شعار قسم ميدان

لعنة خاشقجي.. لماذا تراقب إسرائيل سقوط حليفها ابن سلمان بصمت؟

midan - main
في تغريدة مكتوبة باللغة العبرية تظهر بها صورة الجنرال السعودي "أحمد عسيري"، بعد ساعات قليلة من إقالته من منصبه كنائب لرئيس المخابرات العامة السعودية فجر السبت، العشرين من أكتوبر/تشرين الأول الجاري ضمن آثار اعتراف المملكة بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي؛ بدت كلمات كبير مراسلي التلفاز الإسرائيلي الرسمي "موآف فاردي" حزينة لإقالة عسيري، معتبرًا ما حدث "خبرا سيئا للغاية" بالنسبة لإسرائيل، إذ أن "الكثيرين في تل أبيب باتوا يعون أنهم فقدوا شريكا ذي قيمة عالية جدّا"، حد قوله، كاشفا النقاب عن دور "عسيري" في التنسيق الأمني والعسكري بين الشريكين الأمنيين، الرياض وتل أبيب، في التحالف الإقليمي الجديد بين الدولتين، سر الشرق الأوسط الذي بات يعرفه الجميع.

        

  

يُعرف فاردي بعلاقاته الوثيقة بالدوائر الاستخبارية الإسرائيلية، لذا فمن المتوقع أن "الكثيرين" الذين يقصدهم فاردي يقعون ضمن هذه الدوائر نفسها، سواء بفرعها الداخلي "الشاباك"، المسؤول عن الملف الأمني الداخلي لإسرائيل ومواجهة حركات المقاومة الفلسطينية، أو الخارجي "الموساد"، المسؤول عن الملف الأمني خارج الحدود، ومن تأتي على رأس أولوياته اليوم مكافحة إيران و"الجماعات الإسلامية المتشددة"، الهدفان اللذان ساهما بنسبة كبيرة في تقريب كلا من الحليفين غير المتوقعين: إسرائيل والسعودية، بقيادة رجلها القوي محمد بن سلمان، تحالف يتلقى اليوم طرفه السعودي ضربات سياسية ودبلوماسية وإعلامية واقتصادية إثر مقتل خاشقجي.

 

وبينما تصدرت القضية واجهات الأنباء وغرف صناعة القرار لما يقارب الشهر للآن؛ تبدو تل أبيب في عالم آخر تماما، بلا أي تعليق رسمي من أي جهة، سواء من الكنيست أو المجلس الأمني المصغر أو الحكومة أو نتنياهو نفسه، بل وحتى دون أي توجيهات واضحة وملحوظة لأذرعها ولوبياتها داخل أروقة السياسة الأمريكية بما يتعلق بهذه القضية، باستثناء تصريح لمصدر أمني إسرائيلي لصحيفة "إيلاف" السعودية[1]، أعلن به أن "إسرائيل تنتظر نتائج التحقيق التركي- السعودي المشترك، والتحقيق السعودي الداخلي"، مؤكدًا أن تل أبيب "تثق بالسعودية أكثر مما تثق بتركيا"، وتصريح لوزير إسرائيلي بارز في السياق نفسه، لموقع "المونيتور"، معلنا أن "إسرائيل لا تملك إلا غض النظر عن قضية خاشقجي بكونها شأنا سعوديا داخليا تأتي أولويته بعد قضية إيران"، ومبديا ارتياحه أن "هذه القضية مرت تحت رئاسة ترامب، فلو كان أوباما موجودا لانقلب على السعودية بذات سرعة انقلابه على نظام مبارك"، حد تصريحه.

   

والآن، مر أسبوع رابع من الصمت منذ ذلك الحين، رغم صدور نتائج التحقيقات السعودية التي أعلنت رسميا مقتل خاشقجي، بما يبدو موقفا منسقا مقصودا، يعكس ما وصفه معلقون آخرون للحادثة بالنسبة لإسرائيل، والتي يبدو أنها تعيد على الأرجح دراسة خياراتها بما يتعلق بتحالفها الإقليمي الجديد.

  

الكارثة
كشفت حادثة مقتل خاشقجي أن السعودية، القوة الأساسية للشرق الأوسط الجديد المأمول صنعه، والذي يرسمه كل من
كشفت حادثة مقتل خاشقجي أن السعودية، القوة الأساسية للشرق الأوسط الجديد المأمول صنعه، والذي يرسمه كل من "ابن سلمان" و"كوشنر"، أن المملكة "لا يمكن الاعتماد عليها"
     

منذ التصريح الإسرائيلي الرسمي؛ انهالت عشرات التحليلات من المراقبين والمعلقين الإسرائيليين، المرتبطين بطريقة أو بأخرى بدوائر الحكم في إسرائيل، والتي كانت تدور جميعا حول فكرة رئيسة لخصها دانيل شابيرو[2]، سفير إدارة أوباما السابق لتل أبيب والضيف الكبير في "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، تحت عنوان "لماذا يعد مقتل خاشقجي كارثة بالنسبة لإسرائيل؟"، رأى بها أن السعوديين باغتيالهم خاشقجي لم يرتكبوا "جريمة وحسب"، لكنهم ارتكبوا كذلك "خطأ استراتيجيا" يطرح أسئلة جوهرية للولايات المتحدة وإسرائيل، ومفهومهما الاستراتيجي الكلي في الشرق الأوسط.

  

بالنسبة لإسرائيل؛ كشفت هذه الحادثة بوضوح أن السعودية، القوة الأساسية للشرق الأوسط الجديد المأمول صنعه، والذي يرسمه كل من "ابن سلمان" و"جاريد كوشنر"، بتحالف إسرائيلي مع العرب السُنة تحت مظلة أمريكية لمواجهة إيران والجهاديين، كشفت أن المملكة "لا يمكن الاعتماد عليها"، بكلمات السفير السابق الذي دعا إسرائيل لتجنب الضغط لصالح ابن سلمان في واشنطن، التي تشهد أروقتها، باستثناء البيت الأبيض وتصريحات ترامب المتناقضة التي تزايدت حدة في الآونة الأخيرة، غضبا عارما على سياسات السعودية متجاوزا للحزبين الرئيسين، لن ينتهي دون عقوبات، بما يمثل تفسيرًا منطقيًا لموقف الصمت في هذا المأزق الإسرائيلي الاستراتيجي، سواء في تل أبيب، أو حتى في واشنطن، حيث لم يتلق مساعدو أعضاء الكونجرس المرتبطون باللوبي الإسرائيلي أي توجيهات حول قضية خاشقجي. [3]

  

على المستوى الوجودي؛ باتت مصالح إسرائيل معرضة للخطر إثر تعزز التهديد النووي لإيران بعد قضية خاشقجي، بحسب ما رأى إيران ليرمان[4]، النائب السابق لمستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة نتنياهو والرئيس المساعد لـ"مركز يروشليم للدراسات الاستراتيجية، باعتبار أي تطور يفضي إلى المس بمكانة نظام الحكم السعودي في واشنطن لا يخدم المصالح الاستراتيجية لإسرائيل، لأنه سيحرم تل أبيب من الاستفادة من التأثير السعودي على الإدارة الأميركية، والذي كان يوظف على نطاق واسع في تحقيق مصالح مشتركة للجانبين، خصوصا في الملف النووي الإيراني والتهديدات الأخرى التي تشكلها طهران، والتي لعبت بها الرياض دورا كبيرا من وراء الأبواب للضغط على ترامب، ليفضي في النهاية بانسحابه من الاتفاق النووي، ودفعه باتجاه عقوبات على إيران، خصوصا في القطاع النفطي الذي توعدت المملكة بملء الفراغ الناتج عن العقوبات. [5]

  undefined

  

إضافة لذلك، فقد مست هذه التطورات في الرياض بالتوازن الاستراتيجي القائم في المنطقة، بحسب دوري غولد، الذي سبق أن شغل منصب وكيل الخارجية ومندوب إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة، متوقعا أن تفضي قضية إخفاء خاشقجي إلى "إضعاف نظام الحكم الذي يقوده بن سلمان ويعزز في المقابل مكانة إيران[6]، أو تركيا من خلال احتكارها السيطرة على مجريات التحقيق في القضية"، بما يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة لإسرائيل، المتأرجحة الآن بين سعودية توافق مصالحها ويكرهها العالم، وتركيا تعارض مصالحها وتحتفظ بتوازن عالمي. [7]

  

وعلى المستوى المحلي، كذلك، تخشى إسرائيل من انهيار ما بات يُعرف على نطاق عالمي بـ"صفقة القرن"، خطة التسوية التي أعدها كوشنر للشرق الأوسط وتبنتها إدارة ترامب بموافقة وتنسيق من "ابن سلمان"، الذي كشفت تسريبات عن ممارسته لضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس[8] ليقبل بها، متضمنة تنازل الفلسطينيين عن القدس والاستعاضة عنها بإحدى البلدات في محيط المدينة، أو بالمقابل تراجع قدرتها على مواجهة تحدي "حزب الله" والمقاومة الفلسطينية، والذي استفادت به سياسياً من موقف الرياض المتماهي مع موقفها الرسمي، بالعداء لحزب الله واعتبارها "حماس" تهديدا للأمن القومي السعودي.

  

على كل المستويات، الوجودي المرتبط بإيران، والاستراتيجي المرتبط بالتوازن الإقليمي، وحتى المحلي المرتبط بالتسوية السياسية؛ تهددت مصالح إسرائيل بشكل جوهري إثر قضية خاشقجي، إلا أنها لم تستطع الوقوف مع حليفها الواقع تحت ضغوط دولية كبيرة، والذي يتوقع ألا يخرج منها بخسائر قليلة، كل ذلك نتيجة "الخطأ الاستراتيجي" لابن سلمان، الذي يبدو أن تل أبيب باتت تراجع موقفها وعلاقتها معه، ومعها ترامب أيضًا بعد تصريحه بالأمس بأن ابن سلمان قد يكون على علم بما حدث ومسؤولا عنه.

 

كبش الفداء
يرى
يرى "يوسي ميلمان" أن "امتلاك ولي العهد السعودي للنزوة والغطرسة التي برزت في الماضي كان يجب أن يشعل الأضواء الحمراء لدى كل الدول التي على علاقة تحالف مع الرياض"
     

اختلف المحللون والمعلقون الإسرائيليون بمواضيع نقاشاتهم وتحليلاتهم، لكنهم جميعا أجمعوا على أمر واحد هو عدم إمكانية الاعتماد على "ابن سلمان"، سواء بوصفه بالفاعل "الأرعن"، الذي "لا يفهم الواقع ولا يعرف تقييمه، وليس لديه مستشار يستطيع أن يمنع اندفاعه"، وقد بدا ذلك بدءً من حربه على اليمن مرورًا باعتقاله لرئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري إلى قطعه العلاقات مع كندا إثر تغريدة وصولا لحصاره لقطر، الذي لم يؤد أي نتائج باستثناء تشتيت دول الخليج وخاصة السعودية عن هدفها المشترك المفترض المتمثل باحتواء إيران.

 

تصدّر هؤلاء المعلقين يوسي ميلمان، محلل الشؤون الأمنية لصحيفة "معاريف" وأحد أكبر المحللين الأمنيين الإسرائيليين، بقوله إن "امتلاك ولي العهد السعودي للنزوة والغطرسة التي برزت في الماضي كان يجب أن يشعل الأضواء الحمراء لدى كل الدول التي على علاقة تحالف مع الرياض"، مؤكدا أن إسرائيل تحديدا مطالبة بإعادة النظر في علاقتها مع الرياض بعد أن تعاظم مستوى التعاون والتنسيق الأمني والسياسي السري بين الجانبين، لأن "تهور بن سلمان وافتقاده هو والفريق الذي يعمل معه الحد الأدنى من التعقل جعلهم يعتقدون أنه بالإمكان قتل خاشقجي، الشخصية المعروفة، في القنصلية دون أن يوجه العالم أسئلة"، متسائلا: "هل بن سلمان الزعيم الذي يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل أن تعتمدا على التحالف معه في أداء المهام الأساسية ومواجهة التحديات التي يزخر بها الشرق الأوسط؟ هل هذا هو الزعيم الذي بالإمكان الركون إلى معاييره وتقديره للأمور؟".

       

على الأرجح، فإن الإسرائيليين في إعادة تقييمهم للأمور الآن قد اكتشفوا خطأ رهانهم على ولي العهد الشاب، بما قد يدفعهم للتريث قليلا،
على الأرجح، فإن الإسرائيليين في إعادة تقييمهم للأمور الآن قد اكتشفوا خطأ رهانهم على ولي العهد الشاب، بما قد يدفعهم للتريث قليلا،
       

أما في واشنطن؛ فإن موقف ابن سلمان يبدو أكثر سوءا؛ فعلى الرغم من ارتكابه كل الأخطاء السابقة بغطاء كبير وواضح من البيت الأبيض الذي يسكنه ترامب وصديق الأمير السعودي كوشنر؛ إلا أن مقتل صحفي مقيم في أمريكا بطريقة مباشرة ووحشية مبالغ بها يبدو أنه قد تجاوز خطوطا حمراء لا يمكن للأمريكيين قبولها ولا يمكن للكونجرس السكوت عنها أو تجاوزها، بما سيقوض صورة ابن سلمان التي اجتهد أعواما لصناعتها في الغرب على أنه المصلح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والأسوأ؛ مكانته السياسية التي جعلت مجرد الاجتماع معه الآن من المحرمات قياسًا على ما سبق، وصولا لمطالبة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كروكر بتفعيل قانون ماغنتسكي ضد المسؤولين السعوديين المسؤولين عن إخفاء أو اغتيال خاشقجي، وإن كان القانون لا يعول عليه في تطبيق عقوبات مشددة أو مؤثرة بحال، ويمكن لترامب إن أراد إلغائها بسهولة.

   

على الأرجح، فإن الإسرائيليين في إعادة تقييمهم للأمور الآن قد اكتشفوا خطأ رهانهم على ولي العهد الشاب، بما قد يدفعهم للتريث قليلا، والرجوع خطوة للوراء على ما يبدو لدراسة الخيارات والشركاء الجدد المحتملين، الذين تمثل السعودية فيهم طرفا فاعلا بكل تأكيد، ولكن ليس بالضرورة عن طريق ابن سلمان نفسه، من لا يوجد ما يمنع تل أبيب من التضحية به كـ "صديقها"، بلا أي تردد إن لزم الأمر.

المصدر : الجزيرة