شعار قسم ميدان

الانهيار من الداخل.. لماذا يهرب العلويون من جيش الأسد؟

Rebel fighters from the Ahrar al-Sham Islamic Movement carry their weapons as they move towards their positions near Morek frontline in the northern countryside of Hama March 16, 2015. REUTERS/Khalil Ashawi (SYRIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT TPX IMAGES OF THE DAY)
في آذار/ مارس الفائت، نشر نظام الأسد  مقطع فيديو بروبجندا يستهدف شباب سوريا. في الفيديو، بعنوان "ضفائر النار"، تقف أسماء الأسد، زوجة بشار الأسد، رئيس سوريا، قبالة كتيبة من النساء اللواتي تطوّعن لأداء الخدمة العسكرية. وتخاطبهن "أنتن أشجع من كثير من الرجال الذين هربوا أو اختبأوا، لقد كنتن في الجبهة عندما اشتد القتال". تتزامن كلماتها مع مشاهد لنساء تطوعن في التدريب القتالي، وتزكيات من النساء وأمهاتهنّ. في رسالة مفادها: عار على الرجال الفارين من الخدمة العسكرية – "الواجب المقدس" الذي ينص عليه الدستور السوري.

  

عندما انطلقت الاحتجاجات ضد نظام الأسد في 2011، كان النظام السوري قد أحصى حوالي 250.000 مجندا. لكن عشرات الآلاف من الفارّين، والمنشقين والخسائر الهائلة على مدى سبع سنوات من الصراع  قد استنزفوا الجيش. وبينما يظل حجم قدراته الحالي مجهولا، يعلو أمر واحد فوق كل شك: الأسد سيذهب إلى أبعد ما يمكن لإعادة تشكيل قواته. المشكلة هي أن قلة من السوريين يرغبون في القتال من أجله.

  

في الأسبوع الذي أُطلِق فيه "ضفائر النار"، كنت قد قابلت رجلا مسيحيا في الأربعينات من عمره من حلب، التي كانت يومًا إحدى أكبر الحواضر السورية، في مقهى في طرابلس مدينة الساحل اللبناني. الأسد كما هو حال كثر في الدوائر المقربة علويّ، والعلويّون أقلية دينية ترتبط بالإسلام الشيعي. المسيحيون أيضا أقلية في سوريا: الكثيرون منهم يعتبرون الأسد حصنا من الثوار الذين يقودهم في المعظم مسلمون سنة. لكن، بغض النظر عن المحاباة الملموسة للنظام، قام الرجل قبل عدة أشهر بانتشال ابنه ذي الـ 22 ربيعا من سوريا. وكان يائسا لإنقاذه من التجنيد: تحت القانون السوري، يعدُّ إلزاميا على كافة الرجال السوريين الذين تقع أعمارهم بين 18 و42 الخدمة في الجيش. أولئك الذين يتملصون من الخدمة يواجهون عقوبة السجن والتجنيد الإجباري. منذ 2011، أُبقي معظم المجندين في الجيش لفترة مفتوحة. (مع بعض الإعفاءات من أجل الدراسة أو العمل). في حين تظل الخدمة العسكرية للنساء تطوعية للوقت الحالي.

     

   

حتى اللحظة، يتواجد ابنه الآخر ذي الـ 16 عاما وزوجته في سوريا. ويخطط لجلب ابنه الأصغر، قبل أن يبلغ 18 عاما، إلى لبنان ما لم يتمكن من الهجرة إلى الغرب. وأخبرني قائلا "لا أحد يعرف طبيعة المرحلة النهائية… إن التحق ابني بالجيش وقُتل فإنَّه سيكون قد ذهب سدى". لا يؤمن ملايين السوريين – داخل سوريا وخارجها، مناصرين للأسد ومناهضين- أن الحرب ستنتهي عما قريب، بغض النظر عن إصرار النظام على العكس. لذلك يغامر الكثيرون منهم لإنقاذ آبائهم وأزواجهم وأبنائهم وأشقائهم من التجنيد، لاسيما وأن يأس النظام يتفاقم لتعبئة الرتب العسكرية.

     

حاجة الأسد للجنود بدأت تتزايد بعد وقت قصير على تحوُّل احتجاجات عام 2011 المناهضة للنظام إلى حرب أهلية. الانشقاقات وحالات الفرار من الجيش كانت موبوءة سلفا بعقود من الفساد، والطائفية، وشح الموارد الذي ارتفع مع احتدام المواجهات. تدخلت إيران وميليشياتها لدرء انهيار النظام أواخر 2012. في 2014، فعل الأسد الخدمة العسكرية الإلزامية مع تزايد حالات الفرار. في خريف 2015، تدخلت روسيا مباشرة نيابة عنه ووفرت له التدريب والتمويل لتشكيل قوات شبه عسكرية جديدة. 

    

يريد الأسد الآن أن يظهر لشعبه والعالم بأنه مرة أخرى القائد المهيمن الذي لا تتوقف نجاته على إيران وروسيا. كلاهما يريد لسوريا أن تحمل المزيد من عبء الحرب على كاهلها، وعما قريب. لكن هذا لا يمكن أن يحدث إن رفض السوريون القتال من أجل الأسد. ومن أجل الضغط والتأثير على الناس، صور إعلام دولة الأسد، والمرجعيات الدينية المناصرة له أولئك الذين يخدمون في الجيش وعائلاتهم على أنهم أشراف سوريا، مقابل إظهار الفارين على أنهم غير وطنيين وبلاقيمة.

      

بينما قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنها لا ترصد أعداد السوريين الفارين من التجنيد، إلا أنه قد كانت هناك زيادة ملحوظة في أعداد الفارين من التجنيد الوافدين إلى لبنان منذ مطلع العام. نقص القوة البشرية يمكن أن يصبح نقطة ضعف للأسد في حال تابعت إسرائيل استهداف وكيل إيران الإقليمي الرئيسي حزب الله داخل سوريا. فيما قلص الروس، هذه الأثناء، قد حضور قواتهم البرية في سوريا.   

        

undefined

      

في دمشق، يختبئ الكثير من الرجال في منازلهم لتفادي الاعتقال عند نقاط التفتيش، أو الابتعاد عن مكاتب التجنيد التي فتحها النظام في الجامعات. لكن هذا لن يبقيهم في مأمن لوقت طويل. فقد سبق أن قصفت السلطات المنازل والأحياء السكنية، في بحثها عن مجندين مطلوبين وجنود احتياط. وشنوا الحملات على شبكات تتيح للناس دفع رشاوى تصل حتى 12.000 دولار لقاء شطب أسمائهم من لوائح الاحتياط. هذه الأيام، يمكن أن يكلف الأمر ضعف المبلغ من أجل المغادرة. لكنها مسألة حياة أو موت.

    

شاطرني هذا الرأي الكثير من السوريين الذين قابلتهم في لبنان منذ مطلع العام. يعيش غالبيتهم في بيروت، وطرابلس، وفي بلدات وقرى في المنطقة التي تعرف بجبل لبنان. وتأكدت من قصصهم عبر الحديث إلى لبنانيين مطلعين على ظروفهم. معظمهم تحفظ على ذكر اسم العائلة، أو طلب مني حجب تفاصيل شخصية معينة. مخافة أن تُستهدف عائلاتهم في سوريا من قبل النظام.

  

رستم، رجل علوي يبلغ 29 عاما من غرب سوريا، قال أنه اضطر لدفع رشاوى للخروج من السجن والمجيء إلى لبنان في وقت سابق من هذا العام بعد اعتقاله للتهرب من الخدمة العسكرية. وقد تحمل العلويون أمثاله معظم كلفة الدفاع عن الأسد. وقال لي: "لقد بذلنا كل ما نملك. وبالكاد تبقى أي رجل".

  

 ريبال رجل آخر، وهو درزي، فر من التجنيد واستقر في بيروت حتى نهاية 2017. (لقد ضغط الأسد على الدروز، من أجل التصرف حيال 30.000 درزي تملصوا من  الخدمة).  أخبرني أنه غادر دمشق واختبأ في منزل لعائلته يقع في قرية جنوب سوريا لثلاثة أشهر. مخافة الاعتقال، كان يقضي الليل بأكمله ساهرًا قرب مسدسه، بينما يحرس والداه المنزل في ساعات النهار. في النهاية، غادر سوريا عبر مسار تهريب خطر في الجبال الوعرة التي تفصل بين "إسرائيل" ولبنان وسوريا. بعد نجاحه في العبور إلى لبنان، علم من خلال فيسبوك أن 15 من أبناء منطقته قد تجمدوا حتى الموت في محاولة الخروج من سوريا باستخدام الطريق التي سلكها.  يعمل الآن في المناجم على أمل جمع المال الكافي لمهرب يأخذه إلى النرويج، حيث حصل أقرباؤه هناك على حق اللجوء.

        

undefined

   

بغض النظر عن اللا يقين في سوريا، يأمل الآخرون بإمكانية العودة يوما ما. يعيش رياض، وهو سنّي يبلغ 23 عاما من الرقة، العاصمة السابقة للدولة الإسلامية، رفقة حوالي 40 سوريا آخرين في خيام نصبتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على سفح جبل صنين. وقال أنه أراد العودة إلى بيته، لكنه كان يخشى التجنيد من قبل كل من نظام الأسد والميليشيات الكردية. النظام يفرض السيطرة على كافة الطرق إلى الرقة من لبنان. وقال لي: "بشار سيظل موجودا وأنا لا أريد أن أُرغَم على قتل أبناء شعبي".

  

 كلما طال أمد الحرب في سوريا، تعاظمت الضغوط على اللاجئين لمغادرة البلدان التي قدموا إليها. لبنان، بلد غير مستقر لأكثر من 4 مليون نسمة، يستضيف أكثر من مليون سوري، وهو أعلى معدل للاجئين في العالم. معظم السوريين، بمن فيهم أولئك الفارين من التجنيد، دخلوا البلاد بطرق غير شرعية: في 2015، منع لبنان  المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من تسجيلهم كلاجئين، في محاولة لردع المزيد من الوافدين. في مؤتمر صحفي في مارس/ آذار في لبنان، أشار رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إلى إحدى العقبات الرئيسية أمام الترحيل. بالقول: "الكثير من الناس يخشون التجنيد في الجيش والاضطرار للقتال. لذا فإن علينا التفاوض من أجل الإعفاءات والاستثناءات". 

  

الوجود السوري في لبنان كان إحدى القضايا الحساسة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي أزمعت في 6 مايو / أيار. حيث خشي الكثير من المسيحيين اللبنانيين من تعاظم التهديد المحدق بفرصهم الضعيفة سلفا للحكم ضمن نظام الطوائف في لبنان، في حال طال أمد وجود اللاجئين. 

 

ضخم جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني، هذه المخاوف بتصريحات كارهة للأجانب تربط اللاجئين السوريين بالإرهاب. حزبه القوي متحالف مع الذراع السياسي لحزب الله، الذي تحارب ميليشياته في سوريا لإسناد الأسد. وقد فعل وحزبه كل ما يمكن لإخراج السوريين، لاسيما من هم في سن الجيش، حسبما أخبرني به باحث في حقوق الإنسان في لبنان.

     

   

باسيل، الذي أعيد انتخابه هذا الشهر، حذر من "مؤامرة عالمية" تهدف لإبقاء السوريين في لبنان. وقد طالب بأن يلغي كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التصريح المشترك الذي نُشر في أبريل/ نيسان الذي ينادي بأن تكون عودة اللاجئ السوري إلى بلاده "طوعا وبأمان وكرامة"، وبأن يحظى السوريون بحماية أكبر في أماكن مثل لبنان.  ترحيل السوري ينبغي أن يبدأ الآن، بحسب باسيل، فمعظم سوريا آمن بالنسبة له.

   

للوقت الحالي، إن طالت مدة بقاء السوريين في لبنان، سيكون هناك عمالة رخيصة هي في غالبها غير قانونية في كل من قطاعات البناء، والزراعة، وأعمال النظافة. محمد ذي الـ 24 عاما وأخوه ذي الـ 19 عاما، كانا من بين 300 شاب سوري يعملون بشكل غير قانوني في حسبة الخضار والفاكهة في باب التبانة، وهو حي مكتظ فقير لأبناء الطبقة الكادحة في طرابلس. أخبروني أنهم ومعظم الرجال السوريين في السوق مطلوبون للخدمة العسكرية لدى نظام الأسد.

   

 كما هو حال الغالبية العظمى من السكان المحليين في طرابلس، هم جميعًا أبناء الطائفة السنية. تزوج محمد العام الفائت ولديه الآن طفل بعمر ثلاثة أشهر. يعيش في كوخ فقير في طرابلس. ويقول " ربما تكون الثورة قد انتهت عسكريا لكنها ستظل حية في قلوبنا. يستطيع بشار الأسد فرض حكمه علينا، لكن الأمر لن يجدي نفعا. فالآن، لديك جيل كامل قد تربى على كراهيته". 

     

—————

ترجمة (فرح عصام)

الرابط الأصلي