شعار قسم ميدان

بين توتال وإيران.. أكثر من مجرد صفقة غاز!

ميدان - توقيع صفقة تطوير الغاز بين شركة النفط الإيرانية الوطنية والفرنسية توتال في طهران
الرئيس الإيراني حسن روحاني مع رئيس شركة توتال باتريك بويان، في مكتب الرئاسة في العاصمة طهران (الأوروبية)
قبل تسع سنوات عندما فُرضت العقوبات الدولية على إيران من قبل المجتمع الدولي، كانت توتال آخر شركة طاقة غربية تعلق نشاطها هناك. والآن بعد رفع العقوبات النووية عن إيران في (يناير/كانون الثاني) 2016، كانت توتال أول شركة طاقة أجنبية تعود إلى سوق الطاقة الإيراني. في الثالث من (يوليو/تموز) أعلنت الشركة الفرنسية أنها وقعت عقدًا مع إيران لتطوير وإنتاج الغاز من حقل 11 جنوب فارس (SP11) أكبر حقل نفط في العالم.

 

هذا حدث مهم ليس فقط لتوتال والاقتصاد الإيراني، بل هي دفعة مهمة للاتفاق النووي الذي أبرم في 2015 والذي كان مثار جدل كبير في الولايات المتحدة وفي الداخل الإيراني، حيث ظلت منافع الاتفاق محل تساؤل.

 

هذا الاتفاق مهم لإيران لأسباب عديدة. إيران هي صاحبة أكبر احتياطي للغاز في العالم. لكن نظرًا لضعف البنية التحتية والاستثمارات، عانت لاستخراج ما يكفي من حقول الغاز لديها حتى لاستهلاكها المحلي. في المجمل لجأت إيران لاستيراد الغاز بنسبة كبيرة من تركمنستان. لإنتاج مزيد من الغاز في سوقها المحلي تحتاج إيران إلى شركات الطاقة الدولية للاستثمار في صناعة الطاقة لديها.

 

تظهر البيانات أنه في العام الماضي شهد استهلاك إيران للغاز الطبيعي زيادة درامية. في العام الماضي استهلكت إيران 1.6 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم، وهذا المعدل مرجح للارتفاع. الاستثمارات ستنتج 2 مليار قدم مكعب في اليوم لسوقها المحلي بحلول 2021.

 

 حسن روحاني مع رئيس شركة توتال؛ باتريك بويان، في مكتب الرئاسة في طهران (الأوروبية)
 حسن روحاني مع رئيس شركة توتال؛ باتريك بويان، في مكتب الرئاسة في طهران (الأوروبية)

 

النمو المحلي

تأمل إيران كذلك أن تفتح هذه الصفقة الباب أمام مزيد من التفاعل الدولي معها. بعد سنوات من العزلة والعقوبات التي أعاقت النمو الاقتصادي تريد إيران دخول السوق الدولي. يُعد حسن روحاني الذي أعيد انتخابه مؤخرًا لمنصب الرئيس سياسيًا براغماتيًا ويعلن باستمرار أن إيران تسعى للانفتاح على بقية العالم.

 

روحاني الذي أبرم الاتفاق النووي مع الغرب يريد تشجيع الاستثمارات الأجنبية للعودة إلى إيران. ستشكل الصفقة مع شركة توتال حافزًا للشركات الأجنبية الأخرى لتوقيع عقود معها. بدأت شركات النفط مثل داتش شيل وشركة ايني الإيطالية بالفعل مفاوضات مع إيران لإبرام عقود جديدة. تظهر صفقة توتال إمكانية حدوث هذا.

 

بالإضافة إلى أنها تقوي موقف حسن روحاني باعتباره مصلحًا سياسيًا. ما لبث خصومه الأكثر تشددًا يكيلون النقد للاتفاق النووي بسبب عدم مساعدته في تعافي الاقتصاد الإيراني رغم تعليقه للبرنامج النووي الإيراني. أبرم الاتفاق في 2015 ومن ذلك الحين والاقتصاد الإيراني رغم رفع العقوبات يتعافى ببطء شديد. تمثل صفقة توتال بالنسبة لروحاني المثال الذي يحتاجه للبرهنة على أن عودة الاستثمارات بفضل رفع العقوبات عن البلاد.

 

لا تريد توتال خسارة الفرصة الاستثمارية أو نصيب 51% في تطوير أكبر حقل غاز في العالم (الأوروبية)
لا تريد توتال خسارة الفرصة الاستثمارية أو نصيب 51% في تطوير أكبر حقل غاز في العالم (الأوروبية)

 

الأهمية الدولية

بالنسبة للشركات الأجنبية التي تستثمر في إيران فالبلاد لا تخلو بالكامل من المخاطر. يريد المستثمرون الأجانب الاستقرار لكن المنطقة مضطربة في هذه الآونة. سياسات إيران في سوريا واليمن معادية لجيرانها من بينهم المملكة العربية السعودية والتي تبدي معارضتها لإيران عبر قطع علاقاتها مع قطر.

 

الأهم أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران ما زالت غامضة. وافقت إدارة ترامب على الاتفاق النووي لكن ريكس تيلرسون وزير الخارجية قال إن البيت الأبيض مازال في حاجة لمراجعة الاتفاق للتأكد أنه يراعي مصالح الولايات المتحدة، هذا بالإضافة إلى أن الكونغرس الأميركي أقر مؤخرًا قانونًا يفرض عقوبات على إيران. أعلنت إيران في هذه الأثناء أنها لن تقبل بعقوبات جديدة أو أي تعديل في الاتفاق الذي أبرم في 2015. هذا الموقف قد يرعب الصفقات التجارية المستقبلية.

 

تدرك توتال بلا شك هذه المخاطر المحتملة لكنها لا تريد خسارة الفرصة الاستثمارية أو نصيب 51% في تطوير أكبر حقل غاز في العالم. مهما كان الأمر فالشركة قسمت استثماراتها البالغة 5 مليار دولار إلى قسمين. ستنفق توتال أولًا مبلغ 2 مليار دولار ثم ستستثمر باقي المبلغ فقط في حالة نجاح المرحلة الأولى من التطوير والاستخراج.

 

هنا أيضًا علامات على وجود خلاف بين ضفتي الأطلسي. تدرك توتال أنه على خلاف الولايات المتحدة فالاتحاد الأوروبي أشاد بتطبيق إيران للاتفاق وعبر عن رغبته في تقوية العلاقات معها. ربما أراد رئيس شركة توتال باتريك بوياني مخالفة موقف الرئيس الأميركي حين قال "نحن هنا لنبني الجسور وليس الجدران".

 

لذا وبالرغم من أن صفقة توتال لم تكن لتوجد لولا الاتفاق النووي إلا أنها تساعده على البقاء حيًا وذلك بضخ الاستثمارات في الاقتصاد الإيراني. ترسل هذه الصفقة رسالة سياسية للمتشددين في إيران والولايات المتحدة مفادها أن أوروبا لا تدعم فقط الاتفاق النووي لكن شركاتها مستعدة كذلك للاستثمار في إيران.

 

===========================================

 

التقرير الأصلي نُشر بموقع "ذا كونفرسيشن" عبر: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة