شعار قسم ميدان

أزمة الثقة.. هل يستمر التحالف بين أميركا وكوريا الجنوبية؟

ميدان - ترمب وكوريا الجنوبية

إذا عدنا إلى الوراء لشهر (يونيو/حزيران) فقد توقع الكثيرون فشل القمة بين مون جاي إن ودونالد ترمب. وقع على عاتق مون مهمة التغلب على التصور والانطباع المأخوذ عنه بأنه مُعادٍ لأميركا، وهي الصورة الهزلية استنادا إلى رئيس كوريا الجنوبية الليبرالي الأخير روه مو هيون الذي شغل مون في عهده منصب رئيس هيئة الأركان. وجاء بعد ذلك ترمب الذي انتقد أثناء حملته الانتخابية اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا وأميركا (KORUS FTA) التي تم التصديق عليها عام 2012، ووصفها بالصفقة "الكارثية" التي من المنتظر أن تدمر"100 ألف فرصة عمل" في صناعة السيارات، كما اقترح ترمب أن تغلق قوات الجيش الأميركي قاعدتها الموجودة في كوريا الجنوبية، كل ذلك بينما كانت كوريا الشمالية في توترات متصاعدة بشأن الأسلحة النووية واختبارات القذائف طويلة المدى. أما عن ذلك الاستخفاف الذي صدر من رئيس الولايات المتحدة تجاه حليفه الحيوي والأساسي فلم يسمع به أحد في الواقع.

وعلى عكس جميع التوقعات، نجحت القمة بين مون وترمب، وأكّد كل منهما على أهمية العلاقات بينهما، وبدا الأمر وكأنهم على وفاق واتفاق بشأن كوريا الشمالية، حيث قررا الضغط حتى يوافق نظام كيم على الجلوس على طاولة المفاوضات. ورغم وجود بعض الأقوال حول إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا وأميركا فإن خطة كوريا الجنوبية لاستيراد الغاز الطَفَلي من الولايات المتحدة وإقامة المصانع في أميركا خففت من حدة الأمور الخاصة بالاتفاقية، (ولكي يجعل مون الأمور الضمنية والافتراضات واضحة وصريحة في هذا الشأن أحضر معه فريقا من قادة الأعمال الممثلين لكوريا الجنوبية)، وعندما عُقِد الاجتماع الأول بين ممثلي الدولتين لإعادة التفاوض بخصوص اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا وأميركا (KORUS FTA) في 22 من شهر (أغسطس/آب) في سيول نظر مواطنو كوريا الجنوبية إلى انعقاد الاجتماع في عاصمة كوريا الجنوبية وليس واشنطن على أنه بادرة أمل.

ولكنّ الخطر خيم مرة أخرى على العلاقة بين كوريا الجنوبية وأميركا مع تجربة القنبلة الهيدروجينية التي قامت بها كوريا الشمالية في الثالث من (سبتمبر/أيلول)، ومنذ ذلك الوقت أصبح مون وشعب كوريا الجنوبية يتعلمون الدرس ذاته الذي تعلمه معاونو ترمب الرئاسيون الذين فُصلوا وطُردوا الآن من عملهم، وهو أن ترمب لا يتردد في الرجوع عن أي تعهّد قام به مسبقا مهما كانت درجة التزامه به، وهو يقوم بذلك تبعا لهواه على الأغلب. ولكن -عكس كل مواقفه السابقة- اختبار صبر أحد الحلفاء القدامى مثل كوريا الجنوبية قد يُفضي إلى نتيجة أشد وطأة.

 

 رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن والرئيس الأميركي دونالد ترمب. ( الأوروبية)
 رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن والرئيس الأميركي دونالد ترمب. ( الأوروبية)

وفي الثاني من شهر (سبتمبر/أيلول) الحالي أفاد تقرير صادر عن صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن البيت الأبيض بقيادة ترمب ينظر في احتمالية التراجع عن اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا وأميركا (KORUS FTA) بأكملها دون انتظار انتهاء إعادة المفاوضات، ورغم أن التقارير أفادت معارضة كبار مساعدي ترمب للتراجع والانسحاب من الاتفاقية، بما في ذلك مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ريموند ماكماستر، ووزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، وجاري كوهن، مدير المجلس الوطني الاقتصادي الأميركي، فإنه بدأ التحرك بالفعل والقيام بالتحضيرات الداخلية لإنهاء الاتفاقية، كي تبدأ عملية الانسحاب الرسمية خلال هذا الأسبوع.

ومع بطلان اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا وأميركا (KORUS FTA) قد ترفع واشنطن الرسوم الجمركية على العديد من الواردات الكورية من 0% إلى 3.5%، بينما قد ترفع كوريا الجنوبية من جانبها الرسوم الجمركية على السلع الأميركية من 0% إلى 14%، وهي تكلفة باهظة الثمن، إذ تعد كوريا الجنوبية سادس أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، والولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك بالنسبة لكوريا الجنوبية.

في اليوم التالي للتجربة النووية التي قامت بها كوريا الشمالية وبّخ ترمب كوريا الجنوبية من خلال حسابه على تويتر وغرّد قائلا: "أدركت كوريا الجنوبية، كما أخبرتها تماما، أن محادثات التهدئة واسترضاء كوريا الشمالية لن تجدي نفعا، فهم لا يفهمون إلا طريقة واحدة فقط!". لكن رد إدارة مون على التجارب النووية والصاروخية الأخيرة لكوريا الشمالية لم يتوافق أبدا مع التوبيخات، فقد كانت الردود متشددة وعدائية على غير المعتاد، بما يوحي بأنها مقصودة لإيصال رسالة إلى كوريا الشمالية مفادها أنه إذا قام كيم جونغ أون بأي حركة طائشة جديدة فهو بذلك يراهن على حياته.

في الأول من (سبتمبر/أيلول) أجرى كل من ترمب ومون مكالمة هاتفية اتفقا فيها من حيث المبدأ على تعديل المبادئ التوجيهية التي تمنع كوريا الجنوبية من تطوير القذائف البالستية الخاصة
في الأول من (سبتمبر/أيلول) أجرى كل من ترمب ومون مكالمة هاتفية اتفقا فيها من حيث المبدأ على تعديل المبادئ التوجيهية التي تمنع كوريا الجنوبية من تطوير القذائف البالستية الخاصة

عندما قامت كوريا الجنوبية بتجربة صاروخية طويلة المدى في شهر (يوليو/تموز) الماضي ردت عليها سيول بقذائف صاروخية قاطعة للرأس، مُصممة خصيصا للتوضيح لـ كيم بأن حكومته سيتم القضاء عليها إن قام بنشر أي من قواته أو ترسانة أسلحته، وعندما أطلقت كوريا الشمالية قذيفة متوسطة المدى فوق اليابان في التاسع والعشرين من (أغسطس/آب) ردت سيول بقاذفة قنابل مخترقة للتحصينات.

وفي الأول من (سبتمبر/أيلول) أجرى كل من ترمب ومون مكالمة هاتفية اتفقا فيها من حيث المبدأ على تعديل المبادئ التوجيهية التي تمنع كوريا الجنوبية من تطوير القذائف البالستية الخاصة بها خارج نطاق معين لتوجيه الضربات والشحنات المتفجرة، كان قد تم تعديل سُنة تلك المبادئ التوجيهية عام 1979 عندما حاولت كوريا الجنوبية للمرة الأولى تطوير قذائفها النووية، ومع الشحنات المتفجرة الأثقل وزنا ستتمكن القذائف التي تطلقها كوريا الجنوبية من تدمير مرافق كوريا الشمالية الموجودة تحت الأرض. ورغم أن مون لا يجب أن يتوقع من ترمب أن يكون خبيرا بالعلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية فإنه من المؤكد أن مون كان يتوقع منه أن يتذكر المحادثة الهاتفية التي دارت بينهما منذ يومين فقط.

وعلى أقل تقدير يُعدّ الضرر الذي تسبب فيه ترمب بنفسه فرصة ضائعة، لأنه لم يكن ليجد شريكا أفضل من مون ليساعده على التعامل مع كارثة كوريا الشمالية ومعالجتها. تحدّث الرؤساء السابقون لكوريا الجنوبية لي ميونغ باك وبارك غوين هيه عن كلام كبير يتلخص في الضغط على كوريا الشمالية، لكن حديثهم دائما ما كان يتبخر عندما يُصعّد نظام كيم الأمر إلى حافة الهاوية. وفي المقابل، بقي مون خطوة بخطوة مع محاولات ترمب للدفع بأقصى ضغط ممكن، وفرض العقوبات، وأوضح أنه قد ينشر قوات لا ترحم في حال شروع كيم في حرب. ومع توجيه الإهانات والدخول في حرب تجارية مع الحليف الأكثر استعدادا للعمل معه يخاطر ترمب بإمكانية حدوث انفصال بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
 

خطوة واشنطن بإبعاد نفسها عن سيول قد تشجع كوريا الشمالية على إشعال حرب كورية جديدة ستتسبب في مقتل عشرات الملايين
خطوة واشنطن بإبعاد نفسها عن سيول قد تشجع كوريا الشمالية على إشعال حرب كورية جديدة ستتسبب في مقتل عشرات الملايين
 

وسيكون هذا الناتج مروّعا، ليس على الإطلاق، لأن هذا هو ما يريده كيم جونغ أون تحديدا، وخطوة واشنطن بإبعاد نفسها عن سيول قد تشجع كوريا الشمالية على إشعال حرب كورية جديدة ستتسبب في مقتل عشرات الملايين. ولمنع الوصول إلى تلك النتيجة قد تقوم كوريا الجنوبية بتطوير أسلحتها النووية الخاصة كما حاولت من قبل في السبعينيات من القرن الماضي، ويكاد يكون من المؤكد أن ذلك الأمر سيدفع اليابان إلى تطوير أسلحتها النووية الخاصة، الأمر الذي سيدفع الصين بالتالي إلى تعزيز ترسانتها النووية، وسيتحول الجزء الشرقي من آسيا الذي يعتبر موطنا لما يقرب من 1.6 مليار شخص، والمنطقة الأكثر أهمية اقتصاديا حول العالم إلى صندوق نووي.
 

ومن المفارقات التي تحدث وتدعو إلى السخرية أن السبب الوحيد الذي لم يعجّل بافتراق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية هو أن ممثلي كوريا الجنوبية لا يأخذون ترمب على محمل الجد، ففي وقت مبكر من شهر (أغسطس/آب) عندما توعد كوريا الشمالية بغضب ناري جاء رد فعل كوريا الجنوبية بالاستهانة بذلك التوعد، وقد قامت وسائل الإعلام المحلية بتغطية استفزازات ترمب كما يجب، وأضافت أيضا تصريحات المتابعة من ماكماستر وماتيس، مع غمزة ووكزة للإشارة بأن الجنرالات السابقين يملكون زمام الأمور بشأن سياسات الولايات المتحدة وليس ترمب.

ومع تهديدات ترمب الأخيرة بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا وأميركا (KORUS FTA)، وانتقاداته للتهدئة التي من المفروض أن تقوم بها كوريا الجنوبية، كان رد الفعل من جانب كوريا الجنوبية مماثلا: عدم الاهتمام واللامبالاة، مع توقع تدخل الرؤوس الكبيرة بالبيت الأبيض. وفي كتابه المنشور مؤخرا عن معاداة أميركا في كوريا الجنوبية كتب ديفيد ستروب الموظف السابق بوزارة الخارجية قائلا: "استطلاعات الرأي توضح أن الكوريين الجنوبيين يتمتعون بأقل نسب لإظهار الاحترام ووضع الاعتبار لترمب حول العالم، ولا يعتبرونه شخصا عقلانيا. في الواقع، لديهم بعض المخاوف من أن يكون أحمق، ومع ذلك، ما زالوا يريدون التحالف معه".

 

من ناحية، يمثل ذلك الأمر بارقة أمل، إذ إن العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية قد تظل باقية رغم وجود رئيس للولايات المتحدة الأميركية لا يحترم ذلك التحالف، ولكن لا يعني ذلك أن الضرر لم يقع بالفعل.

 ________________________________________

مترجم عن: (ذا أتلانتيك)

المصدر : الجزيرة