شعار قسم ميدان

الجيش وليس الخارجية.. هكذا يضرب ترمب بالدبلوماسية عرض الحائط

midan - ترمب
مقدمة المترجم

تمثل الدبلوماسية والقوة العسكرية ذراعي صُنع السياسة الخارجية. وفي هذا المقال، توضح الباحثة مونيكا دافي توفت، مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية، تأثير اختلال التوازن بين الجانبين على وضع الولايات المتحدة وزعامتها العالمية.

         

نص الترجمة

يشهد عالم اليوم تراجع إرث الولايات المتحدة في زعامة العالم والانخراط في السياسة العالمية إلى ما أدعوه بالدبلوماسية الحركية، وهي دبلوماسية القوة المسلحة. حتى مارس/ آذار 2018، كانت إدارة ترامب قد عينت 70 دبلوماسيًا فقط من أصل 188 سفيرًا أمريكيًا. وجاء ذلك في الوقت نفسه الذي زادت فيه الإدارة الأمريكية من نشر قواتها الخاصة في 149 دولة، مقارنة بـ138 دولة في عهد إدارة أوباما في عام 2016. أي أنه في الوقت الذي يُمارس فيه سفراء الولايات المتحدة مهامهم في ثلث عواصم العالم، تنتشر قوات العمليات الخاصة في ثلاثة أرباعها.

     

توسع استخدام إدارة ترامب للقوة العسكرية، وهو النهج الذي سبقت إليه إدارة أوباما كذلك. واليوم يسعى الكونجرس وإدارة ترامب إلى تقليص المساعدات الخارجية. وبصفتي باحثة في مجال الأمن الدولي، أود أن أشير إلى أن ما يجري يطرح سؤالين مترابطتين: هل تخدم الدبلوماسية الحركية مصالح الولايات المتحدة، وكيف تؤثر هذه الدبلوماسية على زعامة الولايات المتحدة في الخارج؟

       

undefined

  

فرضيتان رئيسيتان

لعبت وزارة الخارجية الأمريكية دورًا حاسمًا في نقل الولايات المتحدة من مجرد حليف طارئ إلى مصاف زعماء العالم عقب الحرب العالمية الثانية، بمساعدة دبلوماسيين مثل جورج مارشال، الذي شغل منصب وزير الخارجية الأمريكي لعامين بداية من عام 1947. اعتبرت فرضيتان رئيسيتان آنذاك أمرًا مسلمًا به. تمثلت الأولى في الارتباط الوثيق بين القوة الدبلوماسية للولايات المتحدة وفاعليتها العسكرية. أما الثانية فهي الاعتقاد السائد في الولايات المتحدة بأن المدنيين يتفوقون على الجنرالات.

  

وظهرت الفرضية الثانية واضحة جلية حين طرد الرئيس هاري ترومان الجنرال دوجلاس ماكارثر في عام 1951، عقب إصرار الأخير على السعي إلى تحقيق "نصر حاسم" في كوريا الشمالية، المدعومة وقتها من قِبل الصين الشيوعية. كما أثبت دبلوماسي آخر، هو جورج كينان، نائب رئيس البعثة الأمريكية في موسكو، خبرته وبصيرته اللتان لعبتا دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية على مدار نصف قرن. لُخصَّت المقاربة التي توصل إليها كينان أولًا فيما عُرف بـ"البرقية الطويلة" في عام 1946، ثم نُشرت نسخة منقحة منها في مجلة فورين أفيرز في مقال بعنوان "مصادر الإدارة السوفيتية".

    

رأى كينان أنه على الرغم من أن الاتحاد السوفيتي تمتع بأيديولوجية ثورية توسعية، فإنه يبقى كيانًا براجماتيًا على صعيد السياسة العالمية. ولذا من الممكن ردع الاتحاد السوفيتي عن التوسع العدواني واحتوائه، وهي الاستراتيجية الأقل خطرًا مقارنة بمواجهة عسكرية مباشرة يمكنها أن تقود إلى حرب عالمية أخرى. لكن الأهم من النجاحات الدورية الباهرة التي حققتها وزارة الخارجية الأمريكية، هو النمط الذي رسخته هذه النجاحات. إذ أمسك الدبلوماسيين بخيوط اللعبة من وراء الكواليس، حتى لا يكون على الجنود اتباع المزيد من الأوامر والدخول في نزاعات جديدة. أو كما صاغها الجنرال جيمس ماتيس في عام 2013، وكان رئيس  القيادة المركزية الأمريكية آنذاك، قائلًا إنه إذا قُلصَّت ميزانية وزارة الخارجية، "فسيكون عليّ شراء المزيد من الذخيرة".

      

البرقية الطويلة
البرقية الطويلة" التي كتبها جورج كينان عام 1946 (مواقع التواصل الإجتماعي)

      

كما قال ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة الأمريكية، خلال نقاشه مع عضوة مجلس الشيوخ، السيناتور إليزابيث وارين، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، إن تقليص ميزانية الدبلوماسية والمساعدات الخارجية "سيجعل عملنا أكثر صعوبة". وتابع توماس القول بأن الدبلوماسية هي عنصر حرج "لا غنى عنه" بالنسبة لمهمة قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، الممثلة في تقديم المشورة والمساعدة للقوات المحلية لبناء قدراتها المستقلة.

    

تحول هام

حدث التحول الحقيقي للدبلوماسية الحركية خلال رئاسة جورج دبليو بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001. فقد أعلن بوش "الحرب على الإرهاب"، ونجح في تحويل الولايات المتحدة من احتواء التهديدات الموجهة إليها، إلى التعامل معها بشكل استباقي وفي الخارج. وقال إنه يجب معاقبة حركة طالبان الأفغانية على دعمها لتنظيم القاعدة، ووافقت الأمة على ذلك في البداية. ولكن بعد التغيير في مسار حركة طالبان، سارعت إدارة بوش إلى ممارسة البحث عن "الأشرار" في الخارج، بحجة أنه لا يمكن حماية حياة الأمريكيين إلا من خلال القيام بذلك. وقد بدأ ذلك تغيير نهج الدبلوماسية أولًا، والقوة المسلحة كملاذ أخير، إلى القوة المسلحة أولًا – أو الدبلوماسية الحركية.

     

لماذا حدث ذلك؟

لقد حدث ذلك لأن هجومًا على الأراضي الأمريكية من قبل جماعة مسلحة ادعى أعضاؤها أنهم محاربين مقدسين ضحوا بأرواحهم خلال تلك الهجمات، جعل من السهل نسبيًا على إدارة بوش أن تصور أعداء أمريكا باعتبارهم مجانين لا يمكن التفاوض معهم أو ردعهم – بل يتعين فقط تدميرهم أو تركهم في غياهب الدمار.

    

  

تذكر الأهمية الحاسمة للمناقشات حول "أسلحة الدمار الشامل" التي سمعناها مرارًا وتكرارًا. إذا كان أعداؤنا قد كرسوا أنفسهم لتدميرنا بالكامل -سواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو يهود أو بالغين أو أطفال- ولا يمكن التفاوض معهم، فإن الحجة تقتضي التساؤل، عن فائدة اتباع الدبلوماسية التقليدية. منحت الدبلوماسية التقليدية مهلة متواضعة في ظل إدارة أوباما. إلا أنه في ظل إدارة ترامب، انهارت وزارة الخارجية الأمريكية – مع رحيل العديد من الدبلوماسيين رفيعي المستوى، وانخفاض الميزانية المقترحة بنسبة 29%، ومؤخرًا إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي خدم في منصبه لمدة 14 شهرًا فقط.

     

وهذا لا يترك لنا سوى اتباع نهج الدبلوماسية الحركية بوصفها أمرًا افتراضيًا في غياب البدائل الأخرى. وبدون وجود دبلوماسيين يستعان بهم في إرشاد وتوجيه قواتنا المسلحة وقيادتها، فقد تُركنا مع حلقة مفرغة متسارعة – وكلما زاد عدد الأشرار الذين نقتلهم في الخارج، كان علينا أن نقتل المزيد. وكنتيجة لذلك، فإن عددًا متزايدًا من الذين نقتلهم بشكل استباقي -بدلًا من التفاوض معهم- سيكونون إما مدنيين أو أبطالًا في بلادهم. إذ يضمن جعلهم شهداء الخسارة، ليس فقط لحياة الأمريكيين في المستقبل، بل ولحياة حلفائنا الذين يصبحون أهدافًا بالتبعية.

       

———————————–

مترجم عن "ذا كونفرزيشن"