شعار قسم ميدان

صراع التحالفات.. ما موقف روسيا من زيارة ترمب للسعودية؟

ميدان - ترمب في السعودبة القمة
في يوم 20 من شهر (مايو/أيار)، حلَّ الرئيسُ الأميركي دونالد ترمب ضيفًا على العاصمة الرياض لتكون أولَ محطةٍ له في جولته التي تستمر تسعةَ أيامٍ في الشرق الأوسط وأوروبا. ولقد أعرب كثيرون عن آمالهم في أن تكون زيارةُ ترمب التي طال انتظارُها موَضِّحةً لنَهج إدارته في منطقة الشرق الأوسط. وكما كان متوقعًا، فإن أهم التطورات شملت صفقةَ أسلحةٍ تُقدّر بـ 110 مليار دولار أميركي، وخطابًا مناهضًا لإيران، وخططًا لإقامة "حلف شمال الأطلسي العربي (حِلف الناتو العربي)".

 

أبدتْ روسيا اهتمامًا خاصًّا بنشاطات الولايات المتحدة في المنطقة، باعتبارها لاعبًا رئيسيًّا في منطقة الشرق الأوسط. وتدرك موسكو أن سياسات إدارة ترمب لا تزال تتطور وتنتشر، ولذا فهي تشاهد جولته في الشرق الأوسط بعناية تامة.

 

تصميم نظام أمني إقليمي جديد

أكثرُ ما يُقلق مَضاجعَ روسيا هو تحديد ماهية السياسات الأميركية والسعودية تجاه سوريا وإيران. في الوقت الحالي، يبدو أن الولايات المتحدة ترغب في أن تبددَ مخاوفَ المملكة العربية السعودية من طموحات إيران الإقليمية. أما صفقة الأسلحة التاريخية التي عُقِدتْ، فإنها تبعث رسالةَ دعمٍ واضحةً، إذْ بإمكانها أن تعزز القدرة العسكرية السعودية ودورَها في المنطقة، في حين يتقلص معه التدخُّلُ المباشر للولايات المتحدة. ويبدو أن واشنطن تأمل في أن يتمكن تحالفٌ أمنيٌّ تقودُه السعوديةُ من مجابهة معظم القضايا الأمنية الكُبرى في الشرق الأوسط. وهذا قد يجعل التحركاتِ التي تتخذها المملكةُ العربية السعودية أكثرَ قابليةً للتنبؤ ويمكن التحكم فيها في المنطقة.

 

الملك سلمان بن عبدالعزيز وترمب أثناء توقيعهما الاتفاقيات الأمنية (رويترز)
الملك سلمان بن عبدالعزيز وترمب أثناء توقيعهما الاتفاقيات الأمنية (رويترز)

 

ونَهجٌ كهذا النهجِ له عواقبُ تثير الريبة والشكوك لدولة كروسيا. فإنها تسعى إلى أن يكون نهجُها في المنطقة: بإنشاء شبكةٍ من الشركاء في الشرق الأوسط، تساعد روسيا في ضمان مصالحها الخاصة، وفي معالجة القضايا الإقليمية بدون ظهور روسيا وتدخُّلِها تدخلًا كبيرًا ومباشرًا. والتنفيذ الناجح لهذه الإستراتيجية أمرٌ ضروري لمستقبل السياسة الروسية في الشرق الأوسط، لأن روسيا لا تحتمل زيادةَ تدخّلِها في المنطقة إلى أجل غير مسمى؛ فهذا له أعباء اقتصادية وسياسية. وعلى الرغم من أن روسيا لا يمكنها على الأرجح أن تؤسسَ نظامًا أفضلَ مما أسّسَتْه الولايات المتحدة من الوكلاء الإقليميين، إلا أنها سوف تستمر في المحاولة.

 

أحد الأهداف الرئيسية لموسكو هو موازنة النفوذ السعودي في المنطقة. ولتحقيق ذلك، فإنها تَشرَع في بناء تحالفها الخاص، ودعمِ إيران على وجه الخصوص، ومحاولة تعزيز العلاقات البَنّاءة مع تركيا. ومع ذلك، فإن دعمَها لإيران يجب أن يُخفَّف: فَرُوسيا محتاجة إلى قوة إيران بالقَدر الذي يجعلها تقوم بمهمة الحفاظ على توازن القوى الإقليمية لصالحها، ولكنها محتاجةٌ أيضًا إلى نفوذ السعودية لكي تجعلَ إيران تحت السيطرة. لهذا السبب، فإنه من المرجح أن تزيد روسيا من دعمها العسكري لإيران، لا سيّما بعد صفقة الأسلحة بين الولايات المتحدة والسعودية.

 

تأثير الخطاب المناهض لإيران على روسيا

كان ترمب قد وصف إيران بأنها الجاني الرئيس في صعود الإرهاب، وانتشار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وذلك في خطابه الذي ألقاه في القمة العربية الإسلامية الأميركية التي استضافتها الرياض في يوم 21 (مايو/أيار). فقد ذكر ترمب إيران 11 مرة في سياق التهديدات الأمنية، في حين ذكر تنظيمَ الدولة خمس مرات فقط، والقاعدة ثلاث مرات. وعلاوة على ذلك، ساوَى ترمب بين جماعاتٍ مثل حزب الله وحماس -اللذَين يتلقيان دعما ماديًّا من إيران- وبين تنظيم الدولة والقاعدة. وفي هذا من الوضوح ما لا يخفَى بأن إدارة ترمب ترى أن إيران هي التحدي الرئيس في المنطقة، وهو رأي يمكن أن يسهم في استمرار المواجهة الطائفية في منطقة الشرق الأوسط.

 

مع تزايد الخطاب المناهض لإيران، ستجد طهران نفسَها مضطرةً إلى حماية مصالحها من خلال تعاون أوثق تعقدُه مع موسكو. بالإضافة إلى ذلك، قد ترى روسيا هذا فرصة لاستحواذ نفوذ أكبر على إيران
مع تزايد الخطاب المناهض لإيران، ستجد طهران نفسَها مضطرةً إلى حماية مصالحها من خلال تعاون أوثق تعقدُه مع موسكو. بالإضافة إلى ذلك، قد ترى روسيا هذا فرصة لاستحواذ نفوذ أكبر على إيران
 

ويجب على إدارة ترمب إعادة النظر في موقفها المتطرف ذاك. فإن الإساءة إلى إيران والاتكاء إلى حد كبير على المعسكر السُّنّي قد يزيد من إبعاد إيران عن الغرب، ويحفز على تعزيز العلاقات الروسية الإيرانية. ويَبرُز هذا بروزًا خاصًّا بالنظر إلى أن إيران أعادت انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني، الذي يؤكد مجددا على استمرار انفتاحه على إجراء مزيد من المفاوضات مع الولايات المتحدة.

 

ومع تزايد الخطاب المناهض لإيران، ستجد طهران نفسَها مضطرةً إلى حماية مصالحها من خلال تعاون أوثق تعقدُه مع موسكو. بالإضافة إلى ذلك، قد ترى روسيا هذا فرصة لاستحواذ نفوذ أكبر على إيران، وجَعْل الجمهورية الإسلامية أقرب إلى موقف روسيا في سوريا.

 

ويمكن لروسيا أيضًا أن تلعب دورًا هامًّا، وتكونَ حلقةَ وصلٍ رئيسيةً بين الولايات المتحدة ومجلسِ التعاون الخليجي وإسرائيلَ من جهةٍ، وإيرانَ من جهة أخرى. وسيكون من الصعب حل الصراعات الإقليمية دون مساعدة إيران. وبالتالي، فإنه يجب على ترمب الحفاظ على حوار مفتوح بين الولايات المتحدة وحلفائها وروسيا وإيران.

 

تأثير صفقة الأسلحة على روسيا وإيران

من خلال توقيع صفقة أسلحة ضخمة مع المملكة العربية السعودية، فإن الولايات المتحدة تقضي تمامًا على فرص روسيا لدخول سوق الأسلحة السعودية على وجه الخصوص، وسوق الأسلحة بشكل عام في دول مجلس التعاون الخليجي. في السابق، كانت هناك تقارير تفيد بأن السعوديين كانوا يرغبون في شراء مجموعة واسعة من الأسلحة الروسية الأكثر تقدمًا. ولكن بعد عقد صفقة الأسلحة الأميركية السعودية، يبدو أن التوصل إلى اتفاق سعودي روسي في المستقبل أمر غير محتمل. ونتيجة لذلك، قد تُضاعِف روسيا من جهودها لتوفير الأسلحة لشركائها الحاليين في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران ومصر والجزائر وليبيا.

 

ذكر ترمب في خطابه كلا من روسيا والصين والولايات المتحدة وغيرها باعتبارها عانت من الإرهاب، وهو ما يدل على أنه يعتبر روسيا جزءا من المجتمع الدولي الذي عانى من الإرهاب بالتالي يمكن التعاون معها في هذا السياق
ذكر ترمب في خطابه كلا من روسيا والصين والولايات المتحدة وغيرها باعتبارها عانت من الإرهاب، وهو ما يدل على أنه يعتبر روسيا جزءا من المجتمع الدولي الذي عانى من الإرهاب بالتالي يمكن التعاون معها في هذا السياق

 

ومن المؤكد أن زيادة مبيعات الأسلحة الروسية لإيران سوف تزعج إسرائيل ودول الخليج، على الرغم من تأكيدات ترمب الأخيرة في الرياض. ومع ذلك، فإن عقد المزيد من صفقات الأسلحة مع إيران قد يثير مشكلة بالنسبة لروسيا. ووفقًا لما جاء في اتفاقية "خطة العمل الشاملة المشتركة"، فإن بيع أي أسلحة إلى إيران يتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي أولًا. وفي هذا السيناريو، يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم حق النقض (فيتو) ما لم تجد موسكو وواشنطن حلًّا توافُقيًّا بينهما. ونتيجة لذلك، من المحتمل أن تسعى روسيا إلى التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يضمن قدرتها على التجارة مع إيران، في حين توافق أيضا على الحفاظ على التوازن في المنطقة.

 

وتَبرُز لحظةٌ أخرى مهمة من خطاب ترمب، فقد أتى على ذِكرِ كلٍّ من روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا وأستراليا؛ باعتبارها دولًا ومناطقَ أصبحت ضحية للإرهاب. وهذا يؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة تَعتبر روسيا جزءًا من المجتمع الدولي الذي عانى من الإرهاب ودولةً يمكن التعاون معها.

 

إنّ سياسة ترمب في الشرق الأوسط، والسياسة الخارجية الأوسع عمومًا، لا تزال طَيِّعَةً ومرنةً جدًّا. وحتى الآن، أعطى ترمب لروسيا بضع رسائل رئيسية: أن الولايات المتحدة قد عادت إلى سياسة دعمها الثابت للتحالف السُّنّي الذي تقوده السعودية؛ وأنّ مهمتها الرئيسية تتمثل في مكافحة الإرهاب؛ وأن الولايات المتحدة وهذا التحالف يعتزمان معًا التصديَ للتوسع والعدوان الإيراني. وفي حين أن هذه الرسائل لا تقدم أي سيناريوهات مفيدة البتةَ لروسيا، فإنها قد أوضحتْ لموسكو حقيقةَ ما تتعامل معه الآن.

 

===================================

 

التقرير مترجَم عن: هذا الرابط 

المصدر : الجزيرة