شعار قسم ميدان

السلاح الكيميائي.. تعرف على التاريخ الحربي لغاز السارين

ميدان - غاز السارين
المقدمة
وقائع استخدام غاز السارين المثبتة ثلاثة، ولو صح أنه الغاز المستخدم في هجوم خان شيخون الوحشي، فستصير أربعة، ثلاثة منها في الوطن العربي. إن صور أطفال خان شيخون الأبرياء تدمي قلب كل إنسان.. فما هو ذلك الغاز؟ وما أعراض الإصابة به؟ وكيف تم إنتاجه؟ وما وضعه في الاتفاقيات الدولية؟ وما قصة حالات استخدامه السابقة؟ هذه مقالة موجزة تجيب عن جميع هذه الأسئلة، وغيرها.
 
المقال

قبل عدة أيام، شهد العالم في ذعر إطلاق غاز كيميائي مميت -غاز السارين غالبا، وهو أحد أكثر الأسلحة الكيميائية سميّة في الوجود- على مدنيين أبرياء، بينهم عشرات الأطفال. وقد نشر الأطباء وعمال الإغاثة مقاطع فيديو للهجوم الذي استهدف مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب، التي يسيطر عليها الثوار والجهاديون. وبعد فترة قصيرة، انتشرت صور الأطفال الموتى من أثر التسمم، حول العالم، تبعتها بيانات إدانة من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على حد سواء.

 بعد انتشار أخبار الهجوم جماهيريا، أصدر الرئيس دونالد ترمب بيانا مقتضبا، وصف فيه الهجوم بالأمر "غير المقبول"، لكنه وجه اللوم أيضا إلى إدارة أوباما، التي اعتبرت الهجمات الكيميائية خطا أحمر حذرت الأسد من تجاوزه، ثم لم تفعل شيئا. وفي الأربعاء التالي، قالت نيكي هالي، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، لمجلس الأمن التابع للمنظمة، إن "الحكومة السورية غير الشرعية، تحت قيادة رجل بلا ضمير، قد ارتكبت فظائع لا توصف، ضد الشعب السوري على مدار أكثر من ستة أعوام".
 

وبينما ما تزال هوية المادة الكيميائية المستخدمة في الهجوم مجهولة [وقت كتابة المقال] ، يشتبه المحققون في كونها "السارين، أو أسوأ." وأكدت منظمة أطباء بلا حدود أن الأعراض التي ظهرت على الضحايا تتوافق مع أعراض التعرض لعوامل تشبه السارين.

ومن جانبها، أنكرت الحكومة السورية مسؤوليتها عن الهجوم، وألقت باللوم على الجماعات المتمردة المسلحة في إدلب، متهمة إياها باستخدام الأطفال دروعا بشرية. إلا أن عدة خبراء قد أشاروا إلى أن عملية تصنيع السارين أكثر تعقيدا من أن يقوم بها المتمردون. ولو أنهم استطاعوا سرقة غاز الأعصاب، فلن يكون بكمية كبيرة.

تعي الحكومة السورية جيدا إلى أي درجة قد يكون السارين مميتا، إذا استخدم في هجمات كيميائية. ولو ثبت أنه كان العامل المستخدم حقا، فإنه يُصبح من الجلي أن هذا النظام لا يضع في حسبانه التعرض إلى المساءلة، سواء كانت هناك خطوط حمراء أم لا.
 

إن السارين غاز سام للغاية، لا لون له، ولا رائحة، يؤثر على الجهاز العصبي. وهو ينتمي إلى نفس الفئة التي تضم المبيدات الحشرية، أو ما يعرف بالفوسفات العضوي، وتكفي كمية صغيرة منه لإحداث الوفاة خلال دقائق. ولأن السارين يستهدف الجهاز العصبي، فهو يؤدي بالأساس إلى الإخلال بجميع وظائف الجسم. حيث يتقلص بؤبؤ العين حتى يصير نقطة صغيرة، ويملأ اللعاب وسوائل الجسم الفم والرئتين، وتبدأ سرعة ضربات القلب في الانخفاض.

ينخفض ضغط الدم، المسؤول عن بقاء الشخص واعيا ومتيقظا، فتفقد الضحية وعيها. وربما تغرق في إفرازاتها. تتقلص الأمعاء والمثانة بدرجة مؤلمة، وتفرغ ما في داخلها. وقد يعاني بعض الضحايا من نوبات تشنج. يأتي الموت سريعا وبغير رحمة. (الأتروبين، وهو الترياق المستخدم في حالات التسمم بالسارين، عقار رخيص وفعال، متاح في كل عربة إنعاش، بجميع مستشفيات أمريكا الشمالية. لكن جهود الإنقاذ قد لا تجدي في حالة الهجمات الواسعة النطاق في مناطق الحروب النشطة).
 

undefined

أنتج السارين لأول مرة، إلى جانب عوامل الأعصاب الأخرى مثل التابون والسومان، في مصنع (I.G. Farben) الألماني الشهير، في أكتوبر/تشرين الأول 1938، وبمحض الصدفة، على يد الكيميائي جيرهارد شرادر وفريقه. حيث تعثرت المجموعة في صنع هذا الغاز خلال محاولة لتطوير مبيد يستهدف الجهاز العصبي للحشرات. وعندما تعرض شرادر نفسه إلى السائل، ظل طريح الفراش طيلة شهر تقريبا، هو وفريقه. (تتكون لفظة سارين من الحروف الأولى لأسماء العلماء الأربعة الذين طوروه). بعدها، طلبت الحكومة النازية من شرادر نسيان أمر الحشرات، والتركيز على تحويل السارين إلى سلاح في أسرع وقت ممكن. ورغم التقدم النازي في مجال الأسلحة الكيميائية، قرر هتلر عدم استخدامها ضد قوات الحلفاء، لأسباب غير واضحة.
 

في عام 1993، قامت اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وهي معاهدة للحد من الأسلحة، تصدق عليها اليوم 192 دولة، بحظر السارين، وصنفته ضمن مواد الجدول 1. وهي مواد كيميائية "ذات سمية مميتة أو معجزة"، و"ينعدم أو يندر استخدامها في غير الأغراض التي تحظرها هذه الاتفاقية". بعبارة أخرى، هي مواد كيميائية لا تستخدم إلا في صورة أسلحة.
 

ومن المذهل أن ثبوت استخدام السارين في هذا الهجوم الأخير، سيجعلها رابع واقعة موثقة لاستخدام هذا السلاح في التاريخ، وقعت حالتان منها على يد الرئيس السوري بشار الأسد خلال الحرب الأهلية السورية، كما هو واضح. كانت أولى الأربعة في 16 مارس/آذار 1988، قرب نهاية الحرب الإيرانية العراقية. فقد حامت طائرة عراقية فوق مدينة حلبجة الكردية، على بعد عشرات الأميال من الحدود الإيرانية، وأطلقت غازا ساما، قتل أكثر من خمسة آلاف شخص. فيما بعد، اتضح أن الحكومة الأمريكية كانت على علم بهذا الهجوم، لكنها التزمت الصمت. لا شك بأن الارتباك سيطر على الضحايا وهم يشاهدون الطيور تتساقط من على الأشجَار، والحيوانات والجيران يتهاوون أرضا، وهم يتلوون من فرط الألم.
 

undefined


وقعت ثاني حالة موثقة لاستخدام السارين في 20 مارس/آذار 1995، حين أطلقت الجماعة الدينية اليابانية الوليدة
أوم شنريكيو الغاز في ثلاث خطوط لمترو الأنفاق في طوكيو، مما تسبب بمقتل 12 شخصا، وإصابة الآلاف بالأعراض.

قال أحد الناجين وهو

يصف شعوره: "حقيقة، كان الأمر يشبه تعّرضي لطلقات نارية أو ما شابه، فجأة توقف تنفسي تماما. شعرت كما لو أن أحشائي ستخرج من فمي إن استنشقت مزيدا من الهواء." وقد كشفت التحريات أن مجموعة من عشرة رجال هي التي نفذت الهجوم الإرهابي، بتخطيط من قائدهم شوكو أساهارا.
 

أما حالتي استخدام سلاح السارين الأقرب عهدا، فوقعتا خلال الحرب السورية. ففي 21 أغسطس/آب 2013، وفقا للأمم المتحدة، أطلق نظام الأسد صواريخا محملة بالسارين، على مناطق بغوطة دمشق الشرقية. وبينما تتفاوت التقديرات الخاصة بعدد الضحايا، قدرها تقرير للحكومة الأمريكية بـ 1,429 قتيلا، تضم 426 طفلا. كذلك وجه التقرير اللوم بالكامل إلى نظام الأسد، رافضا زعمه تدبير المتمردين أنفسهم هذا الهجوم لكسب التعاطف الدولي.

إذا ما أثبتت التحقيقات، كما يتوقع الكثيرون، قيام النظام السوري بهذا الهجوم الأخير، يصبح أمام المجتمع الدولي قرارا آخر ليتخذه. حيث يمكنه هز إصبعه لوما مرة أخرى، أو عقد مزيد من الاجتماعات في الأمم المتحدة، أو يمكنه اتخاذ موقف أكثر حزما، في سبيل إزاحة بشار الأسد عن السلطة.

لقد تسبب الأسد في مقتل ونزوح سوريين أكثر مما فعلت الدولة الإسلامية وكل الجماعات الجهادية مجتمعة. لقد ألقى القنابل على المستشفيات، واستهدف عمال الإغاثة، واستخدم الأسلحة الكيميائية. وعليه فإنه يتوجب على المجتمع الدولي تجريده من أي شرعية.

______________________
المقال مترجم عن: الرابط التالي
المصدر : الجزيرة