شعار قسم ميدان

"عالم ترمب الإسلامي" ليس موجودا

midan - trump
مقدمة المترجم
تناقش الكاتبة إشكاليّة اصطلاحيّة ذات حمولة سياسيّة، ألا وهو تسمية "العالم الإسلاميّ". هل العالم الإسلاميّ موجود؟ هل هو اختلاقٌ خطابيّ-سياسيّ-أيديولوجيّ، أم حقيقة؟ وما سياسات التسمية؟ تلك أسئلة يجيب عنها التقرير.

 

نص التقرير
"اخترتُ أن أجري زيارتي الخارجيّة الأولى رحلةً إلى قلب العالم الإسلاميّ"
هكذا قال الرئيس ترمب في الرياض يوم الأحد، في حديث مُعلن كدعوةٍ للمسلمين لتعزيز الفهم السّلميّ للإسلام، وللتوحّد ضدّ الإرهابيين.

 

إنّ الرياض هي عاصمة المملكة العربيّة السعوديّة، لكنّها ليست عاصمة العالم الإسلاميّ. في الواقع، من الجدير بالذكر أنّ "العالم الإسلاميّ" ليس مكاناً بالفعل. إنّه فكرةٌ غربيّة قائمة على المنطق العنصريّ الخاطئ بأنّ المسلمين يعيشون في عالمٍ خاصّ بهم -وبأنّ الإسلام دينٌ شرقيّ وأجنبيّ ينتمي تماماً إلى مكانٍ بعيد ومتباعد وأغبر. (يمكن الحجاج بأنّ هذا هو المنطق الذي يقف خلف حظر ترمب لرحلات المسلمين، المعلّق حالياً في المحاكم: فالإسلامُ أجنبيّ، و"الإسلام يكرهننا"، ولا يمكن للإسلام أن يكون ديناً أميركيّاً حقيقيّاً، وذلك هو السبب في أنّنا نحظرُ أنصاره ومشايعيه. وكان ستيفن ميلر أيضاً، وهو مخطّط لحظر الرحلات، من بين كتّاب خطاب ترمب حول الإسلام).

  

سيزور ترمب القدس والفاتيكان في رحلته لعالم الأديان الإبراهيميّة، لكنّنا يقيناً لن نتخيّله يخاطب كلّ اليهود أو المسيحيين من تلك المدن، لأنهم لا يمثلون قلب العالم اليهودي والمسيحي
سيزور ترمب القدس والفاتيكان في رحلته لعالم الأديان الإبراهيميّة، لكنّنا يقيناً لن نتخيّله يخاطب كلّ اليهود أو المسيحيين من تلك المدن، لأنهم لا يمثلون قلب العالم اليهودي والمسيحي
  

وإذا كان العالم الإسلاميّ هو المعادل الحديث لمفهوم "Islamdom" ما قبل الحديث (أي الأراضي التي يحكمها المسلمون)، فإنه لا يشير إلا إلى البلدان ذات الأغلبية المسلمة؛ حيث يتمّ إهمال البلدان التي يكون فيها المسلمون أقليات قوميّة، مثل الصين والهند. وإذا كان العالم الإسلاميّ تعبيراً ملطّفاً عن الشرق الأوسط (وتُحشَد أفغانستان وباكستان بصورة خاطئة في بعض الأحيان)، فما الذي يجعل من 80% من 1.6 بليون مسلم يعيشون خارج العالم الإسلاميّ، بمن فيهم المسلمون الأميركيّون من أمثالي؟

 

سيزور ترمب أيضاً القدس والفاتيكان في رحلته لعالم الأديان الإبراهيميّة، لكنّنا يقيناً لن نتخيّله يخاطب كلّ اليهود أو المسيحيين من تلك المدن. نحن نفهم أنّ إسرائيل دولة قوميّة حديثة وصهيونيّة، وأنّها ليست ممثّلة لكلّ اليهود في كافّة أرجاء العالم. ونفهم، بالمثل، أنّ الفاتيكان باعتباره مركزاً مؤسّساتيّاً لشبكةٍ كاثوليكيّة عالميّة، وأنّه لا يمثّل قلب العالم المسيحيّ.

 

ويجب أن ينطبق الشيء نفسه على المملكة العربيّة السعوديّة الثيوقراطيّة؛ فالمملكة لا تتحدث ولا يمكنها أن تتحدّث عن كافّة المسلمين حول العالم لمجرّد أنّ الأماكن التي يعتبرها المسلمون مقدَّسةً موجودة داخل أراضيها. ففي الواقع، عندما يصل الحجّاج إلى مكّة، فغالباً ما يشعرون بالفزع من كونهم وجدوا أنّ الحكومة السعوديّة سمحت للفنادق ومحلّات الأكل السريع وللمولات للتعدّي وصولاً إلى حوافّ المناطق المقدّسة للمسلمين. ومن الصعب أن نتخيّل الحكومة الأميركيّة تسمح ببناء ستاربكس بجوار غراند كانيون؛ إلّا أنّ التخطيط الحَضريّ الجماليّ للحكومة السعوديّة، مدفوعاً بالرّبح والفائدة، ليس مراعياً لحساسيّات معظم المسلمين. وقد أثارت حملات الحكومة السعوديّة القاصفة لليمن، ومنع المساعدات الإنسانيّة، إدانةً أخلاقيّة في أوساط المسلمين العاديين ونشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

 

يعبّر المسلمون في أنحاء العالم عن تشكيلةٍ واسعة من ردود الفعل على خطاب ترمب، تماماً كما أعربوا عن مجموعة واسعة من ردود الفعل على خطاب أوباما في القاهرة عام 2009. لقد تمّ تأطير "خطاب إلى العالم الإسلاميّ" لأوباما كمحاولة متجدّدة للعقول والقلوب المسلمة التي كانت بمثابة الجبهة "الأخرى" في حرب الرئيس بوش على الإرهاب، من أجل الإشارة إلى أنّ الأميركيين لم يكونوا "في حربٍ مع الإسلام". وكلّ كلمة من خطاب أوباما تمّ وزنها بعناية من قبل كلّ من الرئيس نفسه وكاتب الخطاب نفسه حسن رشاد، وتمّ تدقيق كلّ كلمة بعنايةٍ وتأن. هل كانت نبرة أوباما تصالحيّة للغاية أم ناقدة للمجتمعات الإسلاميّة؟ وهل كانت أمارةً على النّزاهة أم الضعف بالنسبة إليه لقبول التواطؤ الأميركيّ في تعزيز النظام الوحشيّ للشاه الإيرانيّ؟ وماذا عن قرار أوباما بالاستشهاد بمسلمين أميركيين كمحمد علي كدليل على الاستثنائيّة الأميركيّة وكبيّنة على النجاح والتسامح الذي تتمتع به الأقليّات في الولايات المتحدة؟

  

 

ومع ذلك، فإنّ خطاب أوباما بعث الأمل بأنّ الولايات المتحدة ستبدأ في تعزيز الديمقراطيّة والحريّة والاستقرار في العالم ما بعد الكولونياليّ تماماً. وعشيّة شهر رمضان، حدّد بائعو التمر في القاهرة فاكهة العيد المثمرة والأكثر غلاءً بعد أوباما والفاكهة الجافّة والأرخص بعد بوش، الأمر الذي يعكسُ المزاج السياسيّ.

 

أعطى ترمب أيضاً خطاباً قبل رمضان بأنّه من المؤكّد أن يتمّ فحصه بدقّة -لكنّ أفعاله تتحدّث بصوتٍ أعلى من كلماته. فهو لا يقبل فقط بالضربات السّعوديّة ضدّ المدنيين في اليمن، والتي ذكرت الأمم المتحدة أنّها يمكن أن تشكّل جرائم ضدّ الإنسانيّة، لكنّه يبدو أنّه يكافئ السّعوديين: فقد وقّع ببيع أسلحةٍ لهم بقيمة 110 مليار دولار. كان أوباما أيضاً قد باع الأسلحة بالملايين للسّعوديين، لكنّه جمّد بيع الأسلحة بعد ضربة على بيت جنازةٍ عكست نموذجاً من الهجمات على المدنيين. أمّا صفقةُ ترمب، فهي انقلابٌ شرّير على سياسات أوباما وتناقض أيّ شيء قاله في خطابه للعالم الإسلاميّ حول السلام واللاجئين. فبعد كلّ شيء، قد تنتج الحربُ في اليمن أزمة اللاجئين التالية في العالم.

 

واتّسمت زيارة ترمب أيضاً بإنشاء مركز عالميّ مشترك لمحاربة الأيديولوجيا المتطرّفة القتاليّة. وسمّى ترمب الحربَ ضدّ الإرهاب بـ"المعركة بين المجرمين البربريين الذين يسعون إلى تدمير الحياة البشريّة، وبين النّاس المحترمين من أتباع كافّة الديانات الذين يسعون إلى حماية الحياة البشريّة". وكان بيّناً من ثنائه على القادة المسلمين الاستبداديين ما هي معايير المسلم "المحترم" و"الجيّد" أو "المُعتدل" من منظور ترمب. فالمسلمُ "المعتدلُ" هو ذلك المسلم الذي سيقبل برؤية لدينه/ا هي مقرّة بالفعل من قبل الحكومة الأميركيّة. والمسلم المعتدل هو المسلم الذي سينقاد على نحوٍ غُفْلٍ في التيّار عندما يتعلّق الأمر بالسياسات الأميركيّة. والمسلم المعتدل هو المسلم الذي سيقمع المعارضة: فلم يُسمح بأيّ احتجاجات على زيارة ترمب للمملكة العربيّة السّعوديّة.

 

ذلك هو السبب الذي يحملني لرفض التسمية المشحونة سياسيّاً لـ"المسلم المعتدل". وفي واقع الحال فإنّني أقدّم نفسي دائماً كـ"مسلمٍ راديكاليّ" من أجل استرداد المصطلح.

  

لا أجد أيّ شيءٍ ذا مغزى سياسيّ عن حقيقة أنّ ترمب كان يتاجر بالخطاب المناهض للمسلمين الذي ساعده على انتخابه بقدر ما هي لهجة أكثر تصالحيّة هادفة إلى إرضاء مضيفيه السعوديين
لا أجد أيّ شيءٍ ذا مغزى سياسيّ عن حقيقة أنّ ترمب كان يتاجر بالخطاب المناهض للمسلمين الذي ساعده على انتخابه بقدر ما هي لهجة أكثر تصالحيّة هادفة إلى إرضاء مضيفيه السعوديين
  

وكما كتبتُ سابقاً، فقد غدونا نفهم مصطلح "المسلم الراديكاليّ" كافتراء، وكمرادفٍ لـ"الإرهابيّ". ومع ذلك فإنّ المسلمين، في أنحاء العالم، الذين هم ملتزمون بالعدالة الاجتماعيّة ومعاداة العنصريّة وبالنّسويّة وبمعاداة الإمبرياليّة و، نعم، بالسّلام، ليَصفون أنفسهم كراديكاليين. فهناك سلالةٍ مغايرة ومزدهرة وراديكاليّة من الفكر الإسلاميّ القائم على المعارضة السّلميّة، ممثّلةً من خلال شخصيّات مثل محمّد علي. فمحمد علي، الذي قدّمه أوباما كنموذج أخلاقيّ للعالم الإسلاميّ، عارضَ كلّا من سياسات الحكومة الأميركيّة والمسلمين المسلحين -سواء أكانوا مجرمي أزمة الرهائن الإيرانيّة أو منفذي هجوم سان برناردينو- الذين أحس بتشويههم للتعاليم الحقّة للإسلام بعنفهم. وفي المملكة العربيّة السّعوديّة، فإنّ المسلمين الراديكاليين الذين يمنحونني الأمل هم الشباب المسلمون النّسويّون، والمسلمون الملتزمون، الذين يحرّكون المشهد لأجل الإصلاح السياسيّ والسّلام.

 

وعلى الرغم من أنّ العديد من المحللين الغربيين يركّزون على لغة ترمب الحانية بشأن الإسلام، فإنني لا أجد أيّ شيءٍ مثيراً للإعجاب أو ذا مغزى سياسيّاً عن حقيقة أنّ ترمب كان يتاجر بالخطاب المناهض للمسلمين الذي ساعده على انتخابه بقدر ما هي لهجة أكثر تصالحيّة هادفة إلى إرضاء مضيفيه السعوديين. هذه هي النفعية السياسية، المستلة مباشرة من قواعد لعبته، أي فن صفقة (الأسلحة والنفط).

 

إن عالم ترمب الاستيهامي الخطير هو العالم الذي يتدفق فيه العنف من حدود أميركا إلى "عالم مسلم" بعيد في شكل مبيعات الأسلحة والعمليات العسكرية، في حين أن الوظائف والدولارات والنفط تتدفق إلى الولايات المتحدة. ويمكن منع العنف المتدفق نحو أميركا على الحدود ببساطة عن طريق حظر المسلمين. فالعالم الإسلامي متسامح، طالما أنه يخدم المصالح الأميركية من بعيد.

 

______________________________

التقرير مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة