بين كردستان وكاتالونيا.. كيف تنال الدولة استقلالها الرسمي؟
خلال أحد أسابيع خريف هذا العام، سوف تُستفتى شعوب كاتالونيا وكردستان عما إذا كانوا يريدون العيش في دولة مستقلة أم لا، وإذا ما أسفر هذين الاستفتائين عن إعلان استقلالهما، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ يبدو أنه من الواضح أن كردستان وكاتالونيا أو كلاهما، سوف تصبحان أحدث دول العالم، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة.
ينص القانون الدولي على أن للشعوب الحق في تقرير مصائرهم، بما في ذلك الوضع السياسي، كما أن حقنا في تقرير مصائرنا موثق في ميثاق الأمم المتحدة، وموضح في الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية. ويمكن اعتبار ذلك الحق بمثابة اعتراف المجتمع الدولي بسيادة واستقلال هذه الدولة، إلا أنه غالبًا ما يُفسر على أنه حق الشعوب في تحديد كيفية حكمهم، ومن يحكمهم. بعبارة أخرى، غالبًا ما يرتبط مصطلح تقرير المصير في العالم المعاصر بالخيارات المتاحة داخل إقليم الدولة القائمة، بدلًا من إقامة دولة جديدة.
يرجع السبب في ذلك جزئيًا إلى قوانين تقرير المصير التي كُتبت خلال فترة تفكك الاستعمار، إذ لا يمكن تجاهل ذلك السياق التاريخي عند تفسير مقصده، فخلال تلك الفترة، كانت القوى الاستعمارية تتخذ بعض الخطوات نحو تفكيك إمبراطورياتهم، فقد ازدادت تكلفة الاحتفاظ بتلك المستعمرات، فضلًا عن تنامي الضغوط السياسية داخل تلك المستعمرات.
فعلى سبيل المثال، أُعلن استقلال كوسوفو عن صربيا عام 2008، إلا أنه حتى هذه اللحظة، لا تعتبر دولة ذات سيادة – على الرغم من اعتراف أكثر من نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستقلالها. ويعود ذلك بشكل كبير إلى أن صربيا لاتزال تدعي سلطتها السيادية على هذه المنطقة، على الرغم من دخول عوامل أخرى أيضًا في هذه المعادلة. وعلى نفس المنوال، سيتعين على العراق التنازل عن سلطته السيادية على جزء من أراضيه، من أجل أن تصبح كردستان دولة مستقلة.
هناك عدد من المبادئ القانونية المتنافسة والمتناقضة بوضوح. تظهر هذه التناقضات معًا في آن واحد على سبيل المثال لا الحصر في أحد القوانين. فقد وجدنا بالفعل أنه لا يوجد مسار قانوني واضح لحصول دولة ما على السيادة. كما أنه لا توجد آلية قانونية راسخة تحدد من الذي يقرر حصول إقليم ما على السيادة أم لا. لذا، يجب علينا أن نبحث في الأمثلة السابقة لمعرفة كيفية حدوث ذلك.
تُعد دولة جنوب السودان أحدث دول العالم من حيث النشأة، والتي اعترف بها دوليًا عام 2011، وكذلك تيمور الشرقية التي أُعترف بها عام 2002. ففي أوائل التسعينات، كان ثمة موجة كبيرة من الدول الجديدة، نتيجةً لانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك يوغوسلافيا. وفي عام 1993، أصبحت إريتريا دولة أيضًا، بعد حرب استمرت لعقود طويلة مع أثيوبيا، والتي ضمت إريتريا إلى أراضيها عام 1962. وسبق ذلك ظهور دول العالم الجديدة بعد تحول أو انهيار الإمبراطوريات الكبرى، وكان أبرزها خلال انتهاء الحقبة الاستعمارية.
بالنسبة لتيمور الشرقية وجنوب السودان، وبعدة طرق إريتريا، كان التحول إلى دولة مستقلة، جزء من محاولات حل مشاكل أخرى: كالصراعات المسلحة. ففي تلك الحالات الثلاثة، وافقت الدول المضيفة – إندونيسيا لتيمور الشرقية، والسودان لجنوب السودان، وإثيوبيا لإريتريا – على التخلي عن سلطتها السيادية على تلك الأقاليم، كجزء من مفاوضات اتفاقيات السلام. حصلت جميع هذه الدول الجديدة على السيادة بعد تلاشي السلطات السيادية السابقة، أو بموافقة السلطات السيادية السابقة. ويشتركون جميعًا في أن أصبحوا دولًا من أجل حل بعض المشاكل الأخرى، أي أنه كان هناك بعض الفوائد الدولية من وراء الاعتراف بهذه الدول. أما بالنسبة لأحدث دول العالم، كان الاعتراف بها من خلال عملية سياسية أكثر منها إجراءات قانونية محددة.
أن تصبح دولة ذات سيادة مُعترف بها دوليًا، ليست عملية واضحة أو مباشرة. فبشكل أو بآخر، تتحدد ملامح هذه العملية وفقًا للقوة والمناخ السياسي الدولي السائد حاليًا. إذ يوجد عدد هائل من الكيانات غير المعترف بها دوليًا، مر عليها عقود طويلة دون الاعتراف بسيادتها. إذا ما أُعلن استقلال كاتالونيا وكردستان في فصل الخريف القادم، فقد تعتبر كل منهما دولة ذات سيادة إذا ما وافقت دولهم المضيفة على ذلك. أما إن لم توافق الدول المضيفة، فقد يُعلن عن استقلالهما، بينما تظل كل منهما دولة غير معترف بها لأجل غير مسمى.
_____________________________________
التقرير مترجم عن: theconversation