شعار قسم ميدان

هل ستقوم الصين بحماية إيران من العقوبات الأميركية؟

ميدان - وزيرا الخارجية الصيني والإيراني

في شهر (مايو/أيار)، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من الصفقة النووية الإيرانية. بعد بضعة أسابيع، قام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بتوضيح أكبر لسياسة الإدارة الأميركية الجديدة المتشدّدة إزاء إيران، بغرض منع خروج طهران من العزلة الدولية. هذه الإستراتيجية، كما تعتقد إدارة ترامب، ستُجبر إيران على العودة إلى الطاولة وإبرام صفقة "أكبر وأفضل" تبدّد هواجس الرئيس ترامب حول الاتفاق القائم. بالنسبة لطهران، يبدو الآن أن التعافي الاقتصادي الكامل واستئناف العلاقات مع الدول الغربية أمر مستبعد. لكن هذا لا يعني أن خطط إدارة ترامب ستنجح.

 

خلال العقدين السابقين، كانت القيادة الإيرانية تتحوط ضد العزلة الدولية من خلال تطوير علاقات أعمق مع الصين وروسيا. اليوم، بينما تسعى واشنطن مرة أخرى إلى تشديد الخناق عليها، ترى طهران أن علاقتها ببكين هي مفتاح النجاة. لقد أعلنت الصين أنها على الأرجح ستستمر في استيراد النفط من إيران، حتى بعد تحرك الولايات المتحدة لخفض مبيعات النفط الإيراني إلى الصفر بحلول (نوفمبر/تشرين الثاني). وقد يمهد التفاعل الصيني مع إيران الطريق أمام الآخرين كي يحذوا حذوها، الأمر الذي من شأنه أن يقوض الحملة الأميركية الجديدة.

  

علاقة طويلة الأجل

كثيرا ما يصف المسؤولون الصينيون علاقتهم بإيران بأنها تعكس "٢٠ قرنا من التعاون"، لكن الشراكة المعاصرة بين البلدين بدأت في الأيام الأخيرة من حكم الشاه في إيران. في (أغسطس/آب) ١٩٧٨، سافر رئيس الحزب الشيوعي الصيني، هوا غوفينغ، إلى إيران، وكانت المرة الأولى التي يزور فيها زعيم شيوعي صيني بلدا غير شيوعي. على الرغم من أن الثورة الإسلامية أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي بعد بضعة أشهر فقط، فإن هوا وضع حجر الأساس لتعاون سوف يدوم أكثر من حكم الشاه. بعد الثورة، سارع هوا إلى مد الجسور مع النظام الجديد من خلال الاعتذار عن زيارته السابقة والتعبير عن رغبته في إقامة علاقات أكبر مع الجمهورية الإسلامية. بعد أزمة الرهائن الإيرانية والعزلة الدولية التي تبعتها، أصبحت الصين شريكا حيويا لإيران. خلال الحرب بين إيران والعراق، التي استمرت من عام ١٩٨٠ إلى عام ١٩٨٨، كانت الصين موردا رئيسيا للأسلحة للإيرانيين. وفي العقود التي أعقبت ذلك، تحولت الصين لاعبا رئيسيا في اقتصاد إيران، وعلاقاتها التجارية، وسياستها الخارجية، وشؤونها العسكرية.

 

undefined

 

في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما بدأت الولايات المتحدة وشركاؤها بتشديد العقوبات في محاولة لتقليص برنامج إيران النووي، قوضت بكين الجهود الأميركية من خلال إغاثة إيران اقتصاديا، وفتح قناة مباشرة لها مع مجلس الأمن، وتقديم الدعم العسكري إليها. كانت هذه العلاقة ذات منفعة متبادلة. فالصين تعتبر إيران مصدرا رئيسيا للطاقة وسوقا مهمة لها. إذ إن موقع إيران الجغرافي على ملتقى الطرق المهمة في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا وأوروبا، وعلى الخليج العربي ومضيق هرمز، يجعلها ذات أهمية هائلة لرؤية الصين الساعية لدمج هذه المناطق الرئيسية من خلال مشاريع البنية التحتية والنقل المصممة لتوسيع النفوذ السياسي والاقتصادي الصيني.

  

على الرغم من أن الصين دعمت عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران في عام ٢٠١٠، فإنها استمرت في التعاون مع الجمهورية الإسلامية، مستفيدة من عزلة هذا البلد الشرق أوسطي المهم. فعندما انسحب الموردون والشركات الدولية الأخرى، غمرت السلع والخدمات الصينية السوق الإيرانية. رحب الإيرانيون بالتعاون المستمر مع الصين في وقت لم تكن أي دولة أخرى (باستثناء روسيا) مستعدة للتعامل مع الجمهورية الاسلامية. ثم توطّدت العلاقات الثنائية مع إعلان مبادرة "الحزام الواحد، الطريق الواحد"، والتي تلعب إيران دورا مهما فيها. ومع ذلك، لم تتطور هذه العلاقات إلى مصاف تحالف إستراتيجي. فلقد أرادت كلتا الدولتين مراعاة مصالحهما دون تعريض العلاقات مع اللاعبين الآخرين للخطر، والصين، على وجه الخصوص، لم ترغب في أن يلحق دعمها لإيران الضرر بعلاقتها مع القوى الغربية في حينه.

   

على الرغم من أن البلدين حافظا على هذه الشراكة البراغماتية بينهما، فإن العلاقة بدأت تتعكر بمرور الوقت. في الوقت الذي استُؤنفت فيه المحادثات النووية في عام ٢٠١٢، كان المستهلكون الإيرانيون قد بدأوا يرون المنتجات الصينية على أنها ذات نوعية رديئة، فيما اعتبرت النخبة السياسية أن بكين غير جديرة بالثقة. خلال فترة العقوبات الدولية، كافحت إيران لتلبية احتياجات سكانها، ولم يكن أمامها من خيار سوى اللجوء إلى الصين التي لم تواجه أي منافسة في السوق الإيرانية. ونتيجة لذلك، أغرقت إيران بمنتجات صينية منخفضة الجودة. لكن جودة المنتجات لم تكن المصدر الوحيد للتظلّم الإيراني ضد الصين، إذ لم يؤد التعاون الصيني مع إيران إلى خلق فرص عمل، بل بدلا من ذلك راقب الإيرانيون العمال الصينيين وهم يحلّون محلّهم في مشاريع مختلفة تم إسنادها إلى الصين، حتى مع استمرار ارتفاع معدلات البطالة في إيران.

  

كما شعر الإيرانيون بالإحباط من شروط وبطء الأعمال المسندة إلى الصين. على سبيل المثال، اشتكى الإيرانيون من بطء التقدم في بناء مترو طهران وألغوا عقدا مع شركة النفط الوطنية الصينية في عام ٢٠١٤ بعد التأخيرات المتكررة. إذن، أتاحت المفاوضات النووية، التي بدأت في عام ٢٠١٢ لإيران فرصة لا تُقاوم لتنويع مورّديها وإعادة إقامة الروابط التجارية والسياسية مع البلدان الأخرى، ولا سيما مع أوروبا.

  

 بينما تضغط الولايات المتحدة على الدول والشركات لمغادرة السوق الإيرانية ووقف استيراد النفط الإيراني، تأمل طهران أن تحميها بكين من أضرار اقتصادية أكبر
 بينما تضغط الولايات المتحدة على الدول والشركات لمغادرة السوق الإيرانية ووقف استيراد النفط الإيراني، تأمل طهران أن تحميها بكين من أضرار اقتصادية أكبر
   

ولقد حرص الجمهور الإيراني والقيادة الإيرانية على حد سواء على فتح بلادهم إلى الغرب. ومع ذلك، توخى العديد من الإيرانيين الحذر ودعوا الحكومة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الصين في حالة عدم نجاح هذا المسار. والأحداث التي تلت ذلك أثبتت أنهم كانوا على حق. لقد أوضح انتخاب ترامب لإيران أنه لا يمكن لها أن تبتعد عن الصين، وكان ترامب قد أجهر مرارا وتكرارا بازدرائه للصفقة النووية طوال حملته الانتخابية. وبعد شهور من الخطابات الملتهبة والشد والجذب داخل الإدارة، قرر ترامب إعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، مما وضعه في غرفة العناية الفائقة.

 

دور الصين المتصاعد

اليوم، بينما تضغط الولايات المتحدة على الدول والشركات لمغادرة السوق الإيرانية ووقف استيراد النفط الإيراني، تأمل طهران أن تحميها بكين من أضرار اقتصادية أكبر. بدورها، تقوم الصين بتقييم خياراتها. فمن ناحية، لا ترغب الشركات الصينية في الدخول في تحدٍّ علني للعقوبات الأميركية. لقد أصبحت هذه الشركات أكثر عالمية، مما يعني أنها أكثر عرضة للضغط الأميركي مما كانت عليه في الماضي. فواشنطن لم تتردد في معاقبة الشركات الصينية مثل شركتي الاتصالات هواوي و"زد تي إي" للقيام بأعمال مع طهران. ومع ذلك، لدى إيران أسباب لأن تكون متفائلة. فلا تزال الشركات الصينية الكبرى تشارك بنشاط في إيران والعديد منها يستعد للدخول بقوة مع انسحاب الشركات الأوروبية.

 

على سبيل المثال، تواصل الصين الاستثمار بكثافة في قطاعي السكك الحديدية والطاقة الإيرانيين. في يوليو/تموز عام ٢٠١٧، وافقت الصين على استثمار ١.٥ مليار دولار لتحويل خط قطار طهران – مشهد إلى الطاقة الكهربائية. كما أن الصين هي أكثر مرونة في ما يتعلّق بالدفع، وقد استخدمت المقايضة في الماضي، كما أنها تبذل جهدا كبيرا لتصبح أقل اعتمادا على الدولار الأميركي باستخدام عملتها الوطنية لدفع ثمن واردات النفط بهدف إنشاء مناعة ضد الضغط الاقتصادي الأميركي. وهذا يعني أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وإيران ستستمر على الأرجح، حتى في الوقت الذي سوف تفرض فيه إدارة ترامب عقوبات جديدة.

  

 

وستلعب الصين أيضا دورا مهما في ضمان استمرار تنفيذ الجوانب التقنية النووية للاتفاقية. ومع خروج واشنطن من المعادلة، سوف تصبح بكين الآن في مقعد القيادة بالنسبة لإعادة تصميم منشأة إيرانية نووية رئيسية، وهي مفاعل آراك للماء الثقيل. كما أنها تستعد لاستكمال مفاعلين نوويين في إيران في السنوات القادمة. وهذا يجعل من بكين لاعبا أكبر في القطاع النووي الإيراني، الذي كانت موسكو تهيمن عليه لفترة طويلة. لكن في حين أن المشاركة الأجنبية المتزايدة في القطاع النووي الإيراني هي مسألة إيجابية، من حيث إنها ستساعد على استمرار الرقابة على أنشطة إيران النووية، فإن مشاركة الصين بقوة في قطاع إيراني آخر سوف تجعل من الأصعب على الولايات المتحدة عزل إيران بفعالية.

   

الصين لديها بالفعل قدر كبير من النفوذ في إيران، وهذا سوف ينمو اطّرادا مع استمرار تعثر الاتفاق النووي. في الوقت الحالي، يتفاوض الأوروبيون فيما بينهم لتطوير حزمة من الحوافز التي قد تشجع إيران على الاستمرار في الالتزام بشروط الصفقة. لكن أوروبا لديها قدرة محدودة على الوقوف في وجه الولايات المتحدة. ففي نهاية المطاف تفتقر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الإرادة السياسية لتقويض جهود واشنطن لعزل إيران، حيث يجب أن توازن مصالحها في دعم الاتفاقية ضد الأولويات الأخرى التي تتطلب تعاونا أميركيا. إذن، حتى في الوقت الذي تتواصل فيه المحادثات مع الأوروبيين، فإن طهران تعتمد بشكل أساسي على بكين لتكون بمنزلة الترياق ضد العزلة التي تفرضها الولايات المتحدة.

  

إن رغبة الصين في مواصلة التجارة مع إيران ستُعيق الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لعزل البلاد وستجعل العقوبات أقل فعالية مما كانت عليه في الماضي. والأهم من ذلك، ولأن ترامب يعيد فرض العقوبات من جانب واحد على الرغم من أن إيران لم تنتهك هذه الصفقة، فإن العديد من الدول الأخرى لن تشارك في حملة الضغط الأميركية، بل إنها بدأت في الاستكشاف الجدي لكيفية عزل أعمالها عن تأثير العقوبات الأميركية الأحادية. على المدى الطويل، سيضعف ذلك من الجهود الأميركية لفرض صفقة جديدة على إيران.

__________________________________________________________________________________

(ترجمة: كريم طرابلسي)

(الرابط الأصلي)

المصدر : الجزيرة