شعار قسم ميدان

بعد تهديد ترمب.. لماذا تتمسك أوروبا بالاتفاق النووي الإيراني؟

ميدان - الاتفاق النووي
مقدمة المترجمة

أعلن البيت الأبيض قبل عدة أيام أن ترمب لن يصدق على امتثال إيران للاتفاق النووي. الأمر الذي أثار غضب الشركاء الأوروبيين. لكن ما هي دوافع أوروبا الحقيقية للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة؟ هل هو الأمن العالمي أم مصالح تجارية وحسب، بالأخص في ظل الخناق الاقتصادي الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه على القارة العجوز؟

نص التقرير

في الرابع عشر من (تموز/يوليو) 2015، توصلت إيران إلى اتفاق حول برنامجها النووي مع كل أميركا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. تنصُّ "خطة العمل الشاملة المشتركة"، كما أطلق عليها، على قيام إيران، من بين أمور أخرى، بتجميد برنامجها النووي طيلة الأعوام الخمسة عشر المقبلة، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

لكن تفاوت الآراء بين الولايات المتحدة والأطراف الأخرى التي وقّعت الاتفاقية، يثير تساؤلات مهمة حول مستقبلها؛ حيث يتعين على الرئيس ترمب، يوم الخامس عشر من (تشرين الأول/أكتوبر)، أن يقرر فيما إذا كان سيصدُّق أمام الكونغرس، على امتثال إيران بالصفقة من عدمه، وهو ما ينصُّ عليه القانون كل ثلاثة أشهر. ورغم تلميحه إلى خيار عدم التصديق، إلا أن ذلك لا يعني تبخُّر الصفقة على الفور. حيث سيكون على الكونغرس أن يقرر خلال 60 يوما إذا ما كان يريد إعادة فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية من عدمه. لكن الأمر عمليا، يضع الولايات المتحدة في شبهة انتهاك الصفقة.

 الاتفاق النووي الإيراني 2015 (رويترز)
 الاتفاق النووي الإيراني 2015 (رويترز)

يأتي تلميح ترمب، رغم إصرار مستشاريه في السياسة الخارجية، وشركائه الأوروبيين على أهمية الالتزام بالاتفاقية التي قد يؤدي الانسحاب منها إلى إرسال إشارات خاطئة لكوريا الشمالية؛ حيث يفترض أن الولايات المتحدة تسعى إلى إيجاد حل دبلوماسي لبرنامجها النووي.

إستراتيجية شد الخناق

غير أن قرار التصديق من عدمه، يعتمد كليا على ترمب الذي وصف خطة العمل الشاملة المشتركة المُبرمة في عهد الرئيس أوباما بأنها "أسوأ صفقة في التاريخ". يحتج وغيره من منتقديها بأنها تمنح إيران أكثر بكثير مما تمنح الدول الموقعة عليها. ومن بين ثغرات الاتفاقية، بحسب رأيهم، عدم تطرقها إلى الدعم الذي توفره الجمهورية الإسلامية لأطراف مسلحة، كنظام الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان وبقاع أخرى، بالإضافة إلى الحوثيين في اليمن والتنظيمات المسلحة الفلسطينية. فضلا عن أنها تتيح لإيران متابعة أنشطتها النووية بعد عام 2025.

في حديث له مع الإذاعة الوطنية، أكد(1) مارك دوبويتز، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وأحد مستشاري ترمب الناقمين على خطة العمل الشاملة المشتركة، أن "ترمب لن يصدق على امتثال إيران للاتفاقية، لكنه سيظل من الموقعين عليها في الوقت الراهن". وهو ما أكدته مصادر مطلعة لصحيفة الواشنطن بوست بقولها إن "ترمب لن يصدق على الاتفاقية كجزء من إستراتيجية جديدة يتبعها البيت الأبيض".
 

إن فكرت الولايات المتحدة باللجوء إلى خيار إعادة التفاوض، ستفضُّ إيران الاتفاق على الفور. إن إيران كما أوروبا، لن تقبل بإعادة التفاوض حول برنامجها النووي
إن فكرت الولايات المتحدة باللجوء إلى خيار إعادة التفاوض، ستفضُّ إيران الاتفاق على الفور. إن إيران كما أوروبا، لن تقبل بإعادة التفاوض حول برنامجها النووي
 

فرض الأمر الواقع على الكونغرس بهذه الطريقة، كما يقول دوبويتز، سيتيح للولايات المتحدة إمكانية "العمل على تحسين بنود الاتفاقية". مضيفا أن الولايات المتحدة بحاجة لـ "شد عرى الصفقة وإصلاحها، والتخلص من بعض ثغراتها القاتلة"، كتلك التي لا تفرض قيودًا على دعم إيران جماعات إرهابية أو حتى تجارب الصواريخ، وهي أنشطة ما تزال مستمرة بلا رقابة. يأتي ذلك، رغم تأكيد إيران وشركائها الأوروبيين على أن الصفقة لن تكون متاحة أمام إعادة التفاوض. حيث يصر الشركاء الأوروبيون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على امتثال إيران التام لبنود الاتفاق.  

نتيجة عكسية

لكن الأمر سيعود بنتيجة عكسية كما أفادت باربرا سلافين، مديرة مبادرة "مستقبل إيران" في مجلس الأطلسي بقولها: "يعتقد منتقدو الصفقة أن في وسعهم استخلاص تنازلات إضافية من إيران عبر كل هذه الألاعيب، وهو ما لن يكون ممكنا. إن فكرت الولايات المتحدة باللجوء إلى خيار إعادة التفاوض، ستفضُّ إيران الاتفاق على الفور. إن إيران كما أوروبا، لن تقبل بإعادة التفاوض حول برنامجها النووي".

تجدر الإشارة إلى أن الدول الأوروبية بدأت المحادثات مع إيران حول برنامجها النووي عام 2003، قبل تدخل الولايات المتحدة في المساعي الدبلوماسية. وترد الدول الأوروبية على مزاعم ترمب بأن إيران، ستكون غير قادرة على متابعة تسلحها النووي بعد عام 2025 عندما تنتهي صلاحية بعض بنود الاتفاقية. وأنها ستخضع للعقوبات في حال أقدمت على ذلك. لأنها من بين الموقعين على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، التي تتيح، بفضل البروتوكول الملحق، المزيد من المواقع للتفتيش، والتي سيكون من بينها منشآت عسكرية، بشكل دائم. مضيفين أن الصفقة على علاتها، إلا أنها تهدئ مخاوف المجتمع الدولي حيال برنامج إيران النووي.
 

 
"يرى الأوروبيون هذا الاتفاق على أنه إنجازهم الدبلوماسي الرفيع. أعني، حل أزمة كان يمكن أن تؤدي إلى حرب عالمية، من خلال وسائل دبلوماسية صبورة"، أفادت سلافين، التي أضافت "إن لدى الأوروبيين آراء متباينة عن ترمب ومنتقدي الصفقة الآخرين، حيال الأسلوب الذي قد يحوِّل إيران إلى دولة أخرى يسهل التعامل معها". بحسب سلافين، سيعمل التبادل الاقتصادي، بما يتضمنه من عودة شركات أوروبية عملاقة إلى إيران، على تمكين المجتمع المدني كليا. إن أوروبا، بحسب قولها، تؤمن بتعددية الأطراف والحوار والحلول الدبلوماسية.
 

 
وقد ألمح السفير الفرنسي في الولايات المتحدة، جيرار آرود، إلى ذلك يوم الخامس والعشرين من (أيلول/سبتمبر) في ندوة نقاشية نظمها مجلس الأطلسي مع شركائهم الأوروبيين الموقعين على الاتفاقية. كانت الاتفاقية، بحسب آرود، ثمرة 20 شهرا من المفاوضات الشاقة مع شركاء من قبيل الصين(2) وروسيا(3)، الذين عادة ما عرقلوا مبادرات دبلوماسية بقيادة الغرب فيما مضى. يريد كلا البلدين استمرار الصفقة، لدخول العديد من شركاتهما المملوكة للدولة مشاريع مشتركة ضخمة مع شركات الطاقة الإيرانية. مشيرًا إلى أن الصفقة "تشمل العديد من الشركاء الذين يصعب إرضاؤهم. إن أي شخص يقول إن في وسعنا إعادة التفاوض للحصول على صفقة مثالية مع هكذا نوع من الشركاء، إنما يحلم وحسب".

undefined
 
يجادل ترمب ومناصروه بأن إلغاء الصفقة أفضل مما يعرّفونه كصفقة سيئة. لقد أوضح(4)  ترمب في المرة الأخيرة التي أعاد فيها التصديق على خطة العمل الشاملة المشتركة بأنه كان يقوم بذلك على مضض. بضغط من ريك تيليرسون، وزير خارجيته، وهربرت مكماستر، مستشاره للأمن القومي، وجيمس ماتيس، وزير الدفاع. يحاجج هؤلاء الثلاثة، وآخرون في إدارة السياسة الخارجية، بأن إيران، على علات الصفقة، ممتثلة لكافة البنود. الشهر الماضي وحسب، قال ترمب إن "الصفقة.. مصدر إحراج للولايات المتحدة". وأضاف "لا أعتقد أنكم تودّون الاستمرار بها، صدقوني".

  

أسباب أوروبا الحقيقية

يضغط الأوروبيون، تلك الأثناء، بشدة لضمان استمرار الصفقة. أفاد متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بأن دافيد أوسوليفان، سفير الاتحاد الأوروبي في الولايات المتحدة، كان في الكونغرس الأميركي يوم الأربعاء بهدف لقاء عدد من المشرّعين. بالإضافة إلى آخرين كانوا هناك، من بينهم آرود عن فرنسا، وكيم داروش سفير المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، وبيتر ويتيج، المبعوث الألماني.

"إن الرسائل الرئيسة التي نتوق لإيصالها هي (أ) تفسير لماذا تسير الصفقة بنجاح (ب) أنها ليست صفقة ثنائية بل متعددة الأطراف (ج) أن الاتحاد الأوروبي سيقوم بكل ما في وسعه ليضمن أن يظل الوضع كما هو عليه".

 

 (الجزيرة)
 (الجزيرة)

قال السفير أوسوليفان في الاجتماع ذاته، إن قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على شركات أوروبية، سيدفع الاتحاد الأوروبي للعودة إلى قانون حقبة التسعينيات، الذي يحمي الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية. "إنه يوفر الحماية القانونية للشركات الأوروبية التي قد تهددها طبيعة العقوبات الخارجية من قبل الولايات المتحدة الأميركية في ظروف معينة"، أفاد أوسوليفان. "ليس عندي أدنى شك بأن وقوع هذا السيناريو، وهو ما لم يتضح بعد، سيدفع الاتحاد الأوروبي لحماية المصالح القانونية لشركاته، بكافة الوسائل التي بحوزته".

بينما أفاد ويتيج، السفير الألماني، أن التجارة ليس السبب الوحيد الذي أرادت أوروبا من أجله الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة. "إن لهذه الخطة أهمية فائقة للأمن الإقليمي والأمن العالمي على حد سواء، من بين الكثير من الأشياء". وحث ويتيج أيضا الولايات المتحدة على البقاء في الصفقة "إن تخلت الولايات المتحدة الأميركية عن هذه الاتفاقية فإنها ستفقد أدوات الرصد والتفتيش.. وهو ما سيكون خسارة هائلة".

بينما كانت لهجة سلافين أكثر حدة "إنه إما هذا أو لا شيء"، قالت. "وإن كان لا شيء، فإنه سيكون بوسع إيران بسرعة إعادة تكوين برنامجها وسيكون لدينا أزمتان نوويتان بين أيدينا في الوقت ذاته".

————————————————————–

مترجمٌ عن: (ذا أتلانتيك)

المصدر : الجزيرة