شعار قسم ميدان

هل تنقذ أوروبا صفقة إيران النووية من جنون ترمب؟

ميدان - روحاني والأمم المتحدة
مقدمة المترجمة

قبل جلوس الرئيس الأميركي دونالد ترمب على كرسي الحكم، وأثناء حملته الانتخابية والعالم يحبس الأنفاس، هاجم إيران وانتقد الاتفاق النووي الذي شارك فيه باراك أوباما وهدّد بتفكيكه، فهل يصدق وعده؟ وما  الذي يعنيه ذلك لإيران والدول الأخرى المشاركة في الاتفاق؟
 

نص التقرير

في 19 (سبتمبر/أيلول)، قدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب أول خطاب له في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومما لا يثير الدهشة أنه كرس أجزاء من تصريحاته للتنديد بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، وكرر انتقاده للاتفاق النووي الذي توصل إليه سلفه الرئيس باراك أوباما معها.  ووصف ترمب الاتفاق النووي بأنه "واحد من أسوأ الصفقات التي دخلتها الولايات المتحدة وأكثرها انحيازا على الإطلاق"  كما قال إنها "تعد إحراجا للولايات المتحدة".
 
وأشار ترمب إلى أن الولايات المتحدة لن تلتزم بالاتفاق بعد الآن؛ عندما قال إنه "لا يمكننا الالتزام باتفاق إذا كان يوفر غطاءً لبناء برنامج نووي في نهاية المطاف." وتأتي هذه التعليقات قبل أسابيع فقط من الوقت المحدد لتعيد إدارته تأكيد امتثال إيران للاتفاق النووي. وأصبح من الجلي أنها لن تفعل، مما يخرج الولايات المتحدة من المعادلة.

 

الرئيس الإيراني
الرئيس الإيراني "حسن روحاني" (رويترز)

 
وبعد فترة وجيزة من بدء الرئيس الإيراني حسن روحاني فترته الثانية في (أغسطس/آب)، نشرت تقارير فى وسائل الإعلام الأميركية أنه هدد بالتخلي عن الاتفاق النووى إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على البلاد. واستندت هذه المقالات إلى أخطاء في ترجمة تصريحات روحاني. ففي واقع الأمر، قال الرئيس الإيراني إنه إذا أرادت الإدارة (الأميركية) الجديدة العودة إلى "التجربة الفاشلة للعقوبات والإرغام التي جلبت حكوماتهم السابقة إلى طاولة المفاوضات؛ وبالتأكيد، في فترة قصيرة من الوقت -ليست أسابيع وأشهر بل ساعات وأيام- سنعود إلى حالة أكثر تقدما من تلك التي كانت في بداية المحادثات"،  يعني أن البلاد سوف تستأنف العناصر التي يقيدها الاتفاق في برنامجها النووي إذا انهارت الصفقة.
   
وبعد بضعة أيام، أدلى نائب الرئيس الإيراني ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، ببيان، مشيرا إلى أن بلاده ستواصل الالتزام بالاتفاق حتى لو انسحبت الولايات المتحدة منه. إلا أن بيانه جاء مصحوبا بتنبيه؛ فالأطراف الأخرى في الاتفاق تحديدا الدول الأوروبية، عليها الاستمرار بالاتفاق. وهذه المرة  ارتبك المراقبون الأميركيون حيث بدا أن طهران كانت تعطي ترمب الضوء الأخضر للانسحاب من الصفقة مع الإفلات من العقاب، وهي نقطة رددها الإيرانيون بسرعة.

 
وليس سرا أن ترمب لا يؤيد إرث سلفه في السياسة الخارجية، وعادة ما كان يطلق عليه اتفاقا "غبيا" والاتفاق "الأسوأ" على الإطلاق. وأثناء حملته الانتخابية، تعهد بتفكيك الصفقة والتفاوض على اتفاق أفضل. إلا أن ترمب استمر منذ تنصيبه في تنفيذ الصفقة على الرغم من أنه لم يعلن التزاما أميركيا بها، مما ترك مستقبلها معلقا في الهواء، وعرقل إيران من اجتذاب الشركات والمستثمرين الذين يتفادون المخاطر، وهو شرط أساسي مسبق لكي يتمكن اقتصاد إيران من التعافي.

 

مع اقتراب إدارة ترمب من اتخاذ قرار بشأن إعادة تأكيد امتثال إيران للاتفاق النووي في(يوليو/ تموز)، أصبحت طهران أكثر حزما
مع اقتراب إدارة ترمب من اتخاذ قرار بشأن إعادة تأكيد امتثال إيران للاتفاق النووي في(يوليو/ تموز)، أصبحت طهران أكثر حزما
 

وبالتالي، أصبح الإيرانيون أكثر قلقا بشأن مستقبل الصفقة وقدرتها على تحقيق تخفيف العقوبات والإنعاش الاقتصادي. ولا شك أن الإدارة كثيرا ما ميزت طهران بما وصفته بانتهاكات لـ "روح" الاتفاق، بما في ذلك عمل الجمهورية الإسلامية على برنامجها للقذائف البالستية، وذهبت إلى حد وضع إيران "تحت الملاحظة".

 
ومع اقتراب إدارة ترمب من اتخاذ قرار بشأن إعادة تأكيد امتثال إيران للاتفاق النووي في(يوليو/تموز)، أصبحت طهران أكثر حزما. وقد شعر روحاني وفريقه بالاضطرار للتوضيح أنه بوجود واشنطن أو بدونها، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة سوف تمضي قدما، ويرجع ذلك لأن الاتفاق يفقد الدعم في صفوف الجمهور والداعمين الرئيسيين داخل النظام بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
   
وكما قال روحاني في أول مقابلة تلفزيونية بعد توليه المنصب للمرة الثانية في (آب/أغسطس)، فإنه من الصعب تقييم سلوك ترمب والتنبؤ به: "وحتى الأميركيون أنفسهم لا يستطيعون ذلك". وطمأن ناخبيه بأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على شحذ المجتمع الدولي لعزل ومعاقبة طهران كما كان يحدث في السابق. وقد أصدرت حكومة روحاني الكثير من البيانات التي تلتزم بالاتفاق ما إذا كانت واشنطن لا تزال جزءا منه، وذلك للتأكد تحديدا من أن واشنطن لن يكون لديها أدوات لإكراه حلفائها الغربيين وإيران.

 undefined
 
وقد أصر روحاني وصالحي على أن تركيز إيران الرئيس هو مواصلة تنفيذ الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس. وتم تصمیم تصریحات صالحي في (آب/أغسطس) للتوضيح أن إیران طرف مسؤول، ولوضع العبء علی الأوروبيین لکي یضطلعوا بدور أکثر نشاطا في الإبقاء على الاتفاق. وفي الواقع، خلال المفاوضات النووية، ومنذ توقيع الاتفاق، اشتكى المسؤولون الإيرانيون في كثير من الأحيان من أنه على الرغم من أن أوروبا ستستفيد أكثر من الصفقة -بفضل موقعها السياسي والاقتصادي المتميز وحرص الإيرانيين على استئناف الأعمال التجارية مع القارة- فقد ظلت سلبية نسبيا في هذه العملية.
   
وبالنسبة  لروحاني، فإن مشاركة أوروبا هي المفتاح لاستمرار دعم الصفقة في إيران، حيث إن أحد العوامل الرئيسة وراء عودة طهران إلى طاولة المفاوضات في عام 2012 هو إعادة بناء الروابط مع العواصم الأوروبية. وقد حققت طهران هذا الهدف إلى حد كبير، وهي تمنح روحاني انتصارا كبيرا: فاليوم، تستخدم إيران وأوروبا قنوات الاتصال الرسمية للتعامل في مجالات الاهتمام والمصالح المتبادلة، بما في ذلك سجل حقوق الإنسان للجمهورية الإسلامية والأمن الإقليمي والتطوير الاقتصادي.
 
وبالنسبة للحكومة الوسطية التي كان وعد  بها الرئيس السكان الذين يتوقون إلى إعادة فتح بلادهم على العالم وإخراج إيران من العزلة، فهذه خطوة كبيرة، وخطوة تسعى إلى تعزيزها. وهذا هو السبب وراء قيام  وزير الخارجية جواد ظريف بجولة في العواصم الأوروبية مباشرة بعد إعادة انتخاب روحاني، حاملا في جولته رسالة بسيطة: إن مستقبل الصفقة يعتمد على أوروبا.

حاولت إيران تعميق العلاقات مع أوروبا لرفع تكاليف تبعيتها لقيادة الولايات المتحدة. غير أن دول الاتحاد الأوروبي بالكاد متحدة في سياساتها الخارجية ويجب الموازنة بين المواقف والمصالح المختلفة
حاولت إيران تعميق العلاقات مع أوروبا لرفع تكاليف تبعيتها لقيادة الولايات المتحدة. غير أن دول الاتحاد الأوروبي بالكاد متحدة في سياساتها الخارجية ويجب الموازنة بين المواقف والمصالح المختلفة
 

وفي الحقيقة أصبحت الولايات المتحدة الآن بالنسبة إلى إيران قضية خاسرة. وكما يرى المسؤولون في طهران، يبدو ترمب  عازما على التراجع عن سياسة أوباما الخارجية، كما أشارت تصريحات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وحتى أولئك الأكثر اعتدالا في إدارة ترمب يبدون متشددين للغاية عندما يتعلق الأمر بإيران. وفي أسوأ الأحوال، يمكن لإدارة ترمب الانسحاب من الاتفاق؛ أما في أفضل الأحوال، يمكنها أن تستمر على مسارها الحالي بإبقاء الصفقة وترك مستقبلها غير محسوم على الدوام. ويمكن لفشل إعادة التأكيد على الامتثال الإيراني أن يحقق كلا الأمرين.
 
كما ستستفيد كل من  الصين وروسيا من الاتفاق، ولكن لأنهما ملتزمتان بوجود في السوق الإيرانية مهما حدث فإنهما لا يريدان إهدار رأس المال السياسي الذي يشكل حصنا ضد الجهود الأميركية لنسف الصفقة. ولهذا السبب حاولت إيران تعميق العلاقات مع أوروبا لرفع تكاليف تبعيتها لقيادة الولايات المتحدة. غير أن دول الاتحاد الأوروبي بالكاد متحدة في سياساتها الخارجية ويجب الموازنة بين المواقف والمصالح المختلفة.

فمثلا منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الصيف الماضي، تتطلع لندن بشدة إلى التحالف مع واشنطن. وعلاوة على ذلك، فقد اتبعت المملكة المتحدة بالفعل قيادة الولايات المتحدة فى عدد من التطورات الرئيسة فى الشؤون الدولية، وعلى الأخص غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003.  ما يعني أن المملكة المتحدة قد تتبع خطى الولايات المتحدة إذا اختارت الأخيرة الانسحاب من الاتفاق -على الرغم من أنها حتى الآن قد أشارت إلى أنها تريد أن تبقى في الصفقة.
  

أصبح الأوروبيون أكثر استباقًا في التعبير عن التزامهم ودعمهم للاتفاق النووي، غير أنَّ عليهم أنْ يفعلوا ما هو أكثر من ذلك (رويترز)
أصبح الأوروبيون أكثر استباقًا في التعبير عن التزامهم ودعمهم للاتفاق النووي، غير أنَّ عليهم أنْ يفعلوا ما هو أكثر من ذلك (رويترز)

 
ومن جانبها أعربت الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا عن التزامها بالحفاظ على الاتفاق والبناء عليه لزيادة الحوار ومجالات التعاون مع طهران. ولكن عليهم هم أيضا أن يوازنوا بين روابطهم مع الولايات المتحدة مع اهتمامهم بإدماج إيران في المجتمع الدولي.
 
ومن الواضح أن القادة الأوروبيين يشعرون بالسخط إزاء ازدراء ترمب للمؤسسات الدولية والعمليات المتعددة الأطراف،  إلا أن سنوات من الاكتفاء بالمقعد الخلفي والسماح للولايات المتحدة بقياد النظام الليبرالي يجعل من الصعب على أوروبا أن تصبح لاعبا أكثر فعالية في مواجهة قيادة  الولايات المتحدة المتضائلة.
   
وقد أصبح الأوروبيون أكثر استباقا في التعبير عن التزامهم ودعمهم للاتفاق النووي. غير أن عليهم أن يفعلوا ما هو أكثر من ذلك. وحتى منتصف (تشرين الأول/أكتوبر)، يجب عليهم مضاعفة جهودهم لإقناع إدارة ترمب والكونغرس بإبقاء الصفقة حية بينما يفكرون في الوقت ذاته في إمكانية تنفيذ الاتفاق بدون الولايات المتحدة. وهي منطقة مجهولة، بها العديد من التعقيدات- بما في ذلك نظام العقوبات العويص- ويجب على أوروبا تقييمها والتخطيط للصفقة بعد خروج الولايات المتحدة.

________________________________________

مترجمٌ عن: (فورين أفيرز)
المصدر : الجزيرة + فورين أفيرز