شعار قسم ميدان

"الكفيل".. لهذه الأسباب يتحكم "آل الشيخ" بالمشهد الرياضي المصري

midan - تركي ال الشيخ

في يوم الأحد 25 من ديسمبر/كانون الأول عام 2016، تعرضت طائرة ملكية سعودية خاصة في مطار القاهرة الدولي لعطل خاص بعد إقلاعها من المطار بنصف ساعة فقط؛ لتعود إليه بشكل سريع. لم تكن الأجواء بين نظامي القاهرة والرياض في تلك الآونة على ما يُرام على غير المعتاد، خاصة بعد الروابط الوثيقة بينهما إثر صعود الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي للحكم بانقلاب عسكري دعمته المملكة ماليا، إلا أن تلك الفترة حملت تجاذبات إعلامية كبيرة بينهما على خلفية اختلافات في الأزمات الإقليمية أهمها: اليمن وسوريا. [1]

   

كانت الطائرة تُقِلّ وفدا رسميا سعوديا ضم أربعة أشخاص أتوا سابقا في مهمة غير معلومة، يرأسهم المستشار بالديوان الملكي السعودي "تركي بن عبد المحسن آل الشيخ"، ينتظرون العودة للرياض بعد عودتهم للقاهرة مرة أخرى، وحتى مساء ذلك اليوم، لم يتضح هل غادر الوفد السعودي السري أم لا، إلا أن وسيلة إعلام إماراتية "إرم نيوز" نجحت في كشف شيء آخر، وأعلنت عن أسباب الزيارة غير المعلنة سابقا بعد يوم واحد فقط. [2]

   

كان "تركي" قد أتى حاملا رسالة من الملك سلمان بن عبد العزيز إلى السيسي خاصة ببعض مسارات الخلاف بين النظامين، لكن آل الشيخ لم يلتق بالسيسي مباشرة في بداية زيارته، بل كانت له جولة في أروقة وزارة الخارجية المصرية قبل أن يسلم رسالته مساء للرئيس المصري، ولم يكن وفد آل الشيخ معنيا بهذه اللقاءات المصرية فقط، بل امتدت اجتماعاته بأطراف أخرى داخل مقر جامعة الدول العربية.

        

     

لم يكن المشهد مألوفا من وفد رسمي سعودي بهذا الترتيب، خاصة مع تلك الجولات الواسعة، مما ساعد في ترجيح كفة "زيارة بأهداف خاصة" على الزيارات البروتوكولية السعودية العادية، إلا أنه وبعد الزيارة حملت جميع الإشارات وتصريحات المسؤولين المصريين نجاحا لـ "تركي" في تقريب وجهات النظر بين نظام القاهرة وحليفه الخليجي الأول، بينما هدأت النغمة الإعلامية المصرية وقتها والتي كانت صُوبت رأسا ناحية الرياض، ولا يُعرف بالتحديد كيف تمكن "تركي" أيضا من تخفيف حدة التوتر الإعلامية تلك وبشكل سريع.

   

مع عودته للرياض وقد أتم مهمته على ما بدا وقتها على أكمل وجه، كانت تلك المرة بمنزلة افتتاحية شبه رسمية لعصر دخول "تركي" للأروقة المصرية، فلم تكن تلك المرة الأخيرة التي جلس فيها "آل الشيخ" داخل الأجهزة السيادية المصرية، وتكررت بصفات أخرى متعددة غير صفته السياسية مستشارا بالديوان الملكي، وبمرور الوقت، ظهرت مناصب الرجل الغامض منصبا تلو الآخر في سماء القاهرة، رئيسا للهيئة العامة للرياضة في السعودية، ورئيسا للاتحاد العربي لكرة القدم، ورئيسا للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي، ثم رئيسا شرفيا للنادي الأهلي المصري، ومنقلبا عليه ومتنازعا معه بعد ذلك، ثم وضع قدمه في المجال الإعلامي بتعاقده مع أغلى مذيع مصري في الشرق الأوسط "عمرو أديب"، لتسطر تلك الزيارة اسم "تركي" في عالم العلاقات المصرية السعودية المتشابك، خاصة مع ثقة القصر الملكي فيه لإرساله على رأس وفد خاص إلى القاهرة في ظل ظروف حساسة بين العاصمتين، وليبرز اسم الرجل على مدار عامين كأحد أهم الشخصيات السعودية ذات الشعبية السلبية في القُطر المصري.

     

تُركي

في عام 2001 تخرج الشاب السعودي البالغ من العمر 20 عاما من كلية الملك فهد الأمنية، برتبة "ملازم"، بعد أن أجبره والده الموظف المتوسط في الرئاسة العامة لرعاية الشباب "عبد المحسن آل الشيخ" على ارتياد السلك الأمني، ولم يخف "تركي" أبدا ولعه بالرياضة وبالأخص كرة القدم وبالفن أيضا، ورغبته غير المحققة في استكمال دراسته بالخارج ربما بسبب ظروف أسرته المتوسطة، لكن اقتراب والده من رؤساء رعاية الشباب في المملكة الأميرين "فيصل بن فهد" و"سلطان بن فهد" قد أسهم في احتكاك الملازم الشاب ببيئة الإدارة الرياضية مبكرا، ورغم اتجاهه في بداية حياته إلى الوظائف الأمنية بوزارة الداخلية بالرياض العاصمة[3]، وحتى وصوله إلى رتبة نقيب في التموين بأحد القطاعات العسكرية، فإنه وعلى الأرجح لم ينس أبدا تعلقه بالمجال الرياضي.

     

لم يكن معروفا عن أسرة "تركي" الثراء المبالغ فيه، رغم انتمائهم إلى سلالة "آل الشيخ" الدينية المحتفظة بمنصب الإفتاء في المملكة، في ظل شراكة تجمعهم بالأسرة الحاكمة "آل سعود"، لكن الضابط الصغير سرعان ما عرف طريقه للثراء والنفوذ عبر أحد الطرق الأكثر تقليدية في السعودية وهي المصاهرة، فتزوج ابنة "ناصر بن عبد العزيز الداود" وكيل أمير الرياض سابقا "سلمان بن عبد العزيز" والمدير العام للمكتب الخاص له، والمقرب منه حينها، ومن هنا عرف "تركي" طريقه لأسرة الملك الحالي وابنه قبل صعودهم للواجهة.

         

undefined

   

رشح الداود زوج ابنته للأمير الشاب "محمد بن سلمان" للعمل مرافقا أمنيا له، وسرعان ما ساهم عامل السن المتقارب في تحويل تركي من مجرد مرافق أمني إلى صديق ومرافق مدني لابن سلمان، عكس تقاليد أسرة "آل الشيخ" الرافضة للعمل في هذه المناصب بين أمراء آل سعود، ومنذ ذلك الحين وجد ابن سلمان مرافقا له في مغامراته داخل وخارج السعودية قبل أن توجد السياسة على أجندته، وبعد وفاة الملك عبد الله وصعود أخيه سلمان إلى الحكم، كان "تركي" صاعدا جنبا إلى جنب مع بروز طموح ابن سلمان السياسي الواسع. [4]

   

حاول "تركي" الاشتهار بالشعر وخاصة الشعر الغنائي، وألف عدة قصائد وأغنيات اقترن فيها اسمه بمطربين عرب كبار كـ "كاظم الساهر"، لكنه لم ينس أن يوظف تلك المحاولات سياسيا لحجز مكانه في المشهد الجديد المتشكل على يد ابن سلمان، فنشر في ذلك الوقت قصيدة "راعي العوجا" المهداة للملك الجديد سلمان، ثم تم اختياره عام 2016 كـ "أفضل شاعر" في استفتاء لإذاعة شبكة "إم بي سي" السعودية، ورغم اختلاف عدد لا بأس به على موهبته الشعرية من عدمها، ظلت المحاولات الشعرية في جعبته يستدعيها وقت الحاجة وكلما أراد. [5]. تأثير بدا واضحا لتركي آل الشيخ بعد حصول وليد الشامي على الجنسية السعودية مؤخرا، وهو ما انعكس على غناء الشامي لمعظم قصائد تركي.

       

صعد "تركي" مع كل تحولات الملك سلمان وابنه وشغل مناصب بالقرب منهم في مكتب وزير الدفاع، وكذلك في ديوان ولي العهد عام 2015، إلى أن عُيّن مستشارا للديوان الملكي برتبة وزير في يونيو/حزيران من عام 2017 بلا أي مؤهلات سوى صداقته بولي العهد الجديد، وهنا عاد شغف البدايات لتركي، وطلب من ابن سلمان تصعيده إلى قمة الهرم الرياضي في المملكة رغم ضآلة خبرته، وبالفعل عُيّن رئيسا للهيئة العامة للرياضة في 6 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، في ظل صداقة مع الأمير متواكبة مع رغبة الأخير في هندسة جديدة لتسلسل الحكم ونظامه في المملكة بعد صعود أبيه للعرش. وهنا أصبح "تركي" خيارا مناسبا لابن سلمان في عملية الإحلال والتجديد التي انتهجها في كافة قطاعات المملكة، ولا سيما تلك التي تتماس مع رؤيته الاقتصادية الجديدة التي أولى فيها أهمية كبرى لقطاع الترفيه بمختلف إداراته، فاختار صديقه تركي أيضا كراعٍ للترفيه في المملكة، وأحد رجالات نخبة الحكم الجديدة التي يكوّنها ابن سلمان مستبدلا بها منافسيه من أبناء عمومته.

    

إمبراطورية الترفيه

اهتم "تركي" بالمجال الرياضي في السعودية منذ صعود سلمان للحكم، وبدا وكأن طموح الرجل كان في تولي مسؤولية هيئة الرياضة مع الوقت، فمارس تأثيرا واضحا في مجال الرياضة السعودية قبل وصوله إلى المنصب، حين قام بدعم نادي "التعاون" ماليا حتى نُصّب رئيسا شرفيا له، واستطاع النادي بلوغ دوري أبطال آسيا في موسم 2016 للمرة الأولى في تاريخه بعد الدعم السخي من الضابط السابق الصاعد، معنونا إستراتيجيته بممارسة التأثير في أي مكان عبر الدعم المالي السخي، وهي سياسة ستتحول فيما بعد إلى هوايته المفضلة في الرياضة. [6]

       

   

لم ينتظر الرجل كثيرا كما ذكرنا حتى وصل إلى مبتغاه برئاسة هيئة الرياضة السعودية، وفور تعيينه افتتح عهدا رياضيا سعوديا مثيرا للجدل عبر مؤتمر صحفي ضخم أعلن فيه قرارات لتغيير شكل الرياضة السعودية حتى ولو كانت شكلية، كان أهمها إلغاء بطولات تقليدية وإنشاء أخرى جديدة، وإطلاق اسم "دوري المحترفين السعودي" على مسابقة دوري الأندية الممتازة، وسعيه لإرسال تسعة لاعبين دفعة واحدة من الدوري السعودي إلى الدوري الإسباني كفترات معايشة استعدادا لبطولة كأس العالم، إلا أن القرارات غير الشكلية بدأت من تدخله المباشر في الإدارات الفنية للأندية السعودية، لينتج ذلك سلسلة من الإقالات شملت رؤساء ثلاثة أندية كبرى "الهلال والنصر واتحاد جدة"، كما وقّع اتفاقية مع شركة المصارعة العالمية الترفيهية "WWE" لإقامة منافسات المصارعة الحرة بشكل حصري في السعودية لمدة 10 سنوات. [7]

     

امتدت تدخلات "تركي" للمنتخب السعودي أيضا بعد خسارته أولى مبارياته في كأس العالم أمام مستضيفه الروسي بخمسة أهداف مقابل لا شيء، وهو ما أثاره لدرجة غير مسبوقة بعدما أعلن تحمله المسؤولية كاملة أمام ابن سلمان الذي حضر المباراة جوار بوتين، وبدا غاضبا من النتيجة بحسب الأنباء التي تسربت وأكدها مقطع مصور له بعد ذلك، وهو ما دفعه إلى التدخل في عمل الجهاز الفني للمنتخب في المباريات التالية. [8]

    

في فترة قصيرة، لم تعد هناك كبيرة أو صغيرة في الرياضة السعودية تمر بدون تدخل رئيس هيئة الرياضة الجديد الذي نجح في انتزاع المنصب من العائلة المالكة وضمه إلى مناصب أسرة آل الشيخ، وانطلقت حملات إعلامية قوية لتلميع تركي داخليا وخارجيا بعد ضخه مئات الملايين من الدولارات في سوق الرياضة السعودي والعربي، وبدأت الحملات بصدامات مع الإعلام الرياضي السعودي انتهت بحسمها من خلال نفوذه السياسي، وانتهت أيضا باختياره بعد أشهر قليلة من تعيينه في منصبه الجديد كـ "شخصية الثقافة الرياضية العربية" لعام 2017، كذلك حصل على جائزة الشخصية الأكثر تأثيرا في كرة القدم لعام 2017 في مؤتمر دبي الرياضي الدولي، في إيحاء بمحاولات مرجحة لملء السيرة الذاتية له بإنجازات صورية مقابل انعدام خبرته لتولي منصبه الرئيس. [9]

    

لم يكتف تركي بنفوذه الرياضي الوليد، وبدأ في الإشراف على بعض السياسات الإعلامية السعودية بتكليف من ابن سلمان أيضا، فأدار هيكلة بعض الملفات العالقة بمجموعة قنوات "إم.بي.سي" و"روتانا" بعد اعتقال مُلّاكهم وليد الإبراهيم والوليد بن طلال، وهو ما يصب في صالح احتمالية صحة ما تردد عن ضلوع آل الشيخ في حملة الاعتقالات الأخيرة في المملكة تحت مزاعم "الفساد". وتلا ذلك إطلاقه مجموعة قنوات رياضية سعودية لتبدأ التنافس على حقوق البث الحصرية للمباريات في الشرق الأوسط.

   

تزامنت وتناغمت كل هذه التحركات لتركي مع رؤية صديقه ابن سلمان الذي أنشأ "الهيئة العامة للترفيه"، وهي الهيئة الحكومية السعودية التي أُنشئت للعناية بتنظيم قطاع الترفيه في المملكة وتطويره لأول مرة تاريخيا، الأمر الذي يمكن أن يفسر الإنفاق الضخم الذي بدأه آل الشيخ على قطاع الرياضة في المملكة، مستحقا بجدارة لقبه كـ "أمير الترفيه" الحالي، بكل معانيه. [10]

      

 
   
شراء القاهرة

تلقى تركي الإشارة من ابن سلمان للتمدد خارج نطاق المملكة، ولاقت تلك الإشارة تطلعاته الشخصية، فبدأ بالبحث عن بوابة رياضية عربية لتدشين اسمه على مستويات شعبية بعيدا عن الخليج، ولم يكن هناك مكان أفضل من مصر صاحبة التعداد السكاني الضخم، وإحدى أكبر الدول العربية المستهلكة للترفيه الرياضي، لذا أحيا تركي أولا فكرة الاتحاد العربي لكرة القدم وترأسه، وأعاد مشروع البطولة العربية لكرة القدم الذي سبق وأن فشل وتم وقفه، واستقدم له أبرز الإعلاميين الرياضيين المصريين لترويجه، ولم يكتف الرجل بدور عام فحسب، بل آثر استخدام طريقته المفضلة عبر المال، وكانت انتخابات مجلس إدارة النادي الأهلي المصري، أكبر نادٍ عربي وأفريقي، المتزامنة بوابة ذهبية لطموحاته.

  

اتفق تركي على دعم محمود الخطيب لاعب الأهلي التاريخي المرشح حينها لرئاسة المجلس، وبالفعل دخل آل الشيخ النادي مع نجاح الخطيب الذي سرعان ما أعطى الرجل بغيته بتعيينه رئيسا شرفيا للنادي كما حدث مع التعاون السعودي تماما، وبدأت سلسلة من تدخلات تركي في شؤون الأهلي عبر منصته المفضلة "فيسبوك".

  

تصريحات هنا وهناك، ووعود بالدعم والاستثمار ازداد معها ضيق الجماهير التي لم تستسغ تدخلات السعودي الذي بدا متحكما في أكبر أندية القارة الأفريقية، ولم يدخر تركي جهدا لمزيد من التوغل في كواليس الرياضة المصرية، فدعم الأهلي وحده بما يزيد عن ربع مليار جنيه في فترة 5 أشهر فقط، وهو مبلغ قياسي، ولم يكتف بذلك وإنما دعم غريمه الزمالك أيضا في صفقة لاعب تونسي دخل على عقبها في مشادة مع رئيس النادي المستشار السابق "مرتضى منصور" بعد أن رفض تولي الرئاسة الشرفية للنادي بعد أن عرضها منصور عليه، ولم تحل أزمته مع منصور سوى في أروقة أجهزة سيادية مصرية، في مشهد أبرز مدى نفوذ الرجل المتصاعد في أهم قطاع شعبي للدولة.

 

بات الرجل نجما كما أراد على ما يبدو، مكتب في مصر، ومستشارون إعلاميون، وممثلون قانونيون، وشبكة علاقات عامة على أوسع نطاق، ناهيك عن النفوذ السياسي بحكم منصبه. أعد آل الشيخ عدته، وخاض معاركه على غير أرضه في مصر إعلاميا وقانونيا وعلى أصعدة أخرى، وكانت معظم هذه المعارك بسبب تصريحاته على مواقع التواصل الاجتماعي المثيرة للجدل بين الجمهور العربي، أبرزها التي تعلقت بلاعب الكرة المصري الأشهر عربيا حاليا "محمد صلاح".

       

  

لم تكن هذه التصريحات هي البداية، وإنما سبقها ظهور للرجل على الساحة المصرية بعدما اختلف مع إدارة النادي الأهلي في حدود التدخل في صناعة قرارات النادي، واشتبك مع إدارته على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يُخفي الرجل ولعه بهذا النوع من المعارك، فقد سبقها بمشادة مع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس على موقع "تويتر"، وعقب خلافه مع الأهلي اشتبك أيضا مع نجم الكرة المصري المعتزل "محمد أبو تريكة "بعدما طالب الأخير الأهلي برد أموال تركي له. [11]

  

بدا أن الصدام بين مجلس إدارة الأهلي تحت الضغط الجماهيري وأمير الديوان الملكي السعودي مستمر إلى حين، ما دفع تركي إلى تبني سياسة جديدة تُبقي قدمه في ساحة الرياضة المصرية، وكانت الأموال السعودية حاضرة كعادتها، فخطط للاستحواذ على أندية مصرية صغيرة والاستثمار فيها لمنافسة الأندية التاريخية، ونجح الأمير في الإيقاع بأول الأندية الصغيرة الذي يملك غالبية أسهمه أحد رجال الأعمال المصريين ويُدعى المهندس "محمود الأسيوطي"، وهو يُدير ناديا باسم عائلته "الأسيوطي"، وأقنعه تركي ببيع النادي المصري الذي حقق أداء طيبا في الدوري الممتاز في صفقة بلغت نحو 500 مليون جنيه مصري، بمشاركة شركة "صلة" الرياضية إحدى دوائر نفوذ آل الشيخ في الرياضة المصرية، مع الاتفاق على تغيير اسم نادي آل الشيخ الجديد لـ "الأهرام سبورت"، واضعا له ميزانية غير معلومة لكن بوادرها ترجح وصولها إلى عشرات الملايين من الدولارات في سابقة لم يعرفها على الأرجح نادٍ في مصر إلا الأهلي فقط.[12]

  

على ما يبدو لن يكون هذا الفريق هو الأخير ضمن خطة تركي للاستحواذ على مساحة حقيقية وليست شرفية في الرياضة المصرية، إذ ترددت في الأوساط الإعلامية الرياضية أنباء عن مفاوضات يخوضها الرجل مع عدة أندية أخرى صغيرة لشرائها، وهو ما دفع أصواتا إعلامية إلى الصدام معه منتقدين هذه السياسة التي ربما تضر بالرياضة المصرية في المنظور البعيد، وكان على رأس القلة المتصادمة مع الأمير ذي النفوذ الإعلامي الرياضي أحمد سعيد الذي انتقد تدخل تركي آل الشيخ بهذه الصورة، جولات من الانتقادات انتهت بطلب آل الشيخ من النظام المصري التدخل لإيقاف انتقادات سعيد.

      

  

وبالفعل جاء العقاب سريعا ضد الإعلامي في اختبار لنفوذ آل الشيخ داخل مصر[13]، وتم الإيقاف الفوري لبرنامج سعيد وإحالته إلى التحقيق مع المنع من الظهور على الإعلام، وحُجب الموقع الرياضي الذي يترأس تحريره حتى اضطر للتنازل عن منصبه. [14]

         

برغم انتصاره، أدرك تركي أن خطته للتمدد في مصر لن تتم بدون وجود نفوذ إعلامي، فاستقطب رموز الإعلام الرياضي بشتى الطرق، وانتقل مؤخرا إلى مرحلة جديدة بالتعاقد مع الإعلامي المصري عمرو أديب بعقد هو الأغلى في منطقة الشرق الأوسط لصالح شبكة "إم.بي.سي"، وهي الشبكة الإعلامية العربية الأكبر التي يتضح تدريجيا أنها باتت تخضع لرؤية جديدة أعدها تركي رغم خروج مالكها الإبراهيمي مؤخرا من معتقله، ويحاول تركي عبر هذه الشبكة صناعة ظهير في مصر أمام هجوم شعبي مصري عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الظهير يمكن أن يستخدم للدفاع عن الرجل في أزماته المتكررة.

  

حدث ذلك في قضية الفنانة "آمال ماهر" التي أُشيع زواجها من تركي بعدما دفع الرجل المطرب عمرو دياب إلى غناء أغنية من أشعاره موجهة لها [15]، ومع حدوث مشكلة بينهما استدعت تحرير "ماهر" لمحضر رسمي اتهمت فيه مستشار الديوان الملكي السعودي بالتعدي عليها بالضرب في منزلها، حاول الرجل استخدام نفوذه الإعلامي والسياسي للتغطية على الواقعة، بالضغط على المواقع الإلكترونية تارة لحذف أخبار الواقعة، واستخدام النفوذ السياسي لحجبها في حال عدم الاستجابة تماما كما حدث مع موقع "في الفن" المتخصص في تغطية الشؤون الفنية. [16]

     

 
وبالعودة للتحركات الرياضية، فإن آل الشيخ وبعد تملكه لنادي الأهرام، تحرك على الفور لتغيير اسمه لـ "بيراميدز"، ومعززا لها بقناة إعلامية رياضية تستضيف نجوما عالمية مثل رونالدينيو وروبرتو كارلوس نجوم المنتخب البرازيلي السابق، لتحليل مباريات النادي الذي يملكه آل الشيخ، في صورة رسمت وما زالت علامات استفهام عديدة حول مشروع الرجل.
  

لم تكن تحركات آل الشيخ الأخيرة المثيرة للجدل في مصر سوى إعلان عن استلامه لملف القوى الناعمة للمملكة السعودية في مصر أحد أكبر أسواق الدراما والسينما والرياضة في الشرق الأوسط، وذلك بعد رحيل السفير السعودي أحمد القطان للرياض، والذي كانت لديه شبكة علاقات واسعة سخرها لخدمة الرياض في مصر عبر فنانين وإعلاميين ومثقفين، إلا أن القطان كان يفضل البقاء في الظل، عكس تركي الذي آثر الظهور والتدخل المباشر في القطاعات التي يعمل على اختراقها كالرياضة، أو الفن عبر تدخلات في محتوى الدراما من جانب شركات الإنتاج السعودية، أو ممارسة ضغوط على شركات إنتاج فنية مصرية.

     

كل الأعداء العرب

هدف آل الشيخ من تحركاته إلى بناء أكبر قدر من النفوذ لخدمة القصر الملكي بالرياض بعد الأزمة الخليجية، فقرر الرجل اختراق المجال الرياضي والثقافي العربي على خلفية رغبته في منازعة الدوحة التي تتمتع بأقوى تأثير إقليمي من الناحية الحسابية في الرياضة تحديدا عبر شبكات "بي إن سبورتس"، وعكس اهتمامه الأخير وصراعاته دأبا على تسييس كافة الأحداث الرياضية والفنية، فقدم أوراق اعتماده في الأزمة الخليجية عبر محاولاته الشعرية المسيسة بعد تأليفه لأغنية ضد الدوحة، متسعينا بنفوذه لإطلاقها عبر حناجر بعض أبرز نجوم الغناء الخليجي.

  

لم تنته رحلة التسييس عند هذا الحد، بعد أن خاض الرجل حملة ضد وزير الرياضة الكويتي خالد الروضان، واصفا إياه بـ "المرتزق" إثر قيام الروضان بتوجيه الشكر لأمير قطر لدوره في رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية، وتخطى آل الشيخ الخلاف الخليجي جغرافيا منتقلا إلى المغرب، ضابطا بوصلته على موقف الدول المختلفة من حصار قطر، فهدد المغرب بعدم دعم ملفه لاستضافة كأس العالم أمام ملف الولايات المتحدة، لعدم وقوف الرباط موقفا داعما للرياض وأبوظبي لحصار قطر.

   

    

في 13 يونيو/حزيران من العام الحالي نفّذ آل الشيخ تهديده بالفعل، وصوتت السعودية لصالح الملف الأميركي الثلاثي المشترك المكون من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك أمام المغرب، وحصد ذلك الملف 134 صوتا مقابل 65 للمغرب في تصويت كونغرس الفيفا، ولم تكتف السعودية بتصويتها السلبي تجاه المغاربة، بل اجتذبت معها أصوات لبنان والأردن والعراق والإمارات والكويت والبحرين[17]، وهو الأمر الذي أثار صدمة في الشارع المغربي الذي قرأ الرسالة السياسية من التصويت، ليتضح منها صورة يُحاول تركي رسمها لنفسه كذراع باطشة لابن سلمان في القطاعات غير السياسية التي تخدم سياسة ولي العهد الصغير العامة، مُطلقا العنان رسميا للرجل الذي يتحدث باسم السياسة السعودية في كافة المجالات غير السياسية، ومحققا أحلامه القديمة في صورة قرارات تتوهم القوة الناعمة.

        

   

يمثل تركي بالنسبة إلى الكثيرين صورة لما تبدو عليه طبقات الحكم الحالية في معظم دول الخليج العربي وخاصة السعودية والإمارات: الأموال التي لا حصر لها، والمناصب الاسمية الضخمة، والخبرات شبه المنعدمة، والمهارات الضئيلة التي لا تشفع لصاحبها بإنجاز تطور في مجالات حيوية سياسية أو غير، لكل ذلك، ورغم تناثر إشاعات لم يتسن لنا التأكد منها بدقة عن قرب إطاحة ابن سلمان بتركي من مناصبه، يمثل تركي آل الشيخ بالنسبة إلى نسبة لا بأس بها من الجمهور العربي رجل المرحلة المتوسطة، وبامتياز.

     

undefined