شعار قسم ميدان

من رسائله المسربة..هكذا يخطط "كوشنر" لصفقة القرن

ميدان - كوشنر وترامب

تسلط الرسائل المسربة من بريد جاريد كوشنر الإلكتروني -صهر دونالد ترامب ومبعوثه الخاص للسلام في الشرق الأوسط بما في ذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني- الضوء على "صفقة القرن" المخطط لها من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط. في مقتطفات نشرتها مجلة "فورين بوليسي" Foreign Policy، يقترح كوشنر "تعطيل" عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وإنهاء وضع اللجوء لخمسة ملايين فلسطيني موزعين في الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان وسوريا.

 

على الرغم من عدم نشر رسائل البريد الإلكتروني بالكامل، إلا أن هذه المقتطفات تكشف الكثير. تمثل خطوة كوشنر ضد الأونروا المرحلة التالية في خطة إدارة ترامب؛ أعلن ترامب تخفيضات كبيرة في المساعدات الأمريكية للأونروا في يناير/كانون الثاني 2018 ويوافق ذلك الشهر الذي أرسل فيه كوشنر هذه الرسائل الإلكترونية.

 

هناك علامات تدل على أن قطع التمويل عن الأونروا ما هو إلا مرحلة أولية من استراتيجية أكبر. كما أفادت التقارير بأن كوشنر يضغط على الأردن لتجريد مليوني فلسطيني يعيشون هناك من وضعهم كلاجئين. في جميع الحالات سيكون لحل الوكالة عواقب كارثية.

 

 

التخلص من اللاجئين الفلسطينيين

تقدم الأونروا حالياً مساعدات الطوارئ والتعليم والرعاية الصحية لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط. ويعيش الكثير منهم تحت خط الفقر، وإذا ما انتهت خدمات الأونروا فلن يحصلوا على دعم يذكر أو لن يحصلوا على أي دعم بتاتاً مع افتقار الدول المضيفة لهم إلى الموارد اللازمة للتدخل.

 

سيكون التأثير سياسياً وكذلك إنسانياً؛ لطالما كان وضع اللاجئين -الذين فقدوا منازلهم في النكبة عام 1948- أحد أكثر القضايا إثارة للجدل بين الفلسطينيين وإسرائيل. إن عمل الأونروا بحكم التعريف ينطوي على اعتراف دولي بحالة اللاجئين ويؤكد حقهم المشروع في العودة.

 

إذا تم حل الأونروا في حين بقي اللاجئون عديمي الجنسية، فإن ذلك يعني ضمناً أن المسألة المثيرة للجدل حول مستقبلهم ووضعهم قد تم حلها. وعلى هذا الأساس، أدانت السلطة الفلسطينية خطة كوشنر كمحاولة لإزالة اللاجئين من المعادلة ومحو حقهم في العودة، مما يحرمهم فعلياً من أي فرصة للحصول على الجنسية الفلسطينية وحق المواطنة في فلسطين في المستقبل.

    undefined

 

على الجانب الآخر، يؤكد منتقدو الأونروا -بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- أن الوكالة تديم أزمة اللاجئين الفلسطينيين من خلال دعم اللاجئين في وضعهم الحالي بدلاً من المساعدة في السعي إلى حل سياسي، ومن خلال تعزيز الشعور المعادي لإسرائيل. ووفقاً لهذا الرأي، فإن حل الوكالة من شأنه أن يحسن فرص السلام!

 

تشير الحقيقة إلى العكس: الأونروا عبارة عن منتج وليس سبباً للصراع الذي سيستمر حتى لو تم حل الوكالة. ومن المرجح أن يؤدي تجريد الملايين من الناس من الرعاية الأساسية إلى زيادة التوتر أكثر من تهدئة الوضع. ستدفع إسرائيل الثمن أيضاً؛ حيث أنها كقوة محتلة ملزمة قانوناً بحماية الاحتياجات الأساسية للسكان الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها، ولكن بما أن الأونروا تخفف حالياً من التزامات إسرائيل من خلال توفير الخدمات الأساسية إلى 800,000 لاجئ مسجل في الضفة الغربية وأكثر من مليون لاجئ في غزة، فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحت ضغط أقل بكثير مما قد تكون في ظله عند تحمل المسؤولية الأساسية عن رعاية جميع اللاجئين في الأراضي المحتلة.

 

يبدو أن كوشنر نفسه على دراية بالضرر المحتمل، حيث كتب في إحدى الرسائل الإلكترونية أنه على الولايات المتحدة "أن تخاطر بإحداث صدع في الأمور" للحصول على نتائج. لا يتضمن أي من المقتطفات التي تم تسريبها أي نص للحد من التداعيات. لكن معارضة الإدارة الأمريكية للأونروا لا تتعلق فقط باللاجئين الذين تخدمهم الوكالة؛ فهذا جزء من استراتيجية أوسع لإعادة رسم معالم "عملية السلام" الإسرائيلية الفلسطينية ككل.

 

طمس اتفاقية أوسلو تدريجياً

undefined

 

منذ أكثر من عشرين عاماً، كانت عملية السلام هذه تعمل ضمن الإطار المنصوص عليه في اتفاقية أوسلو عام 1993. وضعت أوسلو شروطاً لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، يتبعها اتفاق سلام نهائي كامل. حددت الاتفاقية سبع قضايا أطلقت عليها قضايا الوضع الدائم -بما في ذلك قضية اللاجئين- ليتم تحديدها كجزء من هذه التسوية النهائية.

 

في حين أن كل إدارة أمريكية سابقة أيدت هذا الإطار المذكور منذ عام 1993، عمل ترامب جاهداً على إزاحة كل قضايا الوضع الدائم من على طاولة مفاوضات السلام. أولاً، اعترفت الإدارة بالقدس -التي تترأس قضايا الوضع النهائي- عاصمة إسرائيل. ويبدو أن ترامب يدرك أثر استراتيجيته، فوصف هذه الخطوة بكل صراحة بأنها "إزاحة القدس من على الطاولة". وقد أدى الافتتاح الجديد للسفارة الأمريكية الجديدة في المدينة إلى تدمير الآمال الفلسطينية بأن تكون القدس عاصمة لدولتهم المستقبلية [قانونياً].

 

ووفقاً لاتفاق أوسلو، فإن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين هو ثاني أهم قضية تتعلق بالوضع الدائم. من خلال طرح فكرة إلغاء الأونروا، يبدو أن إدارة ترامب تخطط لرفع هذا الأمر عن طاولة المفاوضات أيضاً. تشير الأدلة إلى أن الإدارة لديها خطط مماثلة للقضية الثالثة: المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. على النقيض من إدانة إدارة أوباما القوية للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، كان ترامب هادئاً في الغالب بشأن هذه القضية. ودعم كوشنر -إلى جانب السفير ديفيد فريدمان- قانون القومية الإسرائيلي الأخير، الذي يروج لـ "الاستيطان اليهودي" كقيمة وطنية.

 

أما القضايا الأربع الباقية المتعلقة بالوضع الدائم هي الترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات الدولية والمصالح المشتركة مثل توزيع حصص المياه. لم يتضح بعد ما خطط إدارة ترامب لهذه القضايا. ولكن حتى لو تُرِكوا على الطاولة، فإن إزالة قضية القدس واللاجئين والمستوطنات سيترك الفلسطينيين -وهم الطرف الأضعف بالفعل- ضعفاء بشكل استثنائي. من خلال القضاء تدريجياً على قضايا الوضع الدائم، تعمل إدارة ترامب على تقييد نطاق أي صفقة نهائية على نحو خطير، وذلك بهدف إجبار الفلسطينيين على الاستسلام.

   

______________________

ترجمة: آلاء أبو رميلة

الرابط الأصلي

المصدر : الجزيرة