شعار قسم ميدان

"ثمن التهور".. حين وضعت كتالونيا عنقها على مذبح مدريد

ميدان - كتالونيا
مقدمة الترجمة

يقف مواطنو إقليم كتالونيا اليوم حيارى في موقف حرج لا يُحسدون عليه، فقد تتبخر طموحات الحرية والاستقلال التي سعوا إلى تحقيقها على مدار سنوات طوال، بل قد يفقدون ما حققوه من مكاسب مرحلية أحرزوها واحدة تلو الأخرى خلال سيرهم على درب الاستقلال الطويل. إذ لم يكن الطريق الذي رسموه في أحلامهم مفروشا بالورود على أرض الواقع، فقد تأزم الوضع بين عشية الاستفتاء وضحاها، وفاقم عناد قادة الإقليم ومن ورائهم الحالمون بالاستقلال من الوضع بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية. فهل تنفرج الأزمة الكتالونية ويجلس الطرفان على مائدة الحوار؟ وهو ما يحمل في طياته تنازلا من كلا الطرفين اشترطت مدريد أن تخطو حكومة الإقليم خطوتها الأولى فيه بتخليها عن نتائج الاستفتاء. أم يظل الاحتقان سيد الموقف؟ وهو ما قد يؤول بالوضع إلى الانفجار. من خلال هذا المقال نقف على نقاط التسوية الممكنة، والتدابير المرجحة من كلا الطرفين، وفق تحليلات بعض الخبراء في هذا الشأن.
 

نص التقرير

بين الوضع الحالي للإقليم.. والاستقلال التام.. ثمة فرصة ضئيلة للتسوية

تمتلك كتالونيا لغتها الخاصة، وهويتها المستقلة، وثقافتها المغايرة لباقي الأراضي الإسبانية. وبموجب القانون الإسباني، لكتالونيا رئيسها الخاص، وبرلمانها الخاص، وشرطتها الخاصة. ومن خلال استفتاء الأول من (أكتوبر/تشرين الأول) الذي صوّت فيه الشعب الكتالوني بأغلبية ساحقة على الاستقلال عن الأراضي الإسبانية -بنسبة إقبال بلغت 43%، في ظل سخط جماعي، وحملة قمع عنيفة في بعض الأحيان من قبل السلطات الإسبانية- يطمح الشعب الكتالوني إلى تحويل هذا الانفصال على أرض الواقع إلى شيء أكثر رسمية. وفي ظل ما تراه مدريد أنه أمر شديد الخطورة، ويهدد القادة الكتالونيين بالاعتقال أو ما هو أسوأ، وقع كارلس بوتشدمون، الرئيس الكتالوني، يوم الثلاثاء إعلان استقلال كتالونيا، ولكنه قال إن تنفيذ ما جاء في هذا الإعلان سوف يؤجل إلى ما بعد "عدة أسابيع حتى يتسنى لنا إجراء محادثات" مع حكومة مدريد.

 

وجهة نظر مدريد حول هذا الحوار معلومة سلفا، فقد رفض ماريانو راخوي، رئيس الوزراء الإسباني، الحديث عن أية محادثات ما لم تتخل كتالونيا عن فكرة الاستقلال أولا، وهو ما لم تبادر به حكومة كتالونيا الحالية. وقد هددت مدريد أيضا بحل البرلمان الكتالوني، واتهام بوتشدمون وحلفائه السياسيين بالتمرد، على خلفية الخطوات التي اتخذوها بمخالفة الدستور الإسباني. وفي الوقت نفسه، عرض كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، التوسط لحل الأزمة، فضلا عن النداء العام الذي وجهه دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، إلى بوتشدمون بعدم اتخاذ خطوات تجعل الحوار أمرا مستحيلا.

 

قال سيريتي:
قال سيريتي: "إذا انطلقت في نهاية المطاف مفاوضات مع الحكومة المركزية فأعتقد أن ما سيحصده الكتالونيون لن يتخطى بعض ما نص عليه نظامهم الإقليمي في 2006، والذي عدلته المحكمة الدستورية" (رويترز)

ولكن ما الذي يمكن أن تحققه أي وساطة مع الإسبان لصالح كتالونيا التي تتمتع بالفعل بحكم ذاتي واسع؟ وما الفرق بين الاستقلال الذي تسعى إليه كتالونيا، ووضعها الفعلي الحالي؟ فقد أخبرني بيتر سيريتي، المحلل في وحدة الاستخبارات الاقتصادية لإسبانيا والبرتغال، إنه من المستبعد تماما إجراء أية محادثات بين الطرفين في المستقبل القريب بالمقام الأول. وقال: "إن ماريانو راخوي متمسك بموقفه، ولن يتنازل عن أي شيء، وغير راغب في التفاوض مع المعسكر القومي". وأضاف أنه يعتقد أنه من غير المرجح إطلاق أي حوار قبل الانتخابات الإسبانية المقبلة، المزمع إجراؤها عام 2020، أو قبل اصطفاف القوى السياسية على الصعيد الوطني.

 

وأضاف سيريتي: "إذا انطلقت في نهاية المطاف مفاوضات مع الحكومة المركزية فأعتقد أن ما سيحصده الكتالونيون لن يتخطى بعض ما نص عليه نظامهم الإقليمي في 2006، والذي عدلته المحكمة الدستورية". يشير سيريتي إلى قرار المحكمة الدستورية للبلاد لعام 2010 الذي تضمن عدة أمور، من بينها إحباط محاولات قام بها الكتالونيون عام 2006 لإدراج اللغة الكتالونية لغة أولى قبل الإسبانية في الإقليم، وعدم الاعتراف "بالقومية الكتالونية" كأمة مستقلة. كما طالبت كتالونيا في وقت سابق أيضا بإجراء بعض الترتيبات المالية مع حكومة مدريد، ذلك النوع من التدابير التي يتمتع بها إقليما الباسك ونافارا، إذ يجمع كلا هذين الإقليمين إيراداتهما الخاصة، ثم يعطون الحكومة المركزية حصة مُتفقا عليها، على عكس كتالونيا التي تتحكم مدريد في إيراداتها الضريبية. يطمح قادة كتالونيا أيضا إلى إجراء نوع من الاستفتاء الملزم الذي تعترف به حكومة مدريد، مثل ذلك الاستفتاء الذي أُجري في أسكتلندا عام 2014 بمباركة لندن، لكن مدريد لا تعترف باستفتاء كتالونيا الذي أُجري مؤخرا، وفق ما أعلنته المحكمة الدستورية الإسبانية قبل إجرائه.

 

لكن سيريتي قد أشار إلى أن "تسوية كل هذه الأمور يُعد أمرا مستحيلا في الوقت الراهن، فكل ما سوف يحصل عليه الكتالونيون من مكاسب إذا ما أجريت هذه المفاوضات في المستقبل القريب لن يتعدى بعض التسويات المالية المرضية، وربما إبداء بعض المرونة فيما يتعلق بالامتيازات اللغوية، والاعتراف بالأمة الكتالونية، ولكن إجراء استفتاء ملزم أمر بعيد المنال". ولكن هذه الخطوات غير منصوص عليها في الدستور الإسباني، لذا، للوصول إلى أي تسوية من هذا القبيل يجب أن يسبقها بعض التعديلات الدستورية. يقول سيريتي، معنى ذلك أنه "يجب أن يكون هناك إجماع واسع جدا حول هذه الأمور بين كافة الأطراف على المستوى الوطني. ولا يبدو ذلك متوافرا على الساحة حتى الآن".

 

من شأن خطاب بوتشدمون
من شأن خطاب بوتشدمون "رئيس كتالونيا" الذي ألقاه يوم الثلاثاء، والذي تبعه توقيع إعلان استقلال كتالونيا، أن يُصعّب من إجراء هذا "الحوار" إن لم يكن مستحيلا في الوقت الراهن (رويترز)

تركت إسبانيا الباب مفتوحا أمام التوصل إلى حل توافقي، شريطة أن تنحصر هذه التسويات في إطار الإصلاحات المالية -كتلك التي يتمتع بها إقليما الباسك ونافار- التي رفضتها مدريد من قبل في عام 2012، حينما كانت البلاد في طور التعافي من آثار الأزمة المالية العالمية. 

فقد صرح لويس دي جندوس، وزير الاقتصاد الإسباني لصحيفة الفايننشال تايمز قائلا: "إن كتالونيا تتمتع بالفعل بقدر كبير من الحكم الذاتي، لكننا يمكن أن نتناقش حول بعض الإصلاحات في النظام المالي، وبعض القضايا الأخرى". وأضاف: "لقد كنا في عام 2012 في خضم الأزمة المالية العالمية، وكان جل تركيزنا ينصب على تجنب انزلاق إسبانيا إلى مأزق اقتصادي. أما الآن فقد تغير الوضع، ولدينا فائض مالي كبير، وانتعاش اقتصادي، وهو ما يطرح نقاط جديدة يمكن التباحث حولها". ويؤكد أن هناك شرطا واحدا لإجراء مثل هذا الحوار، ويقول: "بمجرد التخلي عن خطط الاستقلال يمكننا التحدث".

من شأن خطاب بوتشدمون الذي ألقاه يوم الثلاثاء، والذي تبعه توقيع إعلان استقلال كتالونيا، أن يُصعّب من إجراء هذا "الحوار" إن لم يكن مستحيلا في الوقت الراهن. وقد أذاع التلفزيون الإسباني خبرا جاء فيه أن راخوي سوف يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء يوم الأربعاء لبحث تطبيق المادة 155 من دستور البلاد، وتعليق الحكم الذاتي لإقليم كتالونيا، ما سيجعل طموحات استقلال الإقليم أبعد من ذي قبل.

__________________________________________________

مترجم عن: (ذا أتلانتيك)

المصدر : الجزيرة