شعار قسم ميدان

"جنة القواعد".. تعرف على حجم القوات الأجنبية بالإمارات

ميدان - الشيخ محمد بن زايد يصافح أعضاء القوات الفرنسية
لم تكن الأمور أفضل مما هي عليه بالنسبة لـ "أياناميديكس"، لقد وجد نفسه على أرجح الاحتمالات بعيدًا عن كل مناطق الصراع المشتعلة والمحتملة، فلن يذهب إلى العراق، ولا إلى أفغانستان، ولن يتم الزج به كآلاف آخرين على متن إحدى حاملات الطائرات في دورة بحرية ستبدو بلا نهاية، ومكان مغلق مهما بلغ اتساعه، ولن يذهب لمناورات عنيفة مشتركة مع دولة أخرى، كل شيء أصبح في لحظة سحرية ما كنزهة لطيفة.
 
يكتب الشاب الأميركي، ذو الاسم المستعار، تساؤلاته للرفاق عن قاعدة سيقضي فيها فترة خدمته القادمة، على تجمع منتدى قوات الولايات المتحدة الجوية الفرعي، المحتوي على أكثر من 34 ألف منتمٍ للقوات الجوية الأميركية، في مساحة "ريديت" النقاشية الأميركية الشهيرة. تساؤلات بدت كأنها لسائح أميركي يسأل عن أفضل أساليب المرح في إحدى دول الشرق الأوسط: هل يمكنني الذهاب لصالة الألعاب الرياضية يوميًا؟ ثلاثة أكواب يومية من الجعة أليس كذلك؟ سمعت أيضًا بوجود حواسيب في كل مكان في القاعدة، وأنا مدمن على الأفلام والألعاب، أيمكنني إحضار وحدة تخزيني الحاسوبية الخاصة؟

كان رفيقه المقاتل ذو الاسم المستعار "ماشين81" أكثر حنكة، لقد قضى "أفضل ستة أشهر" في خدمته في المكان المقصود كما قال، لذا كان حاسمًا في جوابه، ناصحًا إياه بالتسجيل في مهمات خارج القاعدة، والتمتع بذكريات عظيمة، فالمكان "ساحر"، قبل أن ينحى النقاش إلى الاستمتاع بالطعام المحلي، والتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة، وما إذا كانت الجعة مرتين يوميًا أم ثلاث تزيد لأربع في أيام العطلات.

يبدو الأمر من بعيد مثيرًا للدهشة، واستنكار مهام قتالية خارج الحدود بهذه الطريقة، إلا أن اسم المكان كان كفيلًا بشرح كل شيء: "قاعدة الظفرة الجوية"، المصممة على شكل مستطيل محدب هائل الحجم نصفه على شكل سهم مزدوج، جنوب أبوظبي، بالإمارات العربية المتحدة، أو كما أسماها صحافي الواشنطن بوست "راجيف تشاندراسيكاران" في مقاله الشهير عام 2014 "أسبارطة الصغيرة".

 
 روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي الأسبق فور وصوله لقاعدة الظفرة الأميركية في الإمارات (رويترز)
 روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي الأسبق فور وصوله لقاعدة الظفرة الأميركية في الإمارات (رويترز)

 

جنة القواعد العسكرية

تزداد أهمية قاعدة الظفرة الجوية بالتزامن مع زيادة عمليات القوات الجوية الأمريكية ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، المعروف إعلاميًا بـ "داعش" في العراق وسوريا. لم تكن الأمور في البداية على هذا النحو، إذ كان دور القاعدة المشغلة من قبل الطيران الإماراتي مقتصرًا على إعادة تزويد المقاتلات الأمريكية بالوقود، أما اليوم فقد أصبحت نقطة انطلاق المقاتلات الأميركية إلى العراق وسوريا وحتى أفغانستان، كواحدة من أكثر قواعد طائرات التجسس الأميركية نشاطًا حول العالم[1].

أبرمت أولى اتفاقيات الدفاع بين الولايات المتحدة الأميركية والإمارات عام 1994، ولم يمضٍ الكثير من الوقت قبل أن يزداد نشاط التجسس والمراقبة المنطلق من الظفرة عام 1997، مع حضور 300 من الجنود الأميركيين[2]. حدث هذا بالتزامن مع تزايد الوجود الأميركي في الخليج بعد حرب الخليج الثانية في الكويت، ومع صعود "الحركات الجهادية" وصعود تهديداتها، كما في هجمات مجمع الخبر في المملكة العربية السعودية المجاورة عام 1996، والتي استهدفت بالأساس القوات الأجنبية المتواجدة فيها.

تحتضن قاعدة الظفرة اليوم الفرقة الجوية الأميركية 380، وسرب الاستطلاع 99 المسؤول عن توفير المعلومات الاستخبارية الحرجة لأعلى مستويات القيادة الأميركية، وما يقدر بـ 3500 -3800 جندي أميركي[3]، مع أكثر من 60 طائرة، بينها طائرات استطلاع من طراز لوكهيد يو-2، وطائرات أواكس، وطائرات إعادة تزود بالوقود مختلفة الطرز، وسرب من مقاتلات الـ إف-15إس، وطائرات من طراز إف-22، وهي القاعدة العسكرية الوحيدة خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية التي تضم هذا النوع المتطور من الطائرات الحربية[4].

يخصص ثلث الطائرات في القاعدة لعمليات التجسس والمراقبة في العراق وسوريا وأفغانستان، ومع دخول سلاح الجو الروسي إلى الحرب في سوريا، بدءً من (سبتمبر/أيلول) 2015، كانت إحدى مهمات سرب الاستطلاع 99 المتواجد في الظفرة منع الاشتباك ووقوع الحوادث بين الطائرات الأميركية والروسية[5]، والتنسيق بينها.

 

undefined

تشكل قاعدة الظفرة مكان واشنطن الرئيسي في الإمارات، إلا أن الجيش الأميركي تتواجد قواته كذلك في ميناء "جبل علي" الذي تستخدمه البحرية الأميركية. في (مايو/أيار) لعامنا الحالي 2017 أعيد النظر في اتفاقية الدفاع الموقعة عام 1994، واستبدلت باتفاقية جديدة عبر عنها المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "كرستوفر شيرود" بأنها "تعطي الجيش الأميركي قدرةً على الاستجابة بسلاسة أكبر لعدد من السيناريوهات داخل وحول دولة الإمارات عند الضرورة"[6]. مما يدل بوضوح على أن الاتفاقية التي لم تُنشر بنودها أتاحت مزيدًا من التواجد ومرونة الحركة للقوات الأميركية في الإمارات ومنها.

في عام 2009 حضر الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي مراسم افتتاح منشآت عسكرية فرنسية في الإمارات حملت اسم "معسكر السلام"، كانت هي الأولى التي تنشأ خارج فرنسا منذ إنهاء موجتها الاستعمارية منتصف القرن الماضي، وكانت جزءً من توجه ساركوزي نحو إعادة تشكيل السياسة الخارجية بعيدًا عن أفريقيا كما اعتادت السياسة الفرنسية التقليدية[7]. ضم التواجد الفرنسي في الإمارات مرفقًا جويًا في قاعدة الظفرة أيضًا، وقاعدة بحرية مستقلة ومعسكر تدريبي، ومرافق لجمع المعلومات الاستخبارية، وفيها 500 جندي فرنسي[8]. وقد ترافق افتتاح المنشآت مع صفقات إماراتية  فرنسية ضخمة لشراء طائرات الرافال المنتجة من قبل "داسو" الفرنسية، واتفاقيات للطاقة النووية[9].

تتواجد على أرض الإمارات كذلك قاعدة أسترالية في قاعدة "المنهاد" الجوية صارت تعرف بـ "مخيم بايرد". مخيم تمركزت فيه القوات الأسترالية، بعد انسحابها من العراق عام 2008، بقوات دائمة بلغت 500 جندي[10]. وأعلنت الحكومة الأسترالية عام 2014 عن نشرها وحدة من قوات الدفاع، مكونة من 600 مقاتل، كجزء من التحالف الدولي للحرب على "تنظيم الدولة"، بينهم 200 من القوات الخاصة و400 من القوات الجوية[11]. وتتواجد في "المنهاد" طائرات أسترالية من طراز سي-130 وسي-17، وطائرات سوبر هورنتيس وطائرات للتزود بالوقود وطائرات إنذار مبكر وطائراتٌ تستخدم في عمليات الإنقاذ.

 

undefined

 
لا تخفي الإمارات التواجد العسكري الأجنبي على أراضيها بطبيعة الحال، وهي "تفتخر" بذلك كما اعتاد أن يفعل سفيرها في الولايات المتحدة "يوسف العتيبة"[12]، وتستمد من هذا الوجود الحماية ومزيدًا من الشرعية والنفوذ بإثبات دورها في التأثير على ما يحدث في المنطقة. وفي الوقت نفسه تسعى الإمارات بشكل متزايدٍٍ مع طموحات حكامها إلى توسيع دورها اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا وأخيرًا عسكرياً كمشاركتها في حرب اليمن وفي عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ومع وجود المال وقلة الخبرة العسكرية المحلية، لا تجد الإمارات مانعاً من التحول لجنة القواعد العسكرية الأجنبية في الشرق الأوسط. 

المصدر : الجزيرة