شعار قسم ميدان

التصدي لترمب.. طريق ميركل للفوز بالانتخابات

ميدان - ميركل ترمب أميركا ألمانيا
بعد اجتماع مجموعة العشرين الذي رافقه الكثير من الدراما والقليل من المضمون، على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الآن أن تواجه الاختبار النهائي. يجب عليها الخروج من المسرح الدولي والبدء في التحدث إلى الناخبين الألمان في محاولة لإعادة انتخابها لولاية رابعة. وعلى الرغم من أن اجتماع مجموعة العشرين لم يكن أفضل عرض للمستشارة بفضل الاحتجاجات في شوارع هامبورغ، إلا أن حزبها الديمقراطي المسيحي قد حقق تقدمًا في استطلاعات الرأي خلال الشهرين الماضيين، مما أعطى ميركل تقدما كبيراً بلغ حوالي 15 نقطة مئوية على منافسها من الحزب الديمقراطي الاشتراكي مارتن شولتز. وللحفاظ على الزخم، يجب على ميركل أن تعالج الشكوك داخل حزبها حول الأمن الداخلي والجدارة الائتمانية لشركاء ألمانيا في الاتحاد الأوروبي مع الاستمرار في عرض نفسها على الناخبين الألمان كحصن ضد ترمب.

 

خلال السنوات الاثنتي عشرة التي قضتها في منصبها، تبنت ميركل بشكل خادع قضايا من أحزاب أخرى لتقليل قاعدة الناخبين الخاصة بهم. من خلال تسريع الجدول الزمني للتخلص التدريجي من الطاقة النووية وتمهيد الطريق لزواج المثليين، على سبيل المثال، سرقت من الخضر نداءهم الرئيسي للناخبين التقدميين. وفي الوقت نفسه، عندما تقنع الأحزاب المنافسة للدخول في حكومتها الائتلافية، فإنهم يفعلون ذلك على مسؤوليتهم الخاصة. انضم الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي مع ميركل في عام 2009 لتشكيل حكومة يمين الوسط التقليدية. وفي الانتخابات البرلمانية التالية في عام 2013، لم يتمكن الحزب الديمقراطي الحر حتى من حشد عتبة التصويت -الخمسة في المئة- للدخول إلى البرلمان، وهو أمر لم يحدث قط في ألمانيا بعد الحرب. وبالمثل، بعد دورتين في الحكومة الائتلافية مع الحزب الديمقراطي المسيحي، بدأ الحزب الديمقراطي الاشتراكي يفقد الدعم على جانبي الطيف السياسي.

 

كل هذا يبشر بالخير لميركل، التي يتقد حزبها، الديمقراطي المسيحي، بعد خسارته بعض من مؤيديه لصالح الحزب الديمقراطي الاشتراكي في بداية العام، عندما كان الطرفان متساويان بنسبة تقرب من ثلث الأصوات لكل منهما. واعتبارا من بداية شهر (يوليو/ تموز)، قدر المعهد الألماني إنفراتست ديماب نسبة داعمي الديمقراطي المسيحي بـ 39٪ ونسبة داعمي الديمقراطي الاشتراكي بـ 23٪. في الواقع، بما أن الرياح كانت مواتية لميركل، فعليها أن تحقق النصر في نهاية (سبتمبر/ أيلول) إذا ما عالجت ثلاث قضايا تهم الناخبين الأساسيين.

 

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (رويترز)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (رويترز)

 

لسوء حظ المستشارة، ستظل صور السيارات المحترقة والاحتجاجات الغاضبة في أذهان الكثيرين من اجتماع مجموعة العشرين في هامبورغ. وجاءت هذه الأحداث بعد أن تمكنت ميركل أخيرًا من التخلص من الاعتراض على غياب القانون والنظام أثناء تدفق المهاجرين قبل عامين، والتي سرعان ما أعقبتها حشود جامحة تعطل احتفالات رأس السنة في كولونيا. وسيتعين عليها الآن أن تؤكد للناخبين أنها تسيطر على الوضع وتوفر الأمن الأساسي لمواطنيها، وربما لن يكون تعهد حزبها بزيادة قوة الشرطة بمقدار 15000 كافيًا إذا ما حدث حادث آخر في الفترة التي تسبق الانتخابات.

 

خلال نصف فترة تولي ميركل منصبها، كان شبح الدين اليوناني يبرر وجود توازن دائم بين تقديم الائتمان كشريك مسؤول، وحث اليونانيين على اتخاذ تدابير تقشفية لتهدئة مخاوف دافعي الضرائب الألمان المستاؤون من التباين الاقتصادي. ويبدو أن الالتزام الصارم بتشديد الحزام غير مجدي في بلد يواجه ديونا تقدر بحوالي 300 مليار يورو، ولكن ميركل لا تستطيع أن تقدم أي تخفيف لليونان حتى بعد انتخابات الخريف. بدأ الحزب الشعوبي اليميني "البديل لألمانيا" كحزب مناهض لليورو يعارض بشدة التدخل لإنقاذ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقد تراجعت شعبية الحزب بسبب الاقتتال الداخلي، ولكن أي تلميحات من التساهل ستفتح الباب أمام حزب البديل لألمانيا لحصد الناخبين المحافظين من الحزب الديمقراطي المسيحي. ينام الناخبون المحافظون مرتاحين في الليل لعلمهم أن وزير المالية الألماني وولفغانغ شويبل، الذي حافظ على خطورة التقشف في حين انحراف النقد حول السياسات الاقتصادية في ألمانيا، يحمي الخزانة الألمانية. ويتعين على الحزب الديمقراطي المسيحي أن يعلن أنه لن يغير مساره حتى بعد إجراء تعديل حكومي بعد الانتخابات.

 

التحدي الأخير هو الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. حتى قبل الافتتاح، أشار ترمب إلى الفائض التجاري الكبير لألمانيا مع الولايات المتحدة بقيمة 65 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين، أخذ يحث بلاده على التصدير وتقليل الإنفاق. وهو ليس أول من يضع الإستراتيجية الاقتصادية الألمانية في ضوء سلبي، لكن مع عدم إقبال الإدارة الأميركية الجديدة على التجارة الحرة والمنظمات متعددة الأطراف، ظهرت خلافات واضحة في الشراكة الألمانية الأميركية. وقد أعربت ميركل بالفعل عن شكوكها، وإن كان بشكل غير مباشر، بشأن البيت الأبيض الحالي.

  

يثق 11% فقط من الألمان في قيام الرئيس -الأميركي- بالإجراءات الصحيحة فيما يتعلق بالشؤون العالمية. ولذلك ليس من المستغرب أن ميركل كانت تحدد بشكل استباقي نوع العلاقة التي تود بلدها أن تقيمها مع الولايات المتحدة. إذ أرسلت مذكرة تهنئة لترمب تحث فيها على التعاون القائم على القيم المشتركة (رويترز)
يثق 11% فقط من الألمان في قيام الرئيس -الأميركي- بالإجراءات الصحيحة فيما يتعلق بالشؤون العالمية. ولذلك ليس من المستغرب أن ميركل كانت تحدد بشكل استباقي نوع العلاقة التي تود بلدها أن تقيمها مع الولايات المتحدة. إذ أرسلت مذكرة تهنئة لترمب تحث فيها على التعاون القائم على القيم المشتركة (رويترز)

 

على العكس من ذلك، لم يخجل مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي شولتز من إظهار وجهات نظره حول ترمب. واتهم الرئيس الأميركي بتدمير القيم الغربية وكونه غير أميركي. أثارت تعليقاته دهشة البعض في ألمانيا. في الواقع، وفقاً لمركز بيو للبحوث، يثق 11% فقط من الألمان في قيام الرئيس بالإجراءات الصحيحة فيما يتعلق بالشؤون العالمية. ولذلك ليس من المستغرب أن ميركل كانت تحدد بشكل استباقي نوع العلاقة التي تود بلدها أن تقيمها مع الولايات المتحدة. إذ أرسلت مذكرة تهنئة لترمب بعد الانتخابات تحث فيها على التعاون القائم على القيم المشتركة. وبعد قمة الناتو في (مايو/أيّار) الماضي، قالت أثناء الحملة الانتخابية أن على أوروبا أن تحدد مصيرها بنفسها وألا تعتمد على الآخرين. كما انتقدت في خطاب إلى البرلمان الألماني في الآونة الأخيرة أتباع الحمائية والعزلة. ومن المؤكد أن جرأة ميركل غير المعتادة مرتبطة بالانتخابات المقبلة. ولكن بغض النظر عن استطلاعات الرأي، فإنها من المتوقع أن تدافع، كمستشارة، عن النظام الدولي للأمن الجماعي والتجارة المفتوحة التي كانت حجر الزاوية في وجود ألمانيا المزدهرة الآمنة اليوم.

 

تقترب ميركل حالياً من استرجاع نسبة شعبيتها التي بلغت 55 في المائة قبل أزمة اللاجئين منذ عامين، والتي أدت إلى انخفاضها إلى نحو 43 في المائة في بداية هذا العام. سوف تقوم بجولة هذا الصيف عبر ألمانيا لحضور اجتماعات البلديات والمسيرات الحزبية لتعزيز الشعور بالقانون والنظام وكذلك الأمن الاقتصادي لألمانيا والتعهد بالحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد. فهي صاحبة مصداقية على الجبهات الثلاث، ولكن مفاجأة في آخر الصيف قد تغير من الحسابات.

 

===================================

 

المقال مترجم عن: هذا الرابط

المصدر : الجزيرة