شعار قسم ميدان

"المشاريع الخاوية".. رؤية 2030 السعودية وعوامل الفشل

ميدان - رؤية 2030 محمد بن سلمان
مقدمة المترجم
 خلال السنوات الأخيرة، قدَم عدد من الدول خُططا اقتصادية طموحة وبعيدة المدى، كانت من بِينها المملكة العربية السعودية، لكن لخطة المملكة على وجه الخصوص طبيعة خاصة، وأهدافَ غير معلنة، كما تُواجه تحديات كبيرة، تجعل فرص نجاحها ضئيلة. يتناول هذا التقرير النقاط السابقة بأسلوب بسيط.
  
نص نص التقرير

أدى التدني المُذهل في أسعار النفط إلى انخفاض هائل في الاحتياطي النقدي السعودي قدره 150 مليار دولار، ودفع العائلة الحاكمة إلى اختلاق خطة إنقاذ مالية في عُجالة. في 25 (أبريل/نيسان) 2016، أعلن محمد بن سلمان، ولي العهد الحالي -ولي ولي العهد حينها-، عن خطة "رؤية 2030"، لإحداث ثورة في الاقتصاد السعودي بإنهاء اعتماده على النفط.

 

إن رؤية 2030 التي تهدف إلى إحداث ثورة في الاقتصاد السعودي، طموحة لكنها معيبة. لقد فشلت الخطة في معالجة اعتماد الدولة السعودية على ثلاث دعائم، هي الدين والنزعة القبلية والنفط.

 

وبناء على تقرير لشركة ماكنزي للاستشارات، تسعى الخطة إلى تنشيط اقتصاد سعودي حقق معدل نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي قدره 0.8 بالمئة فقط بين عامي 2003 و2013، وهو ما يقل عن أغلب الاقتصادات الناشئة. تهدف الخطة إلى تقليص دور القطاع العام والبيروقراطية، بالتزامن مع تمكين القطاع الخاص، ليغدو المُوَظِّف الرئيسي للعمالة والأداة الرئيسية لتحقيق النمو الاقتصادي. تدعو الخطة إلى خلق صندوق استثماري سيادي ضخم، يموله طرح عام أولي غير مسبوق لخمسة بالمئة من أسهم أرامكو.

 

يرجع فشل رؤية 2030 المحتمل، للأسباب التالية: أنها مخطط لمشروع عملاق مبالغ فيه، وتركز على التنمية الاقتصادية وتهمل السياسية، إضافة إلى تعاملها السطحي مع ما سيمثله غرس قيم الإنجاز من تحدٍّ، واتخاذها تحقيق العائدات غير النفطية هدفا نهائيا
يرجع فشل رؤية 2030 المحتمل، للأسباب التالية: أنها مخطط لمشروع عملاق مبالغ فيه، وتركز على التنمية الاقتصادية وتهمل السياسية، إضافة إلى تعاملها السطحي مع ما سيمثله غرس قيم الإنجاز من تحدٍّ، واتخاذها تحقيق العائدات غير النفطية هدفا نهائيا
 

رحب صندوق النقد الدولي -مع شيء من التحفظ- بعزم السعودية على معالجة عجز المالية العامة المنذر بالخطر، لكنه أعرب عن قلق وجيه بشأن رؤية 2030، تحديدا بسبب الفترة الزمنية البالغة 14 عاما، التي تؤطر "تحولا اقتصاديا طموحا وبعيد المدى، لتنويع النمو، والحد من الاعتماد على النفط، وزيادة دور القطاع الخاص". وفي تقييم أكثر حدة نقدية، قدمه جون إدواردز، عضو مجلس إدارة بنك الاحتياط الأسترالي، ورد تنبيه إلى توقف نجاح الخطة على "إحداث تغيير عميق في المجتمع والسياسات السعودية". ولا يمكن لبيع 5 بالمئة من أسهم أرامكو وحده أن يبدد ظلمة المشهد الاستشرافي لمستقبل المملكة الاقتصادي، إلا مع تحقيق عائدات في أسرع وقت ممكن، عن طريق موارد غير نفطية، بما أن حصيلة الطرح العام الأولي تساوي معدل النضوب السنوي للأصول النقدية.

 

أهدرت الرياض بالفعل وقتا ثمينا، بإنفاقها تريليونات الدولارات بين عامي 1970 و2014، على تسع خطط خمسية للتنمية، أسفرت عن اعتماد 90 بالمئة من الميزانية السنوية السعودية على عائدات النفط. بالتالي، يصبح فشل رؤية 2030 حتميا، لأسباب أربعة: أنها مخطط لمشروع عملاق مبالغ فيه، وتركز على التنمية الاقتصادية وتهمل السياسية، إضافة إلى تعاملها السطحي مع ما سيمثله غرس قيم الإنجاز من تحدٍّ، واتخاذها تحقيق العائدات غير النفطية هدفا نهائيا.

 

مخطط المشروع العملاق

شمِلت خطة ماكنزي برنامجا استثماريا بميزانية تريليوني دولار، سيضاعف الناتج المحلي الإجمالي للرياض خلال الأربعة عشر عاما القادمة. إلا أن تحليلا اقتصاديا رصينا وصف القدرة على جني هذا القدر المذهل من المال بـ"أمر شبه مستحيل عمليا، إلا إذا شهدت أسعار النفط الخام ارتفاعا كبيرا، أو خططت المملكة العربية السعودية لبيع حصة أكبر من أرامكو". ولما كانت رؤية 2030 تهدف إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، عن طريق زيادة الناتج الصناعي للقطاع الخاص، بات الاستثمار في الصناعات الملائمة أمرا ضروريا.

 

تركز رؤية 2030 على خلق وظائف للسعوديين، لإدارة اقتصاد حديث قائم على الإنتاجية. يقودنا هذا إلى السؤال عن الصناعات الواجب تشجيعها، رغم أن "تحديد نوع الاقتصاد الذي لن يكونه هو الأكثر سهولة". وفقا لتقرير ماكنزي، حددت الخطة ثماني قطاعات، تستطيع إنتاج نحو 60 بالمئة من النمو الاقتصادي السعودي، إذا استغلت بشكل صحيح. تشمل هذه القطاعات "التعدين والمعادن، والبتروكيماويات، والتصنيع، وتجارة التجزئة والجملة، والسياحة والضيافة، والرعاية الصحية، والتمويل، والإنشاءات".  سيرتفع إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40 بالمئة إلى 60 بالمئة، مما سيخفض البطالة من 11 بالمئة إلى 7.6 بالمئة. وينتظر من هذا التوسع في الاقتصاد السعودي نقله من "مركزه الحالي باعتباره رقم 17 بين الاقتصادات الأكبر في العالم، إلى الخمسة عشر الأولى".

 

تبقى السياحة الدينية على رأس القطاعات الاقتصادية الواعدة، ولقد نمت في السنوات الأخيرة لتغدو ثاني أهم النشاطات الاقتصادية بعد النفط بصافي أرباح قدره 22.6 مليار دولار (رويترز)
تبقى السياحة الدينية على رأس القطاعات الاقتصادية الواعدة، ولقد نمت في السنوات الأخيرة لتغدو ثاني أهم النشاطات الاقتصادية بعد النفط بصافي أرباح قدره 22.6 مليار دولار (رويترز)

 

إلا أن هذا التوسع الاقتصادي المستهدف، يواجه مشكلات خطيرة. على سبيل المثال، لا يمكن للرياض المنافسة في الصناعات التحويلية كثيفة العمالة، لأن الأجور المنخفضة لا تروق للسعوديين المعتادين على وظائف القطاع العام مرتفعة الأجور. أما عن قطاع البتروكيماويات، فهو على درجة جيدة من التطور بالفعل، ولا يتمتع بقدرة كبيرة على استيعاب مزيد من العمال. يسري الأمر نفسه على التعدين، الذي لا يتطلب -إضافة إلى ما سبق- قوة عاملة ضخمة. حتى إذا واصلت المملكة تطوير قطاع الرعاية الصحية، فسيبقى تحولها إلى مركز طبي محوري مستحيل عمليا، لأن المرافق الطبية الموجودة في أماكن أخرى من الإقليم، مثل لبنان والأردن، أكثر تقدما بكثير، ومتاحة بالفعل. بالمثل، تتطلب الخدمات المصرفية والتمويل تدريبا متخصصا، ومن غير المتوقع أن تحقق المملكة نجاحا في هذا القطاع الإقليمي شديد التنافسية.

 

تبقى السياحة الدينية على رأس القطاعات الاقتصادية الواعدة، ولقد نمت في السنوات الأخيرة لتغدو ثاني أهم النشاطات الاقتصادية بعد النفط. ففي 2015، حققت صافي أرباح قدره 22.6 مليار دولار، ويتوقع تحقيقها زيادة قدرها 10 مليارات أخرى في العائدات بحلول عام 2021. في الواقع، لا تحتاج السياحة الدينية استثمارا حكوميا، لأن القطاع الخاص السعودي قادر على التعامل معها بسهولة، لكن العقبة الرئيسية التي تعيق نمو السياحة الدينية هي إحجام المملكة عن منح التأشيرات.

 

"ستزيد الخصخصة من الاعتماد على العمالة الأجنبية الماهرة، بسبب افتقار السعوديين إلى الحافز والمهارات اللازمة لأداء أعمال يدوية أو شاقة"

 

يستلزم التوسع الاقتصادي السعودي المقترح إقامة بنية تحتية لاقتصاد صناعي جديد، وهو ما سيستهلك كثيرا من ميزانية صندوق الاستثمار المقترح، دون ضمانات لقدرتها على تحقيق عائدات مستدامة. وقياسا على توسع البنية التحتية السعودية على مدى الخمسة عقود الماضية، نرى أن الحاجة إلى موظفين مغتربين ستزداد، بما فيهم المديرون ذوو الأجور المرتفعة والاختصاصيون المهرة، رغم انعدام جاذبية بيئة العمل السعودية، بسبب افتقار السعوديين إلى الحافز والمهارات اللازمة لأداء أعمال يدوية أو شاقة.

 

كما تهدف رؤية 2030 إلى إيصال خمس جامعات وطنية -على الأقل- إلى قائمة أفضل مائتي جامعة في العالم، وتأهيل الطلاب السعوديين لتخطي المتوسطات العالمية في مؤشرات التعليم. لكن التصنيف الأكاديمي ليس ضرورة: ما تحتاج إليه البلاد هو استثمار ثقيل في التعليم المهني، الذي ترفض الغالبية العظمى من السعوديين شغل وظائفه، وتعتبرها دون مستواها.

 

لا تحوي رؤية 2030 إلا القليل مما لم تستهدفه خطط التطوير السعودية السابقة. فقد كانت إقامة البنى التحتية، وتطوير الموارد البشرية، وتمكين القطاع الخاص لقيادة وتنويع النمو الاقتصادي، مواضيع متكررة منذ ثاني خطط التنمية الخمسية حتى الثامنة (1975-2009). في الحقيقة، تبدو رؤية 2030 كتكملة لخطة التطوير التاسعة (2010-2015)، بتركيزها على تشجيع التنمية المستدامة، ورفع كفاءة القوة العاملة السعودية، بالتزامن مع خلق اقتصاد معرفة في بيئة من التطور الهيكلي المتدرج.

 

 

تنمية اقتصادية، دون إصلاح سياسي

لم تعد الرياض تملك رفاهية تجاهل العلاقة بين التنمية الاقتصادية والسياسية. فالتحول إلى دولة إنتاج سيخلق اقتصاد معرفة، وسيحطم نظام المملكة القائم على القبلية، لا محالة. لقد انقضى عهد استمتاع السعودية بإجازتها من السياسة، كنتيجة لـ"غياب قيود الموازنة الملزمة، وهو ما خفف الحاجة -وألغاها أحيانا- إلى وضع أولويات للإنفاق العام ورصد الموارد الاقتصادية الشحيحة".

 

لكن على عكس ما قد يتوقعه المرء من دولة تدعي الالتزام بالتحرير الاقتصادي وضمان سعادة شعبها، تواصل الحكومة السعودية تضييق الخناق على حرية التعبير تحت ستار تشجيع الاعتدال الديني. إذ بدأت وزارة الشؤون الدينية في تطبيق نظام إلكتروني لتوحيد خطبة الجمعة على مستوى جميع مساجد المملكة، حيث سيقرأ الدعاة خطبة واحدة مجازة من على جهاز آيباد.

 

مع ذلك، مهما فعلت الحكومة لإسكات الدعوات المطالبة بحرية التعبير والمشاركة، فستضغط خصخصة الاقتصاد وتدفق المستثمرين والفنيين الأجانب مع أسرهم، "على مبادئ المجتمع السعودي المحافظة"، لا محالة.

 

"إن العقيدة الدينية الوهابية السعودية تضر بقضية الحداثة"

 

لا شك في مثالية رؤية 2030 -مشروع الأمير بن سلمان، ولي العهد الحالي- لكنها معيبة بطبيعتها. يريد الأمير القضاء على الفكرة الراسخة القائلة بـ"تحول النفط إلى دستور لنا"، إلا أنه يغض الطرف عن اعتماد دولة الملك عبد العزيز بن سعود الحديثة على ثلاثة أعمدة، هي الدين والنزعة القبلية والنفط. لقد غدت العقيدة الدينية الوهابية مرادفا للراديكالية، وضررها بقضية الحداثة أمر لا يمكن إنكاره. سينتج التركيز على خلق اقتصاد قائم على الإنتاجية مجتمعا طبقيا، مما سيؤدي إلى اندثار القبلية. فدعوة ولي العهد في جوهرها دعوة إلى تفكيك دعائم النظام السياسي السعودي، دون استبدالها بأخرى حديثة.

 

إن الشق السياسي الوحيد في رؤية 2030 هو السياسة الخارجية السعودية. ستتخلى المملكة عن دورها التقليدي كمنتج مرجح للنفط، مستبدلة إياه بدور رئيسي في صناعة الطاقة العالمية، وهو ما يتطلب تحويل أرامكو -التكتل النفطي- إلى "شركة نفط عالمية متكاملة".

 

القيم الثقافية السعودية
يتوقف نجاح رؤية 2030 على قدرت السعوديين على
يتوقف نجاح رؤية 2030 على قدرت السعوديين على "اكتساب المهارات اللازمة لتحقيق أهدافهم الشخصية". وقد يكون ذلك مستحيلا في مجتمع تتفوق فيه قوة العلاقات الأسرية والقبلية والإقليمية على هوية الدولة (رويترز)

 

لا تدعم قيم الرياض الثقافية أهداف رؤية 2030؛ فالمجتمع السعودي منغلق، وموجه نحو تحقيق تميز اجتماعي، وله هيكل قبلي. ليس السعوديون عامة بمواطنين ملتزمين بالقانون، وكثيرا ما يخرقونه دون تعرض للعقوبة، كما يميلون إلى معاملة العمالة الوافدة، خاصة الأجراء القادمين من بلاد فقرية، ككيانات تافهة غير جديرة بالكرامة الإنسانية، فالإساءة الخسيسة إلى العمال الأجانب البائسين هي القاعدة لا الاستثناء. يجعل هذا من "إعادة تأهيل البيئة الاجتماعية، لكبح السلوك العام الشائن وعدم الاحترام الكامل للقانون"، ضرورة عاجلة.

 

يتوقف نجاح رؤية 2030 على قدرت السعوديين على "اكتساب المهارات اللازمة لتحقيق أهدافهم الشخصية". وقد يكون ذلك مستحيلا في مجتمع تتفوق فيه قوة العلاقات الأسرية والقبلية والإقليمية على هوية الدولة، وهي واحدة من البلاد ذات أدنى المعدلات في مشاركة المرأة في القوى العاملة.

 

تستلزم إدارة الاقتصاد العصري جمهورا ذا قيم عالمية، وهو ما سيجبر الرياض على التحول إلى مجتمع شديد الاختلاف، في وقت قصير، لتحقيق رؤية 2030. كما استحث كاتب مقالات ومذيع راديو سعودي الحكومة على وضع "برامج ثقافية واجتماعية جديدة، لبناء المواطنة وإدارة الدفة نحو مجتمع أكثر اعتدالا وتقدما".

 

ولا تتجاهل الخطة -بالتأكيد- الحاجة إلى بناء "ثقافة تكافئ الإصرار، وتتيح الفرص للجميع، وتساعد كل شخص على اكتساب المهارات اللازمة لتحقيق أهدافه الشخصية". وبالتبعية، يفترض ذلك ضمنا الاستثمار "في التعليم والتدريب لتأهيل شبابنا لشغل وظائف المستقبل". لكن "إعادة تأهيل وتعليم شعب اعتاد العيش في كنف دولة حاضنة"، هي مهمة شاقة ومستهلكة للوقت.

 

يدرك واضعو رؤية 2030 جيدا، أن نجاح الخطة يتوقف على تبني المجتمع السعودي لـ"قيم الاعتدال، والتسامح، والانضباط، والمساواة، والشفافية". لكن دعواهم بأن السلطات "لن تتهاون مطلقا مع جميع درجات الفساد، سواء الإداري أو المالي" هو زعم عبثي. ببساطة، يستحيل ذلك في مجتمع تتفوق فيه قوة الروابط العائلية والقبلية والإقليمية على مفهوم هوية الدولة الغامض. ولذلك -على الأغلب- تجنبت الخطة الإشارة إلى أي إجراءات حكومية لكسب تعاون الجمهور السعودي، الذي بات متكلا على "هبات الدولة، التي شملت دعم الوقود والقروض والأراضي المجانية ووظائف القطاع العام".

 

تمثل دبي بنشاطها وطليعيتها تحديا خاصا تواجهه رؤية 2030. تنتمي كل من الجارتين إلى عالم ومزاج مختلف تماما، عندما يتعلق الأمر بقطاع الأعمال. تملك دبي روحا ريادية جيدة التأسيس، على عكس السعودية التي ينحدر أغلب تجارها من إقليم حضرموت اليمني. يتبع مواطنو الإمارات المذهب المالكي السني، الأكثر اعتدالا بمراحل من الوهابية المتزمتة، عقيدة النخبة السعودية الحاكمة. وبينما تمنح الوهابية للحاكم السلطة على المجتمع، وحق قهر أفراده لضمان الصلاح الديني، فلا يطلب من الحاكم المالكي حمل الناس على اتباع الأحكام الدينية، فذلك يوكل إلى الأفراد المؤمنين وحدهم. ونتيجة لسيطرة الدولة السعودية على المجتمع، تتولى هي قيادة التنمية الاقتصادية. أما في دبي، فتسهل الإمارة لقطاعها الخاص المفعم بالحيوية تحقيق الإنجازات، وتثمنها أيضا. إن تفوق الرأسمالية الإماراتية الجامحة يتجاوز قدرة الرياض على المحاكاة.

 

 

العائدات هي كل شيء
 

حثَّ صندوق النقد الدولي الحكومة السعودية على التحكم الصارم في النفقات العامة، وفرض ضرائب الدخل والقيمة المضافة. تستهدف الخطة زيادة العائدات غير النفطية من 45 مليار دولار في 2016 إلى 266 مليار بحلول 2030. وما تزال فرصة الرياض في العثور على مستثمرين أجانب للمشاركة في مشاريعها العملاقة محل تساؤل. بدلا من ذلك، سينتهي بها الأمر -غالبا- إلى بيع 49 بالمئة من أسهم أرامكو لتغطية تكاليف استثماراتها في رؤية 2030. وفي سياق جهودها المحمومة لتجنب الإفلاس، تتعلق الإصلاحات الحكومية بتحقيق العائدات أكثر منها بتحفيز النمو الاقتصادي.

 

وكغيرها من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تخطط الحكومة السعودية لفرض ضرائب مبيعات بنسبة 5 بالمئة في يناير 2019، وهو ما سيزيد من حدة التضخم. كما أعربت الرياض عن رغبتها في إلغاء ضرائب الدخل، التي ستفرض على القوة العاملة الأجنبية فقط. وفي استطلاع لآراء الشركات العاملة في دول مجلس التعاون، أجاب 80 بالمئة بأنهم "سيدرسون قرار الانتقال إلى سوق آخر، إذا فرضت ضرائب الدخل".

 

إن فرض السعودية ضرائب دخل على العمالة الوافدة أمر غير محتمل، لكنها تسعى بنشاط إلى إيجاد طرق أخرى لزيادة مواردها المالية. لم تترك الحكومة موضع قدم دون وطئه، خلال سعيها للعثور على مصادر جديدة للإيرادات. ففي الشهور الأخيرة، على سبيل المثال، فرضت ضرائب على التبغ. والمشروبات الغازية، وتذاكر الطيران، ووصول المسافرين ومغادرتهم. كما تجري الرياض بالفعل خصخصة لخدمات الكهرباء والماء للحد من الإنفاق العام.

 

ماذا لو فشلت الخطة؟
ينظر المحللون الحصفاء بارتياب جِدي إلى ادعاء السعودية قدرتها على إنهاء اعتماد اقتصاد الدولة على النفط بحلول 2020. فتخلي المملكة عن دورها كمعيل للمجتمع هو الطريق الوحيد لتحرير الاقتصاد السعودي من سيطرة النفط (رويترز)
ينظر المحللون الحصفاء بارتياب جِدي إلى ادعاء السعودية قدرتها على إنهاء اعتماد اقتصاد الدولة على النفط بحلول 2020. فتخلي المملكة عن دورها كمعيل للمجتمع هو الطريق الوحيد لتحرير الاقتصاد السعودي من سيطرة النفط (رويترز)

 

يجب حمل الشعب السعودي -بطريقة ما- على الإيمان بخطة رؤية 2030، والالتزام بسياسات التقشف الحكومية، وإلا ستفشل الخطة. لكن الخطة كانت مفاجئة للشعب! تظل الحقيقة هي أن النخبة الحاكمة قد "سلكت طريقا لم يلجه أحد من قبل". والنشأة التفاعلية لهذا المجهود الضخم هي إحدى خصائصه الرئيسية.

 

تركز رؤية 2030 بشكل خاص على مشاركة شباب المملكة في اقتصاد السوق المخصخص الذي تأمل في خلقه. ويشكل هذا على وجه الخصوص تحديا، لأن هذه الفئة العمرية -تحت سن الثلاثين- التي تضم 19 مليون، من إجمالي الشعب البالغ 28 مليون، تستلزم دخول أكثر من مليوني سعودي في قوة العمل سنويا، على مدار العقد القادم.

 

إن بنية الاقتصاد السعودي منحازة بقوة للقطاع العام، الذي يوظف نحو 70 بالمئة من القوة العاملة الوطنية. لذا يعني التحول إلى الخصخصة نهاية هيمنة العمالة الأجنبية، التي تشكل أكثر من 80 بالمئة من القوة العاملة في المملكة. لكن تكفل الخصخصة بمهمة إنتاج الوظائف المرغوبة أمر غير مضمون. واقتصاد الإنتاج يخلق بالضرورة تراتبية طبقية اقتصادية اجتماعية. لطالما اعتبر المواطنون السعوديون توفر وظائف القطاع العام اليسيرة عالية الأجور أمرا مفروغا منه، ولن يتخلوا عن هذا الواقع المريح بسهولة.

 

بدون تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر في تنويع اقتصادي حقيقي، سيبدو الوضع كأن الصندوق الاستثماري السيادي يأخذ المال من يمناه ويضعه في يسراه. سيحول هذا المملكة من دولة ريعية تعتمد على عائدات النفط إلى دولة ريعية تعتمد على عائدات النفط وسوق المال. بهذه الطريقة، تصبح رؤية 2030 أشبه بخدعة ذهنية، يجريها استشاريون غرباء، منفصلون عن الثقافات المحلية، والقيود الهيكلية، والصراعات على السلطة المحلية، والتوازنات داخل المملكة.

 

ينظر المحللون الحصفاء بارتياب جِدي إلى ادعاء السعودية قدرتها على إنهاء اعتماد اقتصاد الدولة على النفط بحلول 2020. فتخلي المملكة عن دورها كمعيل للمجتمع هو الطريق الوحيد لتحرير الاقتصاد السعودي من سيطرة النفط.

 

إن النخبة السعودية الحاكمة حريصة على تجنب خطأ الرئيس السوري بشار الأسد، الذي وظف السلطة الاستبدادية لعصرنة هذا الاستبداد، حين عجزت الموارد المالية المتناقصة عن توفير خدمات الرعاية الاجتماعية. لقد أفقر شعبا شديد الاتكال على المساعدات الاجتماعية الهزيلة، تحت عنوان السعي إلى "تحديث وتحرير اقتصادي، كإحدى مراحل نقل الأصول العامة إلى ‘شبكات امتياز’ تنتمي إلى رأسمالية المحاسيب، والتوسع في العقارات، وقطاع السياحة، والخدمات المصرفية". أدى ذلك، بالإضافة إلى عوامل أخرى، إلى حرب أهلية مدمرة، لا تلوح نهاية لها في الأفق. لقد أظهرت القيادة السعودية مرونة ملحوظة في كثير من الفترات. لكن السؤال الآن يتعلق بقدرة الأمير محمد بن سلمان على الفكاك من السياسة الأبدية التي رسمها مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود.

 

==============================================

 

مترجم عن: (ميديل إيست فورم)

المصدر : الجزيرة