شعار قسم ميدان

هل تدعم واشنطن "ولاية خراسان" لمواجهة تقارب الصين وطالبان؟

midan - خرسان
اضغط للاستماع
     
على مدار ثلاثة الأشهر الأولى من العام الماضي 2017، بدت الأحوال طبيعية كعادتها في قرية نائية على بعد خمسة كيلومترات من منطقة جبلية وعرة بتخوم ولاية "ننكرهار" شرق أفغانستان، أحوال اعتادها أهالي منطقة "أتشين" الأفغانية ومحيطها، ومشاهد تقليدية مألوفة لهم بينها جولة تسوق يومية تقوم بها مجموعات من مقاتلين مسلحين بتسليح خفيف في متاجر القرية، قاضين حاجاتهم ليصعدوا إلى كهوف الجبال المتاخمة لـ "أتشين" مرة أخرى حيث مساكنهم الدائمة. لم يكن مشهد مجموعة مسلحة مستهجنا في طرقات قرى بلد يعج بالمقاتلين مثل أفغانستان، لكن الأهالي سرعان ما بدأوا في تساؤلات حول زبائن جدد لم يكونوا محليين في غالبهم وإنما عرب وباكستانيون وصينيون [1]، وبرغم فزعهم فإن اعتيادهم انتصر في النهاية مخلفا تساؤلات أقل بمرور الوقت.

 

بحلول شهر مارس/آذار للعام نفسه، اشتدت حملة الحكومة الأفغانية العسكرية، بدعم من واشنطن والقوات الأميركية المرابطة في البلاد، ضد فرع تنظيم الدولة "داعش" المعروف بـ "ولاية خراسان". وبعكس الغارات الجوية المستمرة، لم تستطع قوات النخبة الأفغانية المدعومة أميركيًّا من اختراق المنطقة النائية، بينما أخذت عناصر "ولاية خراسان" في المراوغة والتنقل بين شبكة شديدة التعقيد من كهوف جبلية طبيعية وأنفاق سرية، بُنيت على مدار شهور طويلة، لمواجهة مثل هذه الحملات، واتُخذت كقاعدة لتنفيذ هجمات ضد ثلاثية الحكومة الأفغانية وحركة طالبان والقوات الأميركية. كانت تلك المرة الأولى -حد تعبير الأميركيين- التي يواجهون فيها عائقا طويل الأمد كهذا، عائق تمثّل في أشباح الكهوف من مقاتلي "ولاية خراسان"[2].

   

  (قصف القوات الأميركية لأحد الكهوف التابعة لتنظيم الدولة في جبال منطقة "أتشين" بأفغانستان)

 

رُفعت هذه المعضلة للبيت الأبيض سريعا، في وقت لم يكد يمضي فيه على وجود ترمب في المكتب البيضاوي سوى أشهر قليلة. وقبيل ذلك بشهر كان الجنرال "جون نيكلسون"، قائد القوات الأميركية بأفغانستان، يخبر لجنة تابعة للكونجرس في فبراير/شباط أن "تنظيم الدولة" خلال عام 2016 قد خسر نحو ثلث مقاتليه وثلثي الأراضي الأفغانية الواقعة تحت سيطرته بفعل ضربات الطائرات بدون طيار "درونز" وعمليات القوات الخاصة، لكن التقارير الواردة عن آخر المواجهات في جبال أتشين أكدت أن التنظيم لا يزال حيًّا عكس إفادة جنرال البنتاغون[3]، وعكس المتوقع، لم يؤثر ذلك بثقة الرئيس الأميركي الجديد بوزارة دفاعه، وكعادته في السير كتفا بكتف مع العسكريين قرر تفويضهم لإنهاء المعقل الأخير بأي وسيلة ممكنة[4].

 

لأسبوعين تقريبا لم يعلم أحد بالاتجاه الأميركي الجديد للتعامل مع مقاتلي "ولاية خراسان"، وفي ظل أيام من التوقعات غير الصحيحة، وبينما كانت ورديات مقاتلي التنظيم الروتينية مستمرة في الخنادق الجبلية كما العادة، كان أهالي القرية الجبلية المتاخمة لـ "أتشين" أول من يعلم بما قرره البنتاغون وصدّق عليه ترمب بأوضح وسيلة ممكنة. وفي ليلة الخميس 13 أبريل/نيسان شعر السكان بهزة أرضية عنيفة وصوت مدوٍّ لم يختبروا سماعه قبلا، وارتجت منازلهم وحوانيتهم كأن زلزالا ضخما أصاب القرى، وبعد ليلة لم يسبق لها مثيل فوجئوا صباح اليوم التالي بأعداد كبيرة من القوات الخاصة الأفغانية والأميركية تجتاح مساحاتهم، مطوقة حيز الانفجار بحزام أمني وفارضة لحصار شامل على المنطقة.

 

بالنسبة لمواطنين أَلِفُوا صوت الرصاص والانفجارات لسنوات طويلة كأصوات طبيعية تماما، لم يكن ما حدث قصفا عاديا لغارة جوية روتينية، ولفترة قصيرة لم يستطع أحد تخمين ما حدث، قبل أن تتكشف الحقيقة كاملة: لقد استدعى البنتاغون -بتفويض من ترمب- سلاحا نادرا لم تستعمله واشنطن قبل ذلك بأي حال، مقررة ضرب عناصر "ولاية خراسان" بأقوى قنبلة تقليدية (غير نووية) في الترسانة الأميركية. وبمتفجرات بلغ وزنها قرابة عشرة آلاف كجم، ألقت طائرة نقل عسكري طراز لوكهيد مارتن.سي-130 -المعروفة بـ "هرقل"- قنبلة GBU43 المعروفة بـ "أم القنابل".

 

طالما مثّلت "أم القنابل" منذ ابتكارها أوائل العقد السابق أقوى سلاح في الترسانة الأميركية خلاف الصواريخ النووية، وقبيل القصف لم تمتلك واشنطن إلا خمس عشرة قنبلة فقط منها. ومن الخارج، بدا ترمب وجنرالاته متعجلين[5] حد استخدام قنبلة يوازي وزنها وزن طائرة إف-16 كاملة، لكن الرأي العام المحلي الأفغاني لم يشاركهم ذلك التعجل، خاصة مع نتائج غامضة لضربة لم يعرف تأثيرها بأي شكل، واتهم الشعب القوات المشتركة بتحويل البلاد إلى مزرعة تجارب مفتوحة للبنتاغون، أمرٌ ساقه حتى "حامد كرزاي" نفسه -حليف واشنطن الأثير السابق- حينما غرد قائلا إن هذه ليست "حربا على الإرهاب، وإنما إساءة استغلال غير إنسانية وأكثر وحشية" لبلاده كـ "أرض تجارب لأسلحة جديدة وخطيرة".

 

undefined

   

لم يعرف أحد على وجه الدقة نتائج الهجوم، فمن ناحية أصر التنظيم على أنه لم يتكبد خسائر تذكر، وأصرت وزارة الدفاع الأفغانية أن الهجوم آتى أُكله وشاركها البنتاغون إصرارها، بينما قال نشطاء أفغان إن الهجوم أسقط قتلى مدنيين بالفعل، لكن -وللمفارقة الساخرة- كانت النتيجة الماثلة أمام الجميع بعد الانفجار العاصف أقرب ما تكون إلى رواية التنظيم نفسه، ووجدت واشنطن نفسها تقف مشاهدة عرضا طالما تكرر لمقاتلي التنظيم الذي تمدد بعد ثلاثة أشهر من أم القنابل لينتزع جزءا آخر من كعكة "طالبان"، وليعلن سيطرته على منطقة أخرى في أشهر معاقل الجهاديين العالمية: أراضي "تورا بورا" الجبلية[6]، وعنى ذلك بالضرورة أن الولايات المتحدة بمشاركة القوات الأفغانية يمارسان مطاردة ساحرات غير مجدية بشكل أو بآخر، بينما يراقب الأفغان نهوض عنقاء "داعش" من جديد.

 

العنقاء

حمل عهد ما بعد "أم القنابل" مفارقة ساخرة أخرى، فما فشلت فيه الولايات المتحدة طوال 16 عاما نجح فيه مقاتلو "ولاية خُراسان" بعد قتال استمر لعدة أيام فقط في مواجهة "طالبان". وبينما رفضت الحركة الأفغانية العتيدة الاعتراف بخسارة "تورا بورا"، معلنة على لسان الناطق باسمها "ذبيح الله مجاهد" أن ما حدث هو "مجرد خسارة قرى وليست الكهوف الإستراتيجية"، لم تدم حالة الإنكار تلك طويلا أمام التعجب الحكومي الأفغاني من استمرار تقدم مقاتلي التنظيم رغم كل الحملات العسكرية ضدهم من القوات المشتركة إضافة إلى قوات "طالبان"، وهو تعجب حاول تفسيره "عطاء الله خوجياني"، المتحدث باسم حكومة إقليم "ننكرهار"، محاولا أن يبرر فشل الجميع أمام الخراسانيين قائلا إنهم "يقتلون فردا من داعش فيأتي عشرة غيره عبر الحدود مع باكستان أو يجنّدونهم من الداخل"[7].

 

على مر تاريخها الحديث، لم تكن باكستان فقط هي المورد الرئيس للخزان البشري لـ "تنظيم الدولة" بأفغانستان كما يظن خوجياني وغيره من المسؤولين الأفغان، بل إن جزءا لا يستهان به من النواة الصلبة التي كونت التنظيم بشكله الحالي كانت من المقاتلين الأجانب القادمين من العراق وسوريا بجانب المحليين كما رصدت تقارير أممية، وهو ما اعترف به أيضا مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة ضمن حديثه عن ظاهرة "المقاتلين الأجانب" المتزايدة في بلاده، من يعتقد بتجاوزهم تعداد سبعة آلاف مقاتل موزعين بين طالبان و"داعش"[8].

 

لكن ذلك النجاح والتوسع الميداني لم يصرف "ولاية خُراسان" كما تُسمى عن حقيقة أن استمرارها مرهون كليا بمدى نجاحها بتكوين حواضن شعبية بهذه المناطق. وربما استفاد فرع "تنظيم الدولة" الأفغاني من تجربة التنظيم الأم الإعلامية الاستقطابية الناجحة في الأقطار الأخرى، لذا عمد إلى استغلال القدرات الإعلامية المتاحة منذ أول يوم، وأصبحت "إذاعة الخلافة" إحدى أذرع التنظيم الإعلامية القوية في الشرق الأفغاني، لتلتقط إشاراتها أجهزة المذياع المتهالكة للبسطاء في تلك المناطق الفقيرة، حتى أوجدت "ولاية خراسان" مكانا لها ضمن خارطة الشرق الأفغاني الإعلامية، وهو ما لاحظته الحكومة الأفغانية مستعينة بالأميركيين الذين سرعان ما حددوا مكان بث موجات هذه الإذاعة في إقليم "ننكرهار"، مدمرين إياها عبر ضربات درونز في يوليو/تموز من عام 2016. بيد أن التنظيم لم يتخل عن سلاحه الإعلامي بسهولة، ورصدت الحكومة الأفغانية في غضون أشهر قليلة ظهور تردد جديد لإحدى إذاعات التنظيم في المنطقة نفسها المحاذية للمناطق الحدودية الباكستانية[9].

    undefined

   

بينما كانت ولاية خراسان المبايعة لتنظيم الدولة "داعش" تتمدد وتتوسع وتخوض المعارك على ثلاث جبهات في وقت واحد، وتحاول بناء قاعدتها الشعبية، كانت أواصر التنظيم الأم تتفكك في معاقله الرئيسة بمدن الموصل العراقية والرقة السورية وقبلهما بـ "سرت" الليبية التي سقطت نهاية عام 2016 أيضا، خاصة مع انطلاق معركة "تحرير الموصل" -ذات الأهمية الإستراتيجية للتنظيم- قبل ذلك في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، لتنتهي بإعلان استعادة المدينة من بين أياديه في يوليو/تموز للعام التالي 2017، ولم تكد تنتهي معركة الموصل حتى بدأت معركة "تحرير الرقة" في يونيو/حزيران بعد عزلها بالحصار لمدة ثمانية أشهر، وصولا إلى سقوط آخر حصون التنظيم بها في أكتوبر/تشرين الأول.

 

حاول الجميع في هذه اللحظات التكهن بمستقبل التنظيم وعناصره الفارين من بؤر الصراع بعد سقوطها، تحذيرات تركية من توجه آلاف المسلحين صوب "ولاية سيناء" فرع التنظيم في مصر[10]، تكهنات بالعودة لأراضي ليبيا الخصبة، ولم تستبعد دول الجوار الأفغاني أن تكون "ولاية خراسان" وجهة مفضلة لهؤلاء المقاتلين، ولكن الجميع تحدث في إطار نهاية ما يُسمى بـ "دولة الخلافة"، وتحولها إلى نمط الجماعات الجهادية التقليدية في حروب العصابات.

 

نجحت "ولاية خراسان" في تبديد كافة هذه التكهنات في الرابع من مارس/آذار لعامنا الحالي عندما نشرت إصدارا إعلاميا جديدا لها حمل اسم "أرض الله واسعة". سجل الإصدار في طياته دعوة ورسالة واضحة لأتباع التنظيم حول العالم، وخاصة العائدين من مناطق الهزائم مؤخرا، إلى "الهجرة لأرض الخلافة الجديدة بولاية خراسان" كما قيل، كما حرص الإصدار الجديد -الذي نوهت عنه صحيفة التنظيم الأسبوعية "النبأ"- على تأكيد مسألة بقاء قائد تنظيم الدولة "أبو بكر البغدادي" على قيد الحياة، مع استمرارية عمله رغم الهزائم التي لحقت به ككيان. حمل الأمر أهمية "ولاية خراسان" في عقلية بقايا التنظيم، إذ لم تصدر أي دعوات للهجرة خلال الأشهر التي تلت تحرير الموصل والرقة من أفرع التنظيم الأخرى في مصر أو أفريقيا عموما، ما يعني أيضا استعداد "ولاية خراسان" لتحمّل تبعات إعلان مباشر سيجعل أنظار القوى الإقليمية والدولية تتجه نحوهم في الفترة المقبلة.

  

  (إصادر تنظيم الدولة بولاية خرسان بعنوان: أرض الله واسعة)

  

لم يفت التنظيم في إصداره الأخير الإشارة إلى انتصاره الأكبر بالتأكيد على سيطرته على مناطق "تورا بورا" ذات الرمزية البالغة لدى التنظيمات الجهادية العالمية، لا سيما "القاعدة" التي انطلقت من بين ثنايا جبالها، وهو ما عنى رسالة مبطنة في صراع آخر مشتعل بين "القاعدة" و"طالبان" من جانب، و"ولاية خراسان" من جانب آخر، خاصة وأن التقارير الأمنية الأفغانية تشير إلى انتشار عناصر خُراسان في 25 ولاية أفغانية من أصل 34، وهو رقم يعكس قوة انتشار في الساحة الجهادية الأفغانية[11].

  

عصر احتراف الجهاديين

إذن كان لتنظيم داعش نظرة إستراتيجية في تأسيسه لـ "ولاية خراسان"، واستطاعت الولاية بالفعل أن تتمدد في حيز جغرافي معقد وسط خبو لهب التنظيم عالميا، وتجلت مظاهر أهمية عدم تركه لأفغانستان كبؤرة لـ "طالبان" في خوضه لصراع مبكر معها في عام 2015، بل إن بدايات ظهور "ولاية خراسان" كانت على أنقاض انشقاقات في "طالبان" استغلتها عناصر "تنظيم الدولة" في مقارنة لما حدث مع جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة) بسوريا بدايات تأسيس "تنظيم الدولة" أيضا. إذن كانت للولاية عناصر متفرقة قادها المولوي "عبد الرحيم دوست" المعتقل السابق في غوانتانامو وأمير "ولاية خراسان" السابق في 2014، وكان "دوست" ناقما على "طالبان" بعد الإعلان عن مقتل "الملا عمر" في يوليو/تموز من العام نفسه المذكور لينشق عليها بعد اتهامها بتنفيذ أجندة الاستخبارات الباكستانية.

 

لم تكن الولاية في عهد "دوست" سوى بضعة أفراد منشقين من تنظيماتهم دون وجود تيارات تدعمها بالقدر الكافي، ولم يكن "دوست" هو الآخر متفقا تماما مع نهج "تنظيم الدولة"، ما استدعى عزله من قِبَل الأخير سريعا في سبتمبر/أيلول 2014[12]. وفي وقت ثارت فيه الخلافات داخل "ولاية خراسان" الوليدة، كانت الخلافات على أشدها أيضا في الغريم "طالبان" الأفغان -بعد مقتل "الملا عمر"- في رحلة البحث عن خليفته، وكذلك الحال في "طالبان باكستان" بخلافات مبكرة بعض الشيء عن ذلك التاريخ، ولكن لسبب مشابه عقب مقتل "حكيم الله محسود" أمير الحركة في هجوم لدرون بنوفمبر/تشرين الثاني عام 2013. ومن ذلك الركام صعد اسم "حافظ سعيد خان أوركزاي" القيادي بالفرع الباكستاني، من رفض تنصيب "المولوي فضل الله"، الزعيم الحالي لذلك الفرع، وانشق بمجموعته عنها، إذ إن "طالبان باكستان" تعد ائتلافا لمجموعة حركات مسلحة من العشائر القبلية الباكستانية.

  

 حافظ سعيد خان أوركزاي (مواقع التواصل)
 حافظ سعيد خان أوركزاي (مواقع التواصل)

  

تزامن خروج "أوركزاي"، أمير مقاطعة "أوركزاي" المنتمي إلى قبيلة "مامون زاي" البشتونية، مع فترة فراغ القيادة في "ولاية خراسان" بعد انشقاق "دوست"، ووجد الجانبان حاجتهما لبعضهما البعض، فاحتاج "أوركزاي" ومجموعته من ناحية إلى تنظيم أوسع من "طالبان" يحتوي حركته المسلحة، واحتاجت "الولاية" الوليدة ظهيرا قبليا وقائدا طالبانيا سابقا ليعلن تدشينا حقيقيا لفرع "تنظيم الدولة" هناك، بعد تعيينه "واليا" على "ولاية خراسان" من قبل القيادة المركزية، وبعد أداء مجموعته "البيعة" لـ "أبي بكر البغدادي"، مع تعيين نائب أفغاني له هو الملا "عبد الرؤوف خادم أبو طلحة" المنتمي إلى قبيلة "عليزاي" البشتونية، وأحد المقربين من الملا عمر سابقا.

 

بكل ذلك جمعت قيادة "ولاية خراسان" بين اثنين من أبرز قادة "طالبان باكستان" و"طالبان أفغانستان"، وأعلن تنصيبهما "أبو محمد العدناني" الناطق باسم التنظيم المركزي آنذاك، ولم يكونا وحدهما حيث لحق بهما المتحدث باسم طالبان باكستان "شاهد الله شاهد"، ليتحول إلى ناطق باسم "ولاية خراسان"، وكذلك بايعت الولاية مجموعات قيادية من طالبان على رأسها أمير مقاطعة كرم "دولت خان"، وأمير مقاطعة خيبر "فاتح جل زمان"، وأمير مقاطعة هنجو "خالد منصور"، وأمير مدينة بشاور "المفتي حسن"، والقائد الميداني "قاري محمد وفا"، وعملت الولايات المتحدة بمساعدة الاستخبارات الأفغانية والباكستانية على تصفية بعضهم في مراحل لاحقة من هذا التكوين[13].

 

كان لهذه التشكيلة القيادية ذات الخلفية الطالبانية تأثيرها المباشر في مشهد اختيار معارك "الولاية" مبكرا، فقررت قيادة الحركة توجيه تحذيرها مباشرة إلى الملا "أختر منصور"، قائد حركة طالبان الأفغانية في ذلك الوقت، إما بتخليه عن "نهج الحركة الوطني واللحاق بركب الخلافة" كما ادعى، أو القتال مباشرة، وكذلك كان التحذير لكافة الجماعات المقاتلة في هذه المناطق. وتلا هذا التحذير مباشرة فتوى بـ "رِدة طالبان الأفغانية"، وقرار بقتالها بجانب الولايات المتحدة الأميركية والنظامين الحليفين لواشنطن في كابول وإسلام أباد، وكذلك في بقية الأرجاء: إيران وأوزبكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان. وفي أبريل/نيسان 2015 سرعان ما بدأت المواجهات بين "ولاية خراسان" و"طالبان" في شينواري بـ "ننكرهار"، واستمرت الاشتباكات بين الطرفين حتى وصلت إلى مديرية شبرهار، وخوجياني، وسبين غر، وصولا إلى إقليمي "كنر" و"فراه"[14].

  

undefined    

الكعكة الجهادية

كعادة التحالفات المتشكلة في هذه المناطق، بدا واجبا عليها أن تستقبل الضيف الجهادي الجديد، فتشكلت الخريطة الجديدة بعد انفتاح طالبان أكثر على خصمها الإيراني السابق لمواجهة "ولاية خراسان"، وكذا حرصت روسيا على توطيد علاقتها بالحركة أيضا للغرض نفسه استغلالا للتنافس الأيديولوجي والميداني بين الحركة و"تنظيم الدولة"، بعدما تأكدت موسكو من تنامي القوة "الداعشية" بأفغانستان في الفترة الأخيرة، وكون ولاية خراسان أيضا تضم عددا من العناصر الجهادية القادمة من روسيا ومناطق نفوذها المجاورة في آسيا الوسطى، وهي مناطق تحرص موسكو على التخلص منهم قبل العودة لمواطنهم الأصلية[15].

   

دخلت الصين هي الأخرى على خطوط التحالفات الموجودة عن طريق باكستان، بعدما باتت الأخيرة في رحلة بحث مستمرة عن حلفاء محتملين آخرين بعيدا عن توترات علاقتها مؤخرا مع واشنطن كحليف رئيس، خاصة بعدما علّقت الأخيرة مساعدات عسكرية بقيمة ملياري دولار للجيش الباكستاني. وبالتبعية وعلى الصعيد الميداني توقفت إسلام أباد بالفعل عن تشارك المعلومات الاستخباراتية الرئيسة مع لانجلي، وهو ما أثار غضب واشنطن التي ذهبت للبحث عن حلفاء آخرين في المنطقة وعلى رأسهم الهند العدو التقليدي لباكستان، وهنا أصبح لورقة "داعش أفغانستان" أهمية كبرى[16].

      

(جانب من المعارك بين تنظيم الدولة بولاية خرسان وحركة طالبان)

         

تؤمن الولايات المتحدة أن الصين تتوغل في هذه المنطقة على حسابها بجوار الإيرانيين والروس، خاصة بعد إثبات العلاقات بين إيران وروسيا من جانب وطالبان من جانب آخر بمستويات وصلت إلى مستوى تسليح لا مجرد علاقات معلوماتية فقط، وهو ما يمثّل تهديدا مباشرا لمصالحها، لذا تود الولايات المتحدة بتحالفها مع الهند ترويض الطموح الاقتصادي لبكين وحُلم طريقها الحريري في المنطقة، وعدم السماح لها بموطئ جديد على حساب حلفائها القدامى، لا سيما مع وجود مؤشرات قوية على اهتمام العملاق الآسيوي أمنيا بما يحدث وترويجه لنفس ذريعة واشنطن "محاربة التنظيمات المتطرفة".

  

يذهب البعض أيضا إلى ما هو أبعد وتحديدا إلى دعم الحكومة الأفغانية لـ "ولاية خراسان" لصالح أجندة أميركية متعلقة بخلافاتها مع حلف (باكستان-الصين)، لتقوية الولاية في مواجهة طالبان المدعومة من هذا الحلف، ولا يمكن تصنيف هذا الاتجاه على أنه مؤامراتي خاصة لوجود من يؤيده داخل الحكومة الأفغانية نفسها، بعدما تحدث والي "بكتيكا" متهما مجلس الأمن الأفغاني بـ "مساعدة تنظيم الدولة"، وهي تصريحات عزل بسببها من منصبه بعد ذلك[17].

    

بكل ذلك، كانت الظروف مواتية تماما لصعود "ولاية خراسان"، فمن جهة يتوافر خزان من الانشقاقات داخل "طالبان" التي تعاني بسبب خلافاتها الداخلية، وهو ما وفر للولاية مجموعة من القادة أصحاب النفوذ القبلي وكذلك الخبرة الميدانية رغم تعرض زعمائها للتصفية المتكررة، كما اعتمد التنظيم على قاعدة الطلاب السلفيين للتجنيد المباشر مستخدما الخطاب السلفي لدى قادته بعد اجتذاب مشايخ السلفية في هذه المناطق القبلية لعلمهم بخلافهم مع طالبان وعلى رأسهم الشيخ "أمين الله البيشاوري"، وكان لهم كبير الأثر في توسيع نشاط التنظيم بين الطلاب السلفيين، وقد اجتذب منهجهم السلفي مجموعات أخرى كـ "جماعة إشاعة التوحيد" المهتمة بمحاربة البدع والأضرحة والاعتقادات الصوفية عند بعض قواعد طالبان، وهو ما استغلته "ولاية خراسان" لتجييش قواعد السلفيين وجماعة إشاعة التوحيد للقتال تحت رايتها، وقد ساهموا أيضا في التأثير على توجهات الولاية ووضعوا محاربة هذه الأفكار على سلم أولوياتها.

  

undefined

  

لم تستفد "ولاية خراسان" من انشقاقات طالبان والمدارس السلفية في شرق أفغانستان فحسب، بل لعبت على الوتر القبلي لاكتساب عصبيات معينة لجانبها، وهو ما ظهر في محاربة قبائل "أوركزاي" و"أفريدي"، وهي من قبائل البشتون الباكستانية المساندة للتنظيم، في مواجهة قبائل شنواري بإقليم ننكرهار شرق أفغانستان، من دخلوا في مواجهات الولاية، وبشكل غير مباشر في حرب قبلية يحرص التنظيم على رعايتها للإبقاء على طرف محتضن لأفكار "داعش" في النسيج القبلي على الحدود الباكستانية الأفغانية.

 

وكعادة تنظيمات "داعش" الوليدة، فقد أقحم العامل الطائفي في صراع بقائها بأفغانستان بتنفيذها مجموعة من الهجمات ضد "شيعة الهزارة" تحت مزاعم "حماية السنة"، ما جعل "ولاية خراسان" تمتلك تركيبة فريدة تميزها عن باقي التنظيمات في الأقطار الأخرى، وتجعلها الأخطر على الإطلاق في هذا التوقيت، فهو التنظيم الأقرب شبها بتركيبة التنظيم في سوريا والعراق قبل تهاويه، من حيث التشكل عبر قادة محليين ذوي خبرة ميدانية عالية، وضم مقاتلين أجانب أصحاب شراسة قتالية عالية، بالإضافة إلى تكوين حاضنة محلية قبلية تجعل مواجهته في غاية الصعوبة، وتجعل تمدده نتيجة حتمية على الأرجح، وتجعل ترويج "نهاية تنظيم الدولة" تفاؤلا على أفضل الظنون، أبعد ما يكون عن الحقيقة.