شعار قسم ميدان

ملامح خطة بوتين لإنهاء الحرب في سوريا

ميدان - روسيا سوريا بشار الأسد بوتن
مقدمة المترجم

يناقش ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيجي بموسكو، خطة روسيا لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا، ويسلط الضوء على بعض السيناريوهات المحتملة اعتمادا على تأثير القوى الإقليمية والدولية المختلفة في المنطقة.

 

نص التقرير

يبدو أن الحرب الأهلية السورية، التي اندلعت منذ قرابة سبع سنوات، أوشكت على الانتهاء، وتتطلع القوى المختلفة المؤثرة في الشرق الأوسط إلى ما ستنبثق عنه الأحداث. ففي 22 من (نوفمبر/تشرين الثاني) التقى زعماء إيران وروسيا وتركيا في مدينة سوتشي الروسية لمناقشة مستقبل سوريا، وفي 28 من (نوفمبر/تشرين الثاني) جرت الجولة الأخيرة من المحادثات التي تمت برعاية الأمم المتحدة بين ممثلي الرئيس السوري، بشار الأسد، وجماعات المعارضة في جنيف. ومن المقرر إجراء جولة أخرى من المحادثات في مدينة سوتشي في أوائل العام القادم.

 

من خلال التدخل العسكري والمناورات الدبلوماسية، جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلاده واحدة من اللاعبين الرئيسين في الصراع السوري. ذهبت روسيا إلى سوريا في شهر (سبتمبر/أيلول) من عام 2015 لمنع محاولة تغيير النظام. وبعد أكثر من عامين من القتال، أثمرت مشاركة موسكو العسكرية عن نجاة نظام الأسد. إن الحرب لم تنته بصورة كاملة بعد، ولكن التركيز الآن ينصب بشكل متزايد على إجراء تسوية سياسية في المستقبل. لن تكون روسيا قادرة على فرض هذه التسوية وحدها، أو حتى جنبا إلى جنب مع حلفائها المتمثلين في إيران وتركيا، لكنها ستكون بالتأكيد مشاركة بقوة في اتفاق السلام السوري كما شاركت في الحرب السورية.

 

الشبكة المعقدة

ومن بين القضايا المطروحة حاليا في سوريا يبرز مصير الأسد، ففي خلال الحرب رأت فيه موسكو شخصا يجب أن يُنقذ من أجل الحفاظ على مصالحها، ومنع دخول البلاد في حالة من الفوضى. أما الآن فهو يتصرف كالمنتصر، وربما يظن أنه لم يعد بحاجة إلى الروس بقدر احتياجه إليهم سابقا. يتجاهل الأسد المعارضة ويرغب في تمكين حزب البعث مرة أخرى، لكن الكرملين يدرك أن استعادة سيطرته على سوريا كلها مستحيلة بل غير مرغوب فيها، لأن مجموعات أخرى، من المعارضة السنية للأكراد، ترفض رفضا قاطعا هذه النتيجة. قد يبقى الأسد في السلطة في دمشق، ولكن المشهد السياسي للبلاد قد تغير بشكل لا رجعة فيه. ومع ذلك، يتعين على موسكو أن تتعامل مع الأسد المتشدد مع مراعاة التأثير الذي تمارسه حليفتها الأخرى، المتمثلة في طهران.

 

 

حتى في غياب الفيدرالية الرسمية فإن سوريا مقسمة فعليا إلى عدة مقاطعات تسيطر عليها قوى مختلفة: حكومة الأسد، مجموعات معادية للأسد، والقوات الموالية لتركيا والميليشيات الموالية لإيران، والأكراد. هذا وقد عملت روسيا مع العديد من اللاعبين، سواء على الأرض في سوريا أو خارجها، لتقليل عدد مناطق التصعيد، حيث يتوقف القتال ويسمح للمعارضة أن تُبقي سيطرتها على تلك الأماكن.

 

وقد سعت موسكو من خلال جهودها في أستانا وجنيف وسوتشي إلى بناء أرضية مشتركة بين جميع الفصائل المتصارعة في البلاد، مما يمهد الطريق لشكل ما من أشكال الحكومة الائتلافية. ولكن الأسد متردد في الموافقة على تقاسم حقيقي للسلطة، كما أن إيران لديها تحفظات بذات الشأن، وبالتالي سوف تضطر موسكو إلى القيام بالكثير من الإقناع بل والضغط أحيانا لتحقيق النتائج التي تراها الأفضل. هذا ويعتقد الروس أن ترتيب تقاسم السلطة المشتركة بصورة أقرب إلى تلك المعمول بها في لبنان يمكن أن يكون الطريقة الأفضل للاستقرار.

 

تتفهم روسيا مصالح إيران حتى وإن لم تكن تشاركها نفس المصالح، ولكنها تتفهم أيضا مخاوف إسرائيل، وتسعى إلى تحقيق توازن بين الاثنين

تصر روسيا على وحدة سوريا الإقليمية، وتتخذ موسكو موقفا مماثلا تجاه العراق، حيث رفضت مؤخرا دعم استقلال إقليم كردستان العراق. وبالرغم من تشابه مواقفها في سوريا والعراق فإن روسيا تفضل الاستقلال الذاتي الحقيقي للأكراد، فعلى مدى العقود الطويلة كانت لموسكو علاقة طويلة الأمد مع الجماعات الكردية في الشرق الأوسط، بل وساعدتهم سياسيا وعسكريا أحيانا. لقد اعتادت روسيا على توازن علاقاتها مع الأكراد ومع جيرانهم العرب والأتراك والإيرانيين، وهو ما سهّل الاتصالات الروسية الكردية ومنحها فرصة الضغط أحيانا من أجل المصالح الكردية. ومع ذلك، في نهاية المطاف، فإن المصلحة الوطنية لروسيا تكمن في الحفاظ على قنوات اتصال مع جميع اللاعبين ذوي الصلة.

 

روسيا، بطبيعة الحال، ليست القوة الخارجية الوحيدة في سوريا. وحتى مع دعم موسكو لنظام الأسد بقوتها الجوية، كانت إيران وميليشياتها المتحالفة تقاتل على الأرض. بعد الحرب، تريد طهران إضفاء الطابع المؤسسي على وجودها على أرض الواقع في سوريا، وذلك للتأثير على مستقبل ذلك البلد والمحافظة على صلة فعلية مع حليفها الإقليمي الرئيس، المتمثل في حزب الله في لبنان.

 

تتفهم روسيا مصالح إيران حتى وإن لم تكن تشاركها نفس المصالح، ولكنها تتفهم أيضا مخاوف إسرائيل، وتسعى إلى تحقيق توازن بين الاثنين. تتعاطف موسكو مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية حول وجود جماعات مسلحة قريبة جدا من حدودها، وتأمل في الاستفادة من الشتات الروسي في إسرائيل من الناحية الاقتصادية والمالية والتكنولوجية. غير أنه لا يمكن أن تتجاهل إيران كقوة إقليمية وجارة تتيح لها أيضا فرصا في عدد من المجالات بدءا من مبيعات الأسلحة إلى الطاقة النووية. وهكذا في سوريا سوف تسعى روسيا للتوصل إلى حل وسط بين إيران وإسرائيل على أساس المصالح المشروعة لكل منهما. قد يبقى الحلفاء الشيعة الإيرانيون في سوريا، لكن عليهم أن يبقوا على مسافة بعيدة عن إسرائيل.

 

الرئيس الإيراني حسن روحاني مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك عقب اجتماعهم في سوتشي بروسيا 22 (نوفمبر/تشرين الثاني) 2017 (رويترز)
الرئيس الإيراني حسن روحاني مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك عقب اجتماعهم في سوتشي بروسيا 22 (نوفمبر/تشرين الثاني) 2017 (رويترز)

 

ويركز تفاعل روسيا مع الولايات المتحدة في سوريا إلى حد كبير على التفكك العسكري، الذي يهدف إلى منع وقوع حوادث بين القوات المسلحة للبلدين. وقد تعاونت موسكو وواشنطن أيضا على إنشاء مناطق شبه آمنة من خلال تخفيف حدة التصعيد، ولكن التنسيق الدبلوماسي للكرملين مع الولايات المتحدة أقل حدة بكثير في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب عنه مع سلفه باراك أوباما. ففي عامي 2015 و2016 كان الروس متطلعين إلى تطوير وتنفيذ حل دبلوماسي مشترك مع الأميركيين. ولكن اليوم، وبفضل ازدياد انحسار اهتمام واشنطن بل وانعدام مشاركتها، تعاونت موسكو مع الأتراك والإيرانيين بدلا من ذلك.

 

الطريق الطويل

تُدرِك روسيا أنه مع تلاشي الحرب وإعادة الإعمار سيبدأ آخرون في التقدم إلى الأمام في سوريا، بما في ذلك الصين وأوروبا واليابان. وستسعى موسكو إلى الشراكة معهم لتأمين جزء من جهود إعادة الإعمار المربحة التي سيتم تمويلها من المانحين الدوليين. وتتمثل الأصول الروسية الرئيسة في نفوذها في دمشق، حيث لا تزال الضامن الأول لأمن نظام الأسد. وقد يزول هذا التأثير بمرور الوقت إذا ما أصبحت التهديدات المباشرة للأسد أقل خطورة. ولكن في الوقت الراهن، مع احتمال أن تظل الحالة في سوريا محفوفة بالمخاطر لسنوات، من المتوقع أن تكون روسيا لاعبا رئيسا في البلاد على مدى المستقبل القريب.

 

وعلاوة على ذلك، فإن موسكو تهدف أيضا إلى تأمين مصالحها الأساسية في سوريا، أيا كان توازن السلطة السياسية في البلاد. ومن المتوقع أن يتمثل هذا الوجود في صورة وجود جوي وبحري دائم في البلاد. وبموجب اتفاقيات الإيجار الموقعة في عامي 2015 و2016 مع دمشق، ستبقى كل من قاعدة حميميم الجوية ومرفق طرطوس البحري، الذي يجري ترقيته إلى قاعدة بحرية عادية، قائمة لعقود بعد انتهاء الحرب. وستواصل القوات المسلحة السورية الاعتماد على الأسلحة والمعدات الروسية، وسيواصل الاختصاصيون العسكريون الروس تقديم المشورة وتدريب زملائهم السوريين. ومن شأن ذلك أن يؤكد على دور روسيا من خلال سوريا كمحرك جيوسياسي وعسكري رئيس في الشرق الأوسط.

 

إن إحلال السلام في سوريا سيكون أقل صعوبة من الفوز بالحرب هناك، ولكن المهمة الشاقة الجديدة التي تواجه روسيا هي أن وجودها والحاجة إليها الآن هناك أقل إلحاحا، وحيث يكون لمنافسيها المزيد من الموارد، سيسعى حلفاؤها المؤقتون في دمشق وطهران وأنقرة إلى تعزيز أجنداتهم الخاصة التي من الممكن أن تتعارض أحيانا مع أجندات موسكو. لذا فإن النجاح على الجبهة الدبلوماسية سيكون أصعب من الفوز في ساحة المعركة.

=================================================

 

المقال مترجم عن: (الفورين أفيرز)

المصدر : الجزيرة