شعار قسم ميدان

فورين أفيرز: انهيار "تنظيم الدولة" سيشعل حربا جديدة بسوريا

midan - syria

لعبة السيطرة على سوريا الشرقية بعد رحيل تنظيم الدولة الإسلامية بدأت بالفعل، في 18 (مايو/أيار) الماضي دمرت الولايات المتحدة الأميركية قافلة عسكرية متحالفة مع بشار الأسد بعد تجاهلها للتحذيرات المتكررة من التقدم إلى "التنف"، وهي قاعدة أميركية بريطانية للعمليات الخاصة بالقرب من الحدود السورية الأردنية. تخضع هذه القاعدة لاتفاقية فضّ الاشتباك الروسية الأميركية التي تنص على إنشاء خط ساخن لتجنب الصدام العسكري المباشر بين القوات المدعومة أميركيا والقوات المدعومة من روسيا في سوريا.

 

جاءت هذه الضربة بعد أيام قليلة من إعلان قاعدة "حميميم" الروسية أن قواتها الجوية إلى جانب المستشارين العسكريين الإيرانيين يدعمون جهود قوات الأسد في التوجه شرقا وتطهير الطريق من دمشق إلى بغداد ومنع قيام منطقة عازلة أميركية في شرق سوريا. جاءت هذه التطورات بعد الإعلان الأميركي في 9 (مايو/أيار) الماضي بأنها تنوي تزويد المقاتلين الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية بأسلحة ثقيلة تساعدهم على تخليص مدينة الرقّة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية؛ وهو ما أغضب تركيا حليفة الولايات المتحدة.

 

هجمات 18 (مايو/أيار) -الماضي- الجوية الأميركية على القوات الموالية للأسد جاءت بعد رفض القافلة المكونة من قوات حكومية وميليشيات شيعية تنفيذ التعليمات والرجوع من حيث جاءت (رويترز)
هجمات 18 (مايو/أيار) -الماضي- الجوية الأميركية على القوات الموالية للأسد جاءت بعد رفض القافلة المكونة من قوات حكومية وميليشيات شيعية تنفيذ التعليمات والرجوع من حيث جاءت (رويترز)

 

هذه التحركات تأتي باسم الحرب على تنظيم الدولة، لكن الفاعلين المختلفين في سوريا يفكرون أكثر فأكثر فيما سيكون لاحقا، واضعين نقاط ضعف الآخر نصب أعينهم. ربما تواجه اتفاقية منع الاشتباك الأميركية الروسية اختبارا حقيقيا على أرض الواقع بسبب تزايد نسبة الحوادث في أفضل الأحوال. هناك احتمالات متزايدة الآن بأن تجد الولايات المتحدة والقوات الموالية لها أنفسهم في مواجهة مباشرة ليس مع قوات الأسد فحسب، بل مع حلفائها من الروس والإيرانيين، وهي الاحتمالات التي قللت من حدتها سابقا حاجة الطرفين لمواجهة التنظيم. لضمان تقليل مخاطر الاشتباك العسكري المباشر بين الطرفين على الولايات المتحدة وروسيا الاتفاق على شروط ومحددات مناطق وقف التصعيد في جنوب سوريا، والتركيز على تنظيم الدولة واحتواء الطموح الإيراني بإنشاء جسر بري من سوريا إلى البحر الأبيض المتوسط، لكن كما تشير الأحداث الأخيرة فليس من المرجح أن يحصل هذا في أي وقت قريب ما لم ينكشف ضعف الأسد لحلفائه الروس والإيرانيين.

   

اللعبة الكبرى
وفقًا للتقارير الإعلامية فإن هجمات 18 مايو/أيار الجوية الأميركية على القوات الموالية للأسد جاءت بعد رفض القافلة المكونة من قوات حكومية وميليشيات شيعية تنفيذ التعليمات والرجوع من حيث جاءت، وتجاهلت الطلقات التحذيرية التي أطلقتها الطائرات الأميركية. رغم أن هذه التحركات العدائية من قوات النظام السوري تبدو وكأنها دون سياق فإن رسائل عدائية كانت تصدر عن قاعدة حميميم الجوية طوال الأسبوع، هذه الرسائل تستحق الملاحظة لأنها تكشف عن نية عدائية واضحة وتعد بدرجة كبيرة من التعاون الروسي مع إيران. على سبيل المثال نصت إحدى البرقيات الصادرة عن القاعدة على التالي:

 

ستشهد الفترة القادمة تعاونا عسكريا على أعلى المستويات بين سوريا والقوات الحكومية العراقية والوحدات الداعمة لها… وهو التعاون الذي يتم بفضل الخبراء العسكريين الإيرانيين ودعم القوات الجوية الروسية لتمكين قوات النظام السوري… إلى جانب سعيها لتأمين الطريق السريع بين بغداد ودمشق فإن هذه الحملة العسكرية ستكون سباقا مع المعارضة المسلحة التي تخطط لإنشاء منطقة عازلة مع مرتفعات الجولان والحدود الأردنية العراقية بدعم أميركي مباشر.

   

إن الخطة الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا التي وُضعت في فترة حُكم الرئيس السابق باراك أوباما؛ بُنيت بالأساس على دعم قوات حماية الشعب الكردية
إن الخطة الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا التي وُضعت في فترة حُكم الرئيس السابق باراك أوباما؛ بُنيت بالأساس على دعم قوات حماية الشعب الكردية
  

قرار روسيا وإيران بتشجيع الحكومة السورية بالتوجه شرقا جاء على إثر تحركين رئيسين للولايات المتحدة الأميركية، الأول كان الهجمات الصاروخية ضد قوات الأسد في أبريل/نيسان الماضي ردا على استخدامه المزعوم لغاز الأعصاب السوري، وهو خرق للقانون الدولي (ميثاق الأسلحة الكيميائية الذي انضمت له سوريا في 2013 وفقًا لقرار مجلس الأمن 2118)، وكذلك الاتفاق الروسي الأميركي في 2013 بإعدام مخزون الأسلحة الكيميائية السورية، التحرك الثاني كان قرار واشنطن بزيادة دعمها لقوات سوريا الديمقراطية الكردية تعزيزا لجهودها لتحرير الرقة.

   

هذه التحركات أشارت إلى تدخل أميركي أعمق في الحرب السورية، الخطة الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا، والتي وُضعت في فترة حُكم الرئيس السابق باراك أوباما؛ بُنيت بالأساس على دعم قوات حماية الشعب الكردية الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري من حزب العُمَّال الكردستاني "بي كي كي" (PKK). وحزب العمال الكردستاني يُعتبر منظمة إرهابية وفقا لوزارة الخارجية الأميركية، وعدوا رئيسًا لحليفة الولايات المتحدة في حلف الناتو؛ تركيا.

 

لزيادة الطين بلّة قامت الولايات المتحدة بخلق مظلة تسمى قوات سوريا الديمقراطية لتشجيع الفصائل غير الكردية على الانضمام إلى الكرد في حربهم على تنظيم الدولة شرق نهر الفرات في سوريا مقابل الحصول على دعم أميركي، كان الأمل معقودا على حصول هذه المظلة على مزيد من دعم العرب السنة المنافسين للأكراد كلما نجحت هذه القوات في تحرير المزيد من الأراضي، وذلك أن هؤلاء العرب السنة يشكلون غالبية السكان في شرق سوريا وفي وادي الفرات بالتحديد. يشكل الوادي مركزا للأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة وسلفه تنظيم القاعدة، والسيطرة عليه ليست محورية فقط في هزيمة التنظيم، بل في ضمان عدم عودته بقوة في المستقبل.

 

من الناحية العسكرية فإن الخطة كانت ناجحة، قامت قوات سوريا الديمقراطية بتقليل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة بشكل كبير، وحاصرت الرقة ونالت استحسان المستشارين العسكريين الأميركيين. من الناحية السياسية تبدو الأمور مختلفة، حيث تبقى القوات الكردية هي المسيطرة على قوات سوريا الديمقراطية، ورغم انضمام بعض المقاتلين العرب فإن معظمهم إما كانوا من المسيحيين العرب أو الأقليات الأخرى أو قبائل بدوية سنية منافسة للقبائل المقيمة في وادي الفرات. ما لم تستطع الولايات المتحدة إقناع الكرد بالتخلي عن جزء من حصتهم في قوات سوريا الديمقراطية لصالح القبائل المستقرة في الوادي فإن قدرة الأكراد على الحفاظ على الرقة وباقي وادي الفرات يبدو أمرا مستبعدا.

  

القوات الكردية هي المسيطرة على قوات سوريا الديمقراطية من الناحية السياسية (رويترز)
القوات الكردية هي المسيطرة على قوات سوريا الديمقراطية من الناحية السياسية (رويترز)

 

تدرك روسيا وإيران أنه نظرا لقدرة قوات سوريا الديمقراطية المحدودة في الاحتفاظ بالأرض فإن انهيار تنظيم الدولة يمثل فرصة لنظام الأسد لاستعادة الأراضي المفقودة، لهذا السبب دعمت موسكو وطهران خلال الأشهر الماضية جهود الفيلق الخامس الحكومي، وهو خليط من المليشيات الموالية للأسد الرامية للتوجه شرقا من حلب باتجاه مدينة منبج التي تقع في وسط شمال سوريا، وبالتالي اختراق المنطقة العازلة التركية شمال حلب، ثم الضغط جنوبا وشرقا على طول الضفة الغربية للفرات ناحية الرقة. هذه الخطوة تفتح عددا من الخيارات أمام موسكو، تقدم النظام السوري إلى سكان وادي الفرات كبديل متاح بدلا من قوات سوريا الديمقراطية، بينما تترك إمكانية دعم القوات الكردية في حالة زيادة التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا المعادية لهذه القوات الكردية، وتمكن هذه الخطوة روسيا من لعب دور في إفساد الخطط الأميركية في المنطقة.

  

الدخول إلى المنطقة
الخطة الروسية الإيرانية طموحة بالفعل لكنها تحتوي ثغرة حرجة، نظام الأسد يعاني من نقص في أعداد المقاتلين، مما يعني أنه غير قادر على السيطرة على جزء من الأرض دون تعريض نفسه للخطر في منطقة أخرى. على سبيل المثال فإن تقدم الفيلق الخامس شرقا في الشهور القليلة الماضية أدى إلى فقدان الحكومة المتكرر لأراض في شمال حماة، مما رفع من المخاوف بأنها قد تفقد المدينة. رغم أن قواته استخدمت غاز الكلورين عدة مرات بعد اتفاق 2013 فإنها لجأت لغاز السارين المميت فقط بعد الخسائر الأخيرة التي منيت بها، وهو ما دفع الولايات المتحدة لشن هجمات صاروخية على مطار الشعيرات والتي أدت إلى تدمير ما يقرب من خُمس القوات الجوية السورية. هذه الهجمات أرسلت رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح للنظام بشق طريقه في الصراع عبر استخدام الغاز بمساعدة روسية إيرانية.

  

تدرك طهران وموسكو أن النظام ليس لديه الموارد الكافية للقتال على عدة جبهات وهو ما دفعهم في مايو/أيار الماضي من إقتراح إنشاء مناطق وقف التصعيد وهي مناطق يتعهد النظام بعدم مهاجمتها في المقابل ستلعب القوات الروسية والإيرانية دور الضامن الذي يحرص على عدم خرق وقف إطلاق النار. مثل هذا الاتفاق سيسمح لروسيا وإيران بتقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع دون التنازل عن السيطرة على هذه المواقع لصالح الدول المجاورة خصوصًا الأردن وتركيا اللتين تدعمان المعارضة في هذه المناطق.
 
من منظور الولايات المتحدة فإن المنطقة الأكثر مناسبة والأكثر أهمية لإنشاء منطقة وقف تصعيد هي الجنوب الغربي لسوريا التي تضم درعا والمناطق المجاورة لمرتفعات الجولان. في تلك المنطقة فإن المعارضة المسلحة معتدلة وألين عريكة منها في المناطق الأخرى والوجود الإيراني ضئيل إلى درجة تقلل من احتمالية إفساده للخطة. كنتيجة فإن جنوب غرب سوريا هي المنطقة التي تحمل فيها فكرة مناطق وقف التصعيد المضمونة من قبل القوات الأميركية والروسية فرصًا أكبر وأكثر واقعية للنجاح.

  

تأمين جنوب سوريا سيحقق الحماية لحلفاء أميركا في الأردن وإسرائيل من الجهاديين وقوات الأسد، وانطلاق عمليات مضادة لتنظيم الدولة (رويترز)
تأمين جنوب سوريا سيحقق الحماية لحلفاء أميركا في الأردن وإسرائيل من الجهاديين وقوات الأسد، وانطلاق عمليات مضادة لتنظيم الدولة (رويترز)

 

تأمين الجنوب لن يحمي فقط حلفاء أميركا في الأردن وإسرائيل من الجهاديين وقوات الأسد ولكنه يؤمّن موطئ قدم لانطلاق عمليات مضادة لتنظيم الدولة باتجاه الشرق إلى وادي الفرات. السنة العرب في الجنوب السوري وبدعم من الأردن قد يشكلون بديلا ملائما أو مكملا لقوات سوريا الديمقراطية.

 

الإعلان الروسي عن عملية مشتركة مع إيران لمساعدة الأسد في التوجه شرقا نحو الفرات أشار إلى نوايا روسية طالما شكت أميركا بوجودها، وهي مساعدة طهران على تأمين جسر بري، وهو منطقة برية متصلة يسيطر عليها حلفاء إيران، تمتد من الأراضي الإيرانية مرورا بالعراق وسوريا إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، وهو ما لن يقنع الدول الأخرى في المنطقة (مثل دول الخليج والأردن) بإيقاف دعمها للمعارضة المسلحة، وقد يؤدي في الحقيقة إلى زيادة حدة الصراع، وقد تستفز أيضا رد فعل أميركي من الرئيس دونالد ترامب التي تسعى إدارته لمواجهة الطموحات التوسعية الإيرانية في مناطق بعيدة عن دائرة نفوذها التقليدية ومن بينها مجاهيل شرق سوريا.

 

الموقع، الموقع، الموقع
نتائج الدعم الإيراني الروسي للتوجه شرقا ما زالت غير واضحة، في الأيام القليلة الماضية تمكنت قوات النظام السوري وحلفائها من المليشيات الشيعية -التي تشير التقارير بوضعها للأعلام الروسية- من انتزاع مناطق في البادية التي تقع إلى الشرق من دمشق في الجنوب السوري من سيطرة تنظيم الدولة، لكن انتزاع مناطق بالقرب من الفرات والحفاظ عليها سيطلب قوات أكبر، وهو ما يُظهر مشكلة نقص المقاتلين لدى النظام ومدى رغبة روسيا وإيران في التصعيد لاختبار حاسم.

  

رغبة بشار الأسد في السيطرة على مدينة دير الزور التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، ستوفر وقتا لقوات المعارضة بالتوجه جنوبا ناحية البوكمال على الحدود العراقية
رغبة بشار الأسد في السيطرة على مدينة دير الزور التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، ستوفر وقتا لقوات المعارضة بالتوجه جنوبا ناحية البوكمال على الحدود العراقية
  

أفضل الطرق بالنسبة لواشنطن لإدارة الموقف هو أن تدع النظام يتوسع بقدر استطاعته باتجاه الفرات قبل أن يبدأ في مرحلة المماطلة التي من المرجح أن تحدث، سيتطلب هذا التزاما أميركيا باتفاقية فض الاشتباك مع روسيا لتأمين قاعدة التنف في حين تقوم بتقوية مجموعات المعارضة المسلحة في المنطقة والتي يتكون معظمها من العرب السنة، وبالتالي ستحظى بقبول سياسي أكبر لدى السكان المحليين.

 

المؤشرات الأولية القادمة من مصادر سورية وروسية تشير إلى نية الأسد السيطرة على مدينة دير الزور التي يسيطر عليها تنظيم الدولة والتي تقع في منتصف وادي الفرات، وهو ما سيوفر وقتا لقوات المعارضة بالتوجه جنوبا ناحية البوكمال على الحدود العراقية. مثل هذه المبادرة ستقدم خيارات متعددة للولايات المتحدة في الجنوب السوري لمساعدة حلفائها في الأردن وإسرائيل، وإفساد الخطط الإيرانية للسيطرة على طريق بغداد دمشق، كما ستوفر دعما سياسيا من العرب السنة تحتاجه الولايات المتحدة لصالح أو بديلا عن قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا.

 

  ___________________________ 

التقرير مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة