شعار قسم ميدان

ليس مجرد ميناء.. غوادر ولعبة باكستان للانتقال لمصاف الكبار

midan - Gowader
مقدمة المترجمة

يصل التاريخ لذروته، فنتوهم أن هذه هي النهاية، بينما تتولد صراعات أخرى يستيقظ عليها العالم كل صباح مندهشا. وعلى خريطة العالم يُلقى النرد، فتتحرك الجيوش مدمرة كل شبر تطؤه، ومُحرقة كل مدينة وقرية. هذه المرة، يقف ميناء غوادر في باكستان، معلنا في الأفق، عن صراع محتدم، بدأت ملامحه في التشكل، وفي القلب منه، تقف الولايات المتحدة والصين وباكستان والهند. فهل ستكون لإحدى هذه القوى اليد العليا والنصر الأكبر؟ ما دور ميناء غوادر في هذا اللعبة الكبرى؟

نص التقرير

عبر "الأرض المجاورة للماء"، كما يشار إليها باللغة الأفغانية تراجعت جيوش الإسكندر الأكبر إلى بلاد فارس. وبعد عدة قرون من زمن الاسكندر وقبل حربها الأفغانية الكارثية في عام 1839، أرسلت الإمبراطورية البريطانية مبعوثين إلى خان مقاطعة بلوشستان لطلب ضمان مرور آمن عبر أراضيه.

وتبقى من المفارقات في التاريخ أن خليفة الإمبراطورية الإنجليزية استخدم مرة أخرى بلوشستان كطريق توريد لحربها في "مقبرة الإمبراطوريات" أفغانستان. وبعد أكثر من 100 عام، بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، وجدت المقاطعة نفسها في بؤرة اهتمام وسائل الإعلام الدولية عندما أوضح زبيغنيو بريجنسكي مفكر ومستشار سابق للأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أن مقاطعة بلوشستان تعتبر ذات أهمية حيوية في منطقة الخليج الفارسي حتى أن الدفاع عنها سيكون فيه مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة. ومن هنا، يمكن رؤية وضع المنطقة الذي جعلها دائما ساحة معركة على السلطة والهيمنة والتوسع بين القوى العالمية الكبرى.

ولم يكن البلوش أنفسهم مغيبين خلال هذه الأوقات، فبدءًا من اللحظة التي أصبحت أراضيهم جزءًا من باكستان عام 1948، قاوموا في خمس انتفاضات رئيسية مستمرة ضد الحكومة المركزية في إسلام آباد والقوات الباكستانية. وازداد الخلاف بين متمردي البلوش وإسلام آباد عندما أنشئ ميناء بحري كبير في المياه الدافئة في منطقة جوادار في بلوشستان بشكل سريع تحت إشراف صيني.

غوادر، التي كانت في ذلك الوقت قرية صيد صغيرة إلى حد ما، كانت أرضا حبيسة في عمان، واشترتها الحكومة الباكستانية في نهاية المطاف في عام 1958. وسرعان ما ظهرت خطط لتحويلها إلى ميناء رئيسي، ولكن لم يتم تطويرها بشكل جدي حتى عام 1993 وبدأت أعمال البناء في عام 2002. ويقع الميناء نفسه في يد سلطة ميناء غوادر، المملوكة للحكومة الباكستانية، وتم تشغيله في البداية على يد شركة بي إس إيه انترناشونال، وهي أحد أكبر مشغلي الموانئ في العالم في سنغافورة.

باكستان لم يكن لديها خيار سوى تسليم الميناء للصين من أجل تطويره، ويرجع ذلك بسبب سعي القوى الغربية سابقا لتعطيله
باكستان لم يكن لديها خيار سوى تسليم الميناء للصين من أجل تطويره، ويرجع ذلك بسبب سعي القوى الغربية سابقا لتعطيله
 

ومع ذلك، وبسبب بطء التقدم وقلة النشاط التجاري، طلبت الحكومة الباكستانية في النهاية من جمهورية الصين الشعبية تولي الإجراءات في غوادر، وفي عام 2013، مُنحت الشركة الصينية المملوكة للدولة (COPHC) رسمياً عقداً بمليارات الدولارات لبناء وتشغيل الميناء. وباتخاذها هذا القرار، تجاهلت باكستان والصين بشكل متعمد "دهشة" كل من الولايات المتحدة والهند والعديد من الدول الغربية والخليجية، بما فيها إيران.
 

ومن المثير للاهتمام أنه لم يكن أمام باكستان خيار سوى تسليم السيطرة إلى الصين، حيث أن شركة بي اس ايه (PSA)، التي يزعم أنها انحنت للضغط العربي والغربي، نفذت العمل ببطء قصدا، بحيث يكون غوادر مجرد أمنية في طور التحقيق لا واقعا.

ولكن لماذا تثير قرية صيد سابقة في إقليم بلوشستان الباكستاني "الدهشة" في عواصم العالم ويزعم أنها السبب وراء وجود مؤامرة خلف الكواليس تضم أحد أكبر مشغلي الموانئ في العالم وتقود الجمهورية الشعبية إلى إبداء الكثير من الاهتمام والموارد والقوى العاملة في بنائه.

غوادر في عيون الخبراء الاستراتيجيين الجيولوجيين

من الضروري النظر إلى غوادر وبلوشستان من خلال منظور التحليل الجيوسياسي. وبشكل عام، هناك إفراط في استخدام مصطلح "الجغرافيا السياسية" وبسبب الغموض الناتج عن فرط الاستخدام هذا، لا يوجد توافق في الآراء حول تعريف واحد. وربما يكون التعريف الأكثر "محايدة" هو أن الجغرافيا السياسية تشير إلى "تحليل التأثيرات الجغرافية على علاقات القوة في العلاقات الدولية". ولتحديد علاقات القوة هذه حول غوادر وفهم الغرض منها، من الضروري أولاً وقبل كل شيء النظر إلى بلوشستان من خلال النظريات الأساسية في التفكير الجيوسياسي من أجل تحقيق موقعها الجغرافي الأعلى.
     

undefined

  

فالنظريات الجيوسياسية، ورسم الحدود على الخرائط التي تسير مباشرة عبر حياة الشعوب وتغيرها، والحديث عن السيطرة والهيمنة، قد لا تظهر فقط كطريقة للتفكير والتنظير ووضع الاستنتاجات، بل يمكن القول، إنها مجرد أفكار مجردة متعلقة بهوس العظمة بحد ذاته. ومع ذلك، نخلص إلى أن الاعتبارات الجغرافية السياسية كانت من العوامل الرئيسية المحددة لاستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى، وبالتالي حافزًا لتحركاتها التاريخية الفعلية على الأرض.
  

إلا أن هذا الأمر لا يقتصر الولايات المتحدة، أو القوى الغربية الأخرى في هذا الشأن وحدها. حيث إن النظر إلى غوادر وبلوشستان في ضوء النظرية الجغرافية السياسية يسلط الضوء على موقعه الاستراتيجي الفعلي على خريطة العالم، في حين يوفر أيضًا نظرة ثاقبة حول الطريقة التي ينظر بها الأشخاص المعنيون إليه ويتصرفون بشأنه.
  

وتعد نظرية نيكولاس سبايكمان "أرض الحافة" واحدة من أكثر وجهات النظر المؤثرة على الجغرافيا السياسية، وفي جوهرها يكمن المفهوم الذي روج له أول مرة زميله هالفورد ماكيندر باعتبار اليابسة الأوراسية "جزيرة العالم" بمحوريتها وموقعها الذي يمكن أن يصفها بأنها "قلب الأرض" أو المركز. وبناءً على هذا، يشاطر سبايكمان أيضاً ماكيندر قلقه من أن حجم قلب الأرض الهائل، بالاقتران مع الكم العظيم من الموارد فيه، من شأنه أن يمكّن أي قوة تسيطر عليها لتحقيق الهيمنة على العالم بأجمعه.
  

الكلمة نفسها "غوادر"، هي مزيج من الكلمتين البلوشيتين جوات (الريح) ودار (بوابة)، ومع ذلك، من منظور مستوحى من نظرية سبايكمان، فإنه لا يشكل بوابة للرياح فحسب، بل هو بوابة لأي قوة أوروبية آسيوية إلى "المناطق المنتجة للنفط في الكتلة الأرضية الأوراسية والطرق البرية إلى قلب الأرض". وهكذا إذا كان من المهم في الواقع التأثير لى هذه الأرض المركزية والسيطرة عليها، والأهم من ذلك، منع أي قوة أخرى من القيام بذلك، فإن غوادر وبلوشستان تشكلان جوائز جيوسياسية هائلة للفائز بهما.
     

undefined   

جائزة اللعبة: أهمية جوادار في الجيوسياسية المعاصرة

خلال التسعينات، ومعظم أجزاء أوائل القرن الواحد والعشرين، كان يعتقد أن نهاية الحرب الباردة ستجلب أخيراً ما يسمى بـ "نهاية التاريخ". ومع ذلك، عندما أعلن الفيلسوف جورج فيلهيلم هيغل لأول مرة نهاية التاريخ بعد هزيمة نابليون لجيش بروسيا في معركة يينا-أورشتيدت في عام 1806، كشف التاريخ عن خطط أخرى عندما شهد العالم صعود منافس أوروبي آسيوي آخر، هو جمهورية الصين الشعبية.
  

من المؤكد أنه إذا استرجعنا المعلومات الخاصة بالوضع الراهن والقوى العالمية قديما وحاليا، يمكننا النظر إلى التاريخ الطويل ونتساءل "عما إذا كانت القوة المتصاعدة تنظر إلى حماية وتعزيز قيمها الأساسية باعتبارها تعتمد على التغييرات الأساسية في النظام العالمي القائم؛ أو ما إذا كانت غير راضية فقط عن قدرها ومكانتها في هذا النظام".
  

ومع ذلك، ففي الوقت الذي كان فيه النقاش حول كيفية تحديد صعود الصين في الأوساط الأكاديمية، فإن وزيرة الخارجية الأمريكية حينها هيلاري كلينتون تحدت الصين في نوفمبر / تشرين الثاني 2011 عندما قالت: "مع انتهاء الحرب في العراق وبدء أمريكا في سحب القوات من أفغانستان، تقف الولايات المتحدة عند نقطة محورية في تاريخها". واصفةً تلك الفترة بـ " قرن أمريكا الباسيفيكي"، ومهدت تصريحاتها لمشاركة عسكرية كبيرة ومتواصلة في آسيا، ومن الصعب تحديد أي غرض آخر لميل أدارة أوباما نحو آسيا سوى لتحجيم صعود الصين.
  

علاوة على ذلك، في حين أنه قد يكون هناك جدل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تحجم الصين أم لا، فإن الحقيقة الأساسية هي أن بحرية الولايات المتحدة، من خلال التحكم في مضيق ملقا الذي يتم من خلاله شحن الجزء الأكبر من نفط الصين، تمارس سلطة الفيتو على إمدادات الطاقة للمملكة الوسطى( الصين). وكذلك يسيطر الجيش الأمريكي على حقول النفط في الشرق الأوسط، والتي وصفت بأنها "مصدر هائل للقوة الإستراتيجية، وأحد أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم". وبطبيعة الحال، فإن أي انقطاع في إمدادات النفط سيكون له تأثير كبير على النمو الاقتصادي للصين وسيكون بمثابة تهديد للصين.
    

undefined

     

وكان هناك رد فعل من الصين يُشار إليه باسم «خيط اللؤلؤ» لربط الموانئ في بحر الصين الجنوبي بعد اتباع أفضل تقاليد التوسع الإمبريالي البريطاني مع محطات الفحم المنتشرة في جميع أنحاء العالم، حيث بدأ الصينيون ببناء شبكة من الموانئ والمحاور البحرية ذات المواقع الاستراتيجية في جميع أنحاء آسيا والتي يحاولون فيها الهروب من معضلة مضيق ملقا.

وفي حوار قديم مع الجنرال حميد غول، المدير السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية، قال إن ‘غوادر ستصبح جوهرة في سلسلة اللؤلؤ الصينية". لماذا؟ أولاً، لقربها من مضيق هرمز الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وهو نقطة انتقالية حرجة يتم من خلالها نقل 17 مليون برميل، أي ما يقرب من 20٪ من النفط المتداول في العالم في اليوم، لتغذية الاقتصاد العالمي. وثانيا، يوفر الميناء أيضا لجيش التحرير الشعبي نقطة تمركز استراتيجية وقاعدة بحرية للحصول على موطئ قدم كبير بالقرب من حقول النفط في الشرق الأوسط. وثالثا، هناك صلة اقتصادية محتملة بجمهوريات آسيا الوسطى. وكما أكد الرئيس برويز مشرف نفسه في حفل افتتاح غوادر قائلا: "هذه المنطقة برمتها مثل الأنبوب". والجزء العلوي منه هو هذه المنطقة الواسعة من آسيا الوسطى والمنطقة الغربية بالصين كذلك ويمر عبر باكستان ونهايته هو ميناء غوادر. لذا فإن باكستان وميناء غوادر، يوفران المدخل والمنفذ إلى هذا الأنبوب الإستراتيجي ومنه.

وأخيرا، هناك حقيقة أنه في حين أن بلوشستان نفسها قد لا تكون منحت السلام عبر تاريخها، فقد أنعم عليها (أو لعنت ربما) بموارد طبيعية وفيرة؛ فبالإضافة إلى احتياطيات النفط والغاز التابعة لها، فإن المنطقة تذخر بالذهب والفحم والنحاس وخام الحديد ورواسب الرصاص والزنك والتيتانيوم واليورانيوم. وتقع معظم احتياطيات باكستان من الغاز البالغة 25.1 تريليون قدم مكعب و300 مليون برميل من النفط في مقاطعة بلوشستان. ومع وضع غوادر كحجر زاوية لسياستها في البلاد، قامت جمهورية الصين الشعبية بالفعل ببناء طرق رئيسية في باكستان ومسار سكة حديد فائق السرعة يربط جوادار بمقاطعة شينجيانغ الغربية في الصين ومنطقة آسيا الوسطى الأوسع.

وبالنظر إلى هذه العوامل، يتضح أكثر أسباب استثمار الصين حوالي 46 مليار دولار في ما يعرف باسم "الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني"، الذي يعد حجر الزاوية في طموحات بكين لفتح طرق تجارية ونقل جديدة عبر آسيا وتحديها للولايات المتحدة باعتبارها قوة إقليمية مهيمنة.
   

إذا كان اللاعبون الآخرون في هذه اللعبة الكبرى سوف يقفون في مكانهم ويسمحون لباكستان والصين باكتساحهم والفوز بواحدة من أكبر الجوائز الجغرافية الاقتصادية على قلب الأرض الأوروآسيوية
إذا كان اللاعبون الآخرون في هذه اللعبة الكبرى سوف يقفون في مكانهم ويسمحون لباكستان والصين باكتساحهم والفوز بواحدة من أكبر الجوائز الجغرافية الاقتصادية على قلب الأرض الأوروآسيوية
   

وتزداد العلاقات الباكستانية-الصينية قوة يوما بعد يوم، والمصلحة الصينية متأصلة للغاية في باكستان، على سبيل المثال إذا نظرت إلى غوادر، تجد أن الطريق الذي يتم بناؤه من غوادر إلى الصين، يتم تمويل خط الأنابيب كله من الحكومة الصينية. وفي الواقع غوادر تناسب الصين وليس الولايات المتحدة، وبالنظر إلى هذه الأرقام، يجد المرء أنه من الصعب تصديق أن "جوادار مسألة هامشية إلى حد ما من منظور بكين" كما يقول بعض علماء الاقتصاد. ومع ذلك في نفس الوقت نجد أن الصين لا تعمل في عزلة عن الجميع ويعلو صوت السؤال عما إذا كان اللاعبون الآخرون في هذه اللعبة الكبرى سوف يقفون في مكانهم ويسمحون لباكستان والصين باكتساحهم والفوز بواحدة من أكبر الجوائز الجغرافية الاقتصادية على قلب الأرض الأوروآسيوية.

  

الضربة المرتدة: الاضطرابات العنيفة في بلوشستان والتدخلات الأجنبية

"علينا أن ننظر إلى إنشاء أي قوة أخرى لقاعدة بحرية أو موقع محصن على الخليج الفارسي باعتباره تهديد خطير لمصالحنا ويجب علينا بالتأكيد مقاومة ذلك بكل الوسائل المتوفرة لدينا" كانت هذه كلمات اللورد لانسداون، وزير الخارجية ونائب الملك السابق في الهند في عام 1903، وعلى خلفية تحذير اللورد لانسداون منذ أكثر من 100 عام، نذكر مقولة فيكتور هوغو القديمة بأن التاريخ هو في الأساس "صدى للماضي في المستقبل، وانعكاس المستقبل في الماضي". 
  

في الواقع، بدا التاريخ وكأنه يعيد نفسه عندما أعرب قائد البحرية الهندية، الأدميرال سوريش ميهتا، عن قلقه بشأن "التصاميم الصينية على المحيط الهندي" و"الآثار الاستراتيجية الخطيرة لغوادر على الهند". ومن بين تلك الآثار الإستراتيجية نجد بزوغ فجر التعاون والشراكة بين الهند وأمريكا، الذي يهدف إلى عرقلة واحتواء وجود صيني متزايد في جميع أنحاء منطقة مركز الأرض.
   

وازداد الحديث عن هذا التعاون بشكل كبير منذ تم ذكر الهند في "الدليل الاستراتيجي" لعام 2012 الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية. ومما يزيد من تفسير هذا التغيرات، يؤكد علماء الاقتصاد أنه في تحجيم أمريكا للصين واحتوائها، ستصبح الهند قوة عالمية محورية، بل إنه يمكن التنبؤ بأن "القواعد الأمريكية في الهند ستنبثق على الأرجح لمنع الحصار الصيني الوشيك". وفي الواقع باعتبار الهند قوة رائدة في منطقة مركز الأرض فإنها تعد أفضل رهان لتقييد الصين القوية في المستقبل، وفقا لاستراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية في آسيا.

  

هناك العديد من المجالات التي تحاول فيها الهند وأمريكا مواجهة تزايد النفوذ الصيني في باكستان وتحديدا في ميناء غوادر والتي ينكشف بعضها للعالم ويخفى عليه البعض
هناك العديد من المجالات التي تحاول فيها الهند وأمريكا مواجهة تزايد النفوذ الصيني في باكستان وتحديدا في ميناء غوادر والتي ينكشف بعضها للعالم ويخفى عليه البعض

    

يبدو من الطبيعي أن ينظر إلى احتواء الهند على أنه "لعبة الصين الكبرى"، ستخدم غوادر فيها الغرض بأن تصبح "مركز العمليات" الذي يستهدف آسيا الوسطى وغرب آسيا وشمال أفريقيا. وبشكل طبيعي، هناك العديد من المجالات التي تحاول فيها الهند وأمريكا- معا أو كل على حدى- مواجهة تزايد النفوذ الصيني في باكستان وتحديدا في ميناء غوادر والتي ينكشف بعضها للعالم ويخفى عليه البعض.

وفي بداية الانتفاضات في عام 2004، قُتل ثلاثة من عمال الموانئ الصينيين في هجوم على غوادر، وخطف آخرون أو قُتلوا منذ ذلك الحين. في عام 2013 "شنّ ما لا يقل عن ثمانية عشر هجومًا على البنية التحتية للسكك الحديدية وخطوط أنابيب الغاز وصهاريج الوقود فاضطربت إمدادات الطاقة في البلاد".

علاوة على ذلك، استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل زيارته لباكستان في أبريل 2015، رسالة واضحة عندما شن متمردون من البلوش هجوما على محطة رادار ساحلية قرب ميناء غوادر وكذلك قافلة لقوات الأمن – والقائمة تطول. وكرد فعل على كل ذلك، تعهدت باكستان بإنشاء قوة خاصة جديدة قوامها 10 آلاف رجل في الجيش الباكستاني لحماية العمال الصينيين في باكستان. ومع ذلك، فإن كلا من المصادر المتاحة للجمهور وكذلك العشرات من المقابلات غير الموثقة تشير إلى وجود شك معقول وقوي بأن غوادر هو ببساطة جائزة جيوسياسية وجيواستراتيجية أكبر من أن تتركها باكستان للسيطرة الصينية.

وهكذا، في حين أنه من الواضح أن القوى المعنية لا يمكن أن تتدخل بشكل علني في باكستان المسلحة نووياً، يمكن تمييز أنماط استراتيجية التوازن الأمريكية مع الهند ضد النفوذ المتنامي لجمهورية الصين الشعبية في منطقة قلب الأرض الأوراسية.

"عندما يموت الجميع تنتهي اللعبة الكبرى.. وليس قبل ذلك"
(رديارد كيبلينج)

       

undefined

  

في رواية شهيرة عالمية اسمها "كيم" للكاتب الإنجليزي رديارد كيبيلنج يلعب البطل لعبة خطيرة، عبارة عن لوحة مرسوم خريطة العالم، ويمنح اللاعب عددا من الجيوش ويكون الهدف الأسمى هو احتلال العالم بأكمله والسيطرة عليه. وإذا كانت "اللعبة الكبرى" في رواية كيبلنج تتحدث عن الإمبريالية والمعرفة والقوة، فإنه يمكن بلا شك لم يبصر ومن لا يبصر أن يوقن أنه لم يتغير شيء كثير في القرون الماضية منذ أن كان الأسد البريطاني والدب الروسي يواجهان بعضهما البعض في صراعهما الوحشي على كنوز آسيا الوسطى.

وبعد أن نظرنا إلى ميناء غوادر عبر عدسات النظريات الجيولوجية الإستراتيجية، أصبح من الواضح أنه يشغل موقعًا جغرافيًا أعلى في منطقة القلب الأوراسية، وأنه لا يمكن تجاهله من قبل أي قوة متلهفة للسيطرة على "مصائر العالم". كما أن قربها من الخليج الفارسي يشكل أيضًا فرصة إستراتيجية هائلة لمملكة وسطى صينية صاعدة، مصمّمة على الخروج من اعتمادها على حسن نية البحرية الأميركية، التي تحرس بحماس مضيق ملقا ويمكنها تشديد قبضة حديد حوله في أي وقت. وهكذا فإن الـ46 مليار دولار، التي تعهدت بها الصين للاستثمار في البنية التحتية المرتبطة بالطاقة في باكستان، تكاد تتحدث عن نفسها عندما يتعلق الأمر بالأهمية التي توليها الجمهورية الشعبية للمشروع.

إن غوادر، كما أصبح واضحاً، أكثر من مجرد ميناء، ولكن ينبغي كذلك أن يُنظر إليه على أنه رمز لنضال جيوسياسي أوسع نطاقاً، يبدو أنه من المقدر له تعريف القرن الواحد والعشرين في كتب التاريخ السياسي والاقتصادي. ويجد اللاعبون الكبار الآخرون في هذه اللعبة الكبرى الجديدة، وبالتحديد الولايات المتحدة والهند، أنفسهم يقاتلون جنباً إلى جنب في معركة غامضة ضد نفوذ صيني أكبر في مثل هذه المنطقة الحرجة من العالم. وفي النهاية، يمكن استنتاج أنه إذا تم أخذ التاريخ الحديث كمعيار لنتعلم منه، فيجب النظر إلى توقع كيبلينج القاتمة حول نهاية اللعبة الاستعمارية الكبرى كمؤشر لما قد يحمله المستقبل لغوادر وبلوشستان والعالم بأكمله.

______________________________________________________________

مترجم عن: إنترناشيونال ريليشن