شعار قسم ميدان

"انتصار الأسد".. هكذا يستعد الخليج لاستعادة العلاقات مع دمشق

ميدان - التطبيع مع الأسد
اضغط للاستماع

  

منذ ما يقارب العقد أو يزيد، توقف العالم العربي عن متابعة أو توقع الجديد من الحدث الدبلوماسي السنوي الأبرز: الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ بات المنبر الدبلوماسي الأكبر لإيصال صوت الزعماء للعالم أقرب إلى ساحة مدرسة ابتدائية، صراخ وتنمر وسخرية، ومساحة لتصدير المشكلات وتبادل الاتهامات، دون أي بوادر للوصول إلى تفاهمات جوهرية أو قرارات حيوية أو أي جديد يمكن أن يُذكر بحال.

 

لم تكن الدورة الأخيرة الثالثة والسبعون استثناء من ذلك، بدءا من الضحكات على كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين ادّعى أن إدارته هي أكثر الإدارات إنجازا في تاريخ الولايات المتحدة، وهجومه على إيران الذي استدعى ردا من الرئيس الإيراني حسن روحاني بالطبع مع حزمة اتهامات تقليدية لدول الخليج العربية، وصولا إلى الدفاع المستميت لممثلي العراق وسوريا الذين نفوا -كالعادة- أي تدخل إيراني في بلادهم، في مشهد عربي جعل "حسبنة" رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مطلع كلمته هي اللقطة الأكثر تعبيرا عن المشهد الهزلي.

  

إلا أن المهم في مثل هذه المناسبات الكرنفالية هو ما يجري خلف الأضواء غالبا، ولا تلتقطه عدسات المصورين عادة، من اجتماعات الأبواب المغلقة واللقاءات الثنائية السريعة، ومن أمثلتها ذلك العناق النادر و"الحميمي" بين وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، الذي يشهد نظامه عزلة دبلوماسية عربية وعالمية، تجلت بطرد ممثله من جامعة الدول العربية في (نوفمبر/تشرين الثاني) 2011، عناق يبدو أن طرفيه لم يعبآ هذه المرة أن تلتقطه عدسات المصورين أو تتناقشه ألسنة الإعلاميين والمحللين.

   

   

بعد "العناق" بيوم واحد، ظهر آل خليفة على قناة "العربية" السعودية كاشفا أنه التقى "أخاه" المعلم، كما وصفه مرات عدة خلال الدقائق القليلة لحديثه، أكثر من مرة منذ اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١، مستدركا أن هذا اللقاء مختلف لأن "العالم العربي يشهد تحولات إيجابية" باتجاه "دور عربي فاعل" في سوريا "العربية التي تخص العرب أكثر من أي أمة في العالم"، رافضا رؤية "الدول الإقليمية والعالمية وهي تتدخل في سوريا دون دور عربي"، على حد زعمه.

 

حددت كلمات آل خليفة تحولات [1] الموقف العربي الراهن تجاه النظام السوري بوضوح تام على ما يبدو والتي بدأت بتفاهمات سرية على مدى الأعوام الماضية رغم القطيعة العلنية، وصولا إلى رغبة واضحة في "إعادة تطبيع" العلاقات العربية مع نظام الأسد، بعد أن رسخ النظام وجوده بحكم الواقع على ما يبدو مستندا إلى دعم قوى غير عربية بالأساس في مقدمتها إيران وروسيا، بعد أن فشلت الدول العربية على مدار أكثر من سبعة أعوام في التوافق على أجندة موحدة للتعامل مع الصراع السوري، وانخرطت بدلا من ذلك في صراعات بالوكالة ضد بعضها البعض أسهمت في تمكين نظام الأسد في النهاية ودفعت العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري إلى مرحلة جديدة من إعادة التعريف بعد سنوات من الثورة والحرب.

 

تفاهمات كبرى

ربما يمثل "عناق" آل خليفة والمعلم -بكل ما يحمله من دلالات رمزية- المشهد العلني الخليجي والعربي الأوضح والأكثر دلالة حتى اللحظة حول تحولات الموقف العربي تجاه نظام الأسد، إلا أنه لم يكن المشهد الأول أو الأكثر تأثيرا في هذا السياق، إذ سبقه وتبعه خطوات أقرب وأكثر أهمية ودلالة، يبدو أن تأثيرها كان يتجاوز بكثير حدود البحرين الصغيرة.

 

فبعد مرور أقل من أسبوعين على لقاء الأمم المتحدة، أجرى علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري ووزير الخارجية غير الرسمي للنظام، زيارة سرية إلى المنامة، بحسب ما أوردته [2] الدورية الاستخباراتية الفرنسية "إنتلجنس أونلاين"، وكانت الزيارة تهدف على ما يبدو إلى وضع اللمسات الأخيرة على خطط لإعادة افتتاح السفارة السورية في المنامة وعودة الموظفين السوريين إليها، ولاختبار "المياه" حول خطوات مماثلة من قِبل حلفاء البحرين الكبار الإمارات والسعودية، في جهود أشرف عليها ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة.

   

علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري ووزير الخارجية غير الرسمي للنظام (مواقع التواصل)
علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري ووزير الخارجية غير الرسمي للنظام (مواقع التواصل)

   

لا يمكن اعتبار تحركات البحرين في السياسة الخارجية على وجه الخصوص مبادرات مستقلة للإمارة الخليجية التي تعتمد بشكل كبير على جيرانها الأكبر حجما خاصة في المملكة العربية السعودية، حيث يمكن اعتبار مواقف السياسة الخارجية البحرينية امتدادات طبيعية للمواقف السعودية أحيانا كما في الموقف من إيران وحصار قطر وقبل ذلك دعم الانقلاب العسكري في مصر، ومقدمات لها في أحيان أخرى مثل سياسات التطبيع مع إسرائيل، ولا يكاد الموقف من النظام السوري يخرج عن هذه القاعدة بحال، وهي مبادرة لم تكن البحرين لتتخذها دون موافقة سعودية أو دفع سعودي بتعبير أصح. وهو موقف يبدو أن الرياض مهدت له في وقت مبكر على لسان ولي عهدها ورجلها القوي محمد بن سلمان، في تصريحه [3] لمجلة "التايم" الأميركية نهاية مارس/آذار الماضي حين أكّد أن "الأسد باقٍ" على خلاف مع الموقف السعودي التقليدي حول التمسك برحيل الأسد، وهو تصريح تزامن مع تصريح لرئيس النظام السوري بشار الأسد نفسه لصحيفة "الشاهد" الكويتية، وهو التصريح الأول للأسد لصحيفة عربية منذ بدء الأزمة، والذي يزعم خلاله أنه "وصل لتفاهمات كبرى مع دول عربية". [4]

 

"التطبيع"

إلا أن موقف البحرين ومقابلة الصحيفة الكويتية، رغم علانيتهما وحمولتها الرمزية الكبيرة، لم يكونا الخطوات الأكبر والأسبق تجاه تطبيع العلاقات العربية -والخليجية بالأخص- مع النظام السوري، حيث يبدو أن مسيرة الهرولة نحو الأسد بدأت على ما يبدو في وقت مبكر من حليفي السعودية الأقرب: الإمارات والأردن بعد أن كان نظام السيسي في مصر قد حسم موقفه [5] بالتقارب مع النظام السوري وتم وضع اللمسات النهائية على التنسيق الأمني بين النظامين عقب زيارة سرية لعلي مملوك إلى القاهرة نهاية عام ٢٠١٦. [6]

 

فعلى الجانب الإماراتي، لم تقطع أبوظبي -حيث تقيم شقيقة الأسد ووالدته- علاقتها تماما مع النظام منذ اندلاع الأزمة، خصوصا على الخطوط الأمنية، في ظل العداء المشترك الذي يحمله النظامان لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يفسر إيكال ملف علاقة الإمارات مع النظام السوري إلى علي بن حمد الشامسي، نائب رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني في الإمارات، وهو من قاد حملة أبوظبي ضد الإسلاميين في المنطقة، وصولا إلى حلفائهم في قطر وتركيا، نيابة عن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، بحسب دورية "إنتلجنس أونلاين". [7]

 

وقد كشفت [8] صحيفة "الأخبار" اللبنانية، المقربة من "حزب الله"، عن لقاء جرى في وقت مبكر من يوليو/تموز الماضي بين الشامسي ورئيس الإدارة العامة للمخابرات العامة السورية اللواء ديب زيتون حيث تم اقتراح تأسيس قناة خلفية بين الإمارات والنظام السوري عبر السفير الإماراتي في بيروت، حمد بن سعيد بن سلطان الشامسي، الدبلوماسي الإماراتي الثقيل الذي أدار لأعوام مكتب وزارة الخارجية المسؤول عن التحكم بالصادرات والواردات الدفاعية، ورئيس شركة "الظاهرة القابضة"، المسؤولة عن الاستثمارات الزراعية الإستراتيجية للإمارات التي تملك ما يقارب ٢٠٠ ألف هكتار من الأراضي في أفريقيا ومصر وباكستان، وعضو مجلس إدارة "العين القابضة" التي يترأسها نائب رئيس الوزراء السابق حمدان بن زايد آل نهيان، شقيق ولي عهد أبوظبي.

  

نائب رئيس الوزراء السابق حمدان بن زايد آل نهيان، شقيق ولي عهد أبوظبي (مواقع التواصل)
نائب رئيس الوزراء السابق حمدان بن زايد آل نهيان، شقيق ولي عهد أبوظبي (مواقع التواصل)

   

تسلط مواقع الشامسي المتعددة والمتداخلة الضوء على الجوانب المتباينة للتقارب الإماراتي مع النظام السوري والذي يتجاوز الملف الأمني إلى الملف الاقتصادي الذي يتصدره على ما يبدو رجل الأعمال المقرب من آل نهيان، عبد الجليل بن عبد الرحمن البلوكي، والذي زار دمشق مطلع أغسطس/آب الماضي، عقب زيارة الشامسي، والتقى جهات سورية لمناقشة الاستثمار في مشروع "ماروتا سيتي" جنوب دمشق، [9] والذي تُشرف عليه "محافظة دمشق" بالشراكة مع "دمشق القابضة" التي يديرها رامي مخلوف، القطب الاقتصادي للنظام السوري والمدرج في قائمة العقوبات الأميركية والأوروبية، بعقد تصل قيمته إلى ٣٠٠ مليون دولار. [10]

 

يملك البلوكي عدة مناصب تجارية هو الآخر، منها منصب نائب رئيس "آفاق الإسلامية للتمويل"، الشركة المالية التي تعمل وفق قواعد الاقتصاد الإسلامي، وهو مؤسس "شركة الإمارات للتطوير والاستثمار- سوريا" وهي شركة إماراتية تأسست في سوريا عام 2013، بجانب إدارته سابقا للمكتب الخاص للشيخ محمد بن خليل آل نهيان، وتوليه استثماراته الشخصية، وخبرته بتولي عدة مهمات دبلوماسية اقتصادية، مثل ملف الاستثمار الزراعي الإماراتي في السودان، بما يجعل زيارة البلوكي، الأولى من نوعها، حجر أساس لدور إماراتي محتمل في عقود الإعمار المرتقبة في سوريا.

 

وكما هو الحال مع البحرين، يبدو أن تلك الزيارات هي تمهيد لخطة مرتقبة كبرى تتمثل في إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، وهو ما كشفت [11] عنه صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتي" الروسية، نقلا عن مصدر سوري زعم أن الإجراءات تسير على قدم وساق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي ودمشق، مع وجود دبلوماسي غير رسمي للدولة الخليجية في العاصمة السورية وزيارات دورية إلى السفارة هناك، والتي أزالت السلطات السورية من أمامها الأسلاك الشائكة والحواجز الأسمنتية، وكلها خطوات تتوافق مع ما أشار إليه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش عرضا منتصف العام الحالي حين قال إنه "كان من الخطأ طرد سوريا من جامعة الدول العربية". [12]

 

لا يختلف المشهد كثيرا في حالة الأردن، التي استضافت عاصمتها، عمّان، مقر غرفة العمليات الدولية لتنسيق الجهود العسكرية الإقليمية والدولية ضد نظام الأسد، والتي بدأت مسيرتها نحو التقارب مع النظام السوري منتصف عام ٢٠١٧ الماضي، في صورة لقاءات "منتظمة" بين علي مملوك ورئيس دائرة المخابرات العامة الأردنية عدنان الجندي، في قناة أمنية تم افتتاحها بداية العام نفسه بوساطة روسية، لكنها لم تحز موافقة العاهل الأردني عبد الله الثاني في البداية، قبل أن يصرّح باستخدامها لاحقا بعد عدة شهور، بحسب "إنتلجنس أونلاين". [13]

   

رئيس دائرة المخابرات العامة الأردنية عدنان الجندي (مواقع التواصل)
رئيس دائرة المخابرات العامة الأردنية عدنان الجندي (مواقع التواصل)

   

بعد افتتاح هذه القناة، بدأت المخابرات العامة الأردنية، التي أسهمت سابقا في إيصال التمويل والسلاح إلى الثوار السوريين في حوران، جنوب سوريا، بدأت في الضغط عليهم لمغادرة المنطقة، وهو ما تم تتويجه بالفعل بلقاء أخير بين مملوك والجندي نفسيهما في محافظة المفرق الأردنية في أبريل/نيسان الماضي، [14] تبعه انطلاق معركة حوران بعد ذلك بشهور قليلة، والتي انتهت بدخول النظام السوري وحلفائه إلى مهد الثورة السورية، درعا، مقابل السماح للأردن بتأسيس مناطق أمنية في الجانب السوري كحصن في مواجهة القوات الإيرانية الموجودة هناك.

 

بعد دخول النظام السوري إلى درعا، تم استئناف المحادثات بين الأردن وسوريا بهدف افتتاح معبر نصيب الحدودي بين البلدين، وهو ما وقع أخيرا منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، [15]وسط "احتفال" أردني تمثل بزيارة وفد برلماني أردني للقاء الأسد، [16] احتفاء بالحدث الذي يُمثل متنفسا اقتصاديا لكلا البلدين اللذين يواجهان ظروفا اقتصادية عصيبة، وفي اليوم نفسه، تم افتتاح معبر القنيطرة بين الجانب السوري والجانب المحتل من هضبة الجولان باعتراف إسرائيلي، ليُحكم النظام السوري بذلك سيطرته التامة على الجنوب.

 

ومع تهيئة حلفاء السعودية للمسرح الأمني والدبلوماسي للتطبيع مع النظام السوري، وباعتراف ومباركة "إسرائيل" [17] لوجود الأسد، تم تمهيد الطريق تماما لدخول السعودية بنفسها إلى المشهد وفق ما كشفه [18] مصدر سوري لموقع "المصدر"، المقرب من النظام السوري، عن محادثات مشتركة بين الجانبين السعودي والسوري، في قنوات خلفية تتوسطها أبوظبي، سعيا للوصول إلى تسوية سياسية، تخللتها مناقشات حول وجود "الإخوان المسلمين" وكيفية "هزيمة أيديولوجيتهم"، بحسب المصدر.

 

هل يعيد التاريخ نفسه؟ 

"يعيد التاريخ نفسه في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كملهاة"

(كارل ماركس)

 

في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول عام ٢٠٠٩، وفي حدث استثنائي، حطّت طائرة ملكية سعودية واحدة فقط -بغير ما جرت عادة ملوك السعودية في السفر- في مطار دمشق الدولي، حاملة العاهل السعودي، حينها، عبد الله بن عبد العزيز، ليكون في استقباله على السجاد الأحمر رئيس النظام السوري بشار الأسد، في لقاء غير متوقع بين قطبي محور "الاعتدال" ومحور "الممانعة" بعد انقطاع دام ما يقارب خمسة أعوام، بدأت بوادره مع الاحتلال الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣ ثم اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني ورجل السعودية في البلاد عام ٢٠٠٥ والذي يُتهم النظام السوري بالوقوف وراءه، وحرب لبنان عام ٢٠٠٦، التي حوّلت الخلاف السياسي إلى خلاف شخصي عقب وصف الأسد الشهير للعاهل السعودي وأولئك الذين وقفوا ضد حزب الله في الحرب بأنهم "أنصاف رجال". [19]

    

الملك السعودي عبد الله بن عيد العزيز مع الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)
الملك السعودي عبد الله بن عيد العزيز مع الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)

     

كان التحرك السعودي حينها مدفوعا بالخوف المتزايد من الصعود الإيراني في المنطقة، [20] بعد أن باتت طهران واقفة على حدود السعودية مباشرة بعد الانسحاب الأميركي من العراق عام ٢٠١١، وكانت السعودية راغبة فيما يبدو في احتواء سوريا، أقرب حلفاء إيران، داخل "الصف العربي"، وهي رغبة وجدت في مقابلها رغبة اقتصادية لدى النظام السوري في جلب الأموال السعودية في الوقت الذي يتحوّل فيه من نظام اشتراكي صارم إلى نظام نيوليبرالي وسوق مفتوح.

 

تزامن ذلك مع صعود إقليمي لتركيا قائم على التوسع الاقتصادي والثقافي في المحيط العربي والإسلامي لأنقرة لتأكيد "عمقها الإستراتيجي"، مع مخاوف من صعود حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية في إسرائيل وتراجع للأدوار الإقليمية للدول العربية الكبرى، وعلى رأسها سوريا ومصر والسعودية وعراق ما بعد الاحتلال، لصالح مشاريع إقليمية غير عربية (إيرانية، تركية)، والتي عمل النظام السوري حينها على تعزيز علاقاته معها لخلق نوع من التوازن بينها واللعب على تناقضاتها، قبل أن تنفجر هذه التناقضات بوجهه في أعقاب الثورة. [21]

 

لا يبدو المشهد الراهن أكثر من تكرار للمشهد حينها مع فوارق طفيفة لا تكاد تُذكر: سيطرة إقليمية غير عربية على دمشق، وأزمة اقتصادية مُلحّة تتطلب كل الأموال الأجنبية، واختلال إستراتيجي في الموازين الإقليمية، تدفع نحو صحوة مفاجئة متأخرة للنظام الرسمي العربي لمحاولة احتواء أو اكتساب دمشق الواقعة بعيدا عن إيران [1، 22] وهو ما تجلى في تصريحات محمد بن سلمان السابق الإشارة إليها والتي لم يبد خلالها غضاضة حول "بقاء الأسد" آملا ألا يتحول إلى "دمية" في يد طهران. ولكن محاولات إبعاد النظام السوري عن طهران -التي فشلت فشلا ذريعا قبل عقد من الزمان- من غير المرجح أن تنجح اليوم بعد أن سيطر الإيرانيون بحكم الواقع على سوريا، وهو ما يعني أن جل ما يفعله العرب هو منح صك الشرعية من جديد للنظام السوري، شرعية يبدو أن الأسد اكتسبها -بحكم الواقع- بفضل إيران في المقام الأول مهما حاول الجميع ادعاء خلاف ذلك.

المصدر : الجزيرة