحملات التسويق وحتى قبل الكورسيه (مشدّات خصر اعتادت النساء ارتداءها في القرن الخامس عشر وما بعده). يمكننا القول بأن هذه التفضيلات لها علاقة بطبيعتنا البشرية الأساسية.

      

undefined

    

هناك اختلافات فردية في اختيار الشريك، من غير المحتمل أن "الشريك المثالي" بالنسبة لك -فتى أو فتاة الأحلام- هو ذات الشريك المثالي بالنسبة لي حتى لو تطابقت أعمارنا وتطابق جنسنا. إن الجمال في عين ناظره أمر نسبي ويختلف وفقا لأذواق البشر. لكن حتى هذه الاختلافات بين تفضيلات الأشخاص يمكن التنبؤ بها إلى حد ما، إذ تؤثر عائلة الشخص على الشريك الذي يختاره. وجدت عدة دراسات أنه يوجد في المتوسط بعض التشابه الجسدي بين أحد الوالدين والشريك، لهذا قد تبدو شريكة حياتك نسخة مصغرة شبيهة بوالدتك. يستطيع الغرباء تمييز هذا التشابه الجسدي بوضوح إذا ما طُلب منهم مقارنة صور وجه الشركاء والوالدين، أو إذا ما قارنت طول والدك وشريكك أو لون شعرهما أو عيونهما أو عِرقهما أو حتى شعر جسدهما.

    

لماذا يحدث ذلك؟ الأشياء المألوفة جذابة طالما أنها ليست منفّرة أساسا، بشكل عام كلما صادفت شيئا ما سيصبح أكثر جاذبية. يمكن أن يُعزى جزء من الانجذاب إلى مزايا الوالدين إلى تأثير الألفة، لكن الألفة لا تفسر الظاهرة برمّتها. أولا يظهر أن شركاء الأشخاص غالبا ما يشبهون الوالدين من جنس الشريك: شريكة حياتك تشبه والدتك، شريك حياتكِ يشبه والدكِ. ثانيا، يزيد القرب العاطفي من أحد الوالدين من احتمال أن يكون شريكك شبيها به أو بها.

     

سبب آخر محتمل في أن الشركاء الرئيسيين في مجال الإنجاب يبدون أحيانا مثل والدينا من الناحية البيولوجية. بالطبع لا يعني ذلك الزواج من الأقارب، فالتناسل بين الأقارب الأقربين يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات وراثية خطيرة متنحية. من ناحية أخرى، تعمل بعض الجينات بشكل جيد معا، لذلك قد يكون لدى الشريك ذي الشبه الطفيف -غير الملحوظ- بأفراد العائلة مادة وراثية تحتوي على التداخل المفيد (من عمل الجينات معا). وجدت دراسة رائعة لجميع الأزواج المعروفين في أيسلندا على مدار 165 عاما أن أولئك الذين لديهم أكبر عدد من الأحفاد، كانوا على صلة قرابة من الدرجة الثالثة أو الرابعة (أبناء أبناء العمومة).

        

undefined

    

ماذا عن التشابه بين الشريك والإخوة؟ أدركتُ وفريقي البحثي أن تفسيرات جاذبية مزايا الوالدين ستنطبق أيضا على مزايا الإخوة. في الواقع، تجد في الشعوب عالية الخصوبة عبر التاريخ أن الأشقاء أكثر تواترا (في علم التطور والتنوع، تواتر أليل معين هو نسبة عدد نسخ هذا الأليل إلى عدد نسخ كل ألائل الجين نفسه، ويزداد تواتر الألائل بين الأشقاء)، مما يعني تشابه الشركاء (الأزواج) مع الأشقاء أكثر من الوالدين. لذلك في دراستنا الأخيرة، بدلا من النظر إلى أوجه التشابه بين الشركاء والأبوين، حوّلنا تركيزنا إلى الإخوة. جمعنا صور وجوه الإخوة والشركاء لست وخمسين امرأة، كانت بعض النساء من المتطوعات اللواتي اتصلنا بهن مباشرة، وكان البعض الآخر نساء لم نعرفهن شخصيا ولكن لديهن ملف شخصي عام أمكننا من خلاله التعرف على إخوتهن وشركائهن. طلبنا من مجموعة متطوعات مقارنة صورة أخ إحدى النساء (من ضمن اللواتي تم تطبيق الدراسة عليهن) بصور أربعة رجال آخرين أحدهم شريك هذه المرأة. لم تعرف المتطوعات أن الرجال الذين رأينهم هم إخوة وشركاء نساء معينات. صنفت المتطوعات كل مجموعة من أربعة شركاء وفقا لمدى تشابههم بالأخ.

  

إذا لم يكن هناك أي تشابه على الإطلاق بين شقيق المرأة وشريكها، فإننا نتوقع أن يختار المتطوعون بشكل عشوائي، مع اختيار كل صورة من الصور الأربعة في رُبع الوقت الذي احتجنه المتطوعات عند وجود تشابه. عندما اطّلعنا على الأرقام المجردة (البيانات الأولية)، وجدنا أن ما يقرب من ثُلث خيارات المقيّمات (المتطوعات) كانت صحيحة؛ حيث اختاروا الشريك "الصحيح" بناء على تشابهه مع أخ المرأة المشاركة في الدراسة. ومع ذلك، هذه الأرقام المجردة ليست سوى مؤشر، وأردنا معرفة كيف يمكننا استقراء البيانات للسكان على أوسع نطاق. استخدمنا نموذجا إحصائيا للتنبؤ بذلك، مما يشير إلى أنه إذا قمنا بتعميم ما وراء مجموعات البيانات الخاصة بنا، فسيختار الناس الشريك الصحيح الأكثر شبها بالأخ بنسبة 27%. وسيتم اختيار الشريك الصحيح كأول أو ثاني شخص أكثر تشابها بالأخ بنسبة 59% (بدلا من 50%). وتنبأ النموذج بأن الناس سيقولون إن شريك المرأة وأخاها أقل تشابها بنسبة 16% فقط.

    

undefined

 

بالطبع، لم تكن كل امرأة في دراستنا لديها شريك يشبه أخوها، وهذا صحيح بالنسبة للنساء في العالم بأسره. ولكن عندما قارننا بياناتنا ببيانات من الدراسات السابقة، اتضح أن شركاء الأشخاص يشبهون إخوانهم بقدر ما يشبه شركاء الأشخاص والديهم. بما أن الأشقاء يشبهون والديهم، فمن الممكن أن يكون التشابه بين الأخ والشركاء مجرد نتيجة طبيعية لتشابه الوالد أو الشريك أو حتى عكس ذلك.

    

على الرغم من أن التشابه الذي رأيناه بين الشركاء والإخوة كان خفيا فقط، فإن هذه التأثيرات الخفية مهمة نظرا لأن السلوك البشري عبارة عن أمر فوضوي ناتج عن تفاعل معقد للدوافع والتأثيرات، تشكيل علاقة بين شخصين هو سلوك معقد غير معتاد. هناك قدر كبير من الأبحاث المنشورة حول تفضيلاتنا وخياراتنا وأحكامنا الانجذابية في العلاقات لأنها تلقي الضوء على أسباب قيامنا بما نقوم به، وكذلك ما قد يبدو عليه مستقبل البشرية. في النهاية، يبدو أننا بطبعنا نميل إلى اختيار الأشخاص الذين يشبهون أفراد عائلتنا حتى دون إدراك ذلك.

———————————–

   

مترجم عن (أيون)