شعار قسم ميدان

برعاية السيسي.. هل عاد "نخنوخ" ليدير إمبراطورية البلطجية مجددا؟

midan - انفوجراف

"هناك تنظيم في مصر من 300 ألف بلطجي، لقد سمعت هذا من الرئيس شخصيًا في آخر لقاء جمعنا، هناك تنظيم صنعته المخابرات العامة، من بينهم 80 ألف في القاهرة فقط، وقد سلمته المخابرات للمباحث الجنائية، التي بدورها قامت بتسليمه لجهاز أمن الدولة، كان هذا التنظيم يتبع في آخر سبع سنوات قبل الثورة أمن الدولة، أنا أنقل أرقام عن رئيس الجمهورية .. هؤلاء هم الخطر الحقيقي"

(أبو العلا ماضي السياسي المصري – رئيس حزب الوسط في صالون الوسط الشهري 24 مارس/أذار 2013)*

    

كانت كلمات أبو العلا ماضي دومًا كافية لإيجاد تفسير منطقي لمئات المشاهد المطلة على المصريين منذ مطلع الألفية الجديدة، وقت سطوة الحزب الوطني الحاكم على البلاد. مشاهد لرجال مدنيين يحملون أسلحة بيضاء وهراوات يُجاورون أفراد وزارة الداخلية المصرية بشكل شبه معتاد في أي مكان حوى نشاطًا احتجاجيًا، سواء في الجامعات أو على درجات النقابات أو أمام اللجان الانتخابية وهي الموقع المفضل لهذا الجيش الموازي والغامض وقتها. كان هؤلاء الرجال بمثابة عصا جهاز الأمن المصري الغليظة لتنفيذ مهام القمع السياسي _بصورة أكثر سلاسة وغير رسمية في الشوارع_ بدلًا من رجال الداخلية، من كانوا يتولون القمع في أقبية الوزارة ومنشآتها بطول الجمهورية وعرضها بصورة رسمية. [1]

 

ظهرت أكبر مهام هذا الجيش المنظم من البلطجية[2] إبان اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، جاءت حينها اللحظة التي أُنشأ هذا الجيش من أجلها، ومثل هؤلاء الرجال أصحاب السجلات الجنائية الخيار الأمثل الذي استعان به النظام المباركي في أنحاء الجمهورية خلال الأيام الأولى للثورة لمواجهة الاحتجاجات الشبابية، بينما تجلت المعركة المقدسة لذلك الجيش المنظم بأيد أمنية فيما عُرف بعد ذلك بـ "معركة الجمل"، وهي المعركة التي حاولت وأد الثورة في ميدانها بأرتال من الجمال يقودها هؤلاء بأموال رجال الحزب الوطني، للاعتداء على المعتصمين ولإجبارهم على فض تجمعهم المطالب برحيل النظام.

 

كانت معركة "الجمل" فارقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تصاعد ضغط المصريين حتى أجبر الجيش على عزل مبارك لتخفيف الضغط عقب انتصارهم على جيش مرتزقة الحزب بتسعة أيام فقط، لكنهم لم يستطيعوا عزل تنظيم البلطجة الذي كان عنصرًا حاضرًا معهم في كافة الأحداث الدموية التي تلت التنحي على مدار قرابة ثلاث سنوات، تحت مظلة مجهولة عُرفت باسم "الطرف الثالث".

    

  

علم غالبية المصريين بعد ذلك أن أحد أهم قادة جيش المرتزقة هو شخص يدعى "صبري حلمي حنا نخنوخ"، من خرج منذ أيام من محبسه بعفو رئاسي من قبل الرئيس المصري الحالي "عبد الفتاح السيسي". مثل الرجل شبه أسطورة إعلامية اختلط فيه الحقيقي بالخيال الشعبي، لكن ما ثبت من تاريخه _بحسب روايات المقربين منه للإعلام إبان اشتعال أزمته وتصدرها وسائل الإعلام عام 2012_ يؤكد أن بدايات الرجل كانت صاخبة بما يكفي، فلم يُخف ابن أحد تجار السبتية في مطلع حياته ولعه بحمل الأسلحة حتى قاده الأمر لشجار به في أحد الملاهي الليلية، ومن ثم الاتهام في قضية حيازة سلاح دون ترخيص، وحينما قرر "نخنوخ" صناعة مملكة المرتزقة خاصته بدأها بمدرسة لتخريج البلطجية كانت نواة جيشه بعد ذلك: صالة رياضية لحمل أثقال خرجت العشرات من الحرس الشخصيين الذين سيطروا على قطاع أعمال تأمين صالات الملاهي الليلية، مع خدمة توريد لا تتوقف للسياسيين والفنانين أيضًا، ما ساهم في بناء شبكة مرتزقة بطول العاصمة المصرية وعرضها.[3]

 

أقر نخنوخ بعلاقاته الوطيدة بمسؤولي نظام مبارك السابق وتحديدًا بوزارة الداخلية قبيل دخوله للسجن، ورُصدت لإمبراطورتيه أدوارًا حاسمة في حسم انتخابات مجلس الشعب على مدار دورات أعوام 2000 و 2005 و 2010 لإحكام سيطرة الحزب الحاكم على صناديقها، ظاهرة وثقتها المعارضة المصرية وقتها بشكل شديد الروتينية كجزء من قواعد اللعبة المعتادة مع نظام مبارك.

 

لعب نخنوخ دوره بفاعلية أكبر لصالح "بدر القاضي" في دائرة بولاق، وهو لواء سابق بأمن الدولة، وكانت علاقته بـ "القاضي" مفتاح التواصل مع قيادات الداخلية من المستويات العليا، حيث تم التعامل معه بصفته جزءً مواليًا للنظام من تركيبة المجتمع. هنا اكتسب نخنوخ حظوة عند رؤوس الشبكة، الأمر الذي سهل له ترخيص أسلحة لجيشه وكذا أجهزة لاسلكي مقصورة على الحيز الأمني، وفي هذه الأثناء اتضحت معالم شبكة نخنوخ التي كانت جزءً من الشبكة الأكبر، وهي كيانات لم يجرأ أحد على مهاجمتها في العلن والبحث عن المتورطين فيها إلا بعد ثورة يناير خلال ضجة الانفلات الأمني. [4]

     

صبري نخنوخ (مواقع التواصل)
صبري نخنوخ (مواقع التواصل)

   

لم تكن مهام وأعمال نخنوخ عشوائية، بل حاول تنظيمها لتظهر بصورة غاية في الترتيب: مكاتب لتوريد البلطجية تستخدم في مساعدة مرشحي مجلس الشعب مبارك، خاصة في مناطق البساتين والمهندسين والهرم وفيصل بالعاصمة المصرية، ومساعدة لوزارة الداخلية في الملف السياسي ما وفر له نفوذًا غير مسبوق، وحراسات خاصة لصالح شخصيات عامة متنفذة، وسطوة وقوة نميا تدريجيًا ليستخدما بجانب ذلك في حل النزاعات العرفية الكبيرة، وحماية منشآت وأراض استثمارية متنازع عليها، وشبكة تأمين لملاهي ليلية تعمل على نطاق واسع، باختصار، مثل الرجل إمبراطورية خدمات أمنية غير شرعية موازية بكل ما في الكلمة من معنى.

  

إلا أن كل ذلك لم يمنع الرجل من اظهار وجه آخر لأهالي المناطق الشعبية قائم على أعمال خيرية كتزويج الشباب أو استرجاع حقوق معينة بسطوته [5]، بدا هذا الأمر متكئًا على موارد مالية أخرى تستخدم نفس الشبكة تقوم بتحصيل أموال الشيكات البنكية بالقوة وأخذ نسبة منها، وكذلك حماية الأراضي تارة وانتزاعها تارة أخرى بأجر مالي أيضًا.

 

بعد الثورة، خرج فجأة لهذا الملف الشائك النائب البرلماني آنذاك محمد البلتاجي، الطبيب الشهير وأحد رموز "جماعة الإخوان المسلمين" في مصر. عمل البلتاجي بتركيز على ملف شبكة المرتزقة الأمني أثناء تواجده في مجلس نواب عام 2012 قبيل حله، وسلط الضوء عليها، واتهم البلتاجي "نخنوخ" تحديدًا بإدارة شبكة البلطجة في مصر مدفوعًا بصلته الوثيقة بقيادات أمنية وسياسية للنظام السابق، كما اتهمه بضلوع شبكته في قتل شهداء 25 يناير [6]، وكان ذلك بناء على شهادة سمعها البلتاجي بنفسه من وزير الداخلية الأسبق "أحمد جمال الدين" قال فيها أن "نخنوخ" يعد "أكبر مورد بلطجية على مستوى القطر المصري".

    

     

كان رجل بهذه المواصفات كفيلًا بأن يشاع عنه اشتراكه في خطة "نشر الذعر"[7] التي تبنتها وزارة الداخلية أيام الثورة المصرية، خطة تم فيها استهداف المنشآت العامة والسجون لإخافة المواطنين من مغبة الاستمرار في وضع التظاهرات. قادت هذه الأنباء غير المؤكدة المستشار عمر مروان، مساعد وزير العدل، والأمين العام للجنة جمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق بشأن وقائع القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين السلميين بكل أنحاء مصر، والمشكلة وقتها بأمر من الرئيس السابق محمد مرسي، قادته لاستجواب "نخنوخ" في سجن برج العرب بعد إلقاء القبض عليه، في محاولة لكشف شبكته المحتوية على كم هائل من المعلومات والأشخاص[8]، ليقضي ستة أعوام تقريبًا من مجموع أحكامه "28 عامًا في السجون" قبل أن يشمله عفو النظام المصري الجديد بقيادة الجنرال ذي الخلفية العسكرية "عبد الفتاح السيسي"، ليثير ذلك تساؤلات هامة عن توقيت العفو وسببه لشخص يمتلك هذا السجل الحافل.

    

السقوط

منذ أعوام قليلة، ووسط صعود نظام جديد بقيادة "جماعة الإخوان المسلمين" للحكم يريد فرض الأمن في الشارع بعد سنوات من الانفلات، كان هناك هجوم وهجوم مضاد من وعلى نخنوخ وإمبراطورتيه، حتى تم اتخاذ القرار، وجاءت الأوامر لوزارة الداخلية بالإيقاع بـ "رئيس جمهورية البلطجة" كما يسميه البعض. استغرق الأمر من الوزارة أسبوعًا كاملًا لوضع خطة إلقاء القبض عليه، ثم تحركت ثلاث وحدات أمنية وبدعم من مصادر سرية لتحديد مكانه، ثم تمت مداهمة سكنه في ليلة 24 آب/أغسطس عام 2012، في ظل توقعات اشتباكات عنيفة من قبل الجيش الذي حاصره داخل فيلته الخاصة المحصنة بمنطقة كينج مريوط، وباعتقاد صعوبة استسلام شخص مثله محاط بجيش من رجاله دون مقاومة، لكن العكس كان صحيحًا تمامًا، ولم يكن مشهد استسلام نخنوخ للشرطة على مستوى الحديث عن خطورته على الإطلاق. [10]

 

لكن مشاهد أخرى داخل منزله الواسع كانت أقرب للدقة، حيث كان الأمر أشبه بمشاهد مداهمات أوكار المافيا الإيطالية، فطبقًا لمحاضر التحقيقات اقتحمت القوات قصرًا يحيط به سور ارتفاعه يتجاوز ثلاثة أمتار ونصف المتر، وله بوابة رئيسة من الصلب ارتفاعها يصل لأربعة أمتار، ومنصات لإطلاق النار وشبكة كاميرات مراقبة، وضُبط نخنوخ متلبسًا بحيازة بطاقات هوية مزورة توحي بأنه قام بانتحال صفة مستشار بهيئة قضايا الدولة، بجانب كميات لا بأس بها من المخدرات. ولم يخلُ المنزل من الأسلحة بطبيعة الحال: بندقية آلية، وبندقية اشتبه في كونها أثرية، وقميص واقٍ من الرصاص، وثلاثة أجهزة لاسلكي و16 هاتفًا محمولًا، وجهاز ليزر للرؤية الليلية، وخمس سيارات.

 

لكن كل ذلك تضاءل جوار مشهد بدا وكأنه آتي رأسًا من الأدغال اللاتينية [11]، حيث وجدت تلك القوات أن نخنوخ يربي في منزله خمسة أسود وستة كلاب حراسة شرسة بالإضافة لحديقة حيوان مصغرة في المنزل بها أنواع متعددة من الحيوانات. واستلزمت هذه المشاهد في الأيام التالية عمل فرق خاصة تابعة لمديرية أمن الإسكندرية، مدعومة بمدرعات وسيارات تابعة للأمن المركزي، لتأمين مبنى النيابة العامة وتكثيف الحراسة عليه فقط استعدادًا لاستقبال أخطر عناصر شبكة البلطجة في مصر في السنوات العشر الأخيرة [12].

   

   

حاول نخنوخ أثناء التحقيقات معه أن يُرجع القبض عليه لكونه "تصفية حسابات" من جماعة الإخوان المسلمين التي يحكم مصر رئيس منها في ذلك الوقت، وذلك لـ "دوره في مواجهتهم" مع الحزب الوطني قبل الثورة كما يراه. واستمر في محاولة إسباغ طبيعة سياسية [13] لمحاكمته بادعائه امتلاك مستندات تدين أعضاء في الجماعة حاولوا الاستعانة به في وقت من الأوقات. بينما على الجانب الآخر أصر الدكتور البلتاجي أن قضية نخنوخ الحقيقية لم يحقق فيها بعد بأي حال [14]، وهي _كما رآها_ "تشكيل تنظيم إجرامي كامل وليس اختزال الأمر في حيازة سلاح ومخدرات" فقط.

   

لم يتأخر الحكم على نخنوخ كثيرًا، وأصدرت محكمة جنايات الإسكندرية حكمًا بإدانته بالسجن المؤبد في مايو/ أيار 2013، وأيدتها محكمة النقض في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014. وبرغم تلك الأحكام إلا أن نخنوخ ظل على ما يبدو محتفظًا بحظوة لدى الداخلية سمحت له بتمرير رسالة لوزير الداخلية السابق "محمد إبراهيم"، عقب الانقلاب العسكري المصري بيوليو/تموز 2013، يطلب فيها نقل الدكتور "البلتاجي" بعد اعتقاله لسجن برج العرب كنوع من الانتقام منه، وقد خرج الوزير متحدثًا عن استلامه للرسالة ورفضه محتواها.

    

ريمونتادا الشر

ظن المعظم طيلة هذه السنوات أنها نهاية تليق برئيس إمبراطورية البلطجة المصرية، لكن كشخصيته الجدلية كان كل شيء في أجواء محاكمته مثيرًا للجدل، بداية من الأجواء السياسية المضطربة الشاهدة لانقلاب عسكري عام 2013 على حكم الإخوان المسلمين بعد إصدار الحكم على نخنوخ بشهرين فقط، ونهاية بإصدار المحكمة الدستورية العليا حكمًا كان بمثابة طوق نجاة له، حكم قضى بعدم دستورية القانون 6 لسنة 2012 الذي عوقب على أساسه "صبري" بالسجن المؤبد، إذ اعتبرت المحكمة القانون يقيد ما يُعرف بـ "السلطة التقديرية للقاضي" ويحرمه من إمكانية اختيار العقوبة كأحد اختصاصاته الأصيلة، بعدما أُلزمت المحكمة قانونًا باختيار أشد عقوبة في حالة نخنوخ[15].

   

  

لم تنته أسطورة نخنوخ الذي لجأ للمحكمة الدستورية العليا بشكل فوري لإبطال عقوبته النهائية بسبب بطلان القانون الذي عُوقب به، وهنا انتزع محاميو نخنوخ سابقة قضائية لم تحدث في تاريخ القضاء المصري من قبل، وفي 6 فبراير/شباط عام 2016 قبلت المحكمة الدستورية العليا دعوى نخنوخ، وحكمت بعدم الاعتداد بحكم محكمة النقض النهائي، باعتباره مناقضًا لحكمها السابق بعدم دستورية القانون 6 لسنة 2012، وعلى ذلك تمت إعادة محاكمته ودخل في سلسلة إجراءات قضائية جديدة أعيد فيها فتح ملفه بالكامل.

 

إلا أن الرجل على ما يبدو لم يحتاج لكل ذلك بحال، فسرعان ما دُس اسمه في قائمة عفو رئاسي [16] شملت معتقلين على ذمة قضايا مسيسة إلى حد كبير نشرت في الجريدة الرسمية المصرية منذ 48 ساعة فقط. لم تكن هذه القائمة هي الأولى من نوعها التي يستخدم فيها نظام السيسي قوائم العفو الرئاسية لتسريب بعض المتهمين ذوي الحيثية في قضايا حساسة جنائية، فقد سبق نخنوخ رجل الأعمال الشهير المنتمي للنظام السابق "هشام طلعت مصطفى" في قائمة عفو مماثلة في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي 2017، بعدما أدين بالاشتراك في قتل المطربة سوزان تميم، وقبل هذه الواقعة بعام وتحديدًا في سبتمبر/ أيلول 2016 أفرج النظام بعفو عن اللواء "محسن شتا"، المدير التنفيذي السابق للنادي المصري، ومن أدين بحكم محكمة الجنايات فيما عرف إعلاميا بـ "مذبحة بورسعيد" ذائعة الصيت والتي راح ضحيتها نحو 72 من مشجعي النادي الأهلي مطلع عام 2012.

 

خرج رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى ليباشر استثمارات بعضها بشراكة مع رجال النظام الجديد وبطريقته الجديدة، بينما هذه المرة يُطل على مصر زعيم أخطر شبكة بلطجة _باعتراف وزارة الداخلية نفسها والنيابة العامة_ من نافذة عفو رئاسي مفاجئ بحقه، ولا يُعرف تحديدًا حتى الآن دوره القادم، كونه لا يزال محتفظًا على الأرجح بشبكته التي كونها منذ عهد مبارك، والتي كانت تدار بواسطة أمن الدولة (الأمن الوطني حاليًا)، لذا سيكون البحث عن دور نخنوخ القادم على الأرجح في ظل الخارطة الأمنية والسياسية للنظام الجديد، من لم يتخل بالكلية عن شبكات الحزب الوطني لكنه فضل أن يُبقيها بعيدة عن الضوء، فقد وثقت الأحداث استخدام نظام السيسي مرتزقة لمواجهة التظاهرات التي خرجت رفضًا لعزل الرئيس السابق "محمد مرسي"، وقد سقط بعضهم جراء اشتباكات مع متظاهرين ومن أشهرهم السيد العيسوي.

   

  

بطبيعة الحال لم يثبت أن تلك الشبكات قد تفككت بعد كما ذكرنا، وهو ما يؤكده تقرير صادر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، يتحدث عن وجود شبكة بها أكثر من نصف مليون بلطجي[17]، موزعة على أنحاء الجمهورية، تتركز النسبة الأكبر منهم في ثنايا العاصمة القاهرة، في حين لا تعترف وزارة الداخلية سوى برقم 193 ألف فقط وهو رقم لا يبدو هينًا بحال أيضًا. واحتاجت هذه الشبكة دومًا لحماية ومظلة قانونية إبان نظام مبارك وليس مجرد تبني لها فقط [18].

 

على الجانب الآخر، لم يحسم النظام الحالي أمره بعد فيما يخص هذه الشبكات بعد أن أبعدها عن الضوء عقب فرض سيطرته على مقاليد الأمور الأمنية بعد شهور من التظاهرات المعارضة، إلا إن ذلك لا ينفي أن ثمة توجه داخل أجنحة النظام في مصر لتوليد ظهير سياسي ينتقل بنظام السيسي من الحالة الأمنية الصرفة إلى الحالة الأمنية الممتزجة بالسياسة، وفي هذه الحالة ربما يكون لمثل شبكات نخنوخ موقع مستقبلي شديد الأهمية مع حزب الرئيس المتوقع تشكيله قريبًا، وهي أنباء متواردة عن محاولات عدة لتشكيل حزب حاكم يترأسه السيسي أو شخصية مقربة منه.

 

ربما تفسر معارك النظام القادمة وطبيعتها الحاجة لنخنوخ وأمثاله، ومن بينها معركة تمديد فترات الترشح للرئاسة في الدستور بدلًا من فترتين فقط والتي تلوح مؤشراتها في الأفق، بالإضافة لمعارك اجتماعية قادمة محتملة جراء موجات زيادة الأسعار والخدمات المتوقعة، وهي موجات قد تؤدي لاحتقان مجتمعي وظهور حركات احتجاجية منظمة وشعبية كالتي ظهرت في نهايات عهد مبارك، وهنا يمكن أن يستبدل نظام السيسي الاعتماد على الجيش والشرطة بالكلية في مواجهات مثل هذه _ومن ثم تصدير صورة مأزومة للخارج_ لصالح شبكات البلطجة التي ستعمل كظهير أمني غير رسمي لوأد التحركات المعارضة، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ هذه الشبكات المتمرسة في التصد للتحركات الجماهيرية، وهو أمر يخفف الضغط على الجيش والداخلية بالتأكيد، لكن الأمر يظل مرهونًا بمدى ثقة السيسي بما هو خارج الجيش والداخلية، وحسمه لأمر جناح الدولة الذي سينجح في استلام مهمة إدارة هذه الشبكات في ظل حديث عن صراعات داخلية مكتومة، وهو سيناريو أقرب للتوقعات الصائبة من احتمالية تفضيل الجميع تنحية شبكات نخنوخ مع الاكتفاء بمكافأة العفو الأخيرة كإيذان بنهاية الخدمة، وهي احتمالية لا تبدو بهذه الصحة في ظل نظام "كل رجال السيسي".